“RS”: من هي العصابات المدعومة من “إسرائيل” في غزّة، وكيف تؤثر في استئناف الحرب؟

صنعاء سيتي | صحافة

 

 

مجلة “Responsible Statecraft” الأميركية تنشر مقالاً يتناول شبكة الجماعات المسلّحة في غزة التي تتلقى دعماً مباشراً أو غير مباشر من “إسرائيل”، ودورها في زعزعة الاستقرار وتهديد وقف إطلاق النار.

 

المقال يكشف عن حربٍ بالوكالة غير معلنة داخل غزة، تُستخدم فيها العصابات المسلحة كأدوات إسرائيلية لتفجير الصراع الداخلي وإفشال أي تهدئة دائمة. فبينما تسعى “حماس” لترسيخ الأمن بعد الحرب، تستثمر “إسرائيل” في الفوضى لإبقاء القطاع تحت الضغط، وتحويل “الانقسام الفلسطيني” إلى مبرر دائم لاستمرار سياساتها العسكرية والسياسية.

 

*أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

انتشرت صورٌ مُرعبة من غزة خلال الأسبوع الذي تلا سريان وقف إطلاق النار الهش بين “إسرائيل” وحماس. في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، يركع سبعة رجال معصوبي الأعين في صفٍّ، بينما يصطفّ مسلحون خلفهم. تُسمع طلقات نارية في آنٍ واحد، وينهار صف الرجال في كومةٍ أمام عشرات المتفرجين.

يبدو أنّ هذه المشاهد جزءٌ من جهود حماس لاستعادة سيطرتها على غزة من خلال حملةٍ على العصابات والجماعات الإجرامية التي تقول إنها انتشرت خلال العامين الماضيين من الحرب والفوضى. في أذهان “إسرائيل” وداعميها، تكشف عمليات القتل عن الوجه الحقيقي لحماس – وتُمثّل لمحةً عمّا قد تفعله الجماعة إذا سُمح لها بالاحتفاظ بقدرٍ من السلطة.

في الواقع، يُجادل البعض بالفعل بأنّ هذه الهجمات يجب أن تُشعل فتيل العودة إلى الحرب. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان: “تُواصل حماس إظهار أن أفعالها البربرية وغير المسؤولة تُشكّل أكبر تهديدٍ للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني”، مُضيفاً أن “إسرائيل ستردّ بقوة” على “حكم حماس الوحشي”. ويبدو أنّ الولايات المتحدة تدعم نتنياهو ببيانٍ حذّر من هجومٍ مُخططٍ لحماس على المدنيين الفلسطينيين.

لكن هذه الرواية الناشئة تغفل سياقاً بالغ الأهمية: فالعديد من الجماعات التي تتصادم الآن مع حماس تتلقى أسلحةً وإمداداتٍ وحمايةً من “إسرائيل”. وقد استمر هذا الدعم رغم قرار “إسرائيل” التوقيع على وقف إطلاق النار. ومع انسحاب القوات الإسرائيلية من أجزاء من غزة، انسحبت معها قيادات العديد من هذه الجماعات، ما أتاح للمسلحين مساحةً لبناء قواتهم وإطلاق دعواتٍ عامة لمحاربة حماس.

وصف الخبراء أنّ دعمَ المسلحين المناهضين لحماس هو جزءٌ من سياسة إسرائيلية راسخة لتأجيج الانقسام في الساحة السياسية الفلسطينية. ولمنع صعود قيادة فلسطينية وطنية موحدة، دأبت “إسرائيل” على تقديم المساعدة لفصائل أصغر وأقل انخراطاً سياسياً. في غزة، توسع هذا النهج ليشمل جماعاتٍ مثيرةً للجدل بشدة، بما في ذلك تلك التي يقودها مجرمون وأشخاصٌ على صلةٍ بتنظيم “داعش”.

والآن، يبدو أنّ هذه الاستراتيجية قد تؤتي ثمارها بالنسبة إلى القيادة الإسرائيلية التي لا تزال متشككة في إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. قالت تهاني مصطفى، الخبيرة في الشؤون الفلسطينية والباحثة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “بدأنا نرى هذه الجماعات تحاول زرع بذور الصراع الأهلي لزعزعة استقرار غزة”. وأضافت: “قد يكون هذا الأمر بالغ الخطورة، إذ لا يتطلب الأمر الكثير من الجهد من إسرائيل لاستخدامه كذريعة للعودة إلى الحرب”.

