البحرية الأمريكية.. فشل ميداني وإخفاق في ترميم القوة

صنعاء سيتي | تقرير 

 

 

لا تزال تداعيات الانتكاسة التي منيت بها البحرية الأمريكية في البحر الأحمر تلاحق صانعي القرار في واشنطن؛ نظراً لانعدام الخيارات في كيفية التصدي لتهديد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على القطع البحرية، يعزز ذلك الأسعار المرتفعة للصواريخ الاعتراضية التي تستخدمها البحرية الأمريكية، حيث يبلغ قيمة بعض الصواريخ 4 ملايين دولار لمحاولة إسقاط طائرة مسيرة لا تتعدى قيمتها 30 ألف دولار.

“الأسطول الذهبي” اعتراف مدوٍ بالانهيار

في أبلغ دليل على الانهيار الهيكلي الذي أصاب القوة الأعظم في العالم بفعل الضربات اليمنية، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن المجرم ترامب يعمل على إطلاق مشروع عسكري ضخم تحت اسم “الأسطول الذهبي”. هذا المشروع -الذي يستهدف تحديث القدرات البحرية الأمريكية وإنشاء فئات جديدة من السفن الحربية- ليس ترفاً استراتيجياً، بل هو اعتراف صريح بالتدهور الكارثي الذي يشهده الأسطول الحالي.

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن بروز تباينات داخل القيادات العسكرية الأمريكية بشأن توجهات الرئيس دونالد ترامب بعد سلسلة التهديدات التي طالت حاملات الطائرات الأمريكية، وخصوصًا الحاملة “ترومان”، خلال ما وُصف في البنتاغون بـ”معركة البحر الأحمر”.
وبحسب مصادر عسكرية للصحيفة، يدفع ترامب باتجاه إنشاء فئات جديدة من السفن الحربية ضمن مشروع أطلق عليه “الأسطول الذهبي”، يهدف إلى استبدال أسطول أكثر قدرة على مواجهة الصين والتحديات المستقبلية بدلا عن المزيج الحالي من القطع البحرية.
إلا أن ضباطًا كبارًا في البحرية أبدوا تحفظهم على المشروع، معتبرين أن دوافعه دعائية أكثر منها استراتيجية، خاصة في ظل ما يصفونه بـ”الاندفاع الرئاسي” بعد الحوادث الأخيرة في البحر الأحمر.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن المشروع يتضمن بناء سفن كبيرة مزودة بصواريخ بعيدة المدى، وأخرى أصغر مثل الكورفيتات.
غير أن خبراء وضباطًا متقاعدين أشاروا إلى أن بناء سفن ضخمة جديدة سيستغرق سنوات طويلة، وربما لن يرى النور إلا بعد مغادرة ترامب المنصب.
وأقر ضباط متقاعدون بأن الأسطول الحالي يواجه صعوبة متزايدة في مجاراة التهديدات الحديثة، في إشارة إلى الهجمات اليمنية في البحر الأحمر، مؤكدين أن بعض القيادات تخشى أن يؤدي مشروع “الأسطول الذهبي” إلى تغيير الأولويات العسكرية على حساب متطلبات المواجهة الفورية في المنطقة.
وقال وزير البحرية جون فيلان -أمام مجلس الشيوخ- إنه كان يبعث رسائل نصية إلى ترامب “في منتصف الليل” بشأن حالة الأسطول، شاكياً من السفن الصدئة، في إشارة إلى ضغوط رئاسية متواصلة لتسريع وتيرة التجديد البحري.
أما الضابط البحري المتقاعد برايان كلارك فأوضح أن البحرية تسعى إلى أسطول يتراوح بين 280 و300 سفينة مأهولة، إضافة إلى عدد كبير من السفن غير المأهولة لسد الفجوة العملياتية، لكنه حذر من أن القرارات المتسرعة قد تؤدي إلى تقويض التوازن البحري بدلاً من تعزيزه.
وأشار أحد الضباط إلى أن المدمرات من فئة “أرلي بيرك” ستُحال تدريجيًا إلى التقاعد ضمن خطة ترامب الجديدة، إلا أن بعض القيادات في البنتاغون ترى أن الوقت غير مناسب لمثل هذه الخطوات الجذرية في ظل تصاعد المخاطر على القطع الأمريكية في البحر الأحمر والمحيط الهادئ على حد سواء.

