غذاء من خيرات اليمن.. توزيع الزكاة العينية لمستحقيها شاهدٌ جديد على بركات ثورة 21 سبتمبر

صنعاء سيتي | تقرير خاص

في مشهد يُجسّد التحوّل العميق الذي أحدثته ثورة 21 سبتمبر في بنية الدولة ورؤيتها لدورها تجاه الفقراء والمساكين، دشّنت الهيئة العامة للزكاة المرحلة التاسعة من مشروع الزكاة العينية للمحاصيل النقدية تحت شعار “غذاء واكتفاء”.. مشروع ضخم يعكس انتقال الزكاة من كونها مورداً كان يُنهب في السابق لصالح مراكز النفوذ القديمة، إلى فريضة تُؤدى بشفافية وكرامة وتصل إلى من خُصّوا بها شرعًا.

ثلاثون ألف أسرة جديدة تستقبل سلالًا غذائية مستخرجة من خيرات الأرض اليمنية، بينما يقف البلد تحت حصار خانق وعدوان مستمر منذ 11 عامًا… ومع ذلك ينجح في تحويل الزراعة والزكاة إلى عامل صمود واكتفاء وبناء.

مشروع “الزكاة العينية”.. نموذج عملي لاقتصاد مقاوم

دشّن القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء، العلامة محمد مفتاح، المرحلة التاسعة من مشروع الزكاة العينية، وهو واحد من أبرز المشاريع التي أطلقتها هيئة الزكاة خلال السنوات الماضية، في إطار تحويل فريضة الزكاة إلى رافعة اقتصادية واجتماعية تدعم الفقراء والمزارعين في آن واحد.

المشروع يستهدف توزيع 30 ألف سلة غذائية تضم أصنافًا يمنية خالصة: العسل، اللوز، الزبيب، البن، قشر البن، زيت السمسم، التمر، والفول السوداني… خيرات البلاد التي كانت سابقًا حبيسة الوسطاء والمحتكرين، باتت اليوم تُقدَّم للفئات الأكثر فقرًا: ذوو الاحتياجات الخاصة، المصابون بالثلاسيميا، جرحى الحرب، المعاقون، إضافة إلى الجاليات الأفريقية المحتاجة.

ثورة 21 سبتمبر.. حين عادت الزكاة إلى مسارها الشرعي

خلال التدشين، طرح العلامة مفتاح سؤالًا ظل يتردّد في الشارع اليمني منذ قيام الثورة: أين كانت تذهب هذه المليارات من أموال الزكاة قبل 21 سبتمبر؟

اليوم، وبحسب بيانات هيئة الزكاة، وصل خير المحاصيل النقدية خلال المراحل التسع إلى 248 ألف أسرة، بينما استفادت 152 ألف أسرة من زكاة الحبوب بواقع قدح لكل أسرة. هذه الأرقام تكشف حجم الثروة التي كانت تُنهب في زمن الأنظمة السابقة، وكيف أعادت الثورة ضبط مسارها لتصب مباشرة في بيوت المحتاجين.

من أرض اليمن مباشرة.. منتجات محلية بمعايير عالمية

مشروع الزكاة العينية لا يقتصر على جمع المحاصيل وتوزيعها، بل يشمل سلسلة عمليات متكاملة تبدأ من الاستلام والتثمين، مرورًا بالتنقية والتحميص والطحن وعصر الزيوت، وصولًا إلى التغليف والتعليب وفق آليات مدروسة. العاملون في المشروع يخضعون لدورات تدريبية تخصصية لضمان جودة المنتج وإيصاله للمستفيد بصورة لائقة ومشرفة.

هذه العمليات تؤسّس فعليًا لصناعة غذائية محلية مرتبطة بالزكاة، بما يضمن تحقيق قيمة مضافة للمحاصيل الزراعية ويشجع المزارعين على التوسع في الإنتاج.

