حزب الاصلاح حزب كل المتناقضات

في حزب الاصلاح يستطيع عالم الدين التقي ان يخوض غمار السياسة القذرة, ويستطيع السياسي المخضرم في الاعيب السياسة ان يصدر فتوى دينية طاهرة, ويستطيع القبيلي ان يمتشق السلاح متحدثاً عن الدولة المدنية. ويستطيع حزب الاصلاح في لحظة واحدة ان يتحول الى جيش مقاتل لا تنقصه الخبرة ولا العقيدة ولا السلاح, يتحول فيه العالم الى عميد والشيخ الى عقيد وإمام المسجد الى نقيب وهكذا الى ادنى مستويات تراتيب الحزب التنظيمية.

ما لفت انتباهي في اقوال وافعال حزب الاصلاح العلنية هو ما أثاره البعض اثناء ثورة الشباب السلمية حول فتوى الديلمي ضد ابناء الجنوب صيف العام 1994م. فقد اثيرت تلك القضية في ذلك التوقيت للنأي بابناء الجنوب عن المشاركة في ثورة الشباب. فكيف تم التعامل معها؟

معلوماً ان قضية فتوى الديلمي الحربية هي في الاصل سياسية بغطاء ديني, لكن التعبئة الخاطئة لقواعد الحزب جعلتهم جميعاً يتهافتون للدفاع عن علمائهم وعن الدين الاسلامي, ودفع بالديلمي الى خوض غمار اللعبة السياسية القذرة بالردود المتتابعة على التهمة منكراً ونافياً لها بالمطلق, ومن ثم الاقرار بها موضحاً عدم تطرقها الى ابناء الجنوب بل القيادات الحزبية فقط الى ان وصل الى الاعتراف بها ليس كفتوى بل كموضوع وراي شخصي عبر اذاعة صنعاء خلال الحرب على الجنوب. هنا يتضح لنا مدى تلوث الفتوى الدينية عندما تستخدم لغرض سياسي. في الجانب الاخر يبرز العنصر الحزبي ليدافع عن موقفه السياسي باستخدام الدين, فكيف تم التعامل فيه؟

في رده على موضوع الاعتذار للجنوب رفض اليدومي رئيس حزب الاصلاح قطعياً مسالة الاعتذار مبرراً لها بحماية الاسلام الحنيف من دنس الشيوعية البغيض, متناسياً العلاقة الوثيقة لحزبه بتلك القيادات والشخصيات والاحزاب التي لطالما اتهمها بالشيوعية وطارد اعضائهم بالاعتقال والاغتيال والاساءات وكما حصل مع قامات علمية وثقافية يمنية امثال الدكتور العودي والمقالح. هنا يخلط السياسي السياسة بالدين على عكس الديني الذي خلط الدين بالسياسة فخسر الاثنان.

مرة اخرى يرد اليدومي على صالح عندما صور حزب الاصلاح بأنه عبارة عن كرت استخدمه ثم اسنتفد رصيده, فيقول رئيس الهيئة العلياء لحزب التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي لبرنامج مباشر على قناة الجزيرة (بلاحدود): أن الثورة العظيمة التي شهدتها البلاد قد أوضحت بجلاء من كان كرتا بيد الآخر، الإصلاح أم علي عبدالله صالح. ويضيف: إن الإصلاح سانده سابقا في فترة من الفترات، لكنه أفلس في أداءه السياسي والإداري وأصبح حكمه مفسدة فشارك في الإطاحة به. وعن مؤتمر الحوار الوطني أوضح اليدومي أن كل من له قضية له يجب أن يطرحها في مؤتمر الحوار الوطني بطريقته وكيفما شاء ولكن علينا أن نحترم رأي الأغلبية في المؤتمر الوطني.

