أرض الصومال بين الاعتراف “الإسرائيلي” والردع اليمني: دلالات موقف السيد القائد من التمدد الصهيوني

صنعاء سيتي | تقرير خاص 

 

يمثل موقف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، قائد الثورة اليمنية، حول المستجدات الأخيرة في الصومال وتجدد الاعتراف بالكيان الصهيوني بإقليم أرض الصومال، مرحلة مفصلية في صياغة السياسة اليمنية الإقليمية وفهم موازين القوى في البحر الأحمر والقرن الإفريقي. البيان الصادر عن السيد الحوثي لم يكن مجرد رد فعل على حدث محدد، بل موقفًا استراتيجيًا متكاملًا يعكس حرص اليمن على حماية أمن المنطقة العربية والإسلامية، ومواجهة التمدد العدواني للكيان الصهيوني، في إطار رؤية شاملة تتجاوز الأزمة الراهنة لتشمل الأمن القومي اليمني، الملاحة في البحر الأحمر، واستقرار القرن الإفريقي.

الرسائل المركزية للبيان تحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية واضحة، فهي تحدد الخطوط الحمراء لأي جهة تتعامل مع هذا الملف، وتضع معادلات ردع عملية، بما فيها اعتبار أي تواجد عسكري للعدو الصهيوني في أرض الصومال هدفًا مشروعًا للنيران اليمنية. هذه الصياغة تعكس إدراك القيادة اليمنية لأبعاد المخاطر، وتوضح رؤية استراتيجية متكاملة تتعامل مع الأمن القومي اليمني، والأمن الإقليمي، والملاحة الدولية.

المرتكزات الاستراتيجية لموقف السيد القائد

البيان يؤكد بشكل صريح موقف اليمن الثابت والواضح تجاه الاعتراف الصهيوني بإقليم أرض الصومال، حيث يُنظر إليه كخطوة عدوانية تهدف إلى زعزعة وحدة الصومال واستغلال الانقسامات الداخلية لتوسيع النفوذ الصهيوني. استخدم السيد الحوثي لغة سياسية دقيقة، مشددة على أن هذا الاعتراف باطل قانونيًا وشرعيًا، وأن أي محاولة لتثبيت موطئ قدم عسكري أو استخباراتي للعدو في المنطقة تُعد تهديدًا مباشرًا لأمن اليمن وللأمن الإقليمي.

كما يوضح البيان نطاق التأثير المباشر للموقف اليمني، حيث الهدف لا يقتصر على دعم الصومال فحسب، بل يمتد لحماية البحر الأحمر وخليج عدن، وهما شريانان حيويان للملاحة الدولية. هذا الربط يعكس وعي القيادة اليمنية بأبعاد المشروع الصهيوني، حيث أن أي محاولة لتحويل الصومال إلى قاعدة عدوانية ستؤثر مباشرة على الأمن القومي اليمني وأمن الملاحة البحرية، وهو تهديد استراتيجي لا يمكن تجاوزه.

يُظهر الموقف أيضًا جدية اليمن في الردع الاستراتيجي، إذ أن البيان لم يقتصر على الرفض السياسي، بل أشار صراحة إلى الإجراءات الممكنة لمواجهة أي اعتداء، بما فيها الرد العسكري. هذا يعكس أن القيادة اليمنية تتعامل مع الأزمة من منظور معادلات القوة وموازين الردع العملية، وهو مؤشر على وعي عميق بالتحديات الإقليمية وقدرة اليمن على حمايتها.

اللغة المستخدمة في البيان تحمل تهديدًا مباشرًا ومحددًا، وهو ما يدل على أن الموقف ليس شعارات فارغة، بل يعبر عن إرادة اليمن على أرض الواقع. أي خرق للسيادة الصومالية سيواجه ردًا فوريًا، مما يعكس استراتيجية واضحة تقوم على حماية أمن المنطقة سياسيًا وعسكريًا معًا.

أمن اليمن قرار سيادي غير قابل للمساومة

تبرز أهمية الموقف اليمني من خلال كونه رسالة قوية لكل الأطراف الإقليمية والدولية بأن اليمن ليست مجرد مراقب، بل طرف فاعل في حماية مصالحه وأمن جيرانه. البيان يوضح أن اليمن تعتبر الصومال جزءًا من دائرة الأمن الإقليمي، وأن أي تهديد له يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي اليمني. هذه القراءة الاستراتيجية تعزز مكانة اليمن كدولة فاعلة قادرة على التأثير في المعادلات الإقليمية، وتبين أن موقفها سياسي وعسكري متكامل.

