وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

في الأيام الماضية تكلمنا كثيراً على ضوء آيات من كتاب الله الكريم، كتاب الله المبارك، ببركة القرآن، بتوفيق الله سبحانه وتعالى سمعنا كلاماً كثيراً حوله، وحول ما ينبغي أن يكون الناس عليه في عقيدتهم، في سلوكهم، في مواقفهم، في اهتمامهم بأمر الدين، في اهتمامهم بأنفسهم لإصلاحها، وأعتقد أنه لا ينبغي للإنسان الذي خلقه الله وأكمل خلقه، الإنسان الذي قال الله فيه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين:4) لا ينبغي أن نكون أقل وعياً من الجن، الجن الذين نحن إذا ما غضب أحد منا على ابنه، أو على أي شخص دعا بالجن.

الله قال عن الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} (الأحقاف:29- 31) كان موقف الجن موقفاً جميلاً، موقفاً متكاملاً من بدايته إلى نهايته على مستوى عالٍ من الأداء، جعل ذلك الموقف جديراً بأن يسطره الله في القرآن الكريم، وأن يجعله عبرة للإنس.

حكى عنهم منذ أن وصلوا إلى عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف أنهم لما حضروه {قَالُوا أَنْصِتُوا} استماع بإقبال بتَوَجه {فَلَمَّا قُضِيَ} ذلك الجزء من القرآن الكريم الذي استمعوه، فهموا، ووعوا، وانطلقوا إلى قومهم عائدين، منذرين لقومهم.

جلسة واحدة مع من؟ مع القرآن الكريم، هذا القرآن الذي نجلس معه جلسات وجلسات، وأشهر.. ولا ندع هذا القرآن العظيم أن يترك أثره في نفوسنا، جلسة واحدة اكتفى بها أولئك النفر من الجن؛ لأنهم هكذا: لما حضروا أنصتوا واستمعوا بكل مشاعرهم، كانوا كلهم آذاناً سامعة، ثم فهموا: أن القرآن هذا ليس مجرد كلام يعجب به من يسمعه، ثم يعود إلى بيته. هل عادوا إلى بيوتهم وقالوا: [سبحان الله ما أجمل ذلك الكلام وكل واحد عاد إلى شغله وعمله]؟ عادوا إلى قومهم منذرين.

وإنذار أيضاً على أرقى أسلوب، عندما عادوا إلى قومهم لم ينطلق الواحد منهم ليقول: [يا جماعة اعملوا كذا وكذا وكذا….] من تلقاء نفسه؛ لأنه هو الجنِّي الذي انصرف من عندهم قبل ساعة ثم عاد، سينظرون إليه نفس النظرة السابقة، لن يتأثروا به، لكنهم اختاروا أسلوباً جميلاً – ولهذا سُطِّر هذا الأسلوب أيضاً – عندما عادوا إلى قومهم قالوا: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْناَ} (الأحقاف: من الآية30) ألم يحكوا أنهم سمعوا كتاباً أنزل من بعد موسى؟ كتاباً أنزل من عند الله إلى نبي بعثه الله من بعد موسى، الله أعلم في أي بلد كان هؤلاء الجن فلم يسمعوا بعيسى، ولم يسمعوا بأنبياء آخرين.! لكنهم على الرغم من جهلهم حتى بالموضوع ليس في أذهانهم إلا موسى، تأثروا بالقرآن الكريم، فكيف بمن يولد في بيئة القرآن الكريم، وفي بيوت يُقرأ فيها القرآن الكريم، وعند مساجد يُقرأ فيها القرآن الكريم، في الصلاة، وفي غير الصلاة ثم لا يتأثر؟!.

{إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} (الأحقاف: من الآية30) بعض الناس قد يعود إلى أصحابه، وبعض الشباب من طلاب العلم إذا ما سمع شيئاً عاد إلى بلده، وانطلق هو ليحكي باسمه، باسم نفسه، ثم يأتي بعد ليقول: [يا أخي الناس ما عاد رضيوا يستمعوا، الناس ما عاد بيرضوا يقبلوا] بالطبع هم لن يتقبلوا منك، أنت ما تزال صغيراً في أعينهم، لكن لماذا لا تستخدم أسلوب الجن؟ أن تقول: [يا جماعة أنا سمعت كذا وكذا.. أنا سمعت فلاناً] وفي نفس الوقت تعتمد على القرآن الكريم، أن تقدمه للآخرين؛ في هذه الحالة ستؤثر؛ لأنهم سيقبلونك كناقل، وحينئذٍ ما تنقله إليهم أنت قد تنقله عمن لـه مكانته عندهم أعظم من مكانتك، وكلامه هو أرفع من كلامك، وكلام الآخرين؛ لأنه هو كلام الله سبحانه وتعالى. هذا هو الأسلوب الصحيح، وإن كان بعض الشباب قد يكون لديه رغبة هو أن ينطلق باسم نفسه، ويجرب نفسه.

الإنسان يكون همه هو: أن يؤثر في الناس، فإذا رأى أنه في قريته، في بلده ليست لـه المكانة باعتبار صغر سنه، ليست لـه المكانة التي يمكن أن يؤثر بها على الآخرين؛ فيتكلم من تلقاء نفسه.. يستخدم هذا الأسلوب: يحكي كتاب الله، يحكي كلام الآخرين ممن قد يكونون مقبولين أكثر منه.

هذا هو الأسلوب الصحيح، إذا كنت تريد أن تؤثر في الآخرين، ليس أن يكون همك أن تبني شخصيتك – كما يقول البعض – فأنا أريد أن أحدثهم أنا، لأؤثر فيهم أنا، ليعرفوا من أنا، لا حاجة لهذا.

أنا عندما أحدثكم لا آتي بجديد، من كتاب الله سبحانه وتعالى الذي عرفه من هو أكبر مني سناً من الحاضرين، ومن غيرهم، ومن أقوال أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومنهج أهل البيت، كالإمام الهادي، وغيره من قدماء العترة (عليهم السلام) فنحن لم نأت بجديد، إنما نشكو من الجديد، نحن نشكو من الجديد الذي هو دخيل على أهل البيت وعلى الزيدية، إنه هو الذي ضَرَبنا، هو الذي أثر علينا، هو الذي فرق كلمتنا، هو الذي جعلنا أذلة مستضعفين، جعلنا نصمت، نسكت على الرغم مما يواجه به الإسلام، والمسلمون من قبل أعداء الله، فأنا شخصياً لا أقول جديداً، كتاب الله، وما نعلمه من قدماء أهل البيت (عليهم السلام) ومنهجهم.

فعندما يلمس الآخرون تأثيراً لكلام آتي به، إنما هي بركة القرآن الكريم، وبركة أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم). لو انطلقت لأستخدم أنا نفسي هذا الأسلوب: أتحدث باسمي شخصياً، وأريد أنا شخصياً أن أؤثر في الآخرين، قد لا أؤثر، قد لا تؤثر، لكن ليكن همك هو النصح، هو أن تنصح، وإذا كان الأسلوب الصحيح لأن تنصح هو: أن تحكي عمَّن الناسُ سيقبلونه فاحكه، وليس عيباً فيك أن تقول: سمعت؛ لأنك ترغب أن تقول: قلت، ليكون التأثير هو لك شخصياً؛ ليعرفوا مقامك، أو ليعتبروك شخصاً عظيماً أو لأي شيءٍ آخر.

هذه هي مما يحول دون التأثير، قد يكون مما يفقد كلامك بركته – وإن كان كلاماً إيجابياً – لأنه لم ينطلق خالصاً، فيه شيء، تحاول أن تبدو كبيراً، وتبدو عظيماً عند الآخرين.

لما كان أسلوب الجن أسلوباً جميلاً سطره الله في القرآن الكريم، استطاعوا في موقف واحد – وهم من هم دون الإنسان في كماله – في موقف واحد أن يفهموا القرآن الكريم أنه من عند الله، وأن يتأثروا به في أنفسهم، وأن يعرفوا ماذا يريد القرآن منهم، فانطلقوا عاملين، لم ينطلقوا إلى بيوتهم عائدين وساكتين، ثم عندما تحركوا للعمل عرفوا أن الأسلوب الصحيح هو: أننا عندما نعود إلى الآخرين، ونحن لم نفارقهم إلا منذُ ساعة، أو ساعتين ماذا سيكون لكلامنا من أثر عندهم؟ فلنقل: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} (الأحقاف: من الآية30) لم يقولوا مجرد ثناء على ذلك الكتاب، كتاب هداية، فهموا أن القرآن هو كتاب عمل وكتاب هداية، يهدي إلى الحق، هو يرشد، وهم – فعلا – فهموا أن قومهم بحاجة إلى أن يهتدوا.

كثير مما في داخل هذه الآية مما فهمه الجن هو ما يغيب عن أكثرنا فهمه، فهموا أن قومهم في أمس الحاجة إلى أن يهتدوا فقالوا لقومهم: هناك مصدر للهداية هو هذا الكتاب، يهدي إلى الحق، وهذه قضية مهمة، أن يعثروا على شيء يهدي إلى الحق؛ لأن الحق مطلب مهم، هو نفسه الشيء الذي لا نكترث أمامه، أن نعرف أن هناك شيئاً يهدي إلى الحق فتكون أنت من تبحث عنه، وأنت من يشغل ذهنك أن تعثر عليه.

{يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}(الأحقاف: من الآية30) لأن المسيرة هي مسيرة عمل، والحياة هي كلها مسيرة إلى الله سبحانه وتعالى، يهدي إلى الحق فتفهمه، إلى الحق فتنطلق تعمل من أجله، وتدافع عنه، ولتسير على الطريق التي رسمها الحق، وإلى طريق مستقيم، طريقة مستقيمة في هذه الحياة، وطريق مستقيم يهدي، أو يوصل من يسير عليه إلى رضوان الله سبحانه وتعالى وجنته.

{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّه} (الأحقاف: من الآية31) لاحظوا كيف الأسلوب تكرر أيضا {دَاعِيَ اللَّه}؟ لم يقولوا: يا قومنا: أعملوا كذا وكذا… هكذا بدون أن يلحظوا من هو الذي دعا إلى هذا الشيء الذي يريدون من أصحابهم، أو قومهم أن يعملوا به {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} (الأحقاف: من الآية31).

