موقع صنعاء سيتي – متابعات – 18 ذو الحجة 1446هـ
اللواء الركن محمد الصمادي: الضربة الإسرائيلية لإيران هدفها تحطيم قدراتها النووية واستهداف قياداتها بهدف إرباك وتعطيل مراكز القرار
د. خضير المرشدي: إسرائيل استغلت توقيتاً استراتيجياً لكن غياب الدعم الأمريكي المباشر حالياً يجعل الضربة محدودة التأثير
نيفين أبو رحمون: هذا العدوان يعرّض الأمن الإقليمي والدولي لمخاطر جسيمة قد تؤدي تداعياتها إلى حرب شاملة
د. رفعت سيد أحمد: إذا لم تطَل الضربات الإيرانية مواقع استراتيجية حقيقية داخل إسرائيل فإن الأخيرة ستزداد توحشًا
أمير مخول: الضربة استباقية مستمدة من حرب 1967 وتحمل أيضاً ملامح ما جرى في لبنان عندما اغتالت إسرائيل قيادات حزب الله بضربة واحدة
د. عبد الله نعمة: كل المؤشرات تدل على أن الأمور تتجه نحو التصعيد الشامل في المنطقة وهذا تحديدًا ما تسعى إليه إسرائيل
استبقت إسرائيل جولة المفاوضات المقررة بين إيران والولايات المتحدة وشنت هجوما غير مسبوق على إيران عند نحو الساعة الثالثة من فجر أمس الجمعة، طال العديد من المدن والمناطق بما فيها مواقع نووية، ما اسفر عن مقتل قيادات عسكرية رفيعة بضمنهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي إضافة إلى العديد من العلماء في المجال النووي وأعداد كبيرة من المدنيين.
وتزامن الهجوم مع انطلاق سفارات الإنذار في مختلف المناطق الإسرائيلية عند الثالثة فجراً حيث طلب من الإسرائيليين ملازمة الملاجئ أو بالقرب منها، تحسباً لرد إيراني سريع ومباشر على الغارات الإسرائيلية التي خلفت دماراً كبيرا في المباني والبيوت والمنشآت الإيرانية.
كتاب ومحللون وخبراء عسكريون تحدثوا لـ”القدس” أكدوا أن الضربة الإسرائيلية لإيران هدفها تحطيم قدراتها النووية واستهداف قياداتها بهدف إرباك وتعطيل مراكز القرار، مشيرين إلى أن الضربة كانت استباقية وتحاكي ما فعلته إسرائيل في حرب العام 1967 عندما قامت بتدمير الطائرات الحربية المصرية قبل أن تغادر المطارات، كما أنها تذكر بالضربة الكبيرة التي وجهتها دولة الاحتلال لحزب الله عندما قامت قبل عدة شهور باستهداف قياداته وقتلت العديد منهم وفي مقدمتهم أمين عام الحزب حسن نصر الله.
وقالوا إن هذا العمل العسكري ضد إيران يعرّض الأمن الإقليمي والدولي لمخاطر جسيمة قد تؤدي تداعياتها إلى حرب شاملة، مشيرين إلى أن الرد الإيراني يجب أن يطال مواقع استراتيجية حقيقية داخل إسرائيل وإلا فإنها ستزداد توحشًا وتواصل هجماتها على إيران دون أي رادع.
*عدوان وانتهاك صارخ لسيادة الدول
وقال الخبير العسكري الاستراتيجي الأردني اللواء الركن محمد الصمادي “إن الضربة الاستباقية الإسرائيلية التي نُفذت ضد إيران تُعد إعلان حرب، وتندرج ضمن استراتيجية الردع الإسرائيلية قبل أن تصل إيران إلى العتبة النووية. هذه الضربة تُعد عدوانًا وانتهاكًا صارخًا لسيادة الدول، وهي تتجاوز الأهداف النووية لتطال البنية العسكرية الإيرانية بأكملها.”
وأضاف الصمادي “عند النظر إلى أهداف العملية العسكرية المركبة، يمكن القول إنها تهدف إلى تحطيم القدرات النووية واستهداف القيادات الإيرانية، بهدف إرباك وتعطيل مراكز القرار، وإضعاف البنية القيادية، وربما إسقاط النظام الإيراني وتقويضه من الداخل. كذلك تهدف العمليات إلى شل القدرات الصاروخية وتقليص فرص الرد الإيراني، سواء اليوم أو في الأيام المقبلة.”
