غزة تُنهي المعركة بشروطها والضفة الغربية ميدان المواجهة القادم

صنعاء سيتي | تقرير خاص |  يحيى الشامي

 

 

شكلت صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، التي قادتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، نقطة تحول كبرى، لا في سياق حرب الإبادة المستمرة لعامين فحسب، بل في إعادة صياغة ميزان القوى الإقليمي برمته. لقد أعلنت الصفقة -بطريقة لا تقبل التأويل- أن الإرادة في الميدان باتت تصنع القرار في أروقة السياسة، مؤكدة أن ما تحقق هو إنجاز “طوفاني” خالص، كما شاءت المقاومة، لا كما أراد الصهاينة.

في لحظة تُعد تاريخية وفقاً للمكتب الإعلامي للأسرى الفلسطينيين، أرغمت المقاومة الفلسطينية العدو على الرضوخ لشروطها، وإنجاز عملية التبادل وفق مبادئ المقاومة التي أعلنتها منذ اليوم الأول، في عملية أفضت إلى إفراج العدو عن 1718 مدنياً من أهالي القطاع، اختطفهم بعد العدوان المُدمر الذي شنّه في السابع من أكتوبر 2023، بالإضافة إلى 250 فلسطينياً من أصحاب “المؤبّدات”، ينتمون إلى أبرز أبطال المقاومة وأصحاب السِّيَر الجهادية الناصعة. وفي المقابل، سلمت المقاومة -عبر الصليب الأحمر على دفعتين- 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء، بينما تشير التقديرات إلى أن عملية تسليم الجثامين قد تستغرق وقتاً أطول، نظراً للظروف الميدانية الراهنة في القطاع.

إرادة المقاومة تهزم الإرادة الصهيونية 

أكد مراقبون أن هذه الصفقة، التي تُعد من أبرز المنعطفات الاستراتيجية منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على غزة، لم تكن مجرد اتفاق تبادل أسرى، بقدر ماهي حدث يعيد رسم توازن القوى في المنطقة، ويدل على أن المقاومة خرجت من معركتها أكثر تماسكاً رغم الكلفة الإنسانية الباهظة وفقاً لـ “مُراقبين داخليين في الكيان، فإن الإفراج عن الأسرى يُشكّل رضوخاً أضرّ بالبيت الصهيوني، ويُنذر “بتمزّق داخلي متصاعد”، بينما تُعتبر خطوة “الإبعاد” محاولة لاحتواء المخاطر التي فُرضت على الكيان بإرادة طوفانية لا تُقاوَم.

وأشارت تحليلات إلى أن المفاوضات، التي استمرت لعامين، كانت مرتبطة بشروط واضحة من المقاومة: “لا أسرى دون تبادل، ولا تبادل دون وقف العدوان، ولا اتفاق دون تصور لليوم التالي”، وفقاً لمصدر مقرّب من المكتب السياسي لحركة حماس.

هذه المعادلة، التي تُعدّ تحولاً جذرياً في طبيعة المواجهة، جعلت من المقاومة طرفاً يُفاوض من موقع قوة، بدعم من ثمانِ دول عربية وإسلامية تولت دور الضامن. وهو ما وصفه الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق بأن هذه الصفقة هي الصفقة الأعمق تأثيراً، لافتاً إلى أنها “كسرت اللاءات السابقة، ورسخت قواعد تفاوضية جديدة”.

الدور الاستراتيجي لـ”الشبح الظلي” ونجاح استخباري مذهل

أظهرت التفاصيل الميدانية أن كتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) نجحت في الحفاظ على أسرى العدو رغم التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي، بفضل شبكة أنفاق متطورة، وانضباط أمني صارم وفقاً لخبراء، فإن فشل جهاز الشاباك في تتبع الأسرى، رغم استخدام أحدث التقنيات، يُعدّ إنجازاً نوعياً للمقاومة، ويؤكد أن هذا النجاح يعكس نضجاً أمنياً واستراتيجياً غير مسبوق، خرجت منه المقاومة أكثر تماسكاً وتأثيراً.

وما ضاعف من ثقل هذا الانتصار هو قدرة المقاومة الاستثنائية على إدارة ملف الأسرى الصهاينة، والحفاظ عليهم تحت وطأة القصف المستمر والتفوق الاستخباراتي الهائل للعدو. هذا النجاح الميداني يمثل فشلاً استخباراتياً صريحاً للمنظومات الأمنية الإسرائيلية، من الشاباك إلى الاستخبارات العسكرية.