نحن هنا تكررت جلسات كثيرة مع من؟ مع القرآن الكريم، ومع ما ننقله من أهل البيت (عليهم السلام) فلا  ينبغي أن نكون أقل وعياً من الجن، في أن نفهم أهمية ما سمعناه على ضوء كتاب الله، ومن نصوص آيات الله في القرآن الكريم، من خلال ما سمعنا هو: أن الدين دين عمل، أن هدى الله يهدي إلى العمل، أن القرآن الكريم كتاب عمل، هي القضية التي ترسخ لدينا، وفي مجتمعنا ضدها: الجمود، السكوت، الإعراض، هذه الحالة إذا لم ننتقل بأنفسنا إليها فيكون ما يملأ مشاعرنا هو: أن الدين هو عمل في كل مجالاته، في كل جوانبه.

وقد قلنا أكثر من مرة: أنه حتى كل ما نسميه إيماناً، أو اعتقاداً هو أيضاً عمل، ليس هناك في الإسلام اعتقادات لمجرد الاعتقاد، ولا إيمان لمجرد الإيمان، كل إيمان يبعث على عمل وكل اعتقاد يبعث على عمل، فهمنا أيضاً أن هذا الظرف الذي نعيش فيه والذي تعيش فيه هذه الأمة بصورة عامة وضع مأساوي، وضع مخزي، هجمة شديدة على الدين، على الإسلام، وعلى المسلمين، أصبح الكبير والصغير يرى، ويلمس مشاهدها في كل مكان.

وفي الحقيقة أنه من الغريب أن نحتاج، ونحن كمسلمين، مؤمنين بالقرآن الكريم أن ننتظر إلى أن نرى المشاهد السيئة ضد ديننا، وضد أمتنا وحينئذٍ عسى أن نتحرك على أقل وأدنى مستوى.

بينما الواقع الواقع الذي يفرضه القرآن الكريم: أن المسلمين حتى وإن لم يُغزوا إلى بلادهم، وإن لم يصل فساد الآخرين إلى بلادهم هم مكلفون، هم ملزمون من جهة الله سبحانه وتعالى أن يهتموا على أعلى مستوى من الاهتمام أن يكونوا هم من يتحركون إلى الآخرين، هم من ينطلقون ليصلوا بإسلامهم إلى أعماق أوروبا، ليصلوا بإسلامهم إلى أمريكا، ليهُدُّوا كل بناء للطواغيت في أي مكان من هذه الدنيا. هذا ما يفرضه القرآن الكريم، وهذا ما أَهَّلَّ القرآن الكريم هذه الأمة لأن تنهض به.

فلماذا نحن وصل بنا الأمر كمسلمين إلى هذه الدرجة؟ وصل بنا الأمر نحن كزيود وشيعة لأهل البيت (عليهم السلام) إلى هذه الدرجة، أن نرى ما يبعث على الخزي أن نرى ما هو مؤسف حقا من عمل ضد الإسلام، والمسلمين في كل منطقة، ثم بعد نحن لم نتجه اتجاهاً جاداً، أو الكثير بعد لم يخطر على باله، لم يخطر على باله بعد أن يتحرك، أو أن يعمل شيئاً ما، هذا يدل على انحطاط إلى أحط مستوى في فهمنا لديننا، وفي ثقتنا بربنا، وفي اعتزازنا بهذا الدين، وافتخارنا بهذا الدين العظيم، أن لا نتحرك حتى على الرغم مما نشاهده، مما نعلمه حرباً شديدة ضد ديننا، وضد أمتنا، وضد كل فرد فينا، وكل أسرة في مجتمعنا.

القرآن الكريم جعله الله نوراً للمؤمنين، نوراً للمسلمين يهتدون به قبل أن تهجم عليهم الظُّلْمة، يتحركون هم على أساسه قبل أن يهجم عليهم العدو إلى عُقرِ ديارهم، سواء بفساده، أو أن يصل بقدمه وبنفسه، ألم يتحرك الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو في غزوة [تبوك] ليهاجم هو، وعلى مسافة طويلة جداً من المدينة نحو (750 كم) إلى تبوك ليواجه دولة عظمى في ذلك الزمن هي دولة الرومان.

أراد أن يقول لأمته: إن من ينتظرون، ويصمتون هم من سيكونون أذلاء إذا ما هجم عليهم العدو، هم من سيكونون معرّضِين لأن يُفتنوا عن دينهم، ولأن يتنازلوا ببساطة عن دينهم إذا ما هجم عليهم العدو إلى داخل ديارهم، الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ربّى المسلمين على الاهتمام، ربّى المسلمين على المبادرة، ربى المسلمين على استشعار المسئولية، على أن تكون لديهم روح وثّابة داخل كل شخص منهم، روح جهادية روح تستشعر المسئولية فتنطلق، لا تنتظر الأعداء وإن كانوا كباراً، وإن كانوا يمتلكون مختلف وسائل القوة، لا ينتظرونهم حتى يهجموا عليهم.

أولم نسمع أن الأمريكيين فعلاً دخلوا اليمن؟ وسمعنا في هذا الأسبوع ما يؤكد فعلاً أن الأمريكيين شئنا أم أبينا سيصنفون اليمن دولة إرهابية، وأنهم سيعملون على أن يكون لهم وجود هنا في اليمن، وقواعد في اليمن، أي أن يسيطروا على اليمن سيطرة مباشرة، أما الهيمنة فهي قائمة، كل الدول العربية تخضع لأمريكا في مختلف شؤونها، في المجال السياسي، وفي الاقتصادي، وفي الثقافي، وفي مختلف المجالات، لكنهم لا يكتفون بهذا، هم يريدون أن يدخلوا مباشرة إلى أعماق كل قطر إسلامي، وإذا ما دخل الأمريكيون – ونحن من عانينا كثيراً من فسادهم كيهود ونصارى، وهم من لا يزالون في بلادهم، وصل فسادهم إلى كل أسرة داخل بلادنا, وصل فسادهم داخل كل أسرة في البلاد العربية، فكيف إذا ما دخلوا هم بأنفسهم؟ – سيذلّون الناس، سيحاربون الدين من داخل البلاد، سيذلون كل إنسان سيقهرون اليمنيين، سيذلونهم، سيجعلونهم عبيداً لهم، خيرات بلادنا سينـتهبونها، سيتحكمون في كل شيء في هذه البلاد، فلا تتصوروا أن دخولهم سيكون دخولاً عادياً، ولا تنتظر أنت أن تراهم أمامك، هم سيبنون قواعد عسكرية لهم هنا وهنا وهناك، لا يسمح لليمنيين بأن يدخلوا إليها.

ونحن مَنْ تفكيرُنا سطحي؛ نريد أن نرى الأمريكي أمامنا مدججاً بسلاحه حتى نتأكد أنه هنا، هم إذا ما تواجدوا في قواعد – ولن تكون قواعدهم إلا في أماكن استراتيجية مهمة داخل اليمن – فإنهم حينئذٍ يكونون قد خنقوا اليمن وأمسكوا بزمام أمر اليمنيين.

ولنعد إلى القرآن الكريم لنعرف ماذا إذا سيعملون إذا ما تحكموا إلى هذه الدرجة؟. أليسوا هم من قال الله عنهم: أنهم دائماً يسعون في الأرض فساداً، وأنهم لا يودون لنا أي خير، وأنهم لا يحبوننا، وأنهم يعضّون علينا الأنامل من الغيظ، إنهم أعداء، فإذا ما استحكمت قبضة عدوك منك فماذا تتوقع منه إلا ضربات مخزية، ضربات مؤلمة لنفسك ولممتلكاتك، ولكل شيء عزيز عندك.

هكذا أصبحنا إلى هذه الدرجة لأننا ابتعدنا كثيرا كثيراً جداً عن القرآن الكريم، أي نحن بحاجة إلى كلام كثير وكثير وكثير حتى نتحرك أمام الخطر الذي قد وصل إلى داخل كل بيت.

كأننا نلمس بالنسبة لكم – وهو الذي نرجو إن شاء الله لأنفسنا جميعاً – أن نكون قد فهمنا مسؤوليتنا أن يكون لنا موقف وأن نكون قد حصلنا على نسبة لا بأس بها من الوعي، ولكن قد نكون مقتنعين نحن، وننسى أن يكون لنا موقف ممن ينطلقون في تثبيط الناس من داخلنا أو من أي بقعة كانوا.

أنت إذا ما انطلقت بجد في عمل معلن عمل للدين فإن القرآن الكريم هو من في توجيهاته الكثيرة يعلمنا: أنه إذا اتجهت أنت، وتظن أن بإمكانك أن تسير على هذا الخط، وتكون معرضاً عن أولئك الذين يثبطون الآخرين عن أن يقفوا معك، أو يثبطون من قد دخلوا في العمل الذي أنت فيه، فقعدت عنهم حينئذٍ سترى نفسك تسير بمفردك.

القرآن الكريم في (سورة التوبة) – وسورة التوبة هي من أجمل السور في القرآن الكريم في مجال التعبئة العامة للمسلمين في مواجهة أعدائهم – تناولت كل مواضيع المواجهة، أولئك الذين ينطلقون للتثبيط هاجمتهم مهاجمة قوية، توبيخ عنيف، سخرية منهم استهزاء بهم، تحطيم لمشاعرهم، وفعلاً الإنسان الذي يتجه إلى الحق، ويكون موقفه موقف حق لا تتوقع أن بإمكان الباطل أن يقف أمامك إلا إذا حصل تقصير من جانبك، أو أنت لم تهيئ نفسك بالشكل المناسب في أسلوبك، في تقديمك للحق بأن يكون بالشكل الذي يزهق الباطل.

نحن بعد أن رفعنا هذا [الشعار] شعار: [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام].

من المتوقع أن تسمع من بعض الناس هنا، وهناك: يسخر من هذا الشعار، أو يتهرب من المشاركة فيه، أو يخوّف الآخرين من أن يرفعوه، فيتوقع أنه قد يحصل كذا أو قد يحصل كذا، أو ربما، أو احتمالات….، وهذا هو من ضعف الإيمان؛ لأننا نجد هذا الشخص هو من ينطلق على أساس الاحتمالات، ويترك اليقينيات، اليقين الذي يأمر بالعمل في القرآن الكريم، الخطر المتيقن العمل المتيقن جدوائيته، يترك اليقين، ويميل إلى الاحتمالات: [ربما يكون هذا الشعار يثير الدولة فيحصل شيء، ربما هذا يثير أمريكا فيحصل شيء!].