وأكد اللواء الصمادي أن العملية بدأت بضربة استباقية شملت حتى الآن خمس موجات متتالية، شاركت فيها نحو 200 مقاتلة إسرائيلية ألقت أكثر من 300 قنبلة على أكثر من 100 موقع، مشيراً إلى أن الهجوم استهدف الدفاعات الجوية، ومخازن الصواريخ، والمواقع العسكرية، والشقق السكنية لقيادات عسكرية وعلماء نوويين، إضافة إلى منشآت تخصيب اليورانيوم ومرافق تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة.
*خرق أمني واستخباري
وقال: إن ما لفت الانتباه هو قدرة إسرائيل على تنفيذ خرق أمني واستخباري، حيث تم إنشاء معسكرات للطائرات المسيّرة الهجومية داخل الأراضي الإيرانية، وزُرعت منظومات دقيقة قرب مواقع عسكرية. هذه المسيرات ساهمت في تنفيذ عمليات نوعية خلال الهجوم.
وأوضح أن القناة 12 الإسرائيلية ذكرت أن جهاز “الموساد” نفذ عمليات اغتيال سرية بالتزامن مع ضربات سلاح الجو، مما يعزز فرضية الخرق الأمني الكبير. وتقدّم الولايات المتحدة دعمًا مطلقًا لإسرائيل، من خلال المعلومات الاستخباراتية، والإمدادات اللوجستية، والأسلحة، والذخائر، إضافة إلى طائرات تزويد بالوقود.
وأكد اللواء الصمادي أن إسرائيل، وفق المعلومات، تستعد لحرب تمتد لأيام، وتسعى من خلال هذه الضربات إلى إحداث خسائر جسيمة في البرنامج النووي الإيراني، رغم أنها قد لا تؤدي إلى وقفه بشكل دائم. استفادت تل أبيب من ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية، خاصة بعد ضرب منظومات “S-300”.
وأشار إلى أن إيران تمتلك نحو 400 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة تتجاوز 60%، وهي كمية كافية لتصنيع 9 إلى 15 قنبلة نووية. وقد رأت إسرائيل أن الوقت مناسب لتوجيه الضربة قبل أن تفقد تفوقها الاستخباري.
*استهداف العاصمة طهران أولاً
ولفت إلى ان الموجة الأولى من الضربات استهدفت العاصمة طهران وعددًا من مواقع القيادة في الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى البنية الإدارية للدولة، للحد من سرعة رد الفعل. وقد أُعلن عن مقتل رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، ونائب قائد الجيش، وقائد الحرس الثوري، إضافة إلى رئيس منظمة الطاقة الذرية وعدد من كبار علماء الطاقة النووية.
واعتبر اللواء الصمادي ان قصف منشآت مثل “نطنز” في محافظة أصفهان، التي تضم مفاعلاً نوويًا ومنشآت تخصيب بنسبة 60%، يُعد تطورًا خطيرًا. الضربات جاءت على شكل موجات متلاحقة، ويجري تقييم نتائجها عبر ما يُعرف بـ”BDA” (تقييم أضرار المعركة)، وقد تُلقى قنابل حفارة عدة مرات على نفس الهدف لتحقيق أقصى تدمير.
وأشار الى أن إسرائيل لا تستطيع مواصلة هذه العمليات لأسبوع أو أكثر دون دعم أمريكي، وهو ما يفسر نشر واشنطن أنظمة دفاع جوي لحماية نحو 40 ألف جندي أمريكي منتشرين في 12 قاعدة بالمنطقة. وأضاف : يبقى السؤال: هل تجرؤ إيران على استهداف هذه القواعد؟ وهل ستعتمد خيار “الصمت الاستراتيجي”؟
وبرأيه فإن الصمت الاستراتيجي، هو برمجة للعقل لقبول الهزيمة. وقال إن لم ترد إيران بقوة، فقد تفقد في الأيام القادمة القدرة على الرد أصلًا.
*التلويح بتطوير سلاح نووي
ويرى الصمادي أن إيران تعتبر أن التخصيب حق سيادي، وترى أن الانصياع للمطالب الأمريكية هو وثيقة استسلام. لكن، وبعد هذه الضربات، قد تجد نفسها مضطرة للقبول بالشروط الأمريكية، وهو ما قد يضعفها، ويجعلها في وضع مشابه لما حدث مع ليبيا.