وتعود استراتيجية “فرّق تسد” الإسرائيلية إلى الأيام الأولى للاحتلال، عندما حاول القادة الإسرائيليون حكم الضفة الغربية وغزة بالتنسيق مع “روابط القرى” المكونة من قادة فلسطينيين غير سياسيين. في ذلك الوقت، كان الهدف هو إيجاد بديل للتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي سعت إلى تحرير فلسطين بقوة السلاح.

ومنذ بداية الحرب الحالية، طرحت “إسرائيل” خطة لغزة ما بعد الحرب يمكن فيها لزعماء العشائر البارزين إدارة شؤون القطاع. وكجزء من هذه السياسة، حاول المسؤولون الإسرائيليون، بموافقة من الولايات المتحدة، بناء علاقات مع العائلات المؤثرة.

قال محمد شحادة، المتابع لحرب غزة عن كثب والزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “كان ضباط الشاباك يتواصلون بنشاط مع الناس عبر هواتفهم أو يرسلون إليهم [وسطاء] رسالة واضحة مفادها: ‘ها هي الأسلحة، هذه هي الأموال، مهمتكم هي تحدي حماس'”. وأضاف: “لم توافق أي عشيرة على التعاون كعشيرة، لكن أفراداً من داخل العشيرة وافقوا”.

إحدى العائلات التي حاولت “إسرائيل” التودد إليها هي عشيرة دغمش، التي أُعدم العديد من أفرادها علناً في الأسابيع الأخيرة. للعشيرة تاريخ معقد مع حماس، ويعود ذلك جزئياً إلى فترة إدارة أحد قادة دغمش المؤثرين لتنظيم “داعش” المعارض لحماس في غزة.

وما زاد من تأجيج التوترات أن حفنة من أفراد دغمش، بناءً على طلب “إسرائيل”، بدأوا مؤخراً في شن هجمات ضد حماس، وفقاً لزعيم العائلة نزار دغمش، الذي أدان هؤلاء الأفراد من عشيرته. حتى الآن، لم تكن هذه الإدانة كافية لتجنيب عشيرة دغمش العقاب. قُتل ما لا يقل عن 27 شخصاً في اشتباكات بين حماس ودغمش منذ وقف إطلاق النار.

وتشير الأدلة الناشئة إلى أنّ “إسرائيل” تدعم ما لا يقل عن أربع جماعات مسلحة فلسطينية مختلفة في جميع أنحاء غزة، والتي تخوض الآن صراعاً محدوداً مع حماس.

إحدى هذه المنظمات يقودها ياسر أبو شباب، المعروف في غزة بأنه “مجرم سيئ السمعة” لتورطه في تهريب المخدرات والأسلحة وعلاقاته الواضحة مع داعش في سيناء، وفقاً لمصطفى. وقد اكتسبت “القوات الشعبية” التابعة لأبو الشباب سمعة سيئة في غزة بسبب مزاعم نهبها شاحنات المساعدات لبيعها في السوق السوداء. (يسعى المسؤولون الإسرائيليون الآن إلى إعادة تصنيف أبو شباب على أنه “ناشط مجتمع مدني شعبي متحرر من التطرف”، وفقاً لشحادة).

حسام الأسطل، الذي قضى فترة في سجن غزة إلى جانب أبو شباب، قاتل في البداية مع القوات الشعبية، لكنه انشق عنها لاحقاً وشكل مجموعته الخاصة المعروفة باسم “قوة مكافحة الإرهاب”. صرّح الأسطل علناً بأنه يتعاون مع القوات الإسرائيلية.

كما وجدت حماس نفسها مؤخراً في قتال مع جماعة تُعرف باسم “الجيش الشعبي”، بقيادة شخصية غير معروفة سابقاً تُدعى أشرف المنسي. ومثل القوات الشعبية، نفّذ الجيش الشعبي عملياته في مناطق لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية. وتشير أدلة الفيديو بقوة إلى أنّ رجال المنسي يتلقون الإمدادات مباشرة من القوات الإسرائيلية، وفقاً لقناة “سكاي نيوز” البريطانية.

