السعوديّة بين مِطرَقة ترامب واستحقاقات عدوانها على اليمن
صنعاء سيتي | مقالات | ربيع النقيب
لم تعد السعوديّة تتحَرّك اليوم في فضاء سياسي مريح، ولا في بيئة دولية تتيح لها هامش المناورة الذي اعتادت عليه منذ عقود.. بل تجد نفسها – وبصورة متزايدة – عالقة بين مطرقة الابتزاز الأمريكي الذي يجسده دونالد ترامب، وبين استحقاقات عدوان طويل ومكلف على اليمن بدأت فصوله الأولى دون حساب دقيق للعواقب، وانتهى إلى مأزق استراتيجي متعدد الأوجه.
منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الأولى، تعامل مع السعوديّة بمنطق “ادفع تُحْمَ”، مُحوِّلًا التحالفَ التاريخي إلى علاقة تجارية فجةً كعلاقة المزارع ببقرته الحلوب.
لم يُخفِ الرجلُ في خطاباته وتصريحاته أن بقاء النظام السعوديّ وأمنه مرتبط مباشرة بالغطاء الأمريكي، وأن هذا الغطاء ليس مجانيًّا.
ومع عودته من جديد إلى المشهد السياسي بقوة، يعود شبح الابتزاز ذاته، مرفقًا بفاتورة أعلى، وشروط أشد قسوة، في مقدمتها: صفقات السلاح، وضمان أمن الكيان الصهيوني، والانخراط الكامل في مشاريع الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
وفي الجهة المقابلة، تقف جبهة اليمن كأثقل استحقاق عسكري وسياسي وأخلاقي في التاريخ الحديث للسعوديّة.
عدوان طال أمده، واستنزف الموارد، وفضح محدودية القدرة العسكرية، وأسقط صورة “الزعامة الإقليمية” التي سعت الرياض لتسويقها.
فاليمن، رغم الحصار والقصف والتجويع، استطاع أن يُملي معادلات ردع جديدة، وينقل المعركة إلى عمق السعوديّة، كاشفًا أن أمنها لم يعد بعيدًا عن مرمى النيران.
إن المِأزقَ السعوديَّ اليوم لا يكمن فقط في إخفاق الحرب، بل في تضارب الخيارات.
فالتراجع عن العدوان اعتراف ضمني بالفشل، والاستمرار فيه يعني مزيدًا من الاستنزاف والعزلة الدولية، لا سِـيَّـما في ظل تنامي الانتقادات الحقوقية، وتحول اليمن إلى ملف محرج في المحافل الدولية.
وكلما حاولت السعوديّة تخفيف الضغط عبر مسارات سياسية جزئية أَو تفاهمات هشة، أعاد الواقع الميداني فرض شروطه بقسوة.
ترامب، بعقليته التجارية، لا يرى في هذا المأزق سوى فرصة جديدة للضغط والابتزاز.
فهو يدرك حاجة السعوديّة للحماية، ويُتقن اللعب على مخاوفها من اليمن، ومن إيران، ومن التحولات الإقليمية المتسارعة.
وهكذا، تصبح الرياض عالقة بين خيارين أحلاهما مر: إخضاع القرار السيادي أكثر للبيت الأبيض، أَو مواجهة نتائج مغامرة عسكرية لم تحسمها بعد.
في المحصلة، تبدو السعوديّة اليوم كمن يحملُ إرثَ حرب ثقيلة، ويدخل بها سوق المساومات الدولية في زمن لا يعترف بالضعفاء.
فمطرقة ترامب تزدادُ صلابة، واستحقاقات اليمن لا تسقط بالتقادم.
وبين هذا وذاك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تملك الرياض شجاعة مراجعة خياراتها، والاعتراف بأن أمن المنطقة لا يُبنى بالعدوان، أم أنها ستواصل الدوران في حلقة الاستنزاف حتى آخر ريال وآخر ورقة سيادية؟
إن اليمن، بصموده، لم يفرض معادلة عسكرية فحسب، بل كشف حقيقة التوازنات، وأثبت أن الشعوب، مهما حوصرت، قادرة على كسر مخطّطات الهيمنة، وجر المعتدين إلى مستنقعات لا خروج منها إلا بالاعتراف بالحق، ووقف العدوان، والتسليم بإرادَة الأحرار.
التعليقات مغلقة.