ونوه إلى أن إيران لوّحت سابقًا بأنها ستنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا تعرضت لهجوم، وأن أي عدوان قد يدفعها نحو تطوير سلاح نووي. والآن، أصبح تنفيذ هذا التهديد مرهونًا برد فعلها.
واوضح اللواء الصمادي أن رد إيران سيكون الفيصل؛ إما أن يشعل المنطقة، أو يُظهر عجزًا سيقوّض مكانتها. الهجوم على منشآت نووية سيُقابل برد واسع إذا التزمت إيران بتهديداتها السابقة. العالم يترقب، والمنطقة على حافة انفجار إقليمي.
وأكد ان إسرائيل تحاول تصدير رواية إعلامية مبالغ فيها عن عدد الطائرات والقنابل والأهداف، في إطار الحرب النفسية لإعادة ترسيخ نظرية الردع. لا يمكن الوثوق تمامًا بهذه الرواية، فقد تكون الأرقام مضخمة، ولكن المؤكد أن هناك هجمات مؤثرة، وأن إسرائيل تسعى إلى فرض الهيمنة وتعزيز نفوذها السياسي والجيوسياسي في المنطقة.
وأكد اللواء الصمادي أن تحطيم قدرات المقاومة في غزة، ومن ثم إيران، يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية للسيطرة الإقليمية، ويشكل تهديداً مباشراً لما تبقى من الأمن القومي العربي.
*منع إيران من إنتاج سلاح نووي
من جانبه، قال د. خضير المرشدي رئيس المعهد العالمي للتجديد العربي – العراق إن الضربة الإسرائيلية لإيران استهدفت منشآت نووية رئيسية مثل نطنز وخونداب وخرم آباد، إلى جانب مواقع عسكرية وصاروخية، وقتلت قادة بارزين مثل اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، وعلماء نوويين مثل فريدون عباسي ومحمد مهدي طهرانتشي.
وأكد أن الهدف الإسرائيلي، حسب تصريحات نتنياهو، هو منع إيران من إنتاج سلاح نووي، مدعياً أنها تمتلك يورانيوم مخصب يكفي لـ15 سلاحاً نووياً خلال أيام، وهو تهديد وجودي لإسرائيل.
ويرى المرشدي ان الهجوم يعكس استراتيجية إسرائيلية لاستغلال ضعف إيران الحالي، حيث تضرر وكلاؤها الإقليميون (كحزب الله وحماس) بشكل كبير، وأنظمة دفاعها الجوي (مثل إس-300) قد أُتلفت في هجمات سابقة. لكن فعالية الضربة محدودة؛ فمنشآت مثل نطنز وفوردو مدفونة تحت الأرض، وتتطلب قنابل خارقة للتحصينات لا تمتلكها إسرائيل بسهولة دون دعم أمريكي.
وقال إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت أن الضرر في نطنز كان سطحياً، ولم تُصب منشآت أخرى مثل فوردو وبوشهر، مما يعني أن البرنامج النووي قد يستمر.
على صعيد آخر أوضح المرشدي أن إيران تمتلك ترسانة صواريخ باليستية (مثل تلك المستخدمة في هجمات أبريل وأكتوبر 2024) وطائرات مسيرة، إضافة إلى ما تبقى من حلفاء، تصريحات (خامنئي) تشير إلى رد قوي مشكوك فيه، والتأخير في الرد حتى الآن قد يعكس حالة تجنب حرب شاملة، خاصة مع ضغوط اقتصادية داخلية بسبب العقوبات.
وقال: إن إيران قد تلجأ إلى هجمات غير مباشرة عبر وكلائها أو حرب سيبرانية، كما فعلت بنشر وثائق مزعومة عن البرنامج النووي الإسرائيلي.
ويرى أنه إذا ما وقع رد إيراني قوي فإنه قد يشعل نزاعاً واسعاً يشمل لبنان واليمن والعراق، مع تأثيرات كارثية على أسواق النفط والاستقرار الإقليمي.
*ضربة تعرقل مفاوضات عُمان النووية
وأضاف: “إيران قد تكتفي برد رمزي للحفاظ على ماء الوجه دون تصعيد كبير، كما في هجمات 2024.