وهنا في القرآن الكريم يترك الآيات الصريحة، يترك اليقين، وهو يشاهد أيضاً اليقين من الخطر على أمته وعلى دينه، ولكن هكذا الإنسان الذي يغلط حتى مع نفسه يتجه إلى نفسه فيرسم لنفسه طريقاً معينة يظن أن فيها سلامته، وحتى نتأكد أن هذه النوعية إنما يكونون ممن لا يهمهم أمر دينهم ولا يهمهم أمر أمتهم أننا نشاهد الآن أن الأمريكيين والإسرائيليين اليهود والنصارى هم ليس فقط يرفعون شعارات الموت لنا والموت لإسلامنا، هم من ينطلقون فعلاً ليميتوا الناس، ألم يضربوا الناس في أفغانستان وفي فلسطين وفي مختلف المناطق، هم من يعملون على أن يميتونا فعلاً، هم من يعملون على أن يميتوا ديننا، وقد عملوا فعلاً على أن يميتوا ديننا في نفوسنا وفي واقع حياتنا.

حادث واحد حصل في نيويورك حادث واحد تحرك له المواطنون من اليهود والنصارى في مختلف بلدان أوروبا وضربوا المسلمين في الشوارع وهاجموهم إلى مساجدهم وإلى مراكزهم وقُتل كثير منهم وسجن كثير وأوذي كثير من المسلمين هناك، انطلقوا هم على أساس حادث واحد على مبنى واحد، أما نحن فمئات الحوادث على أمم بأكملها على عشرات المباني على عشرات المساجد على عشرات المستشفيات على عشرات المدارس في مختلف المناطق الإسلامية ولا نتحرك، أليس هذا يعني بأن أولئك أكثر اهتماماً بأمر أمتهم أكثر منا؟ هم من انطلقوا حتى في استراليا، – وأين استراليا من أمريكا؟ – وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي ألمانيا وفي مختلف المناطق، انطلقوا لإيذاء المسلمين وضربهم بعد ذلك الحادث، حادث على مبنى واحد وليس من المحتمل أن يكون ذلك بتخطيط أي جهة لا دولة إسلامية ولا دولة عربية ولا منظمة من المنظمات داخل هذه البلدان، وإنما هو من عمل الصهيونية نفسها، فأنت عندما تشاهد أنهم يميتون أمتك ويميتون دينك فعلاً – بالفعل وليس بالقول فقط – ثم تجبن أن تقول قولا: الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل، أليس هذا يعني بأنك لم تصبح شيئاً ولم تعد شيئاً؟ وأنك في الواقع أصبحت صفراً في هذه الحياة.

أن لا أجرؤ على أن أقول قولاً الموت لهم وأنا من أراهم يذبحون أطفالنا في فلسطين وفي لبنان وفي غيرها، وأن لا أجرؤ أن أقول النصر للإسلام وأنا أراهم يهدمون قيم الإسلام ومبادئه وأسسه في نفوسنا وفي حياتنا.

من يسكت من يجبن وهو يشاهد هذا؟ إنه من ليس في نفسه ذرة من اهتمام بأمر أمته ولا بأمر دينه وليس في قلبه وعي على الرغم مما يشاهد، ماذا ننتظر بعد هذا؟ أي أحداث يمكن أن تخلق لدينا وعياً؟ أي أحداث يمكن أن نقطع في حينها أن أولئك أعداء؟ إذا كنا بعد لم نثق بالقرآن الكريم الذي قال بأنهم أعداء ثم هذه الأحداث التي تجري في الدنيا لا تكفي أن نعرف أن أولئك أعداء، فبأي أحداث بعد هذه نؤمن ونعي؟! هذه نقطة.

الشيء الثاني: أن كثيراً من الناس الذين ينطلقون لتثبيط الآخرين عن أن يرفعوا هذا الشعار على الرغم من أنه كما قلنا أكثر من مرة: إنه أقل ما يمكن أن نعمل، لا أنه كل شيء، إنه أقل ما يمكن أن نعمل ولكنا على الرغم من ذلك – وأسفنا ألا نستطيع إلا ذلك – له أثره الكبير فعلاً.

الذي ينطلق ليثبط وإن كان قد فهم فعلاً لكنه إنسان لا يهمه شيء, لا يهمه إسلامه، لا تهمه أمته، يسكت لأنه يرى أن سلامته في أن يسكت، ويرى أنه عندما يتجه إلى السكوت أنه الشخص الحكيم الذي عرف كيف يحافظ على أمنه وسلامته.

نقول: أنت غالط على نفسك، أنت تجني على نفسك من حيث لا تشعر، أنت تهيئ نفسك لأن يكون لك عدوّان مقابل عدو واحد، أنت لا تتأمل الأحداث جيداً حتى تعرف أن أولئك الذين وقفوا موقفك هم عادة الضحية الأولى أمام كل حدث يحصل، عندما نشاهد التلفزيون سواء عن أفغانستان أو عن فلسطين أو غيرها، ألستم تسمعون ونسمع جميعاً أنه كثير من أولئك ضربوا وقتلوا ودمرت بيوتهم وهم كما يقولون عزَّل، العزل هم هؤلاء الذين هم كـ [الأثوار]يعتزلون وهم من قد قرروا بأنه لا دخل لهم وأنهم سَيسلمون، هم شاهدهم هم يكونون هم الضحية وأول من يُضرب، إنهم لا يسلَمون أبداً، ضُربوا في أفغانستان وضُربوا في فلسطين.

إن من يَسْلَم حقيقة ومن هو أبعد عن الخطر حقيقة ومن ترضى نفسه حتى ولو أصابه شيء هم المجاهدون {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ}(الأعراف: من الآية165) وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى: {كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}(يونس: من الآية103).

المؤمنون هم من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، هم من يجاهدون في سبيل الله بكل ما يستطيعون، هؤلاء هم من يصح أن يقال لهم – بمعنى الكلمة مسلمون – والإسلام هو دين السلام لمن؟ لمن هم مسلمون حقيقة؛ لأنهم من يبنون أنفسهم ليكونوا أعزاء أقوياء، هم من يبنون أنفسهم ليستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم الشر، ليدفعوا عن أنفسهم الظلم، ليدفعوا عن بلدهم الفساد، ليدفعوا عن دينهم الحرب، فهم أقرب إلى الأمن والسلام في الدنيا وفي الآخرة.

نحن نعلم أن الغرب أن أمريكا وإسرائيل تحمل من العداء لإيران أكثر مما يحملونه للفلسطينيين، ولكن هل استطاعوا أن يعملوا شيئاً بالإيرانيين؟ وهم من يمتلكون صواريخ بعيدة المدى، ويمتلكون قنابل نووية، ويمتلكون كل شيء؛ لأنهم يعرفون أن أولئك ليس من السهل أن يدخلوا معهم في حرب، ستكون حرباً منهكة جداً لهم في مختلف المجالات، كما قال الإمام على (عليه السلام) ((بقية السيف أبقى ولداً وأكثر عدداً)) إنما يأتي النقص في من يجعلون أنفسهم كما نقول [مدافخ] أولئك العزل.. ألم يقتل في أفغانستان الكثير من أولئك؟ قرى بأكملها دُمرت.

هناك الحسرة أن تدمر بيتك وأن تقتل أسرتك، وأنت لا ترى أنك قد عملت بالعدو شيئاً، ستندم على أنك اتخذت قراراً كان قراراً خاطئاً بالنسبة لك وكانت نتيجته عكسية عكس ما كنت قد رسمته لنفسك، إنهم لا يسلمون أبداً أولئك الذين يقولون لأنفسهم: [أما نحن ما لنا حاجة]. ويقولون كما يقول المنافقون عندما يرون المؤمنين ينطلقون في مواقف – مهما كانت بسيطة – عندما يرون المؤمنين ينطلقـون في مواقف ضـد دولة كبرى {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} (الأنفال: من الآية49).

ألم يقل المنافقون في ذلك العصر أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما انطلق المسلمون لمواجهة دولة الروم، ودولة الروم كما تواجه أمريكا الآن: {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} مساكين مغفلين يذبحون أنفسهم، كيف باستطاعتهم أن يؤثروا على دولة عظمى؟! لا، إن المغرورين هم أولئك، هم الذين غرّوا أنفسهم.

 وجاء القرآن الكريم ليؤكد أيضاً أن من يتخذون قرارات كهذه – ليقعدوا – إنهم لن يسلموا وهم من ستنالهم العقوبة بأضعاف أضعاف من الآلام والنقص أكثر مما يعاني منه المجاهدون.

إن الله حكيم وبيده أمور الناس جميعاً، فأنت لا تفكر أنك عندما تخطط في داخل نفسك فترجح أن تقعد وأن قعودك هو السلامة، إن هناك من هو عليم بذات الصدور، هو يعلم ما في أعماق نفسك وهو لن يغفل عنك؛ لأنك واحد من المسلمين، إنك واحد ممن هو في واقعه قد أعطى الله ميثاقاً؛ عندما تقول بأنك مسلم وأنك مؤمن، إنك حينئذٍ ممن يقر على نفسه بأنه ممن قالوا سمعنا وأطعنا، وهذا هو ميثاق بين الله وبين الإنسان، الله الذي يعلم بأعماق سرائرك، بسرائرك في أعماق نفسك هو من سيجعل ما تفكر فيه بعيداً و مستحيلاً {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا} (البقرة: من الآية243) ألم يقل الله هكذا، موتوا؟.

هم انطلقوا بحكمة، حكمة هؤلاء المغفلين يرجحون السكوت والابتعاد؛ لأن هنا السلامة، خرجوا وهم ألوف، هذه سخرية منهم، أنتم ألوف تستطيعون أن تواجهوا فكيف تخرجون وأنتم ألوف، أنتم تخافون الموت، أنتم كنتم تظنون أن الضر هو عليكم من مصدر واحد هم أعداؤكم فقط، أنتم نسيتم أن هناك من سيحاسبكم ومن هو وراءكم إذا ما قعدتم هو الله {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا}.