الاكتفاء الذاتي.. رؤية وطنية خالصة لا تعوّل على المنظمات

أكد القائم بأعمال رئيس الوزراء أن اليمن لا ينبغي أن ينتظر المنظمات الدولية، التي كثيرًا ما ربطت المساعدات بشروط سياسية وجهوية. وأوضح أن خيرات البلاد كفيلة ببلوغ مرحلة لا يبقى فيها معوز واحد، لولا الحصار والعدوان الممتد للعام الحادي عشر، والذي دمّر مقدّرات البلاد لكنه لم ينجح في كسر إرادة اليمنيين.

وأضاف أن الزراعة والتعاونيات والعمل الأهلي هي بوابة الاكتفاء الحقيقي، داعيًا إلى توجيه الجهود الرسمية والشعبية نحو تعزيز الوعي الزراعي، دعم المزارعين، وإنشاء سلاسل تسويق وتنظيم السوق المحلي لمواجهة التلاعب والاحتكار.

هيئة الزكاة.. مشاريع واسعة تُعيد تعريف التكافل

استعرض رئيس الهيئة، الشيخ شمسان أبو نشطان، جانبًا من المشاريع التي تم تنفيذها خلال الفترة الماضية، وكانت تتجاوز مفهوم الزكاة التقليدي نحو منظومة متكاملة تشمل:

  • مشروع الغارمين.

  • مخيم طبي بالدريهمي.

  • دعم المستشفى الجمهوري بخدمات طبية مجانية.

  • مشروع “دعامة الحياة” لمرضى القلب.

  • مشروع العاجزين عن العمل الذي يخدم 50 ألف أسرة شهريًا.

  • عمليات زراعة الكلى للمحتاجين.

هذه المشاريع تثبت أن الهيئة لم تعد مجرد جهاز تحصيل وصرف، بل مؤسسة إنسانية واقتصادية ضخمة تُعيد صياغة مبدأ التكافل في المجتمع اليمني عبر خطط تنموية مستدامة.

ثمار الزكاة.. من الناس للناس

فيما يتعلق بزكاة الحبوب، تمكّنت الهيئة من إشراك المزارعين أنفسهم في عملية صرف الزكاة داخل مناطقهم، لترتفع نسبة الثقة والتفاعل، ويتحوّل العمل إلى نشاط مجتمعي تشاركي يقوم على الشفافية المباشرة بين المزكّي والمستحق.

أما المحاصيل النقدية، فيتم جمعها من مختلف المحافظات، تثمينها، ثم معالجتها وتغليفها قبل توزيعها على الفقراء بطريقة مهنية ومنظمة، بما يعكس مستوى التطوير المؤسسي الذي شهده القطاع خلال السنوات الأخيرة.

التدشين.. حضور رسمي ورسالة اجتماعية

حضر الفعالية عدد من قيادات الدولة والغرفة التجارية، إلى جانب مسؤولي هيئة الزكاة، وشهدت الفعالية عرضًا وثائقيًا وأوبريتًا إنشاديًا وقصيدة للشاعر محمد الحربي، في رسالة ترسيخية لثقافة العطاء والصمود والاعتماد على الذات.

تحول جوهري في إدارة موارد البلاد

هكذا تكشف المرحلة التاسعة من مشروع الزكاة العينية عن تحوّل جوهري في إدارة موارد البلاد، وعن نموذج اقتصادي اجتماعي يتشكل رغم الحصار والعدوان.. ثورة 21 سبتمبر لم تكن مجرد تغيير سياسي، بل مشروع لإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وفي مقدمتها حق الفقير في الزكاة.

واليوم، ومع كل سلة غذائية تصل إلى أسرة محتاجة، تتأكد حقيقة واحدة: أن اليمن، بإمكاناته وبصموده، قادر على أن يبني نموذج اكتفاء مستقل، وأن يحوّل الزكاة من فريضة معطّلة إلى رافعة اقتصادية تلامس حياة الناس مباشرة.

*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر

التعليقات مغلقة.