ولفت المرشدي إلى أن هذه الضربة قد تعرقل مفاوضات عُمان النووية، وفعلاً أعلنت إيران انسحابها من المفاوضات مما يدفع إيران لتسريع برنامجها النووي أو الانسحاب من معاهدة منع الانتشار، مما يزيد عزلتها أو يؤدي إلى عقوبات جديدة.
وفيما يتعلق بالدور الأمريكي، قال: رغم نفي واشنطن مشاركتها والتي يظهر أنه كدس السم في العسل، فإن تصريحات الرئيس الأميركي توحي بالتنسيق والعلم المسبق بالضربة، وفي حالة حصول تصعيد كبير قد يجبر أميركا على التدخل لحماية حلفائها في المنطقة، وكذلك تأمين إمدادات النفط.
وخلص المرشدي إلى القول “إن الضربة تهدف لإضعاف إيران، لكنها لم توقف برنامجها النووي بشكل حاسم. إيران قادرة على الرد، لكنها قد تختار نهجاً حذراً لتجنب حرب شاملة قد تؤدي إلى إسقاط النظام في ظل سخط شعبي داخل إيران. الصراع قد يتجه نحو تصعيد محدود أو حرب بالوكالة، مع مخاطر إقليمية كبيرة إذا خرج عن السيطرة. إسرائيل استغلت توقيتاً استراتيجياً، لكن غياب الدعم الأمريكي المباشر حالياً يجعل الضربة محدودة التأثير.”
*عربدة إسرائيليّة تتجاوز كلّ القواعد الدولية
بدورها، أكدت المختصة في الشأن الإسرائيلي نيفين أبو رحمون أن العدوان الإسرائيلي يشكّل تصعيداً خطيراً في مسار التفلّت والعربدة الإسرائيليّة متجاوزة كلّ القواعد الدولية.
وقالت أبو رحمون: إن هذا يحدث بغطاء ورعاية أميركيتين كاملتين ويؤكد أن إسرائيل فعليًّا تريد فرض واقع بالقوّة في القتل والنار والدمار، وأن فعل العدوان هذا ينذر بإشعال المنطقة برمّتها.
وأشارت إلى ان كل الجهود التي بذلت طوال الفترة الماضية في المسار الدبلوماسي لحفظ الاستقرار والأمن في المنطقة نسفتها إسرائيل بالكامل. هذا العدوان يعرّض الأمن الإقليمي والدولي لمخاطر جسيمة قد تؤدي تداعياتها إلى حرب شاملة.
ولفتت إلى أن الإسرائيلي تخطّى كل الخطوط الحمراء ظنّاً أنه بذلك يغيّر المعادلات واعتمد سياسة الاغتيالات والأرض المحروقة من أجل بث القوّة وفرض الإملاءات.
*الأهداف المتحققة من الضربة
وقالت إن سؤال تحقيق الأهداف المرجوّة يبقى حاضرًا هل فعليًّا حقق العدوان المطلوب على المستوى السياسي الاستراتيجي؟ وهل هذه الأهداف تندرج ضمن تدمير منظومة السّلاح النّووي أو نحو مسار ضرب النّظام وما يمثّل في المنطقة؟
وأضافت: هذا فعليا يذكّرنا بسياسة الاغتيالات والضرب الثقيل لمقوّمات حزب الله حيث كان الهدف القضاء على المقاومة ومقوّماتها وما اتّضح كان مختلفًا.
وأكدت أبو رحمون أن الأنظمة العربيّة الحليفة لأمريكا تبدو عنصرًا هامّا وتلعب دورًا في تثبيت معادلة الرّدع، ويبقى الرّد الإيراني هو الأهم وأنّ الصّورة في الميدان هي ستكون الإجابة القاطعة لمسار العدوان وتداعياته.
*دعم استخباراتي أمريكي كبير
من جهته، يرى الدكتور رفعت سيد أحمد الخبير الاستراتيجي والمفكر القومي المصري أن الضربة الإسرائيلية على إيران، تمثل افتتاحا لسلسلة من الضربات المتتالية، وهذا يتوقف على طبيعة الرد الإيراني.
وقال سيد أحمد: “إذا جاء الرد الإيراني تقليديًا، كما حدث عند استشهاد السيد حسن نصر الله وإسماعيل هنية وغيرهما من قادة حزب الله وحركة حماس، فإن إسرائيل ستتغول أكثر فأكثر، وستواصل ضرباتها، بدعم من القواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة. هذه الضربات نُفذت في الأساس باللوجستيات الأمريكية، وليست إسرائيلية خالصة، إذ كان هناك دعم استخباراتي أمريكي كبير في الضربة الافتتاحية الأولى”.