كذلك حصل لبني إسرائيل عندما قال لهم موسى صلوات الله عليه {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:21) جبنوا، خافوا، مالوا إلى ما ظنوه سلامة، ماذا حصل لهم فيما بعد؟ بعد أن رفضوا الأمر من نبيهم وبعد أن رفضوا الوعد بأنهم إذا دخلوا سينتصرون فعلاً، آثروا من منطلق هذا التفكير الخاطئ أن لا يدخلوا؛ لأن هناك السلامة. إذا ابتعدنا سنسلم، ماذا قال الله فيهم؟ {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26) أربعين سنة يتيهون في الأرض لا مساكن، ولا يهتدون لشيء.

لحظة واحدة ساعة واحدة كان بالإمكان أن يكون فيها عزهم ونصرهم ورضاء ربهم، ويكون فيها الفوز لهم في الدنيا وفي الآخرة، جبنوا قعدوا حتى قالوا: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة: من الآية24) هكذا من يقعد وإن أدرك أن هناك خطراً حقيقياً، ومن الذي تخفى عليه هذه الأحداث؟ من الذي يخفى عليه ما في هذه الأحداث من خطورة بالغة؟ لكنه من عد نفسه واحداً من أولئك الذين قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.

بل إن هؤلاء يكونون أسوأ؛ لأن المجاهدين, لأن العاملين في سبيل الله هم من سيكتفون منهم، ويقولون لهم، كثّر الله خيركم، لو أنكم تقعدون ثم لا تتفوهون بكلمة، كلمة تصد عما نحن عليه، كلمة تثبط الآخرين عما نحن عليه.

وكل من يقعدون في هذا الزمان الذي هو أسوأ من ذلك الزمان الذي قعد فيه بنو إسرائيل، إنهم لا يكتفون بالقعود بل ينطلقون أيضاً ليقولوا للآخرين [اترك لا تتدخل, اترك ما دخلك، هذا خطر. وسوف تسبب لنا مشاكل]. وهكذا من هذه العبارات.

أولئك قالوا نحن سنقعد {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} هذه كلمة سيئة لكن الأسوأ منهم هو من لا يكتفي بالقعود بل ينطلق أيضاً ليثبط، هؤلاء عوقبوا أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، أليس عذاباً؟ أليس ضياعاً لهم؟ كان بالإمكان أن يدخلوا تلك الأرض فيستقروا فيها كأمة، يستقروا فيها لهم مساكنهم لهم مزارعهم، لهم حياتهم على أوسع ما يمكن أن يحصل لهم من مجالات الحياة، فرفضوا فعوقبوا بأن يتيهوا أربعين سنة يعيشون هكذا تائهين لا يهتدون لشيء.

الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يؤكد في أكثر من آية ويضرب الأمثال الكثيرة لكل من ينطلق هذا المنطلق الخاطئ أنه لن يسلم في الدنيا ولن يسلم في الآخرة، وكما أسلفنا نحن شاهدناهم لم يسلموا، وتابِعوا أنتم. ونقول لهم أيضاً من يفكرون هذا التفكير: تابعوا التلفزيون وسترون.. هل إن أولئك المجاهدون وحدهم يُضربون المجاهدون في الشيشان وفي البوسنة وفي فلسطين وفي لبنان وفي أفغانستان وفي أي منطقة؟ أم أن الضرب الأكثر والنقص الأكبر يأتي في مَنْ؟ في أولئك الذين قرروا القعود، هم من تسمع عنهم يقال عنهم (مدنيين وعُزّل)، ثم انظر أولئك المدنيين والعزل هل هم نساء و أطفال؟. أم أنك ترى فيهم الكثير من الشباب، ترى فيهم الكثير من الرجال الذين كان باستطاعتهم وبإمكانهم أن ينطلقوا في عمل فذلوا ودُمِرت بيوتهم على رؤوسهم، ودمرت مزارعهم ثم أصبحوا يبكون كما تبكي النساء، ثم في لله ولا في سبيله.لا يرون لأنفسهم عزاً ولا مجداً أمام ما يشاهدونه من دمار، لكنك أنت عندما تنطلق في مواجهة عدوك فإنك ستُكون أقل ألماً في داخل نفسك أمام ما تشاهد من ضرباتهم في بيتك أو في أولادك.

السيد حسن نصر الله عندما قتل ابنه هل بكى كما يبكي أولئك؟ بكل ارتياح بل قال عن ابنه أنه هو من هاجم أولئك وغزاهم هم، لم ينتظر في بيته حتى يأتوا هم فيضربوه، هكذا كلام الرجال.

قال الله عمن كان لديهم هذا التفكير الخاطئ، وهم في كل زمان، وهم من ليس الدافع لديهم هو أنه ليس هناك من يبين الحق وليس هناك من يشرح المواقف بشكل يلمسون فيه أهمية العمل وصحة العمل وجدوائية العمل، ألم يكن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بين أظهرهم ماذا كانوا يقولون؟ كانوا يتخلفون ويقعدون، ثم كانوا يفرحون بتخلفهم!.

وأنت تلمس أنت في زمانك وأمام ما تقوم به من عمل، تلمس أولئك الذين قرروا لأنفسهم أن يسكتوا، وأن ينطلقوا ليثبطوا عنك، تراهم فرحين بما هم عليه، أنهم يرون أنفسهم الحكماء والأذكياء، والذين فهموا كيف يبعدون أنفسهم عن الخطورة، هنا قال الله عن أمثالهم: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: من الآية81) كرهوا، ضعف في إيمانهم، ضعف حتى في رجولتهم، ليس لديهم إباء كما لدى الرجال، وقالوا للآخرين: {لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة: من الآية81).

ألم يهدد أولئك بأنهم إن كان عدم خروجهم تحت عنوان: أن الوقت حار لا نستطيع أن نخرج في الحر هو في الواقع ليس عذراً حقيقياً، وليس عذراً مُبرراً، أنتم قعدتم دون مبرر، وأنتم تشاهدون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو إنسان كمثلكم يؤلمه الحر والبرد، فهل أنتم أرحم بأنفسكم وتؤثرون أنفسكم على رسول الله(صلوات الله عليه وعلى آله)! لو كان هناك في القضية مبرر لقعد هو، لكن ليس هناك مبرر، وليس هو ممن يبحث عن المبررات للقعود.

{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} ماذا يعني هذا؟ أليس يعني هذا بأن قعودكم عصيان، وأن قعودكم من منطلق أنكم تريدون أن تَسلموا، إذاً فلن تسلموا؛ وراءكم النار إن كنتم تفقهون, تفقهون: – تفهمون – تفهم أنك إذا اتفقت مع نفسك أنك ستسلم، أنت إذاً لا تفهم بأن هناك من يراقبك، وأن هناك من سينـزل بك أشد العقوبة الله سبحانه وتعالى {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} أي يفهمون.

ثم يسخر منهم أيضاً: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} (التوبة: من الآية90) ليستأذنوا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نحن مشغولون، ونحن كذا..، [وقد هبينا واحد من بلادنا، وما بيهبوا من البيت إلا واحد]، وعبارات من هذه، [وفلان قد هو ذاك، قد هو شامل علينا]، معذِّرون.. جاءوا وهم يفكرون كيف يصيغون أعذاراً لأنفسهم.

الإنسان المؤمن يخرج من بيته، وهو متجه في نفسه إلى أن يجاهد في سبيل الله، أما هذا فإنه يخرج من بيته وهو يفكر كيف يصيغ عذراً يكون مقبولاً نوعاً ما، يبرر له العودة إلى بيته، فيقعد. معذّرون من الأعراب ليؤذن لهم {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (التوبة: من الآية90).

ثم قال أيضاً عنهم: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} (التوبة: من الآية93) مع النساء في البيوت، أليست هذه سخرية؟ أي أنك لست رجلاً، تخرج كالرجال، أنت رجل أنت المسئول عن أن تدافع عن قِيمك وعن عرضك وعن بلادك وعن حريمك، إنما تقعد النساء، لأن النساء يقعدن لأن هناك من يقوم بالمهمة في المواجهة في ميادين المواجهة هم الرجال، وهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف مع النساء، أليست هذه كلمة سخرية؟.

أي أن الإنسان الذي يقعد هو سيكون محط سخرية الله ومقته، وسخرية الله شديدة ومقته شديد، إذا ما كنت محط سخريته ومقته فسيصيبك الكثير الكثير في الدنيا، وستكون من أهل جهنم؛ لأن جهنم هناك لمن هم محط سخرية الله ومقته وغضبه.

{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (التوبة: من الآية93)لم يكونوا يعلمون ولا ممن يعلمون أن الخروج هو الخير أن الخروج هو العزة، أن الخروج هو الشرف، أن الخروج هو الرجولة، ألم يقل في آية أخرى عن الجهاد: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة: من الآية41).

إذاً فنقول لمن يقعدون: لا تفكرون أبداً بأنكم ستسلمون، إنكم عندما تقعدون ستهيئون أنفسكم لأعدائكم، وفي نفس الوقت ستهيئون الله سبحانه أن يضربكم.. أليست هنا الخطورة؟

أنت عندما تنطلق في العمل أنت في الموقف الآمن حقيقة؛ لأنك من ستواجه عدوك، وعدوك قد نبأك الله عنه بأنه ضعيف أمامك، وأنك حينئذٍ من ستحظى بوقوف الله معك، أليس هذا هو الموقف الصحيح؟ وأقرب المواقف إلى السلامة وأقرب المواقف إلى الأمن؟ وهو موقف العزة والشرف والقوة؟.

لكنك عندما تقعد عدوك سيتسلط عليك، والله سبحانه وتعالى سيكون له سلطان عليك فيضربك، وأشد الضربات هي الضربات التي تأتي من قبل الله؛ لأنه حينئذٍ سيكون الإنسان كما قال عن أولئك: {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (التوبة: من الآية93) لأنك متى يمكن أن تحظى بتوفيق من الله، بهداية من الله، برعاية من الله، وأنت من قعدت عن نصرة دينه، وأنت من قعدت عن نصرة المستضعفين من عباده، وأنت من قعدت عن مواجهة أعدائه حتى ولو بكلمة، وأنت من انطلقت لتثبط الناس عن نصر دين الله وعن الوقوف في وجوه أعداء الله، كيف يمكن أن تحظى بتوفيق من عنده، بل إنه سيطبع على قلبك، وإذا ما طبع الله على قلبك فستكون أعمى في الدنيا وستكون أعمى في الآخرة.