يتضح من رد اليدومي الاخير اعترافاً صريحاً بمشاركة الاصلاح للنظام السابق بكل مساوئه, بغض النظر عن من كان كرتاً بيد الاخر. فاذا كان صالح وحزبه كرتاً بيد حزب الاصلاح, فهذا يجعل من حزب الاصلاح مسئولاً مسئولية كاملة عن كل مساوئ فترة تحالفه الاستراتيجي مع حزب صالح, يعزز ذلك قول اليدومي بان حزب الاصلاح سانده الى ان اصبح حكمه مفسدة فشارك بالاطاحة به. هذا يعني ان كل فترة حكم صالح قبل قيام الثورة الشبابية كانت مسنودة من حزب الاصلاح, ولو لم تقم الثورة الشبابية لضل حزب الاصلاح حليفاً استراتيجياً لنظام صالح, وهو ما تشهد عليه الايام من توافق سياسي ومحاولة لاعادة الثقة وقبول الحصص السياسية مقابل التغاضي عن مطالب التغيير الحقيقي.

من جانب اخر يكشف اليدومي عند تطرقه لموضوع الحوار الوطني عن تناقض شديد يتوافق مع سياسات حزبه التي تتجاهل الواقع ومحيطه. فحزب الاصلاح حزب كبير ومنظم ويمتلك امكانات هائلة مادية وعسكرية وقبلية ودينية لا يستهان بها, لكنه قبل بالشراكة بالتحالفات لضرب حليفه القديم دون ان يضع مصالح حلفائه الجدد أمام عينيه. ففي الحوار الوطني وفيما يتعلق بقضية الجنوب يتحدث اليدومي عن إحترام راي الاغلبية, لان الاغلبية في المؤتمر الوطني سيكون المتوافقين بالتاكيد, وهو ما تشير اليه تركيبة اللجنة الفنية للحوار التي تفتقر لممثلين حقيقيين عن الجنوب. هذا التصريح عن الاغلبية يؤشر الى توجه قادم لحزب الاصلاح يعتمد على الاغلبية في بقية الامور دون اكتراث لاراء حلفائه ومتطلبات المرحلة القادمة. والا فكيف قبل بمناصفة المقاعد الوزارية فقط دون ان يكون شريكاً حقيقياً في قيادة الدولة ومؤسساتها. فوزير الداخلية ليس له سلطة فعلية على قوات النجدة والامن المركزي ومكافحة الارهاب, ولا يستطيع رئيس الوزراء تعيين او إقالة احد, ولا يستطيع المشترك فرض التوافق على البرلمان الرافض لالية المبادرة الخليجية. كما ان المؤسسات العسكرية والامنية والدبلوماسية والقضائية خارجة عن السلطة والتوافق او تقاسم السلطة. وعلى خلاف حزب الاصلاح نرى الاخوان المسلمين في مصر يفصلون بين المعركة السياسية والواجب الديني, فيشاركون في ترميم الكنائس التي يخربها الارهابيون, ويشركون المسيحيين والمرأة والعلمانيين في تقرير مصير بلدهم في اعلى هرم السلطة معاونين لرئيس الجمهورية, دون أي اقصاء للاخرين في صياغة دستور البلاد وغيرها من مهام المرحلة تخفف عنهم عبئ تحمل أي سلبيات قد تحدث.

نصيحتي للاصلاح في ذكرى تاسيسه ان لا يورط علماء الدين في امور السياسة ليتفرغوا للدين, ويخصص سياسيين للخوض في الاعيب السياسة دون ان يتكئوا على الدين فيلوثوه بها. كما ان اشراك الشباب الاصلاحي في القيادة الحزبية سيكون دليلاً على إقتناعهم بالتغيير وسعيهم له. في الجانب الاخر عليهم تعلم إحترام الاخر ممن يخالفهم الراي سواءً من حلفائهم او خصومهم او المستقلين, والابتعاد عن كيل الاتهامات بالعمالة او معاداة الدين دون دليل خصوصاً لمن لا ينتمون الى أي حزب سياسي وغيره فالوطن بحاجة لجميع الخييرين من ابنائه.

التعليقات مغلقة.