وأضاف: “إذا لم تطَل الضربات الإيرانية مواقع استراتيجية حقيقية داخل إسرائيل، فإن الأخيرة ستزداد توحشًا. وكما قلنا منذ شهور، فإن الدماء ستسيل في شوارع طهران، وهو ما يجري الآن، من اغتيال قادة في هيئة الأركان والحرس الثوري، إلى قادة عسكريين إيرانيين، فضلًا عن أكثر من 9 علماء نوويين. وهذا يعني أنهم لا يستهدفون الجانب العسكري أو النووي فقط، بل المعرفة النووية ذاتها، وهو أمر بالغ الخطورة؛ فحرمان إيران من العلم والمعرفة النووية يُشبه ما جرى مع علماء الذرة العراقيين بعد اغتيال صدام حسين، وما حدث أيضًا في العديد من حالات تصفية العقول العلمية”.
*ضرب مفاعل ديمونا
وتابع سيد أحمد: “نتوقع استمرار هذه الحرب، فنحن في ذروتها. وإذا لم ترد إيران برد حقيقي يستهدف مواقع استراتيجية على الأقل، فإن إسرائيل ستواصل التصعيد. وأعتقد أنه لو استُخدمت الصواريخ الإيرانية لضرب مفاعل ديمونا، فسيكون ذلك ردًا مناسبًا. لكن التردد الإيراني والصبر الاستراتيجي من شأنهما أن يُغريا إسرائيل بالمزيد من الطمع والتوحش، خاصة إذا اعتبرت نفسها الطرف المُعتدى عليه، واستغلت ذلك لتبرير مزيد من التصعيد.”
وأكد الخبير المصري أن إيران تمتلك صواريخ يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، ولديها القدرة على الرد، ويجب أن يكون الرد موجّها نحو المواقع الإسرائيلية الحساسة، لا الاكتفاء بردود شكلية”.
وختم بالقول: “الحرب مفتوحة، وجميع الاحتمالات واردة. ونسأل الله أن يحفظ الجيوش العربية، المنهارة أصلًا”.
*ضربة بمثابة حرب وليست عملية عسكرية
وقال المختص في الشان الإسرائيلي أمير مخول من مركز تقدم للسياسات: “نحن بصدد ضربة بمثابة حرب، وليست مجرد عملية منسقة إسرائيليًا وأمريكيًا بشكل محكم، بعكس الانطباع الذي ولدته التصريحات الأمريكية في الأيام الأخيرة، والتي أوحت وكأن هناك خلافًا أو صراعًا، مما أدى عمليًا إلى تشويش القدرة على التقييم: هل ستقوم إسرائيل بالضربة أم لا؟
وأشار إلى إن من ملامح هذه الضربة، أنها استُمدت من مفهوم حرب عام 1967، حين قضت إسرائيل في ضربة استباقية على سلاح الجو العربي، وخاصة المصري، قبل اندلاع الحرب، وضربت الدفاعات الجوية، ما أتاح لها التفوق والسيطرة.
وأكد مخول أن في هذه الضربة ملامح مما جرى في لبنان قبل نحو نصف عام أو أكثر قليلًا، عندما اغتالت إسرائيل قيادات أركان قوات حزب الله بضربة واحدة، سبقتها تفجيرات وتبعها اغتيال الأمين العام وقيادات سياسية؛ فهو نفس النمط.
في المقابل، أعرب مخول عن اعتقاده بأن هذه الضربة تستند إلى النظرية التي جاء بها فعليًا رئيس الأركان الحالي زمير، والتي بدأ بدراستها في عامي 2008 و2009 حول كيفية القضاء على المشروع النووي الإيراني، ثم تبناها الجيش في عام 2022 كجزء من عقيدته العسكرية في التعامل مع إيران. وهي نظرية مبنية على الحرب متعددة الطبقات مع إيران: المستوى السياسي والمستوى الاقتصادي والمستوى النفطي والمستوى الصاروخي ومفهوم “المحور” الذي أنشأته إيران، والذي يجب تفكيكه.
*تقويض النظام الإيراني وزعزعته من الداخل
وأكد مخول أن جزء كبير من ذلك تحقق عمليًا بعد تراجع قوة حزب الله، وسقوط نظام الأسد في سوريا، حينها أعلنت إسرائيل أن الاستهداف يجب أن يكون مباشرًا لرأس “الأخطبوط”، أي إيران نفسها.