{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}(الأنعام: من الآية81)؟ كما قال نبي الله إبراهيم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82) هذا من الظلم للنفس، ومن الظلم للأمة، ومن الظلم للدين، ومن الكفر بنعم الله سبحـانه أن تقعد ثـم أيضاً تثبّط الآخرين، وتظهر نفسـك أنك الحـكيم وأولئـك هم المغـرورون {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ}(الأنفال: من الآية49). إن هذا هو الظلم الشديد، فأنت لست من أهل الأمن لا في الدنيا ولا في الآخرة.

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} لم يحصل من جانبهم تقصير، وليست القضية كما يقال فقط [بظلم أي: بِشِرْك]، الظلم عبارة واسعة، كل موقف تقف فيه عصيان لله سبحانه تعالى هو ظلم، ظلم لنفسك وظلم للأمة من حولك، لماذا؟ لأن الباطل متشابك ولا تتصور أن الباطل يسود بجهود أهل الباطل وحدهم، وإنما أيضاً الآخرون – من يسمون أنفسهم مؤمنين – هم من لهم القسط الأوفر في أن يسود الباطل.. قعد هذا وتحرك هذا، من الذي سينجح في الساحة؟ الذي يتحرك، إذاً فالذي قعد هو من أسهم بنصيب كبير في انتشار الباطل، والباطل ظلم للأمة، فكل ظلم ينال الآخرين أنت شريك فيه، وأنت من ألبست إيمانك بظلم تظن أنك مؤمن، وأنت في واقعك ظالم، ظالم لنفسك وظالم للأمة.

حقيقة لا تظن أن المعصية التي تنطلق منك هي معصية في حدودك الشخصية وحتى المعاصي الشخصية تنتهي في الأخير إلى أن تكون ظلماً للأمة، لماذا؟ لأنه إنما ينطلق من منطلق الاهتمام بأمر الأمة والدفاع عن المستضعفين مَنْ نفسه زاكية، وأنت إذا ما دنست نفسك بالمعاصي كنت أقرب إلى أن تقعد، كانت نفسك منحطة، وإذا ما قعدت كنت أيضاً من ظلمت الآخرين بقعودك؛ لأن قعودك كان مساعداً على انتشار باطل الآخرين وظلمهم.

الباطل متشابك شبكة واحدة، كل باطل يساعد على الوقوع في باطل آخر، وكل باطل له أثره في واقع الحياة على عباد الله؛ لهذا أعتقد أنا، أعتقد أن أولئك الملايين الملايين في مختلف أنحاء العالم، العرب مسؤولون عنهم أمام الله، العرب أنفسهم الذين أنزل الله هذا الدين إلى نبي منهم وبلغتهم، وجعلهم هم الأمة التي أَهّلها لأن تنطلق لنشر دينه وإصلاح عباده وإخراجهم من الظلمات إلى النور في مختلف أقطار الدنيا، هم من قعدوا فحل محلهم مَنْ؟ اليهود؛ ليفسدوا في الأرض،لم يكن الفساد من جانب اليهود لوحدهم بل أسهم العرب معهم بقعودهم، وأسهم أولئك الذين حرَّفوا الدين عن مساره الصحيح من قبل (1400 سنة) هم أيضاً من أسهموا، هكذا يجني الإنسان على نفسه. فكر في آثار عملك.

وجريمة الإنسان تكون كبيرة بمقدار أثرها، ألم يُقتل كثير من الناس من أولياء الله؟ ويقتلهم أناس مجرمون؟ لكن ابن ملجم الذي قتل الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قيل فيه على لسان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ((أنه أشقى الأمة))، لماذا كان أشقى الأمة؟ لأنه قتل رجلاً عظيماً، عظيماً في إيمانه، في وعيه، في شجاعته، عظيماً في فهمه لواقع أمته، في فهمه لعظمة دينه، رجلاً عظيماً، الأمة أحوج ما تكون إليه، قتله في ظرفٍ الأمة أحوج ما تكون إلى مثل ذلك الشخص العظيم.

فسمي أشقى الأمـة، لمـاذا؟ لأنه خسّر الأمة، خسّر الأمة شخصاً عظيماً، ذلك الشخص الـذي لـو استقرت قـدماه  – كما قال هو – لاستطاع أن يعيد الحياة الإسلامية من جديد في هذه الأمة، ويغيِّر الأشياء التي قد حدثت في الدين وحدثت في نفوس الناس، تضليل في الفترة السابقة لأيامه (عليه السلام).

قتله ابن ملجم بتخطيط من معاوية، فماذا كانت النتيجة؟ استحكم أمر معاوية، فامتد الضلال السابق وتطور أيضاً بشكل أكبر وأسوأ، فكانت الجناية على الأمة كبيرة، فسمى الشخص أشقى الأمة؛ لأنه جلب الويل على أمته كلها بقتل رجل واحد فقط هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

هكذا يكون الإنسان، تكون آثار عمله تجعل تلك المعصية التي يراها بسيطة، أو قد لا يفهم أنها معصية، تكون معصية كبيرة وكبيرة جداً؛ لأن لها آثارها السيئة، لأنه هكذا الواقع، لا تتصور أن هناك معصية لا تمتد آثارها إلى الناس، حتى المعصية التي تعملها أنت بمفردك، وهي معصية في حدود شخصيتك – كما أسلفت – إنها تؤثر على نفسيتك، ونفسيتك تؤثر على تصرفاتك، فإما تصرفات خاطئة في واقع الحياة، أو قعود عن نصر حق، أو انطلاق في نصر باطل، أليس هذا كله في الأخير ظلم للأمة؟.

إذاً فالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: من الآية82) {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس:62) أي أن موقفهم – كما يقول بعض المفسرين – إنهم في حالة لا يُخاف عليهم فيها، أي هم من لا ينبغي أن تخاف عليهم، إذا كان ابنك واحداً منهم وأنت شفيق عليه فافهم بأنه في الموقف الذي يجب أن لا تخاف عليه، لماذا؟ لأنه في موقف حق، في موقف الرجال، في موقف العزة والشرف، هو إنسان هو إنسان بمعنى الكلمة بما تعنيه الكلمة، إنما تخاف على ابنك أو تخاف على أخيك إذا كان مع الأراذل، إذا كان مع السفهاء، إذا كان من أولئك الذين هم شياطين، أو أولياء الشياطين، هذا الذي تخاف عليه، تخاف عليه في الدنيا هنا، وتخاف عليه في الآخرة {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَْ} وأولياء الله ليسوا أبداً أولئك الذين يتخذون قرارات بالقعود قرارات بالسكوت.

هؤلاء الذين يسكتون، وينطلقون يثبطون الناس عن الكلام، ويثبطون الناس عن العمل، نقول لهم: هل تعتقدون أن السكوت حكمة؟ أي أنه هو العمل الحقيقي في مواجهة أعداء الله، فأوضحوا لنا هذه الخطة، فإذا ما رأيناها إيجابية وعملية فعلاً وبنآءة في مواجهة العدو وستضرب العدو، فنحن إنما نبحث عن العمل الذي يكون له أثره على العدو.

من الذي يستطيع أن يجعل سكوته سكوتاً عملياً في مواجهة هذه الأحداث؟ إنما هو مخدوع يخدع نفسه. والإنسان الذي يكون على هذه الحالة هو أيضاً من سيكون قابلاً لأن يُخدع من قبل أعدائه عندما يقول الأمريكيون: نحن إنما نريد من دخولنا اليمن أن نُعِيْنَ الدولة على مكافحة الإرهاب، وأن نحارب الإرهابيين. فهو من سيقتنع سريعاً بهذا الكلام؛ لأن المبدأ عنده هو السكوت والقعود، فهو من سيتشبث بأي كلام دون أن يتحقق ويتأكد من واقعيته، يميل بالناس إلى القعود فيقول: [يا أخي ما دخلوا إلا وهم يريدوا يعينوا دولتنا، بل الله يرضى عليهم، وعاد لهم الجودة، يسلِمونا شر ذولا الإرهابيين الذين يؤذوننا سيكلفوا علينا].
يقبل بسرعة أن ينخدع, والعرب ما ضربهم مع إسرائيل إلا خداع اليهود والنصارى، كان كلما تأهبوا لمواجهه إسرائيل ودخلوا معها في حرب جاء من ينادي بالصلح وهدنة، فترتاح إسرائيل فترة وتعبّئ نفسها، وتُعِدّ نفسها أكثر، ثم تنطلق من جديد، وهؤلاء واثقون بأنها هدنة – وإن شاء الله ستتلطف الأجواء ومن بعد سنصل إلى سلام، وينتهي ويغلق ملف الحرب!. أولئك أعداء قال الله عنهم: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217) وسيستطيعون فعلاً إذالم يقف المؤمنون في مواجهتهم، سيستطيعون فعلاً أن يردوا الناس عن دينهم.
فهو إذاً من سيصبح بوقاً لأعدائه يخدعونه، سيتحدث ويعمل على أن يقنع الآخرين بذلك الخداع فهو يظلم الأمة، أليس هو يظلم الأمة؟ إنك من تعمل على أن تهيئ أمتك للضربة الموجعة وأنت تقعدهم، وأنت من لا ترضى لنفسك أن يكون حديثك مع أولادك هكذا إذا ما كان هناك طرف من أصحابك من أهل قريتك اعتدى على شيء من ممتلكاتك، أليس هو من سينطلق يشجع أولاده؟ أليس هو من سيشتري لهم أسلحة؟ أليس هو من سيعبئ روحيتهم قتالاً ومقاومة؟ يقول لهم: أنتم رجال، يقول له ابنه: يا أبي نحن نريد أن نحاول إذا اصطلحنا. فيقول: أبداً، أنت تريد أن تسكت حتى يأخذوا حقك. أليس هذا ما يقال فعلاً؟ لكن هنا يجعل السكوت – حتى يدوسه الأعداء بأقدامهم – هو الحكمة، ويدعو الآخرين إلى أن يسكتوا، وإلى أن يقعدوا.
يجب عليهم أن يستحيوا من موقف كهذا، يحب عليهم أن يحذروا، إن أولئك أعداء أعداء بما تعنيه الكلمة، وأنه حتى أنت إذا ما رأيت آخرين وإن كانوا كباراً حتى ولو رأيت رئيس الدولة في موقف هو موقف المخدوع بأولئك الأعداء فلا تستسلم أنت؛ لأنك ستكون الضحية، لا تقل إذاً الرئيس قد هوأعرف وأدرى، هو الذي هو عارف وقد هو رئيس الدولة ورئيس كذا.

