غزة: 700 يوم من الإبادة.. أرقام تحكي جانبا من جريمة العصر

صنعاء سيتي | تقرير| يحيى الشامي

 

 

ما نشهده اليوم في قطاع غزة يتجاوز -في بشاعته وجرأته ودمويته- كل ما جرى في تاريخ البشرية بالنظر إلى شعارات الأنسنة، وادعاءات الحقوق، والحماية، والقانون، وووالخ. على مدار 700 يوم كانت غزة مسرحًا لجريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان، نفذها العدو الصهيوني، الكيان الأكثر قبحًا ودموية في التاريخ الحديث، وبدعم مطلق وشراكة كاملة من حلفائه شركاء المشروع الصهيوني.

التقرير الذي أصدره مكتب الإعلام الحكومي في غزة يوم أمس بمناسبة ٧٠٠ يوم من العدوان مثّل لائحة اتهام متكاملة، بلغة الأرقام التي عكست حقيقة مجردة ومرّة، باردة وقاسية، تكشف عن حجم الكارثة التي حلت بأكثر من مليوني إنسان، على قرب من ملايين العرب، وعلى مرأى العالم الذي شاهد لأول مرة الجريمة تحدث بالبث المباشر.

لم تكن هذه الفظائع لتقع لولا الغطاء السياسي والدعم العسكري اللامحدود الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية، التي وقفت محاميًا وشريكًا في كل قطرة دم سُفكت، ولم تكن لتستمر لولا صمت وتواطؤ الغرب بشكل عام، الذي خان مبادئه الإنسانية التي طالما تغنى بها، ووقف متفرجًا بينما تُرتكب أفظع الجرائم بحق شعب أعزل، أما العرب فستجلي حقيقة خيانتهم وشراكتهم الأيام، وسيشربون من كأس الصهاينة ذاتها التي يتجرع منها الفلسطينيون اليوم.

بين يديك الآن إحصائيات هي في الواقع شهادة دامغة على مشروع استعماري عنصري لا يرى في الفلسطيني إلا هدفًا صغيرا، يبدأ منه مشوار تنفيذ ما يسميه “دولة إسرائيل الكبرى”، والذي لن يستثني رقعة من الأرض العربية التي حددها ورسمها المؤسسون الأوائل للحلم الصهيوني الكبير.

أرقام صادمة  لجريمة العصر

مع مرور 700 يوم على بدء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، تتكشف فصول مأساة إنسانية غير مسبوقة، حيث تحولت الحياة إلى مجرد محاولة للبقاء على قيد الحياة وسط دمار شامل وموت يتربص في كل زاوية. الأرقام الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة لا تروي القصة كاملة، لكنها ترسم ملامح جريمة مستمرة بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني يعيشون تحت وطأة القصف والتجويع والإبادة العرقية.

 

موت يطارد الأحياء والأموات:

في قلب هذه المأساة، تبرز أعداد الشهداء شاهدة على وحشية العدو الصهيوني وفرادة جرائمه، حيث وصل إجمالي عدد الشهداء والمفقودين إلى 73,731 شخصًا، منهم 64,300 شهيد وصلت جثامينهم إلى المستشفيات، بينما لا يزال مصير 9,500 آخرين مجهولًا تحت الأنقاض. الأطفال والنساء دفعوا الثمن الأكبر؛ حيث استشهد أكثر من 20,000 طفل و12,500 امرأة، ما يعني أن أكثر من نصف ضحايا هذه الحرب هم من الفئات الأكثر ضعفًا، وتشير دراسات وتحقيقات قامت بها عدة جهات، من بينها جامعات بريطانية، أشارت إلى أن الأعداد التي تقدمها حكومة غزة أقل بكثير من الأرقام الحقيقية، وهو أمر يخضع لتداعيات الجريمة، وتعقيداتها الكبيرة، وصعوبة الإنقاذ، وتدمير أدوات الإنقاذ، وانعدام وسائل البحث ورفع الأنقاض.

الموت اتخذ أكثر من شكل، وجاء بغير وسيلة، وتعددت أدواته، فالقصف وإن كان له النصيب الأوفر، إلا أن للتجويع والمرض ضحايا تضاعفت أعدادهم، خاصة في الأشهر الأخيرة مع إطباق العدو حصاره الكلي والخانق على كامل القطاع، فقد استشهد حوالي 376 شخصًا، بينهم 134 طفلاً، بسبب سوء التغذية الحاد، في ظل حصار يمنع دخول أبسط مقومات الحياة، كما يواجه 40,000 طفل رضيع خطر الموت تجويعًا بسبب انعدام حليب الأطفال، في جريمة تجويع ممنهجة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث.

ولم يسلم حتى الأموات في قبورهم؛ فقد دمر العدو الإسرائيلي 40 مقبرة ونبشها، وربما أن الكثير تفاجأوا من الرقم الذي كشفه مكتب الإعلام الحكومي في غزة عن أن العدو سرق أكثر من 2,450 جثمانًا من داخل المقابر، وهي جريمة نوعية لعل القانون الدولي نفسه لم يصنّفها بعد!!

 

حرب ممنهجة ضد مقومات الحياة

تجاوزت آلة الحرب الإسرائيلية استهداف البشر لتمحو كل أثر للحياة في غزة، فقد أُلقي ما يزيد عن 150,000 طن من المتفجرات، ما أدى إلى تدمير ما يقارب 90% من مباني القطاع وبنيته التحتية، لم تعد هناك مدارس تقريبا، حيث تضرر 95% من مدارس القطاع، أما من حرمهم العدو من التعليم فهم أكثر من 785,000 طالب منعوا كليا من حقهم في التعليم بعد استشهاد 13,500 منهم.

القطاع الصحي -الذي كان يعاني أصلًا تحت وطأة الحصار- تعرض لانهيار شبه كامل، تم تدمير أو إخراج 38 مستشفى و96 مركزًا صحيًا عن الخدمة، واستهداف 197 سيارة إسعاف. الطواقم الطبية التي عملت في ظروف مستحيلة كانت هدفًا مباشرًا، حيث استشهد 1,670 من أفرادها، في محاولة لقتل كل أمل في النجاة.

لم يبقَ أي مرفق تعليمي أو صحي أو خدمي يعمل بشكل طبيعي، العدو أراد أن يقضي على مقومات الحياة وهو الآن يفعل ذلك، لا يريد لغزة أن تبقى، ولا لأهلها أن يعيشوا.

بعد 700 يوم من جريمة الإبادة الجماعية المقرة بكل الاعتبارات القانونية والعرفية، تجاوزت الأرقام مسألة الإحصائيات، فهي في الواقع قصص حياة أُنهيت، وأسر أبيدت، وأحلام دُمرت، ومستقبل سُرق، وهي شهادة حية على حرب إبادة جماعية تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم، وتؤكد أن ما يحدث في غزة ليس حربًا ضد فصيل مسلح، بل هي محاولة لمحو أو إخراج شعب بأكمله من أرضه.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله 

التعليقات مغلقة.