غزة: الملحمة التي أعادت صياغة التاريخ والموازين الإقليمية.
صنعاء سيتي | مقالات | خلود سفيان
إن مفهوم العطاء يتجاوز مجرد التضحية المادية ليصبح جوهراً أخلاقياً وإنسانياً يكتب فصول المجد وقد تجلت هذه القيمة بأبهى صورها على أرض غزة العزة فلم تكن الأحداث مجرد مواجهات عسكرية بل كانت ملحمة أسطورية سُطرت بمداد من الكرامة والإباء. لقد قدم أهلها ليس فقط الأموال والممتلكات فحسب، بل قدموا الأرواح والدم الزكي ثمناً لكرامة الأمة ولتحريرها محولين بذلك التضحية إلى فداء والفداء إلى عقيدة.
والثمن الباهظ للحرية هو النصر المؤزر
إن ثمرة هذا البذل الفائق والتضحيات التي لا تُقدر بثمن لم تكن سوى النصر المؤزر الذي أعاد تعريف معنى الصمود. لقد واجه الأبطال في غزة أعتى آلات الحرب وتحملوا بكل رباطة جأش وشجاعة لا تُوصف كل أصناف التجاوزات الوحشية والإبادات الممنهجة والمجازر التي لم يرحم فيها شيخ أو طفل. واجهوا هذا الجبروت بقوة إيمان تتجاوز قوة العتاد وكسروا شوكة الظالم وتوجوا صبرهم الممتد بنصر مبين سيبقى خالداً في ذاكرة التاريخ.
يا أهل غزة يا صُناع المجد! سلامٌ عليكم بما صبرتم وصمدتم لقد نلتم تاج العزة والكرامة في أحلك اللحظات التي ظن فيها العالم أنكم ستنكسرون. وفي الوقت الذي تهاوت فيه الضمائر وتخلى فيه العالم بأسره عن مبادئه الإنسانية لصالح المصالح الزائفة وقفتم أنتم كالجبال الرواسي لقد حطمت إرادتكم الفولاذية التي لا تعرف الانحناء حاجز الصمت المطبق وكشفت زيف الوعود. خذلكم الأقربون قبل الأبعدين لكنكم اخترتم طريق العزة وبقيتم شامخين متحدين بقلوب المؤمنين الصادقة.
ولم تكونوا وحدكم في هذا الدرب المقدس. فقد كان معكم إخوان الصدق الذين أوفوا بعهد الدم والعروبة من أهل اليمن الأبي مهد الحضارة والإيمان والحكمة. هؤلاء الأبطال الذين تقاسموا معكم ألم الوجع وقدموا الشهداء على طريق القدس الشريف مؤكدين أن الوحدة العقائدية أقوى من الحدود الجغرافية. هذه التضحيات المشتركة والممتدة ستظل الشاهد الأكبر على أن الأمة لم تمت وأن الطريق إلى التحرير يمر عبر التكافل والبذل.
إن هذا الطريق المغموس بالتضحيات سيُتوج بالنصر العظيم وسيأتي يوم وتعود فيه كل البلاد العربية محررة ويتحقق الحلم العربي.
نعم قد أتى النصر وعاد النازحون إلى منازل مدمرة ولكن كل حجر فيه بات مُعمدًا بدماء الشهداء الطاهرة وكل زاوية فيه تروي قصة صمود.
غزة وثيقة تاريخية وشاهدة على وحشية العدوان، لم تعد غزة مجرد بقعة جغرافية بل هي وثيقة تاريخية دامغة. كل حائط مدمر هو الآن عنوانٌ مُفصل لكل مجزرة وشاهدٌ صامت لكل شهيد علت روحه ليروي للعالم حكاية بطولته. هذه الحكايات تكشف الوجه الحقيقي للعدوان الغاصب مرتكب المجازر التي تتجاوز كل تصور إنساني مجازر مروعة تذهب العقل ويشيب من فظاعتها رأس الجنين قبل الكبير.
لقد راهن الجميع على سقوطكم وانهيار إرادتكم. لكنكم بعزيمتكم التي لا تلين وبتمسككم المطلق بحقكم التاريخي وبقضيتكم العادلة أثبتم أن إرادة الشعوب الحرة هي القوة التي لا تُقهر. كان هذا الثبات وهذا العطاء هو السر الذي جعل النصر حليفكم الأبدي وجعلكم منارة لكل طالب حرية في العالم.
التعليقات مغلقة.