إنهم يخدعون الرؤساء والمرؤوسين، ويخدعون الصغار والكبار، وهذه المقابلات التلفزيونية التي نراها توحي فعلاً بأنهم قد خدعوا إلى الآن، بأن الكبار هنا في بلدنا قد خدعوا إلى الآن وهناك حملة شديدة ضد اليمن دعائية، وأنهم خدعوا والدليل على أنهم خدعوا أنهم يقولون للناس أن يسكتوا، بينما هؤلاء الأعداء هم من يحركون وسائل الإعلام أن تهاجم اليمن وتهاجم السعودية وإيران وبلدان أخرى، أليس هذا هو الخداع؟ أليس هذا هو الموقف المخزي؟ أن يكون زعماء أعدائنا، زعماء الدول التي هي عدوة لهذه الأمة ولدينها هم من يحركون شعوبهم، هم من يحركون الكُتّاب والصحفيين ووسائل الإعلام لتقوم بحملات ضد هذا البلد أو هذا البلد أو الأمة بكلها، أليسوا هم من يبحثون عن رأي عالمي يؤيد مواقفهم ضد هذه الأمة، فكيف ينطلق هؤلاء الزعماء ليقولوا لشعوبهم اسكتوا، أليس هذا هو الخداع؟ ألم يُخدعوا إذاً؟.

نحن نقول – فيما نعتقد – على ضوء القرآن الكريم ومن منطلق الثقة بالله سبحانه وتعالى وبكتابه وعلى أساس ما نشاهد:لسنا أقل فهماً منكم، ليس ذلك الشخص لكونه قد أصبح رئيس وزراء أو وزير خارجية أو رئيس جمهورية هو بالطبع أصبح أذكى الناس وأفهم الناس، ألم يعرف الناس كلهم أن زعماء الدول العربية هم في موقف مخزي وموقف ضعف؟ حتى الرجل العامي في هذا البلد أو ذاك يعرف هذه، من أين أتى هذا؟ أليس هذا من خداع حصل، ومن نقص في فهمهم أو في إيمانهم أو مرض في قلوبهم أو أي شيء آخر؟.

فأنت لماذا ترى أولئك، ترى الخديعة أمامك، ترى العدو يتحرك أمامك كما يتحرك في أي بلد، وعرفت النتائج السيئة لتحركه في البلد الذي شاهدته على شاشة التلفزيون.. ثم تسكت؟ وتجلس وتثق بأن ذلك لم يُخْدَع، وأنت لو سألناك هل أنت راضي بمواقف زعماء العرب في مواجهة إسرائيل؟ أي يمني سيقول نعم؟! أي سعودي سيقول: نعم؟! أي مواطن عربي سيقول نعم أنا راضي بمواقفهم في مواجهة إسرائيل؟!, وأن هذه سياسة حكيمة أنا راضي بمواقفهم مع أمريكا، وأقول هذه سياسة حكيمة!.

عندما دخلوا في الحلف ووافقوا على هذا الحلف لأن تقوده أمريكا حلف مكافحة ما يسمونه بالإرهاب. إذا أنت تقول وكل الناس من حولك يقولون أنهم لا يرضون عن موقف هؤلاء، فلماذا وقد أصبح هؤلاء في بلدك تجعل سكوتهم حكمة؟ وهو السكوت الذي أنت تنقدهم عليه وتلومهم عليه وهؤلاء الأعداء لا زالوا في فلسطين أو في منطقة أخرى، نحن هنا في اليمن ألسنا نقول أن سكوت الزعماء في مواجهة إسرائيل غلطة كبيرة؟ وأنهم ضعفوا وأضعفوا الأمة معهم، ولكن لماذا سنعد سكوتهم فيما إذا وصل العدو إلى بلدنا فيما إذا اتجه نحو شعبنا ليصنّفه كشعب إرهابي يخطط لأي عمل ضده سنجعل سكوتهم حكمة، والسكوت هو الذي لُمْنَاهم عليه من البداية.

عندما ينطلق هؤلاء ليبرروا سكوتهم وعدم اشتراكهم في أعمال كهذه وهي لا تزال أعمال بسيطة، فينطلقون لينقلوا التبريرات ولو جاءت على لسان أعدائهم ينقلونها فعلاً، أو جاءت على لسان المخدوعين من الكبار أيضاً بأولئك الأعداء، سينقلها فعلاً ويتحرك كبوق دعاية، نقول له: عُدْ إلى القرآن الكريم، ولنعد نحن وأنت إلى القرآن الكريم لنعرف من هو الحكيم، من هو الذي موقفه صحيح وموقف حكيم وموقف حكمة، هل هو من يتحرك على أساس القرآن الكريم في مواجهة هؤلاء الأعداء؟ أم أن القرآن الكريم لم يتحدث عنهم، ألم يتحدث عن اليهود والنصارى حديثاً كثيراً؟ أو ضح فيه عداءهم أوضح فيه ما يعملونه ضد الأمة، أوضح فيه كيدهم ومكرهم، بشكل واسع جداً داخل القرآن الكريم، وفي نفس الوقت رسم الخطط الحكيمة للمؤمنين في مواجهتهم ووعدهم بالنصر، بل كشف النتيجة في واقع العدو إذا ما اتجه المؤمنون لمحاربتهم، أن أولئك ضعاف، أنه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة، أليس موقف القرآن الكريم هو موقف المشجع على العمل؟ الموجب للعمل في مواجهة أعداء الله، أليس هو المحذر لمن يقعد لمن يتخلف من عقوبة قعوده وتخلفه في الدنيا وفي الآخرة؟

إذاً فلا شك أن العمل هو المجدي أن العمل هو المنسجم مع القرآن، أن العمل هو الذي سيحول بيننا وبين أن يضربنا ذلك العدو.

لاحظوا من يعرفوا هذه الحقائق، الإيرانيون خوطبوا بأقل مما خوطب به اليمن، والحملة ضد اليمن الآن تبدو أكثر بكثير مما تَوجّه ضد إيران، فكيف كان موقف الإيرانيين؟ موقف من يرفضون أولئك، موقف من يتهددونهم موقف عملي قول وفعل؛ لأن هذه هي الطريقة الصحيحة.

ولنعد عندما يقول البعض: [هؤلاء هم يريدون الإرهابيين وأنتم تريدون أن تطلعوا إرهابيين من جديد]. نقول: أنت مخدوع، أنت تظن أن أمريكا وإسرائيل أن اليهود والنصارى أنهم إنما يريدون أولئك الذين يسمونهم إرهابيين، أنت مخدوع بهذا سواء أكنت كبيراً أم صغيراً، لماذا؟ نحن حسب معرفتنا نرى ونسمع أن من يقال عنهم أنهم إرهابيون هنا في اليمن هم الوهابيون، أو أشخاص من الوهابيين ومعاهدهم وجامعاتهم، أليس هذا هو الآن ما يقال بأنه إرهابي ومراكز إرهاب، ومنابع وجذور إرهاب؟.

لكن من الذي دعم هؤلاء في البداية؟ من الذي مكنهم من أن يتغلـغلوا في مؤسسات الدولة؟ فيأخذوا أهم المجالات داخل هذا الشعب، وهو مجال التربية والتعليم، أخذوا التربية والتعليم، وأخذوا الأوقاف، وأخذوا وزارات أخرى، أمريكا هي المهيمنة، وأمريكا تسمع وترى، مخابراتها واسعة، هل ستسمح في شعب كاليمن أن يتحرك أولئك على ذلك النطاق الواسع مئات المعاهد، الجامعات الكبيرة، مئات المساجد أخذوها، ومنطقهم معروف، وكلامهم معروف، ثم لا يكون هناك إيحاء لهذا أو هذا بدعمهم، وإيحاء بإخلاء الساحة أمامهم والتعاون معهم وإفساح المجال لهم، هذا شيء ملموس.

حتى تعرف أن الشعب نفسه هو المستهدف وليس أولئك، وأن الدين بكله هو المستهدف وليس أولئك، أن أمريكا من البداية هي من تعطي ضوءاً أخضر لدعم هؤلاء وإفساح المجال أمام هؤلاء، والتعاون مع هؤلاء وهي من شغلتهم هم في مناطق أخرى في مجال تكون نتيجته مصلحة لها ولمصالحها في المنطقة، ثم تأتي بعد فترة لتقول بأن أولئك إرهابيون.

إذاً فمن هو المستهدف؟ إنها إنما عملت هؤلاء من البداية عبارة عن مبرر لأن تضرب الشعب بكله، وأن تتغلغل في أوساط هذا الشعب، وتبني لها قواعد فيه، هي من بنتهم، أليست هي التي بَنَت طالبان؟ أليست هي التي تدعم الوهابيين وتوحي بدعمهم؟ ثم في الأخير تبدو وكأنها إنما تهيئ حجة لها في المستقبل، تزرع أشخاصا وتوحي للآخرين بدعمهم، فمتى ما أصبح وجودهم معروفاً لا شك فيه في هذا البلد، قالوا هؤلاء إرهابيون، إذاً بلدكم فيه إرهاب، لا شك.

من الذي يستطيع أن يقول هنا في اليمن ليس هناك وهابيون؟ هناك وهابيون لا شك، أمريكا سمتهم إرهابيين، هل تستطيع أن تقول: لا.. ليس هناك وهابيون؟ أولئك الذين تعتبرهم إرهابيين، إذاً أصبحت الإدانة على وجهك ماثلة، وهابيون موجودون عندكم؟ نعم، إذاً هم إرهابيون.