ويرى مخول أن الفكرة التي طرحها زامير، والتي أصبحت اليوم فكرة الدولة في إسرائيل، تقوم على أنه ما دام هذا النظام قائمًا في إيران، فإن محاولات استعداء إسرائيل، والتسليح النووي من أجل القضاء عليها، ستظل مستمرة.
وأوضح ان هذه الفرضية الإسرائيلية لا تتوقف عند ضرب جزء من المنظومة كالصواريخ أو النووي بل تستهدف النظام بأكمله.
وأشار إلى أن الضربة أمس تهدف إلى تقويض النظام، وزعزعته من الداخل، من خلال القضاء على قيادة الأركان بالكامل، والاستخبارات، والقيادات العلمية، والعسكرية، والأمنية، في أعلى مستوياتها. لذلك أعتقد أن إسرائيل قد تُصعّد تهديدها للمستوى السياسي الإيراني.
وقال مخول: إذا ردّت إيران، فقد تتغير المعطيات. لكن إذا اقتصر الرد على ما كان عليه في السابق أي التظاهر بالضعف فإن ذلك قد يعزز شهية إسرائيل لتوسيع ضرباتها، وربما السعي لإسقاط النظام الإيراني.
ومع ذلك، قال مخول إن هناك رادع يتمثل في أنه لا توجد أي دولة عربية أو إقليمية معنية بخوض هذه الحرب، وقد يشكّل ذلك عنصر ضغط على ترامب، الذي يسعى إلى استغلال الوضع الراهن لفرض شروط لم تكن إيران لتقبل بها في السابق.
*تقويض جميع المبادرات والوساطات الجارية
بدوره، قال الباحث السياسي اللبناني الدكتور عبد الله نعمة إن الاعتداءات الإسرائيلية على إيران استهدفت مبادرات الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أن عملية “الأسد الصاعد”، كما سميت، لم تستهدف الشعب الإيراني فحسب، بل طالت أيضًا كل الجهود الدولية المبذولة للمحافظة على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والدول المجاورة، ومنع التصعيد فيها.
وأكد نعمة إن هذه الاعتداءات ترمي إلى تقويض جميع المبادرات والوساطات الجارية حاليًا، والتي قطعت شوطًا متقدمًا نحو الوصول إلى حلول واقعية وعادلة تُبعد خطر الحرب عن دول المنطقة وشعوبها.
ويرى الباحث اللبناني أن على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل فاعل وسريع، وألا يسمح لإسرائيل بتحقيق أهدافها، التي لم تعد خافية على أحد، والتي تُنذر إن استمرت بعواقب خطيرة.
وأكد نعمة أن الاعتداء الإسرائيلي على إيران، أدى إلى تجميد المفاوضات بين واشنطن وطهران.
*توسع رقعة الحرب أمر وارد
وأشار إلى أن إسرائيل أعلنت أنها تخوض حربًا وجودية، وهذه الحرب لن تنتهي في ليلة وضحاها، بل من المرجّح أن تستمر الاعتداءات المتبادلة بين الطرفين لأسابيع، مع إمكانية توسعها في حال قررت إيران استهداف القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط.
في المقابل، أوضح الباحث نعمة أن إسرائيل لن تتوقف عن هجماتها على إيران، وقد تتبع الأسلوب ذاته الذي اتبعته في حربها ضد حزب الله في لبنان، من خلال استهداف القيادات العسكرية، وضرب القواعد والمفاعلات النووية. وهذا ما يجعل توسيع رقعة الحرب في المنطقة أمرًا واردًا وبشكل سريع.
ولا يستبعد نعمة أن تشتعل جبهة الجنوب اللبناني إذا ما رد حزب الله بأي هجوم انطلاقًا من الأراضي اللبنانية، كما يُتوقع أن تدخل اليمن على خط المواجهة بشكل أكبر عبر ضربات موجهة إلى إسرائيل.
وخلص الباحث نعمة إلى القول “إن المؤشرات جميعها تدل على أن الأمور تتجه نحو التصعيد الشامل في المنطقة، وهذا تحديدًا ما تسعى إليه إسرائيل، التي لن توقف هذه الحرب عند حدود ما قامت به حتى الآن.”
التعليقات مغلقة.