كما يعكس البيان فهمًا معمقًا لأهمية البحر الأحمر كممر حيوي استراتيجي، وارتباط أمنه بمصالح اليمن الحيوية، خاصة وأن أي موطئ قدم للعدو الصهيوني في القرن الإفريقي يمكّنه من تهديد الملاحة الدولية. هذا الربط بين الاستقرار البحري والأمن القومي يظهر الرؤية الشاملة لمخاطر التمدد الصهيوني، ويؤكد أن الموقف اليمني يمتد ليشمل البعد الإقليمي والاستراتيجي، وليس محليًا فقط.

من جانب آخر، يعزز البيان مكانة اليمن كداعم دائم للصومال والشعوب المستقلة، ويدعو الأمة العربية والإسلامية إلى الوقوف صفًا واحدًا لدعم المواقف الوطنية المستقلة. هذه الدعوة تحمل بعدًا سياسيًا واضحًا، فهي تشير إلى أن اليمن ترى في موقفها حماية للكرامة والسيادة، وتشدد على أن أي تواطؤ عربي أو دولي مع مشاريع العدو الصهيوني لن يُترك دون حساب.

وحدة المؤسسات اليمنية حول هذه القضية تظهر قدرة الدولة على تحويل موقفها السياسي إلى قوة فعلية على الأرض، وتعكس التماسك الداخلي والاستعداد لمواجهة أي تهديد مباشر. هذا التوحد يرسل رسالة واضحة للعدو والمجتمع الدولي على حد سواء: أن الأمن اليمني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن المنطقة، وأن أي خرق للسيادة أو دعم لمخططات العدو سيقابَل بحزم كامل على الصعيدين السياسي والعسكري.

رسائل السيد القائد ودلالاتها

أبرز ما يتضمنه البيان هو رفض الاعتراف الصهيوني الباطل بأي كيان منفصل، واعتباره عدوانًا على سيادة الصومال وعلى الأمن القومي اليمني. هذا الموقف يعكس استراتيجية واضحة: اعتبار أي تدخل صهيوني مباشر تهديدًا للمنطقة، وعدم السماح بتحويل أي جزء من الصومال إلى قاعدة عدوانية.

تأكيد البيان على الخطوط الحمراء يعكس جدية الموقف: أي تواجد عسكري للعدو الصهيوني في الصومال سيكون هدفًا مشروعًا للنيران اليمنية. هذه الرسالة تتجاوز الرمزية، لتترجم إرادة اليمن السياسية إلى معادلات قوة واضحة تجعل الخصوم يدركون أن أي خطوة عدائية لن تمر دون حساب.

كما يحمل البيان دعوة للتضامن العربي والإسلامي لدعم الصومال وفلسطين، وهو ربط استراتيجي بين الموقف اليمني ومصلحة الأمة بأسرها. يؤكد البيان أن الأمن القومي الإقليمي مرتبط بمدى الاستجابة لهذه الدعوات، وأن التخاذل العربي والإسلامي يوفر فرصة للعدو الصهيوني لتوسيع مخططاته. هذا البعد يوضح قراءة استراتيجية متكاملة تربط بين الموقف الوطني، البعد الإقليمي، والأبعاد الأخلاقية والإنسانية.

وحدة الموقف اليمني

الموقف الذي أعلنه السيد الحوثي لم يكن موقفًا فرديًا، بل انعكاسًا لوحدة المؤسسات اليمنية السيادية. المجلس السياسي الأعلى، حكومة التغيير والبناء، مجلس الشورى، والأحزاب والقوى السياسية المناهضة للعدوان، جميعها أعلنت تضامنها الكامل مع الصومال، واعتبرت أي تواجد صهيوني في أرض الصومال تهديدًا مباشرًا لأمن اليمن والمنطقة، مؤكدين حق اليمن في اتخاذ كافة الإجراءات، بما فيها الخيارات العسكرية.

هذه الوحدة المؤسساتية تعكس قدرة الدولة اليمنية على توحيد خطابها السياسي والدبلوماسي، وإرسال رسائل واضحة للعدو الصهيوني والمجتمع الدولي بأن الموقف اليمني ليس شعارًا إعلاميًا، بل سياسة دولة واضحة ومتماسكة، مدعومة بالقدرة على التنفيذ الفعلي.

