لن يعيشوا بسلام.. وعد إلهي
صنعاء سيتي | مقالات | رهيب التبعي
وعدُ الله ماضٍ لا يُخلَف، وسُنّتُه في الظالمين لا تتبدَّل.. لن يعيش اليهودُ الغاصبون بسلام، ولو اجتمع العالَمُ كلُّه معهم.. ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: 167].
إنَّها آيةٌ تختصرُ التاريخَ والمستقبل معًا، وتُلخّص الصراع في جملةٍ إلهيةٍ لا يملك أحد تغييرها: فمهما اجتمع الطغاة، ومهما تواطأ الحكام، ومهما أنفقوا من أموال وبذلوا من نفطٍ، فلن يكتب الله لعدوٍّ ظالمٍ أن يعيش بأمان، ولن يسمح له أن يهنأ بلحظة سلامٍ على أرضٍ سُقيت بدماء الأنبياء والمجاهدين.
حين خرج ترمب بخطابه الأخير متحدّثًا عن الكيان القذر، لم يقل في الحقيقة سوى ما أراد الله أن يُظهره على لسانه: أن هذا الكيان الذي توهّم العالم أنهinvincible -لا يُقهر- بات أضعف مما كان عليه، وأن ما يسمونه “عودة أقوى” ليست سوى اعتراف بانكسار تامٍّ يحتاج إلى إنعاش طويلٍ بأموال “الأثرياء الرائعين”، أُولئك الذين لا يرون في الأُمَّــة سوى خزائن مفتوحة لتمويل الحروب ضدها، ولشراء ولاءٍ لا يجلب إلا المهانة.
تحدّث ترمب عن “الحلفاء الرائعين” بتهكّمٍ يقطر ازدراءً، وكشف دون أن يدري خيوط شبكةٍ متكاملة تمتد من قصور النفط حتى مكاتب نتنياهو، ومن واشنطن حتى كيان الاحتلال.
قالها ضاحكًا، لكنه لم يُخفِ مرارة الخسارة ولا رائحة الفشل؛ فبعد عامين من حربٍ لم يجنِ منها إلا الخيبة، اضطرّ إلى الاعتراف بأن حماس وحلف المقاومة واجهوا العالم كلّه، وأن الكيان بات يستنزف ما تبقّى له من “أوكسيجينٍ سياسي” لا يكفيه لشهورٍ قادمة.
كان المشهد واضحًا: مقاومةٌ محاصرة، لكنّها محمولةٌ بعقيدةٍ لا تُقهر، في مواجهة منظومةٍ كونيةٍ تحشد كُـلّ ما تملك من سلاحٍ وإعلامٍ ومالٍ، ومع ذلك تتآكل من الداخل، كما تتآكل الدُمى حين تفرغ خيوطها من اليد التي تحَرّكها.
الإعلام العربي المموَّل من “الرائعين” لم يحدّثنا عن هذا، بل رسم صورةً مقلوبةً للواقع: جعل غزة هي من تتألم وحدها، ولم يقل لنا إن العدوّ أَيْـضًا يتألم، وإنّ كُـلّ صاروخٍ يُطلق من قلب الحصار يهزّ قصور الرفاهية في الرياض وأبوظبي أكثر مما يهزّ تل أبيب نفسها.
في ميزان الوعي، من يتابع حرب غزة لا بدّ أن يرى أن ما يُدار ليس مُجَـرّد صراعٍ عسكريٍّ بين فصيلٍ محاصرٍ وجيشٍ مدجّجٍ بالسلاح، بل هو امتحانٌ كونيٌّ بين وعد الله ووعد الشيطان.
فبينما وعد الله صادقٌ لا يتبدّل، ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، فَــإنَّ وعود البيت الأبيض، وابتسامات نتنياهو، وخطب ترمب المليئة بالثرثرة، ليست إلا غطاءً هشًّا على حقيقةٍ تتكشف يومًا بعد يوم: أن المشروع الصهيوني يعيش مرحلة الاحتضار البطيء، وأنه، برغم كُـلّ الدعم الغربي والعربي، لا يستطيع الوقوف على قدميه دون أجهزة الإنعاش الأمريكية.
إن اعتراف ترمب بأن الكيان لم يعد بالقوة التي كان عليها من قبل ليس تفصيلًا عابرًا في خطابٍ سياسي، بل هو اعتراف بمرحلة سقوطٍ استراتيجيٍّ طويلة، فبعد سبعة عقودٍ من الدعم اللامحدود، وبعد كُـلّ الحروب العدوانية، يقف الكيان اليوم عاجزًا أمام بضعة كيلومترات من غزة، أمام إرادَة مؤمنةٍ تُقاتل بعقيدةٍ لا تملك واشنطن سلاحًا ضدها.
ولأن هذا السقوط لا يُحتمل في الوعي الأمريكي ولا في حسابات أثرياء النفط، فقد هرع الجميع لتغطية الهزيمة بالكلام الفارغ ذاته: إعادة الإعمار، ومساعدات إنسانية، واستثمارات مشتركة!
لكن الحقيقة أن هذه الأموال ليست لإعمار غزة، بل لإعادة إنعاش الكيان، ولتمديد عمر الخيانة، ولشراء صمت الشعوب التي بدأت تصحو من غفلتها.
لقد تحوّل المشهد إلى ما يشبه المسرحية السوداء: رئيسٌ أمريكيٌّ يتحدّث عن حلفائه وهم يضحكون على أنفسهم، ونتنياهو يهزأ بهم علنًا، وهم يسارعون إلى تمويل من يهينهم علنًا، ويشترون بالمال مذلّةً لا يشتريها عاقل.
أيّ تجارةٍ هذه؟ وأيُّ عقلٍ يدفع مالَه لتمويل من يذلّه؟
إن الله قد وعد، ووعده الحقّ، أن يسوم هؤلاء سوء العذاب إلى يوم القيامة. وما نراه اليوم ليس إلا فصلًا من فصول هذا الوعد الإلهي يتجلّى على الأرض.
فكلّما اجتمعوا لدعم الباطل، بعث الله من يسومهم سوء العذاب، من يعرّي كذبهم، ويكشف عوراتهم، ويهدم أوهامهم حجرًا حجرًا.
وستظلّ غزة، ومعها محور المقاومة، هي عنوان هذا الوعد، ترسم بدمائها خارطةَ الصراع الكبرى بين الحق والباطل، وتؤكّـد أن سنّة الله لا تتبدّل: الظالم زائل، والمستكبر مهزوم، ومن يعادي وعد الله لا بد أن يسومه سوء العذاب، وإن كان بمال النفط، أَو تحت حماية البيت الأبيض. وهكذا، فكلّ خطابٍ يصدر من أفواه الطغاة، وكلّ ضحكةٍ يطلقها نتنياهو من قصرٍ محاطٍ بالأسلاك، ليست إلا صفيرَ خوفٍ من الآية التي لا تغيب عن التاريخ:
﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾.
فمنهم من يسومهم اليوم في ساحات الحرب، ومنهم من يسومهم في الاقتصاد، ومنهم من يسومهم في الوعي والكرامة، حتى يأتي وعد الله الحقّ: يوم تزول دولة الظلم، وتُرفع راية الحقّ من البحر إلى النهر، كما وعد الله الذين آمنوا أن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم.
التعليقات مغلقة.