اليمن.. صوتٌ أقوى من الحظر

صنعاء سيتي | مقالات | بشير ربيع الصانع

 

يقف اليمن اليوم، بفضل الله ورعايته، وقفةً لا تشبهها وقفة، ويخط في وجه الأعداء سطورًا من الثبات والإباء أربكت حساباتهم وجعلتهم يتخبطون في كُـلّ خطوة يقدمون عليها.. فمنذ أن تصدى اليمن لكل المشاريع العدوانية التي استهدفت أرضه وعزته وكرامته، تهاوت أقنعة القوة المصطنعة التي طالما تباهى بها تحالف الشر، المتمثل في أمريكا وكَيان الاحتلال وعملائهم، وتكشفت هشاشته أمام صمود شعب لا يُهزم؛ لأنه يستمد عزيمته من الله أولًا، ثم من وعيه وهُويته الإيمانية.

لقد جرَّبَ الأعداءُ كُـلَّ أدوات الحرب العسكرية، فأذاقهم اليمن بقوة الله ما لم يكن في حسبانهم، وألحق بهم الهزائم والفضائح التي سجلتها ميادين المواجهة وذاكرتها.

وحين عجزت آلاتهم عن كسر إرادَة اليمنيين، وحين انطفأ ضجيجهم أمام ضربات القوة الصاروخية والمسيرات اليمنية، وجدوا أنفسهم يبحثون عن ساحات أُخرى يظنون أنهم قادرون فيها على تحقيق ما فشلوا فيه في الميدان؛ فلجأوا إلى حظرِ صفحات الإعلاميين والناشطين اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم بهذا الحظر يستطيعون إسكات الحقيقة أَو وأد الوعي.

هذه الخطوة وحدها كافية لتكشف مستوى الإفلاس الذي وصلوا إليه؛ فهي أوضح برهان على أن صوت الناشطين اليمنيين بات مؤثرًا إلى الحد الذي يُخيف منظومات إعلامية كبرى تتغذى على التضليل والتعتيم.

ومتى خاف عدوٌ من كلمة؟ إنه لا يفعل ذلك إلا لأنه أدرك أنها تفضحه وتعرّي أكاذيبه أمام الشعوب الحرة، وتكشف زيف دعايته، وتُسقط سردياته المزيفة التي طالما راهن عليها.

وهنا تتجلى سنة الله في خلقه: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

فالحقيقة يكفيها أن تُقال بصدق حتى تزهق باطلًا طالما تضخم بالوهم والبهتان.

وما يخشاه الأعداء في الحقيقة هو نور القرآن الكريم والوعي الذي يتسلل إلى القلوب الباحثة عن الحقيقة، فينير بصائرها ويهدم جدران الكذب التي تراكمت عبر عقود من التزييف.

وما يخشونه هو ذلك الصوت الحر الذي رفض أن يُضلَّل، ورفض أن يساوم، ورفض أن ينحني أمام عالم التزييف.

فمن يخاف من صوت ناشط أَو إعلامي هو أعجز بلا شك من أن يثبت في ساحات الوغى؛ لأن من تهتز روحه أمام الكلمة لا يستطيع أن يواجه شعبًا يقاتل بعقيدة وإيمان.

وفي خضم الجولة القادمة من الجهاد في سبيل الله، يتسع خوف الأعداء من الأصوات الحرة؛ لأنها أصبحت اليوم المصدر الرئيسي لتلقي الأخبار لدى الشعوب الحية التي لم تعد تثق في الإعلام المأجور، بل تتجه نحو الإعلام المقاوم الذي ينقل الحقيقة كما هي، ويُظهر الأحداث من قلب الميدان، ويكشف المستور الذي يخشاه الأعداء.

لقد أصبح هذا الإعلام محل ثقة لأنه يملك الصدق، والصدق سلاح لا يمكن هزيمته.

ولهذا، يسعى الأعداء جاهدين إلى حجب الإعلام المقاوم والمجاهد، طمعًا في أن يرتكبوا جرائمهم في الظلام، بعيدًا عن أعين الشعوب وأصوات الأحرار.

لكنهم سيفشلون كما فشلوا في كُـلّ مرة؛ فالله وعد بنصر المستضعفين، ولله جنود السماوات والأرض، وهو على نصر عباده لقدير.

وما دام هناك من يحمل الكلمة الصادقة، فستظل جرائمهم مكشوفة، وستظل الشعوب شاهدة على ظلمهم مهما حاولوا إخفاءه.

وليس غريبًا أن يحاربوا صوت الحقيقة، فقد حاربه من قبلهم أهل الباطل جميعًا، وها هو القرآن يخبرنا عن نزعتهم القديمة: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

إنهم يحاولون إطفاء النور بالنَّفَس الضعيف، بينما نور الله يمتد في القلوب والعقول، ويكبر في كُـلّ ساحة من ساحات المواجهة.

وما أصاب الأعداء في مقتل، وما ضاعف من ارتباكهم وغضبهم، هو ما أعلنت عنه صنعاء مؤخّرًا من كشفٍ واسع لشبكة الجواسيس الصهيونية-الأمريكية-السعوديّة التي كانت تعمل ضد الشعوب الحرة والمقاومة، وكشف خلفيات التجسس وآلياته ووسائله الحديثة التي استخدمها الأعداء للتغلغل داخل المجتمعات واستهداف هويتها ووعيها وأمنها واستقرارها.

لقد قدمت صنعاء للعالم مادة استخباراتية وتوعوية غير مسبوقة، وفضحت الطرق والأساليب التي كان يعتمدها الأعداء في جمع المعلومات وتوجيه حملات التأثير والاختراق، وبثت هذه الحقائق عبر القنوات الوطنية ليراها العالم أجمع، ولتتحول إلى مصدر وعي عام يحصّن الأُمَّــة ويكشف حيل الأعداء.

وقد تفاعل عدد كبير من الناشطين مع هذه المواد، وشرحوها ونشروها على نطاق واسع، الأمر الذي أزعج الأعداءَ بشكل بالغ، ودفعهم إلى شن حملة حظر واسعة على الحسابات المؤثرة التي عملت على فضح خلفية هذه الشبكة وشرح خططها وتحَرّكاتها للرأي العام.

لقد أدرك الأعداء أن هذا الكشفَ سيُسقِطُ الكثيرَ من أدواتهم السرية، وسيجعل الجميع أكثر يقظة وحذرًا، وأن ستار التخفي الذي طالما احتموا خلفه قد تمزق أمام العالم بأسره، فحاولوا الانتقام من الأصوات التي حملت الحقيقة إلى الناس.

إن صمود اليمن وحكمته أصبحا مدرسة وعي وإيمان وصبر، تربك الأعداء كلما تقدم الزمن، وتُسقطهم كلما حاولوا الانتفاض من كبواتهم.

ولن تُخمد أصوات الأحرار مهما أغلقوا الصفحات أَو حظروا الحسابات؛ لأن الصوت الذي يخرج من قلب معركة الحق لا يمكن أن يُسكت، والحق مهما حورب، لا يموت.

قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. صدق الله العظيم.

التعليقات مغلقة.