كما يوضح الموقف الموحد قدرة اليمن على ربط سياساتها الداخلية بمصالحها الإقليمية، حيث أكد المجلس السياسي الأعلى وحكومة التغيير والبناء أن أمن الصومال من أمن اليمن، وأن أي خرق للسيادة الصومالية سيواجه بموقف شامل يعكس خبرة اليمن في التعامل مع الملفات الاستراتيجية وعمق وعيها بالمخاطر.

الأطماع الصهيونية في الصومال ومخاطرها الإقليمية

الاعتراف الصهيوني بإقليم أرض الصومال لا يمثل مجرد خطوة دبلوماسية، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لخلق قاعدة نفوذ في القرن الإفريقي. الأطماع الصهيونية في فصل جزء من الصومال تحمل أبعادًا متعددة:

سياسيًا: تهدف إلى تفكيك وحدة الصومال واستغلال الانقسامات الداخلية لتثبيت موطئ قدم يضمن النفوذ الصهيوني في المنطقة، والتحكم في القرار السياسي المحلي بما يخدم المصالح الاستراتيجية للكيان.

عسكريًا: إنشاء قواعد عسكرية أو استخباراتية في الإقليم المفصول يتيح للعدو الصهيوني القدرة على مراقبة حركة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وتهديد الحدود الجنوبية لليمن والدول المطلة على البحر الأحمر.

أمنيًا: دعم الجماعات المسلحة المحلية أو التنظيمات المتطرفة لزعزعة الأمن الداخلي للصومال والمنطقة، واستغلال الفراغ الأمني لتحقيق مصالحه.

استراتيجيًا: التحكم في الممرات البحرية الحيوية، وتهديد خطوط التجارة الدولية، وإعادة تشكيل التوازن العسكري في القرن الإفريقي بما يخدم أهدافه التوسعية.

المخاطر المباشرة على اليمن تشمل تهديد السيادة الوطنية، احتمالية عمليات عسكرية مباشرة على الحدود، ودعم الجماعات المسلحة قرب الأراضي اليمنية، بالإضافة إلى تهديد الملاحة التجارية في البحر الأحمر والممرات البحرية الحيوية. الدول المطلة على البحر الأحمر، مثل مصر، السعودية، السودان، جيبوتي، وإريتريا، ستكون أيضًا عرضة لتأثيرات هذا التمدد العسكري، سواء اقتصاديًا أو أمنيًا.

إضافة هذا المحور يوضح سبب صرامة الرد اليمني، ويبرر المواقف السياسية والعسكرية التي أعلنها السيد الحوثي، ويربطها بالواقع الاستراتيجي والمخاطر المباشرة على الأمن القومي الإقليمي.

الموقف اليمني كمعيار للردع الإقليمي

تكشف قراءة موقف السيد عبد الملك الحوثي عن استراتيجية يمنية متكاملة، تجمع بين السياسة الصريحة، الردع العسكري، والتضامن الإقليمي. الموقف يعكس فهمًا دقيقًا للمخاطر الاستراتيجية، ويضع خطوطًا حمراء واضحة لكل الأطراف، مشددًا على أن أي تهديد للسيادة الصومالية أو البحر الأحمر سيكون محل ردع مباشر.

وحدة المؤسسات اليمنية في دعم هذا الموقف، من الرئاسة والحكومة إلى الأحزاب والقوى السياسية، تعكس قوة الدولة في صياغة سياسات حازمة وتحويل المواقف السياسية إلى أطر تنفيذية فعلية. تؤكد هذه الوحدة أن اليمن تقف في خط الدفاع الأول عن الأمن القومي الإقليمي، وأن أي خرق للخطوط المعلنة سيواجه بحزم وجدية، في إطار سياسة مستمرة ومتكاملة لمواجهة مخططات العدو الصهيوني.

يبقى الموقف اليمني معيارًا واضحًا للردع الإقليمي، ورسالة لكل الأطراف بأن اليمن ليست طرفًا مراقبًا، بل قوة فاعلة تقرر حماية مصالحها ومصالح الأمة العربية والإسلامية، وسياسات الردع والتأثير ستكون حاضرة على الأرض وفي كل أبعادها السياسية والاستراتيجية.

 

*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر

التعليقات مغلقة.