الضربة الثلاثية

صنعاء سيتي | مقالات | د/ عبدالرحمن المختار

 

لم تكن الضربةُ -التي وجَّهها طيرانُ العدوِّ الصهيوني للعاصمة القطرية الدوحة- مُجَـرّد عمليةٍ عاديةٍ أَو ضربةٍ محدودةٍ، بل إنَّ هذه الضربةَ على درجةٍ عاليةٍ من الخطورة؛ بسَببِ أبعادها الثلاثية التي حاول الإعلامُ الناطقُ بالعربية اختزالَها في بُعدٍ واحدٍ هو اغتيال قادة حركة حماس، ليتم التركيز عقب ذلك على فشل عملية الاغتيال مع إشاراتٍ هامشيةٍ للأبعاد الأخطر من مُجَـرّد عملية الاغتيال.

فقد استهدفت الضربةُ الجويةُ الصهيونية في بُعدها الأول والأخطر سيادةَ دولةِ قطر؛ إذ نفَّذ الكَيانُ الصهيوني الضربةَ دون اعتبار لردةِ الفعل القطرية على انتهاك السيادة، وليس ذلك فحسب، بل لقد بلغ الاستهتار والاستخفاف بسيادة دولة قطر من جانب الكيان الصهيوني مداه، حين بادر المجرم نتنياهو بالإعلان عن تبنِّي الضربة ضد قادة حماس في عاصمة دولة قطر، قبل أن تعلن قطر ذاتُها عن نتائج الضربة، وهو ما لم يجرؤ هذا الكيان المجرم على فعله حين اغتال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في طهران!

وتؤكّـد مسارعةُ المجرمِ نتنياهو إلى الإعلان عن الضربة الجوية مدى الاستهتار والاستخفاف بدولة قطر، وبما يمكن أن يصدر عنها من ردة فعل على تلك الضربة. وما يؤكّـدُ ذلك الاستهتارَ هو تهديدُ المجرم نتنياهو لقطر عقب الضربة الجوية بأنها إذَا لم تبادر بطرد قادة حماس أَو محاكمتهم فإن الكيان الصهيوني سوف يتصرَّف، وهو ما يثبت أن المجرم نتنياهو قد أصدر الأمر بتوجيه تلك الضربة دون أن يضع في اعتباره أدنى اعتبار لسيادة دولة قطر، وما يمكن أن ينتج عن هذا البُعد الخطير المنتهِك للسيادة القطرية من ردة فعل!

والبُعْدُ الثاني للضربة الجوية الصهيونية للعاصمة القطرية الدوحة يتجسد في استهداف طاولة المفاوضات الوهمية، التي تُعَدُّ قطر وسيطًا فيها إلى جانب مصر والإدارة الأمريكية. وهذا البُعد يؤكّـد أن الكيان الصهيوني لا يُقيم اعتبارا لطاولة المفاوضات ولا للوسطاء الملتفِّين حولها، خُصُوصًا الوسيطين العربيين. أمَّا الوسيط الغربي المتمثل في الإدارة الأمريكية، فلا يُستبعَد أبدًا أن دورَه يتجسَّدُ في تهيئة الظروف المناسبة للكيان الصهيوني لاستهداف قادة حماس في مصيدةٍ تحت غطاء دراسة مقترح المجرم ترامب!

وما يؤكّـدُ تورُّطَ الإدارةِ الأمريكية هو موقفُها المعلَنُ من قادة حماس، وإقرارها بحق (إسرائيل) في القضاء عليهم. وإن أبدت بعض التحفظ والانزعَـاج الظاهري على تنفيذ عملية الاغتيال في الدوحة عاصمة دولة قطر، إلا أن ذلك الانزعَـاج وعدم الارتياح كان؛ بسَببِ عدم تحقيق الكيان الصهيوني للبُعد الثالث من الضربة، المتمثل في القضاء على قادة حركة حماس!

ولو أن الضربة قد أَدَّت إلى القضاء على قادة الحركة، لكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت عن ارتياحها وسرورها وترحيبها بالعملية. وإن كان تنفيذها قد تمَّ في الدوحة عاصمة قطر، فإن الإدارة الأمريكية كانت ستجد حتمًا الذريعة التي تُجبر من خلالها قطر وجميع دول الخليج ودول المنطقة على الصمت وابتلاع ألسنتها!

لكن فشل الضربة الجوية الصهيونية في بُعدها الثالث وعدم تحقّق نتيجته بنجاة قادة حركة حماس، أوقع الإدارة الأمريكية في موقفٍ مُحرج نوعًا ما، ومنح دولة قطر هامشًا بسيطًا للتعبير عن الاستياء، ومنح دول المنطقة ودول العالم هامشًا لإعلان مواقف الإدانة والتضامن الشكلي مع دولة قطر، مع تمسُّك الكيان الصهيوني بسقفٍ مرتفعٍ تجاه دولة قطر ودول المنطقة في حال استمرار إيوائها لقادة حماس.

ورغم أنَّ التعاطف مع دولة قطر قد أثمر عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي أُلقيت فيها خطاباتٌ رنَّانة تضمَّنت عباراتٍ فضفاضة عن التضامن مع دولة قطر، وحديثًا عن الانتهاك السافر لسيادتها، وخرقًا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، إلا أن ما نتج عن كُـلّ ذلك لم يكن سوى بيانٍ هزيلٍ يُدين الضربة دون أن يُدين حكومة الكيان الصهيوني بشكلٍ صريح وواضح!

