اللغة المفهومة لدى الاحتلال

صنعاء سيتي | مقالات | نبيل الجمل

 

الاحتلال لا يحترم الاتّفاقيات.. واليمن يُثبِت أن الردع هو اللغة الوحيدة المفهومة.

لم يكد دُخانُ اتّفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة يهدأ، حتى بدأ الاحتلالُ الإسرائيلي في تنفيذ سلسلة لا تنتهي من الانتهاكات.

أكثر من 9400 اختراق منذ توقيع الاتّفاق – ليس مُجَـرّد رقمٍ عابر، بل شهادة اتّهام دامغة ضد كيانٍ لا يحترم العهود، ولا يلتزم ببنود الاتّفاقيات، بل يستخدمها كأدَاة تكتيكية لالتقاط الأنفاس، بينما يُواصل تجويع شعبٍ أعزل ومحاصر.

الوقائع على الأرض تُثبت أن العدوان لم يتوقّف، بل تحوّل من شكلٍ إلى آخر.

فبينما تراجعت الضربات الجوية نسبيًّا، تصاعدت الجرائم الإنسانية: تقليص المساعدات، منع دخول الوقود والدواء، وعرقلة وصول الإغاثة إلى من يحتاجها فعلًا.

والأخطر من ذلك، ما تكشفه تقارير ميدانية من أن غالبية الشاحنات التي تدخل غزة لا تصل إلى المدنيين، بل تُحوَّل إلى تجارٍ يُستغلّون الأزمة لمكاسب خَاصَّة، في ظل غياب رقابة حقيقية أَو إرادَة دولية جادة لضمان توزيع عادل.

هذا التلاعب ليس عشوائيًّا، بل جزء من استراتيجية ممنهَجة لاستخدام الحاجة كسلاح – سياسة تجويع مُقنَّعة باسم “الهدنة”، تهدف إلى كسر إرادَة الشعب الفلسطيني، ودفعه إلى الاستسلام عبر الجوع والعطش، لا عبر السلاح وحدَه.

وفي خضمّ هذا الواقع المرير، يبرز موقف اليمن كواحدٍ من أبرز المواقف الصريحة والفعّالة في دعم غزة.؛ إذ أكّـد السيد القائد عبد الملك الحوثي -حفظه الله- أن “اليمن نجح في الجولة الأولى”، في إشارة واضحة إلى أن الضغط الذي مارسه الجيش اليمني عبر عملياته المساندة لغزة كان له أثرٌ استراتيجي مباشر على معادلات الصراع، وغيّر من طبيعة الحسابات الإسرائيلية.

الأهم من ذلك، أن التصريح الذي تبعه – والذي أعلن فيه أن “جولة جديدة من التصعيد حتمية” – ليس تهديدًا عابرًا، بل قراءة واقعية لسلوك الاحتلال.

فالكيان الصهيوني، عبر تاريخه الطويل، أثبت أنه لا يفهم إلا لغة القوة.

وكلما تخلّى الخصم عن الردع، زاد الاحتلال جرأةً وعنجهية.

لذا، فإن الإعلان عن الجاهزية للجولة القادمة ليس رغبة في الحرب، بل ضرورة لفرض احترام الاتّفاقيات وحماية المظلومين.

والأكثر عمقًا في كلام السيد القائد هو تأكيده أن “الاستقرار لن يبقى قائمًا في المنطقة ما دام الاحتلال مُستمرًّا في فلسطين”.

هذه الجملة ليست مُجَـرّد موقف سياسي، بل تشخيصٌ دقيق لأصل الأزمات في المنطقة.

فكل الحروب، وكل التوترات، وكل الانقسامات، تعود جذورها إلى وجود كيانٍ احتلالي استيطاني، يُهدّد أمن الشعوب ويُدمّـر استقرار الدول.

ولن تعرف المنطقة سلامًا حقيقيًّا ما لم يُنَهَ هذا الاحتلال.

في المقابل، يظل المجتمع الدولي غارقًا في الصمت أَو التصريحات الفارغة.

فالمنظمات الدولية تكتفي بالإعراب عن “القلق”، بينما تُرتكب جرائم حرب يومية أمام عدسات الكاميرات.

والاتّفاقيات التي تُوقَّع تحت رعاية دولية تُنتهك دون أي عقاب أَو رادع.

هذا الصمت لم يعد محايدًا، بل تواطؤًا صريحًا.

لذا، فإن ما يجري اليوم يتطلب أكثر من الشجب والتنديد.

يحتاج إلى:

أولًا، موقف دولي جاد يُرافقه آليات ضغط فعّالة – عقوبات، مقاطعة، مسائلة قانونية – لردع الاحتلال عن خرق الاتّفاقيات ومنع تعمّد عرقلة المساعدات الإنسانية.

ثانيًا، استعداد عربي وإسلامي حقيقي للتصدي، ليس فقط بالخطابات، بل عبر دعم المقاومة الميدانية، وبناء جبهات ردع حقيقية، كما يفعل اليمن اليوم.

ثالثًا، الإيمان الراسخ بأن التحرير لا يُوهَب، بل يُنتزَع.

وأن كُـلّ تنازل عن مبدأ الردع يُفسَّر من العدوّ كضعفٍ يجب استغلاله.

في النهاية، لا سلام مع احتلال، ولا هدنة دائمة مع كيانٍ لا يحترم العهود.

واليمن، بمقاومته الواعية والمستنيرة، يُذكِّر الجميع بأن الطريق الوحيد لردع العدوّ، وحماية المظلومين، وتحقيق العدالة، هو أن تُثبت له أن كلفة عدوانه ستكون دائمًا أعلى من أي مكسبٍ يظنه.

التعليقات مغلقة.