وتحظى حملة القمع ضد هذه الجماعات، على الرغم من وحشيتها وتجاوزها للقانون، بدعم واسع النطاق بين الفلسطينيين في غزة. قال مصطفى: “لقد أعادت حماس تنظيم صفوفها مع قوى أخرى مثل فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وغيرها، في محاولة لإعادة إرساء الأمن والنظام”، مشيراً إلى أنّ جزءاً كبيراً من المطالبة بهذا النوع من الإجراءات جاء من سكان غزة الذين سئموا من “الانفلات الأمني”.

يصعب تحديد المدى الدقيق لتعاون هذه الجماعات مع “إسرائيل”، لكن شحادة يقول إن بعضها يعمل بشكل وثيق مع “جيش” الدفاع الإسرائيلي وينفذ عمليات عسكرية نيابة عنه. وما يزيد من الارتباك والريبة اعتراف نتنياهو علناً بالعمل مع بعض هذه الجماعات من دون تسمية أي منها تحديداً، ما يتيح لحماس مجالاً واسعاً لقمع المتعاونين المزعومين.

بالنسبة إلى “إسرائيل”، تُعدّ التحالفات مع المتعاونين الفلسطينيين في غزة قيّمة لسببين رئيسيين. أولهما أنّ هذه الجماعات لا تهتم كثيراً بالقومية الفلسطينية. قال خالد الجندي، الباحث الزائر في جامعة جورج تاون والمستشار السابق لقادة السلطة الفلسطينية: “لديهم مصالحهم الذاتية الضيقة، وهذا يُفيد إسرائيل بشكل كبير”.

ومن الأسباب الأخرى أنّ إسناد القتال للفلسطينيين من الباطن، يُمكّن “إسرائيل” من النأي بنفسها عن أي عنف ناتج عنه. وأضاف الجندي: “هناك احتمالات كبيرة لأن تُحدث هذه الجماعات اضطرابات. وسيبدو الأمر للعالم الخارجي وكأنه عنف داخلي فلسطيني”.

وقال الجندي إنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سعت في السابق إلى الحفاظ على الاستقرار بأي ثمن، لكن يبدو الآن أنها تنظر إلى الفوضى على أنها ميزة. على المدى القريب، سيوفر عدم الاستقرار فرصاً كثيرة لـ “إسرائيل” للعودة إلى حرب شاملة في غزة. وعلى المدى البعيد، سيعزز ذلك حجة “إسرائيل” القائلة بأن الفلسطينيين ببساطة منقسمون ومُسلحون، لدرجة يصعب معها التفاوض معهم بحسن نية.

ومن الأصعب فهم سبب استمرار الولايات المتحدة في دعم هذه السياسات. جادل مايك كيسي، الذي شغل منصب مسؤول الخدمة الخارجية في القسم الفلسطيني بالسفارة الأميركية في “تل أبيب” بين عامي 2020 و2024، بأن دعم واشنطن للجهود الإسرائيلية لتقسيم الفلسطينيين قد أضرّ بالجميع. وقال كيسي لـ “Responsible Statecraft”: “هناك حلقة عنف مستمرة لا تتخذ الولايات المتحدة أي خطوات لوقفها لأن الحكومة الإسرائيلية تسعى جاهدةً لمنع قيام دولة فلسطينية ووحدة فلسطينية بأي ثمن”.

عندما استقال كيسي من وزارة الخارجية، كان أحد العوامل الرئيسية هو إحباطه من إدارة بايدن لتأييدها خطة “إسرائيل” لتشكيل حكومة عشائرية في غزة بعد الحرب. قال كيسي: “كنا نتبع التوجيهات الإسرائيلية فحسب، من دون التفكير في ما هو أفضل للولايات المتحدة، ولمصالحنا، ولمصالح الفلسطينيين، ولمصالح إسرائيل. كنا نفعل ما يأمرنا به نتنياهو وآخرون”.

 

*الميادين: بتول دياب.

التعليقات مغلقة.