وحينئذٍ سيأتي العمل الطويل كما قالوا هم – عندما تحركوا ضد أفغانستان – :أن الفترة ستكون طويلة، لماذا؟ لأن المسألة ليست مسألة أن هناك إرهابياً يُضرب، ثم يعودون، سيقولون: إذاً هذا إرهابي، صحيح. إذاً باقي جذور إرهاب، باقي منابع إرهاب، باقي وباقي وهكذا، ثم سيصنعون إرهاباً هم – كما قلنا أكثر من مرة –  ستسمع تفجيرات هنا وتفجيرات هناك، ثم يقولون: إذاً من الضروري – وسيكونون متجملين ومحسنين كما يبدو لنا – أن تأتي التعزيزات من مختلف البلدان تحت قيادة الأمريكيين إلى اليمن كما حصل في أفغانستان، حينئذٍ سيفهم الناس – إذا لم نفهم من الآن – أن المستهدف هو الشعب نفسه، الشعب بكله بدولته، حتى الدولة إذا ما جندوها لأن تعمل ضد أبناء هذا الشعب فإنها هي مستهدفة؛ لأنهم لن يرضوا عنها مهما عملت، هل رضوا عن عرفات على الرغم مما عمل؟ ألم يملأ السجون من شباب [حماس] ومن شباب [منظمة الجهاد الإسلامي]؟ ملأ السجون وحاول أن يعلن بأنه حريص على السلام وأنه، وأنه، لم يقبلوا منه أبداً، قالوا: أنت قصرت في مكافحة الإرهاب، ماذا يريدون منه أن يعمل؟ هل يريدون أن يكون أشد على الفلسطينيين من الإسرائيليين أنفسهم؟ إذا كانوا يريدون هذا من عرفات فإنه ما يريدونه من أي زعيم.

عليهم أن يفهموا بأن قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) أنها حقيقة، أنها حقيقة لن يرضوا عن الرئيس، لن يرضوا عن الحكومة، لن يرضوا عن أي مسؤول ينطلق جاداً تحت عنوان مكافحة الإرهاب ضـد أبناء شعبه؛ لأنه ليس الهدف – كما قلنا أكثر من مرة – هو الإرهاب، إن الإرهاب داخل أمريكا، وإن أمريكا هي نفسها الدولة التي تصدر الإرهاب هي التي تثير الحروب والمشاكل في الدنيا كلها، في داخل المدن الأمريكية، أصحاب المحلات التجارية الكبرى يحتاجون إلى حرس مسلحين، لأن هناك عصابات تسطو على المحلات التجارية في وضح النهار، وأنت تتجول في شوارع نيويورك أوفي واشنطن أو في غيرها من المدن – كما أخبرنا من ذهبوا إلى هناك – لا تستطيع أن تأخذ في جيبك مبلغاً من المال من الدولارات، سيأتي من ينهبها ويقتلك، وإنما دفاتر شيكات أو أشياء أخرى، لا تستطيع ولا تجرؤ أن تحمل مالاً، والمحلات التجارية داخلها جنود مسلحون برشاشاتهم، حرس برشاشاتهم!، أليس هذا هو الإرهاب داخل أمريكا نفسها؟ لم تعمل على أن تؤمن أسواقها التجارية والتجار في أسواقها التجارية.

ليس الهدف هو محاربة الإرهاب، الهدف هو الاستيلاء على مقدرات هذه الأمم، هو إخضاع هذه الأمة، هذا الشعب، هو السيطرة عليه، هو أن يملئوه بقواعدهم العسكرية، هو أن يحكموا قبضتهم عليه كما أحكموها على دول أخرى.

أليست السعودية الآن في مشكلة كبرى أمام القواعد العسكرية والوجود العسكري الأمريكي هناك؟ وهم من يتحملون أعباء نفقاتهم الكبيرة في السعودية نفسها؟ هل يستطيع السعوديون أن يخرجوا الأمريكيين؟ لا يستطيعون إلا بمشقة بالغة وجهاد مرير.. هكذا خدعوا من البداية ووثقوا بمن قال الله عنهم بأنهم لن يرضوا عنكم، وثقوا بمن قال الله عنهم بأنهم أعداء، وأنهم لا يحبونكم حتى ولو آمنتم بكتبهم {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}(آل عمران: من الآية119) أنتم على الرغم من أنكم تؤمنون بالتوراة والإنجيل لا زالوا يحملون لكم العداء ولن يحبونكم أبداً، {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظ}(آل عمران: من الآية119) هل تجد هنا في بلدك ذلك الشخص الذي تعتبره عدواً كبيراً وتجند نفسك ومالك لمواجهته هل تجده في لحظة من اللحظات يعضّ على أنامله من الغيظ ضدك؟.

لا يصل به العداء إلى هذه الدرجة وإن كان يحاول بطريقة ملتوية أن يتغلب على شيء من مالك، إن هذه الحالة توحي بعداء شديد، هو أشد من ذلك العداء الذي داخل نفس خصمك الذي تجند نفسك ومالك لمواجهته {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظ} توحي بغضب شديد، وحقد شديد، وعداء شديد داخل نفوسهم ضد المسلمين وضد الإسلام، إذا ما وثقوا بهم فستكون هذه هي النتيجة في الأخير.

ثم نحن من نقول في كل لحظة من اللحظات: هم إنما يريدون كذا فقط. كلمة [فقط] والاستثناءات هنا لا وجود لها أمام أهدافهم البعيدة المدى، أمام أهدافهم الكبيرة، لا تقل هم لا يريدون إلا كذا، هم لا يريدون إلا مكافحة الإرهابيين الفلانيين. ستسمع جذور إرهاب، وسترى أين هي الجذور، إنها عندهم [المساجد] إنه [القرآن الكريم] إنه الجذر الكبير عندهم، والمنبع الرئيسي عندهم للإرهاب.

وحينئذٍ وعلى ضوء الآيات القرآنية التي تحكي واقع أولئك الذين يقعدون ويثبطون أنهم في الواقع إذا ما استحكمت قبضة العدو، ووصل العـدو مكشـوفاً إلى ديارهم، هـم من سيكونون قريباً جداً للتخلي عـن دينهم {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً} (الأحزاب:14) لأنه هكذا تكون قد طبع الله على قلبك، وتكون أنت في الأخير من ستكفر بسهولة وتكفر بالمجان {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} الفتنة عن دينهم، والخروج عن دينهم، والكفر بما هم عليه {لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً}، يفتتن بسرعة؛ لأن الشيء المهم لديه هو سلامته.

هل هذه سلامة؟ أن يصل بك الأمر إلى أن تتنكر لدينك وأن تكفر بدينك؟! من يقعد ويربي نفسه على القعود والصمت وينطلق دائماً على أساس أن هنا السلامة، لن يسلم له دينه، ولن تسلم له دنياه، ولن تسلم له آخرته، والقرآن الكريم يؤكد هذا.

حينئذٍ نقول أن من واجبنا أن نفهم أولئك الذين ينطلقون ليثبطوا الناس عن أي موقف، نفهمهم حتى نزداد بصيرة نحن، وحتى ندخل الهزيمة إلى داخل أنفسهم إذا لم يعتبروها بصيرة نعرفهم واقعهم، وأنت تستطيع من خلال القرآن الكريم ومن خلال الأحداث في هذه الدنيا، أن تريهم آثار أعمالهم السيئة ونتائجها السيئة عليهم هم تستطيع، من واجبنا ومن واجب الخطباء في يوم الجمعة وفي المناسبات وكل شخص منا أن ينطلق هذا المنطلق، لأنك عندما تنطلق في عمل مكشوف صريح يجب أن تتجه ضد من يثبطون عنه، وهذا هو منطق القرآن الكريم في سورة التوبة، وهذا هو أسلوب الرسول(صلوات الله عليه وعلى آله) الذي حكاه الله في سورة التوبة.

قد يقول البعض: ماذا سنعمل؟ نحن ضعاف. أشخاص لا زالوا هكذا في مجلس أو مسجد يرفعون هذا الشعار، ماذا سيعمل شعاركم هذا؟ نحن مساكين نحن مستضعفون، وأولئك أقوياء وكل الإمكانيات لديهم وهم كذا وهم كذا..إلى آخره.

إن هذا في واقعه هو من الجهل بحقائق القرآن الكريم، تأمل القرآن الكريم، هل الله وعد الجبابرة والمتكبرين بأن يقف معهم وينصرهم؟ ويعمل على إنقاذهم أم وعد المستضعفين؟ إنه وعد المستضعفين، وإن الناس الآن هم مستضعفون في مواجهة أعدائهم، استضعفونا.

لكن ليس كل مستضعف هو من سيكون الله معه، ومن سيحظى بتأييد الله ونصره، ومن سيعمل الله على إنقاذه، إنهم فقط المستضعفون الواعون، أولئك الذين قال الله عنهم وهو يأمر المؤمنين أن يقاتلوا: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}(النساء: من الآية75) هؤلاء هم مستضعفون واعون، على مستوى عالٍ من الوعي، فاهمون لوضعهم أنه وضع سيئ، ومتألمون لما هم فيه، أنهم يرون دينهم محارباً، أنهم يرون أنفسهم لا يستطيعون أن يقولوا الحق، ولا يستطيعون أن يمارسوا الكثير من الأعمال العبادية. فهم عارفون أنهم مستضعفون ومتألمون لما عليه، وضعيتهم التي هي في الأخير تنعكس على وضعية دينهم، أو بالعكس محاربة لدينهم، استضعفوا هم باستضعاف الآخرين لـه، وهم في نفس الوقت يعرفون الجهة التي استضعفتهم وظلمتهم. وهم في نفس الوقت عمليّون واعون، هم ليسوا ممن يوكلون المسألة إلى الله فليتولاها هو بعيداً عنهم، وهم يريدون السلامة وإن كانوا في وضع سيئ كهذا. لا.. هم من يقولون لله {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً}، ولياً نقف معه، ولياً نتحرك معه، ولياً يعمل على إنقاذنا، ويقودنا حتى ننقذ أنفسنا {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}، هؤلاء هم المستضعفون الذين هم محط عناية الله ورعايته.

ولاحظوا القرآن الكريم كيف هو؟ تتجه آياته لتقول: أن المستضعفين هم من سيحضون بنصر الله وتأييده {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(القصص:5-6) ويقول عن المسلمين الأوائل: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(الأنفال:26) إن الوعد هو للمستضعفين وليس للجبابرة والمتكبرين، ولا حتى نصرُ الدين، ولا إنقاذُ الأمة لن يكون على أيدي أولئك الكبار، هكذا السنة الإلهية، سنة إلهية لا يكون إعزاز عباده ونصر دينه إلا على أيدي المستضعفين الذين يغيرون ما بأنفسهم فيصبحوا مستضعفين واعين، يستشعرون مسئوليتهم ويثقون بوقوف الله معهم، يثقون بالله، ويثقون بما وعدهم به.