والأسوأ من مضمون البيان الهزيل هو تكرار استخفاف الكيان الصهيوني بدولة قطر ودول المنطقة من منبر مجلس الأمن الدولي، حَيثُ مُنِح ممثل الكيان الصهيوني فرصةً كاملةً لتكرار تهديد المجرم نتنياهو لدولة قطر بأنها إن لم تطرد قادة حماس أَو تحاكمهم فإن الكيان الصهيوني سوف يتصرَّف. وتكرار هذا التهديد لم يأتِ من وزارة الدفاع الصهيونية ولا من مكتب نتنياهو ولا من المجرم النتن ذاته، بل من منبر مجلس الأمن الدولي، الذي يُفترض أن يكون أدَاة حمايةٍ للمنظمة الدولية في مواجهة كُـلّ من يهدّد باستعمال القوة أَو يستخدمها لانتهاك سيادة الدول الأعضاء في المنظمة!

ولم يقف تبجح ممثل كيان الاحتلال الصهيوني في مجلس الأمن عند حَــدّ تهديد دولة قطر وغيرها من الدول العربية والاستخفاف بردود أفعالها، بل لقد وصل تبجُّح الكيان الصهيوني مداه حين اعتبر مهاجمة قادة حماس في الدوحة عاصمة دولة قطر أمرًا عاديًّا؛ باعتبَار أن من تمَّت مهاجمتهم إرهابيون، وأنه لا حصانة للإرهابيين في أي مكان يتواجدون فيه في قطر أَو في غيرها!

ولقد أفحم ممثل كيان الاحتلال الصهيوني جميع الحاضرين من الدول العربية والإسلامية حين أبرز قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373)، لعام 2001 الذي فرض على الدول واجبَ منع وقمع تمويل الأعمال الإرهابية، ومنع تقديم الدعم للمتورطين فيها، ولم يرد على تبجُّح ممثل الكيان الصهيوني لا وزير خارجية قطر ولا ممثل الجزائر ولا وزير خارجية الأردن ولا ممثل مصر ولا ممثل تركيا ولا أيٌّ ممن أعلنوا تضامُنَهم مع قطر من الحاضرين في الجلسة!

وقد بدا الجميع وكأنهم في حالة أُمية سياسية مُطبقة، غير قادرين على مواجهة أُطروحات خصمهم الصهيوني رغم جمعهم وانفراده، مكتفين بما أعدَّه لهم المستشارون من أُطروحات مسبقة قاموا بتلاوتها على الحاضرين وانتهى الأمر!

وكان الأجدرُ بهم جميعًا أَو ببعضهم -على أقل تقدير- مواجهة ممثل الكيان الصهيوني ودحض حجته، وأن يقولوا له بكل صراحةٍ ووضوح: إن كيانك كيانُ احتلال، وقادةَ حماس ليسوا إرهابيين، بل هم مقاومةٌ شعبيّة، حقُّهم الطبيعي في مقاومة الاحتلال وطرده ثابتٌ ومكفول، ليس بوصفه حقًّا طبيعيًّا فحسب، بل مكفولٌ بقواعد القانون الدولي التي تمنع دولة الاحتلال من المساس بهذا الحق، سواءٌ أكانت المقاومة للاحتلال بالوسائل السلمية أَو بغيرها من الوسائل المتاحة!

ولقد تمادى ممثل الكيان الصهيوني في الاستخفاف بالدول العربية والإسلامية المتواجدة في جلسة مجلس الأمن الدولي حين أشار إلى وجود سوابق في ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم في دول أُخرى، ولم يتم الاعتراض على ذلك. وتساءل متبجحًا: لماذا يتم الاعتراضُ اليوم على تصرُّف (إسرائيل) ولم يتم الاعتراضُ على تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية سابقًا حين قضت بغارةٍ جويةٍ على أسامة بن لادن في دولة باكستان؟

ورغم تعقيب ممثل دولة باكستان في مجلس الأمن الدولي، إلا أنه لم يكن موفَّقًا في ردِّه على ممثل الكيان الصهيوني. وكان الأجدر به أن يوضح للجميع ولممثل الكيان الصهيوني المتبجح أن باكستان في حينه لم تكن مستضيفةً لأُسامة بن لادن -المصنَّف إرهابيًّا- بشكلٍ رسمي وعلني على أراضيها، ولم تكن وسيطًا في مفاوضات بينه وبين الإدارة الأمريكية، بل إن دولة باكستان كانت إلى جانب الإدارة الأمريكية في محاربة ما يُسمى بالإرهاب في حينه وعلى رأسه أسامة بن لادن!

وكان الأجدر بممثل دولة باكستان وغيره من الحاضرين في الجلسة من ممثلي الدول العربية والإسلامية أن يوضحوا أن أسامة بن لادن صنيعةٌ أمريكيةٌ استخدمته الإدارة الأمريكية ذريعةً للتدخل في شؤون المنطقة ولتبرير احتلالها لأفغانستان وغيرها من الدول الإسلامية، عربيةٍ وغير عربية!

ولا مقارنة بين استضافة قطر بشكلٍ رسميٍّ لمقاومةٍ شعبيّة مشروعةٍ مكفولٍ حقها الطبيعي بموجب أحكام القانون الدولي، وبين ما احتج به ممثل الكيان الصهيوني من أدوات أنتجتها الإدارة الأمريكية واستخدمتها ذريعةً لتحقيق أهدافها غير المشروعة في التدخل في شؤون المنطقة واحتلال أراضي دولها. كما أن الكيان الصهيوني كيانٌ غاصبٌ محتلّ، وواجبٌ على جميع الدول العملُ على مساعدة الشعب الفلسطيني على إنهاء الاحتلال الصهيوني لأراضيه، لا أن تصف مقاومتَه الشعبيّة بالإرهاب!

التعليقات مغلقة.