وفي مطلع يوليو الماضي قالت منصة “فيسيغراد بوست” الإخبارية الأوروبية إن الخسائر والتحديات التي تعرضت لها حاملة الطائرات الأمريكية (هاري ترومان) في مواجهة الجيش اليمني في البحر الأحمر أدت إلى تراجع الثقة بقدرة البحرية الأمريكية، وأبرزت تعقيدات الحرب الحديثة التي ما زال على الولايات المتحدة أن تتكيف معها.
وأوضحت المنصة أن ترومان “فقدت ثلاث مقاتلات، ما شكّل ضربة موجعة لقدراتها العملياتية”. وأضافت أن “التبعات المالية لهذه الخسائر كانت كبيرة، وهذه الخسائر -المادية منها والمتعلقة بالسمعة- تبرز تعقيدات الحرب البحرية الحديثة”. مؤكدة أن “هذه الحوادث دفعت البحرية الأمريكية إلى إعادة تقييم استعداداتها ونهجها الاستراتيجي، فالأثر التراكمي لهذه الأحداث مثّل تراجعاً في الثقة بقدرة البحرية على العمل بفعالية تحت الضغط”.

فشل في إيجاد البدائل

المشروع الأمريكي المزمع تنفيذه تحت مسمى “الأسطول الذهبي” سبقه عدة مشاريع لمحاولة ترميم القوة الأمريكية، لكن دون جدوى.
في الأسبوع الثالث من أغسطس الماضي كشفت وكالة “رويترز” عن سلسلة إخفاقات ومشاكل كبيرة تواجهها جهود البنتاغون والبحرية الأمريكية لإنشاء أسطول من المركبات البحرية المسيّرة، من أجل مواكبة التهديدات، والتعلم من دورس المعارك الحديثة التي كشفت فجوة في القدرات الأمريكية، ومنها معركة البحر الأحمر.
ووفقاً لتقرير نشرته الوكالة، فإنه “خلال اختبار للبحرية الأمريكية قبالة ساحل كاليفورنيا في يوليو الماضي، والذي كان يهدف إلى عرض أفضل القوارب المسيرة التي تنتجها وزارة الدفاع الأمريكية، توقف أحد القوارب بشكل غير متوقع، وبينما كان المسؤولون يبذلون قصارى جهدهم لإصلاح خلل في برنامج حاسوبي، اصطدم قارب مسيّر آخر بالجانب الأيمن للقارب المتوقف، وقفز فوقه، ثم سقط عائداً إلى الماء”.
وأشارت إلى أن القاربين المسيرين تم إنتاجهما من قِبل شركتي (سارونيك) و(بلاك سي تكنولوجيز)، مؤكدة أن هذه الحادثة “واحدة من سلسلة نكسات شهدتها جهود البنتاغون مؤخراً لبناء أسطول من الزوارق المسيرة، وفقاً لما أكده عشرة أشخاص مطلعين على البرنامج”.
يشار إلى أن نتائج معركة البحر الأحمر ساهمت بشكل كبير في توجيه تركيز قادة الجيش الأمريكي نحو الأسلحة المسيرة، وفي يوليو الماضي قال الأدميرال داريل كودل -أثناء جلسة ترشيحه لرئاسة عمليات البحرية الأمريكية- إن “الأحداث الأخيرة في أوكرانيا والبحر الأحمر أثبتت التأثير الذي يمكن أن تُحدثه أنظمة القتال الجوي بدون طيار في ساحة المعركة الحديثة”.
وأضاف: “يجب الاستفادة من التطوير والابتكار التجاري بشكل متكرر لتسريع التعلم والاستجابة لاحتياجات القتال”، متعهداً بـ”إنشاء تشكيلات هجينة من الأنظمة المأهولة وغير مأهولة لتكون شديدة الفتك، لردع ومواجهة أي عدوان محتمل”، حسب تعبيره.