كما أن هذا الإنجاز النوعي يعكس تطوراً لافتاً في بنية المقاومة الأمنية واحترافيتها الميدانية المقاومة، وعلى رأسها وحدة الظل في كتائب القسام، والتي استعانت بشبكات أنفاق متقدمة وتكتيكات أمنية صارمة، اعتمدت على وسائل اتصال غير إلكترونية، للحيلولة دون أي اختراق أو رصد من قبل تقنيات العدو المتقدمة، وهو عجز أضر بصورة الكيان أمام الرأي العام الداخلي، وفتح باب المساءلة أمام المؤسسة الأمنية والعسكرية، ما يؤكد أن غزة أنهت المعركة بشروطها فعلا.

وأشار مراقبون -من بينهم مختصون في الشؤون العسكرية- إلى أن المقاومة استثمرت عملية التسليم بشكل مدروس إعلامياً وعسكرياً، حيث ظهر المقاتلون بالزيِّ العسكري الكامل، وتمكّنوا من إرسال إشارات رمزية قوية، رغم الشروط التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجنب الاستعراض العسكري. متابعون وصفوا هذه الخطوات بأنها استعراض قوة ناعم يؤكد سيطرة المقاومة على المشهد، حتى في ظل الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع، وعكست قدرة المقاومة على إعادة إنتاج نفسها عسكرياً وإدارياً في آن واحد، وهو ما يُرسّخ قناعتها بأن ميزان الردع الجديد أصبح متبادلاً لأول مرة منذ عقود.

غزة تُنهي المعركة والضفة الغربية تفتح فصلاً جديداً 

ولا مناص من حقيقة أن الصفقة أعادت تثبيت شرعية المقاومة أمام الرأي العام العالمي، وجعلت الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مرهوناً بقوة السلاح، لا بالضغوط السياسية، وبالنظر الى أن الكيان الصهيوني يعيش أزمات داخلية عميقة، خاصة بعد فشل نتنياهو في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، من بينها ضم الضفة الغربية، أو إنهاء المقاومة، بالاضافة إلى أن اليوم التالي قد يشهد تحولاً في ميدان المواجهة، حيث تتحول الضفة الغربية إلى مُحرّكٍ رئيس للنضال، بعد أن حملت غزة العبء الأكبر من الإبادة.

فجر فلسطيني يُعيد كتابة التاريخ 

في تعليقه على الحدث، أكّد المكتب الإعلامي للأسرى أن هذه اللحظة ثمرة ملحمة بطولية ونضال طويل، ترسّخ لحظة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية. بينما وصف مراقبون الحدثَ بـ “الانتصار الطوفاني”، مشيرين إلى أنه ينفي توقّعات الصهاينة، ويكشف أن العملية -بأي تفاصيل لها- تمثّل رضوخاً لإرادة المقاومة في تحول يُعبر -حقيقة- عن فجر فلسطيني لا صهيوني، في إشارة إلى حديث ترمب حين أشار إلى فجر جديد.

وتؤكد التحليلات أن الصفقة لم تُنهِ فقط حرب الإبادة على غزة عملياً، بل فتحت مساراً جديداً يُعيد تعريف العلاقة بين المقاومة والاحتلال، ففي حين يراهن الكيان الصهيوني على الفوضى الخلّاقة في المرحلة الانتقالية، تؤكد المقاومة أن “لا يوم تالياً إلا للبندقية”، في إشارة إلى جاهزيتها لأي مواجهة مقبلة، كما أن المقاومة أثبتت قدرتها على القتال وإدارة السياسة بحكمة، وهو ما يُعدّ تحولاً استراتيجياً يحوّلها من دفاع عن الوجود إلى صناعة القرار.

تُظهر هذه الصفقة استحالة تصفية القضية الفلسطينية وإماتتِها، وأن من يملك الزمام على الأرض والسلاح هو من يصوغ المعادلة السياسية. في المقابل، يُشير “القيق” إلى أن الضمانات العربية والإسلامية تُعيد القضية إلى صدارة الأجندة الإقليمية، وتعكس أن الانتصار ليس انتصاراً لغزة فحسب، بل لجميع الأحرار في ظل هذا الطوفان الذي أصبح من المستحيل إيقافه، على طريق الحق المستعاد والتحرير الكامل.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.