فالذي يقول لك: نحن مساكين ونحن كذا ونحن كذا..إنك – لو فهمت القرآن – إنك تعدد إيجابيات، وإن اليهود يفهمون هذه.

إن اليهود عاشوا هم فترة الاستضعاف وفهموا كيف جاء الله بموسى (صلوات الله عليه) لينقذهم، ألم يكونوا مستضعفين في مصر تحت هيمنة آل فرعون؟ فرعون وهامان وجنودهما؟ ماذا حصل؟ أنقذهم الله بموسى، ولهذا نرى أعمالهم، وحاولوا أن تتلمسوها أنتم، إنهم حتى وإن وثقوا بالكبار، بالحكومات، أنها أصبحت صديقة ووثقوا بهم كامل الثقة، إنهم ما زالوا يخافون من الناس من الشعوب، وإن كانوا قد رأوها مقهورة، ورأوها ذليلة، أي أنها مستضعفة، هنا الخطورة عندهم، هنا الخطورة عندهم، أن لا نكتفي بأن نرى أولئك مقهورين وأذلاء، أي أن نراهم مستضعفين، إن هذه هي حالة الانفجار الخطيرة، هي الحالة التي يقف الله فيها معهم، لا بُدَّ أن نفسدهم، لا بُدَّ أن نفسدهم، ألم يسعوا لإفساد الناس إلى كل بيت؟ لأنهم يريدون أن يفسدوا المستضعفين، وهم يفهمون إن هذه سنة؛ لأن المستضعفين متى ما فسدوا فإنهم حينئذٍ يكونون قد ابتعدوا عن الله ولن يقف الله معهم، ولن يعمل على إنقاذهم.

فاليهود عندما تقول أنت أنك مستضعف. إنهم يرونك قوياً إذا ما كنت مؤمناً، وهم جربوا ورأوا تاريخهم الطويل ما حصل لهم هم، ثم رأوا الحقائق ماثلة في حزب الله، وفي حركات تشبهه.

ألم يكن الخميني رجل مستضعف خرج من قرية [خُمَين] واتجه ليهاجر إلى (قم)؟ ألم يكن الشعب الإيراني مستضعفاً في ظل حكومة الشاة؟ كان الإسرائيليون هم المهيمنون والأمريكيون هم المهيمنون، ما الذي حصل؟ رأوا كيف أن أولئك المستضعفين عندما وعوا وفهموا كيف حصل ذلك الحدث الكبير الذي أزعج كل بلدانهم، الذي أقَضّ مضاجعهم وكلفهم الكثير، وأخافهم وأزعجهم فعلاً، ما هو الفارق؟ إنهم مستضعفون؛ لكنهم عندما وعوا وفهموا حينئذٍ أصبح الخطر الحقيقي محدقاً بأولئك، ألم يصبح الخميني فيما بعد رجلاً رأوه كبيراً جداً جداً، وهو ذلك المهاجر طالب العلم الذي خرج من [خمين] فقيراً وظل معظم حياته فقيراً؟ لكنه أصبح لديهم شبحاً يخيفهم.

ما الذي جعل الخميني على ذلك النحو؟ ما الذي جعل شعبه يغير ذلك التغيير؟ إنهم عندما تحولوا إلى مستضعفين واعين، بل لأن الإمام الخميني أيضاً يفهم القيمة الكبرى للمستضعفين الواعين، هو حرص على أن يبقى هذا اسم يحمله الإيرانيون أثناء الثورة الإيرانية، وبعد الثورة [مستضعفون]، وطلب من كل واحد منهم ممن يرى نفسه بأنه مستضعف ويؤمن بالمسألة هذه أن يصعدوا جميعاً كل ليلة في لحظة واحدة، يقولون ((الله أكبر)) ويرفعوا شعار التكبير كل ليلة، فكانوا ينطلقون حتى من يرون أنفسهم أغنياء في إمكانياتهم، ينطلقون وكأنهم يطلبون من الله أن نكون مستضعفين واعين لتقف معنا. وهكذا وأطلق على أولئك اسم مستكبرين، والمتكبرون والمستكبرون هم من يتجه الله سبحانه وتعالى لأن يملأ قلوبهم رعباً وخوفاًً.

فنريد أن نفهم عندما يقول أحدنا: نحن كذا أو نحن كذا، أو يقولون لذلك الشخص اسكتوا واتركوا، أنتم دارين أننا ضعاف، وليس بإمكاننا أن نفعل شيئاً. نقول: لا القرآن الكريم ولا حتى اليهود والنصارى يسلمون لك بأن هذه حقيقة، إن الله يجعلها هي التهيئة لأن يقف معك إذا ما وعيت، وإن أعداءك لا يعتبرونك بالشكل الذي قد أمنوا جانبك، بل رأوك في موقع الخطورة ضدهم وعليهم لكن متى ما وعيت.

ثم فلنحاول أن نعي، فلاحظوا – كما أسلفت في محاضرة سابقة – الذين يقولون: ماذا سنعمل؟ أنت عندما تعي وتفهم سترى كم هناك من مجالات واسعة للعمل ضدهم، هي بالشكل الذي يراها الآخرون ليست بشيء، وأن هذه الوضعية التي نحن عليها هي وضعية إيجابية في مقام الرجوع إلى الله، وإذا ما عززنا البصيرة والوعي في نفوسنا فإنها اللحظة الإيجابية لأن يقف الله سبحانه وتعالى معنا، فلا أحد يستطيع أبداً عندما تعي أن يقدم لك نفسك بأنك في واقع لا يمكن أن يكون العمل فيه مجدياً، أو أنك على وضعية لا يكون العمل معها مجدياً أبداً، عد إلى القرآن الكريم وستراه يقفل الأبواب والنوافذ في وجه ذلك ويفتح المجالات واسعة أمامك.

فنقول لهم: نحن قـد فهمنا هذه الحقيقة من كتاب الله، وأنتم أنتم الذين لم تفهموا هذه الحقيقة؛ لأن المسألة – كما قلت سابقاً – أن الإنسان الذي يضعف إيمانه ستكون مواقفه ضعيفة، ويكون كلامه ضعيفاً وكل إنتاجه ضعيفاً، بل يدفعه ضعفه إلى أن يشتغل بالمجان مع الآخرين ليريهم بأنه قد سبق وبادر إلى أولئك، بأن يقول لهم بأن هناك آخرون يعملون عمل كذا، من أجل ماذا؟ من أجل أن يكون قد قدم لنفسه شيئاً عندهم، فإذا ما حصل شيء يقول أو يذكرهم أو ليتذكروا فيما إذا أرادوا أن يعملوا شيئاً.. أما فلان فإنه كان ممن بلغنا وتحدث معنا وبلغنا سابقاً.

ألم يظهر نفسه هنا من السباقين؟ ألم يظهر نفسه من السباقين؟ لماذا لا تكون سباقا مع الله، بل تكون سباقاً إلى أولياء الشيطان، وسباقاً إلى ما فيه خدمة الشيطان، ولا تكون سباقاً مع الله وفي سبيل الله سبحانه وتعالى.ألم يبادر؟ ألم يكن سباقاً؟ وفي جانب الله وفي جانب أولياء الله متثاقلاً ومتثبطاً، بل ومثبّطا.

الإنسان الذي من الخطوة الأولى يتجه في طريق خاطئ، ستكون كل خطواته بعداً عما فيه نجاته، عما فيه أمنه، عما فيه عزته، عما فيه سلامته في الدنيا والآخرة، لأنك إذا ما خرجت عن الطريق الذي يوصل إلى الهدف فكل خطوة ستكون إبعاداً لك عن هدفك، أليس كذلك؟.

إذاً فلننطلق لنُفَهِّمَ هؤلاء دائماً، ولا نتركهم حتى يؤثرون في أنفسهم، ولا نتركهم حتى يقتنعون بقراراتهم وآرائهم في واقع أنفسهم فضلاً عن غيرهم، وإلا فسترى أنت في هذه الجمعة يكون الناس في مسجدك أقل من الجمعة السابقة، وسترى أولئك الذين نقصوا في هذه الجمعة سيعملون على أن ينقص مثلهم في الجمعة المقبلة وهكذا. وفي الأخير ستكون أنت؛ لأنك لم تنطلق في هذا المجال لمكافحة هذه الظاهرة الإرهابية؛ لأنها إرهابية فعلا ستكون أنت من ينفذ اليأس إلى نفسك، وتقول في الأخير: يا أخي الناس لم يرضوا، والناس ما منهم شيء قد يحصل هذا في الأخير، فليكن الناس هم من إذا انطلقوا في عمل يعرفون كيف ستكون تحركاتهم فيها إيجابية، وكيف تحركهم يكون واسعاً.

أيضاً عندما تقول أنت، عندما نقول نحن: نحن هؤلاء ماذا سيكون عملنا لوحده إذا كنا نحن الذين نرفع هذا الشعار؟. إذا كنت تعرف أن القضية مهمة فليكن عملك هو أن يصل هذا الصوت إلى الآخرين في المناطق الأخرى، ومن مصلحة بلدنا بل من مصلحة الدولة – فيما أعتقد – أن اليمنيين لو انطلقوا ليرفعوا هذا الشعار، ويصيحوا في وجه أمريكا – وهم قد سمعوا ويسمعون وسيسمعوا الكثير ضد هذا الشعب – فإنهم من ستحسب لهم أمريكا ألف حساب، وستغير قراراتها وستنكمش على نفسها، وتلغي كل ما كانت قد تبنته ضد هذا الشعب.

إن السكوت هو الخطير، هو الخطورة البالغة علينا، وإن السكوت هو نفسه الذي لن يجدي لا كبيراً ولا صغيراً، وحينئذٍ متى ما أراد الناس أن يتحركوا فيما بعد، أو أن يقولوا شيئاً فيما بعد لن يكون ذلك مجدياً، ويكون الله سبحانه وتعالى قد خذلهم.

نعوذ بالله من خذلانه، ونسأله أن ينور بصائرنا، وأن يعيننا ويوفقنا، ويسدد خطانا، وأن يثبت أقدامنا وأن يكفينا شر أعدائنا، ونقول كما علمنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية250).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام].

التعليقات مغلقة.