“حارس الازدهار” والفشل الأمريكي

حاولت الولايات المتحدة الأمريكية القضاء على القدرات العسكرية للبحرية اليمنية عبر تشكيل تحالفات عدة منها “تحالف الإزدهار” المتضمن مجموعة دول، لكن سرعان ما تحولت التهديدات الأمريكية الغربية إلى نداءات استغاثة، واعترافات صريحة بصعوبة المعركة وتعقيداتها العملياتية غير المتوقعة، في مؤشر يؤكد أن الجيش اليمني كان يدرك طبيعة المعركة مع القوى الغربية، فاحتفظ بقدرات لم تكن المخابرات الأمريكية على علم بها، ما يعني أن اليمن استخدم تكتيك “الصدمة” بما يشكله هذا العنصر من تأثير في صناعة التحولات في مجريات الحرب. مضافا إلى ذلك سوء تقدير طبيعة الميدان اليمني، فرغم التفوّق التكنولوجي أخفقت الضربات الجوية الأمريكية في شل القدرات اليمنية، بل أسفرت عن نتائج عكسية، أبرزها تسارع تطوير الترسانة العسكرية اليمنية، وفرض معادلات ردع لم تكن في حسابات واشنطن.
لقد كان التحول في استراتيجية واشنطن تجاه البحر الأحمر مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بـ”الفشل المذل” لعملية “حارس الازدهار” التي كان هدفها المعلن كسر إرادة اليمنيين، ومنعهم من استهداف السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي. ورغم ذلك، استمرت العمليات اليمنية بوتيرة متصاعدة، بل وتمكنت من أن تكشف -بوضوح- عن هشاشة المنظومة العسكرية الأمريكية من خلال ما أحدثته من استنزاف مكلف في العتاد.
لقد تكبدت الولايات المتحدة تكاليف باهظة في فترة وجيزة، حيث تجاوزت النفقات العسكرية حاجز المليار دولار خلال الأسابيع الثلاثة الأولى فقط. بل وتمثّل الفشل الأبرز في التناقض الصارخ بين التكلفة والنتائج، خاصة وأن القوات اليمنية استخدمت تكتيكات غير تقليدية بأسلحة رخيصة وفعّالة كالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وتمكنت من اختراق الدفاعات الأمريكية التي أنفقت أمريكا ملايين الدولارات على تطويرها.

إغلاق “إيلات” شهادة على الحزم اليمني

بعد عامين من الحصار البحري الذي فرضه اليمن تضامناً مع غزة، لم يعد ميناء “إيلات” سوى ذكرى اقتصادية موجعة في ذاكرة “تل أبيب”. لقد أغلق الميناء عملياً، وتضاعفت تكاليف الشحن، وتراكمت الخسائر للكيان الإسرائيلي، مع تحول خطوط الملاحة نحو رأس الرجاء الصالح. هذا القرار اليمني لم يكن مجرد تهديد عابر، بل التزاماً إيمانياً نُفذ بحزم ومسؤولية، حيث تم استهداف ما يزيد عن (76) سفينة انتهكت قرار الحظر، توزعت ضرباتها بين البحر الأحمر (41 سفينة)، وخليج عدن والبحر العربي (13 سفينة)، والمحيط الهندي (5 سفن)، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط واشتراك القوات المسلحة اليمنية مع المقاومة العراقية في استهداف (7) سفن في ميناء حيفا، بينها سفينتان للمعدات العسكرية، ما يمثل توسيعاً نوعياً لمسرح العمليات، واستهدافاً دقيقاً لشريان الحياة الاقتصادي والعسكري للعدو الصهيوني.

خلاصة القول: إن فشل الردع الأمريكي لم يكن ناتجاً عن محدودية القوة الأمريكية، بل عن عمق الإرادة اليمنية والطبيعة المقاومة لهذا التحرك الذي وجد التفافاً شعبياً واسعاً، ليخرج اليمن من هذه المواجهة متوَّجاً بـ “المكاسب الاستراتيجية” التي ستعيد تشكيل المشهد في رقعة الشطرنج الكبرى، في حين تتجه واشنطن نحو خيار السلم مثقلة بـ “الفشل العسكري والسياسي” المدعوم اليوم بوثيقة “وول ستريت جورنال” حول تآكل القوة البحرية الأمريكية أمام صمود اليمن وإسناده لغزة.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.