الوعي في مواجهة حملات التثبيط

صنعاء سيتي | مقالات | هاشم أبوطالب

 

 

الإيمان الواعي هو تلك الطاقة الإلهية التي لا تنطفئ في قلب المؤمن مهما اشتدت رياح التيئيس، ولا تنكسر عزيمته مهما اشتدت عليه حملات التثبيط التي تقودها قوى الكفر والنفاق. فالمؤمن الذي امتلأ يقينًا بأن الله معه، لا تضعف روحه أمام الضجيج، ولا تهتز نفسه أمام حرب الشائعات، لأنه يدرك أن الثبات على طريق الله هو النصر الأول، وأن من كان مع الله فلا يُغلب أبداً.

ذلك الإيمان لا يولد من فراغ، بل هو ثمرة زكاء النفس وطهارة القلب واستقامة السلوك. هو نتيجةُ تربيةٍ قرآنيةٍ تهيئ الإنسان لأن يكون في مستوى العطاء والتضحية، ولأن يرى في لقاء الله غايته الكبرى وسعادته الأبدية. حين تزكو النفس وتتطهر من شهوات الدنيا، ويملأها الأمل في الله، والرغبة فيما عنده، والتطلع إلى رضوانه، يتحول الإنسان إلى شعلة لا تنطفئ، وإلى قلب لا يعرف الهزيمة، لأنه لم يعد يطلب إلا وجه الله.

بهذه القيم العظيمة  من إباء وشجاعة وشهامة وعطاء  تهيأ الشهداء ليكونوا على ذلك المستوى من البذل، فاختارهم الله ووشحهم بوسام الشرف الأبدي. بدمائهم تغيّرت المعادلات، وانتقل اليمن إلى موقع الهيبة بعيدا عن ذل أمة الملياري مسلم. صار الأعداء يحسبون لليمن الواثق بالله ألف حساب، لأن فيه رجالاً حاضرون للشهادة، ثابتين على الحق، لا تهزهم العواصف، ولا تفتّ من عزيمتهم المؤامرات، وأكثر من ذلك فهم حاضرون لخوض غمار الموت للحق دون اكتراث لعدة عدو وتخذيل صديق.

حينما فقدت الأمة هذه النوعية من الرجال  أولئك الذين يواجهون الطغيان بقلوب مطمئنة ونفوس مستبشرة بلقاء الله تحولت إلى قطيعٍ هين ذليل، هيمن عليه قوى الشر واستعبده قوى الطغيان.

إن الوعي الإيماني هو السلاح الذي يحطم المنافقين والمرجفين. فحين يلمس الأعداء في المؤمنين جدًّا واهتمامًا ووعياً وثقة بالله، يضمحلون ويتلاشون. تتضاءل نفسياتهم وتضمحل، وتضطرب ألسنتهم فلا يعرفون بماذا يتكلمون. وإذا وصلت الأمة إلى هذا المستوى من الوعي، فلن تؤثر فيها حملات التضليل مهما بلغت، ولن تخترقها الذبذبات الإعلامية مهما تنوعت؛ لأن النفوس حين تكون مشدودة إلى الله، لا تنفذ إليها سهام الشيطان.

وهذا ما عبّر عنه القرآن حين دعا المؤمنين إلى الطاعة الحقيقية والعمل الجاد والثبات رغم وجود المنافقين والمخذّلين. فالله يأمر نبيّه: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين} ليبقى العمل قائماً رغم كل العقبات، وليبقى الأمل معقوداً على وعد الله الصادق بالنصر والتأييد. فالثبات لا يكون في زمن الراحة، وإنما في أوقات المحن، حين تتخلخل الصفوف ويضعف البعض، يبقى المؤمن الحق واقفاً شامخاً متوكلاً على الله.

إن التاريخ كله شاهد على أن الله لا يضيع أولياءه، وأن الرعاية الإلهية تحف من صدق معه. ألم ينته جبروت فرعون وهامان على يد موسى؟ خرج موسى من مصر خائفاً يترقب، فعاد إليها رسولاً قوياً يحمل النور والرسالة، يهزم الطغيان ويحرر المستضعفين. تلك قصة إلهية خالدة تؤكد أن الله يمهّد لأوليائه الطريق ولو بعد حين، وأن الرعاية الإلهية تبدأ من لحظة الثقة بالله.

وما يزال وعد الله قائماً: {ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}. إنها سنّة الله التي لا تتبدل، فالإيمان الواعي هو الذي يحوّل الضعف إلى قوة، والخوف إلى طمأنينة، والاستعباد إلى تمكين.

وأول عوامل النصر هو الاعتماد على معية الله وتأييده. فحين يعتمد المؤمن على الله وحده، لا يقارن بين إمكانياته البسيطة وقدرات عدوه الكبيرة، بل يرى أن الله هو القاهر فوق عباده، وأنه القادر على أن يلقي الرعب في قلوب الطغاة مهما بلغت ترساناتهم. فالقوة الحقيقية ليست في السلاح، بل في الإيمان الذي يستمد من الله عزّته وتوكله.

ومن الإيمان أن تكون الشدة في موضعها، فالقرآن يصف النبي ومن معه بأنهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم}، فلا رحمة في مواجهة الطغيان، ولا لين مع المستكبرين، لأن اللين مع الكفر ضعف، ولأن القوة في وجه الظلم هي الحكمة التي أرشد إليها الله. الرحمة تكون في داخل الأمة، بين المؤمنين المتكاتفين المتراحمين، أما أمام الطغاة فالموقف شدة وعزة وثبات.

وفي المقابل، فإن الذين يبيعون أنفسهم لله هم المصلحون الحقيقيون في الأرض. أولئك الذين يواجهون المفسدين بإيمانهم وبذلهم هم المؤمنون الصادقون الذين يمنعون الفساد أن يعمّ عباد الله. ومن أراد صلاح الأرض فليبدأ بإصلاح نفسه، بإعدادها، وبتزكيتها، وبالثقة بالله، لأن كل ضعفٍ أو قلقٍ أو ارتباكٍ مصدره البُعد عن الله، أما حين تجلس مع الله، فتمتلئ قوةً ويقيناً واطمئناناً.

إنها مرحلة فاصلة في تاريخ الأمة، مرحلة يُطلب فيها من الإنسان أن يختار أهي حياة لله أم لأعداء الله؟ إما أن تكون حياتك وموتك لله، وإما أن تُستدرج لتكون حياتك وموتك خدمة للطغاة والمستكبرين. فالطريقان لا يلتقيان طريق الإيمان الواعي الذي يعيد للأمة عزتها، وطريق التخاذل الذي يجعلها وقوداً في معارك الأعداء.

التعليقات مغلقة.