هُتاف الأحرار.. لبيك يا رسولَ الله
صنعاء سيتي | مقالات | عبد القوي السباعي
ها أنا ذا.. وقد أمدَّ الله في عمري أن حضرتُ اليوم ميدانًا عامرًا بالأنوار المحمدية، زاخرًا بالإشراقات الزاهية والنفحات الزاكية، وقد اجتمع فيه الأحرار، أطفالًا وشبابًا وشِيْبًا، كلُّهم يهتفون بصوتٍ واحدٍ جهير يملأ الأفق ويزاحم الأثير: لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ.
يا لها من كلمات وما أعذبَ سجعَها ورنينَها، وما أعمقَ يقينَها، تتردّد أصداؤها في الفضاء؛ طاعةً ووفاءً، وتفورُ من القلوب حُبًّا وولاءً وصفاء، وتنسكبُ عطورًا فوَّاحةً غزيرة، وتخرُجُ من الحناجر كصيحات أسيرة، بعشقٍ عظيمٍ لا نظير له.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ، يا محمدُ يا ابن عبد الله، يا مَن جُبلت على حُسْن الخَلْق وفُضِّلتَ بالخُلُق العظيم، واصطُفيتَ بالرسالة والدين الخاتم، يا أكرمَ الخلائق وأطهرهم، وأشرفَ البشر وفي المرسلين أعظمهم، يا من إذَا ذُكِرتَ خشعت القلوبُ وارتجفت الأبدان وصفت الأذهان.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ، نداءً يملأ الساحات، وصوتًا يصدح في السماوات، وصرخةً تمزّق حُجب الظلمات، لتشهدَ الملائكة والأنبياء والأولياء، أنّ شعب اليمن متمسك ببيعته لك منذ عصرٍ تليد، ولفرط تمسكه بك، جاء يبايعك من جديد، ويكتب على جبين الدهر عهدًا لا يبلى ولا يحيد.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ؛ لأَنَّك الحُبُّ الذي لا يزول، والضياءُ الذي لا يخفت ولا تعتريه أفول، والنبعُ الذي لا ينضب، والنهجُ الذي لا يضاهيه عُرفٌ وَضعي، والأُسوةُ التي لا تعادلُها قُدوة، ولا يُدانيها إنسان، أَو يبلغها جان؛ لأَنَّك المعلّم الأول، والقائد الأمثل، والحُجّـة الكبرى، والمصباحُ الأزهر الأعلى، والهادي إلى سواء السبيل، ومنار الهداية في كُـلّ جيل.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ، إيمانًا راسخًا لا يزول، ويقينًا صادقًا لا يحول، وإجلالًا شامخًا لا يذهب، وعشقًا متأصِّلًا لا يفتُر؛ لأَنَّك من علّمت البشرية معنى الرحمة، ورسمت للإنسانية معالم كُـلّ فضيلة، وغرست في قلوب المؤمنين بذور العدل والنقاء والطهارة، وأرشدتهم إلى دروب الإباء والشجاعة، والعزة والكرامة.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ؛ لأَنَّك من أقمتَ الدولةَ العادلةَ السمحاء، المدينة الفُضلى، وتركتنا على المحجّـة البيضاء، ورسّخت فيها شريعةَ إله السماء؛ فشيّدت أركانَ الحق والإيمان، وحطّمت عروشَ الباطل والطغيان، وأخرجت الناسَ من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم الرحيم الصبور، وهديتهم إلى صراط العزيز الغفور.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ؛ لأَنَّك شرفُنا ووسيلتُنا، وذُخرنا وملاذُنا، أنت الحبيب الذي لا يُدانى، والذخر الذي لا يُبارى، والمقام الذي لا يُضاهى؛ فنكتبها بالدماء إن عجزت الأقلام، ونرفعها بدماء الشهداء إن صعب الإفهام، ونهتفها في الميادين إن عجزت الأُمَّــة عن الكلام، ونستلهمها من فخر الأعلام، سيدِنا أبي جبريل الهمام.
وها نحن اليوم وغدًا وإلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، في يمن الإيمان والحكمة، يمن الوفاء والبطولة والنخوة، نهتف من كُـلّ ميدانٍ لا نكل ولا نمل، ومن كُـلّ وادٍ وساحٍ وسهلٍ وجبل: لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ.
يهتفها الرجال بصدورٍ عامرة بالإيمان، وتردّدها النساء بقلوبٍ ملؤها الحنان، ويهتفها الأطفال بأنغام البراءة التي لا تضاهيها فصاحةُ البلغاء، ويُردّدها الشيوخُ بصوت الحكمة والدعاء.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ؛ إذ نحن أُمَّـةٌ لا تساوَمُ على دينك، ولا تفرِّطُ في نهجِك، ولا تُسْلِمُ ولاءَها لعدوِّك؛ بل نمضي على خُطْاك، ونموتُ في سبيل الله ورضوانه ومن ثم رضاك، ونحيا على نهجك القويم، وكتاب الله العظيم.
لَبَّيْكَ يَا رَسُــوْلَ اللهِ، بأبي أنت وأمي، يا عظيم العظماء، ويا سيد الكرماء، ويا حبيبَ ربِّ الأرض والسماء، أقولها وأنا العاجِزُ عن بلوغ وسم مقامك؛ فأنت النورُ الذي أضاء الدنا، والفضل الذي علا وسما، والرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والنهج القويم، والصراط المستقيم.
التعليقات مغلقة.