كيف يتذكر الدماغ الأحداث؟
صنعاء ستي | متابعات
الدراسة (2)، التي تعتبر جزءًا من كونسرتيوم مبادرة الدماغ BRAIN متعدد المؤسسات الممول من المعاهد الوطنية للصحة بقيادة مستشفى سيدارز – سيناء، نشرت في مجلة نتشر نيروساينس Nature Neuroscience. كجانب من دراسة قائمة في طريقة عمل الذاكرة، درس أولي روتيشوزر Ueli Rutishauser، برفيسور جراحة الأعصاب وعلم الأعصاب والعلوم الطبية الحيوية في مستشفي سيداررز – سيناء، والباحثون المشاركون طريقة تفاعل خلايا الدماغ عند تكوِّن الذاكرة.
“أحد الأسباب التي تجعلنا لا نستطيع تقديم مساعدة كبيرة لمن يعاني من اضطرابات الذاكرة (1) هو أننا لا نملك ما يكفي من معلومات عن طريقة عمل الذاكرة (3)”، كما قال روتيشوزر، كبير مؤلفي الدراسة، مضيفًا أن الذاكرة أساسية لنا كبشر.
التجربة البشرية مضطردة، لكن علماء النفس يعتقدون، بناءً على رصدهم لسلوك الناس، أن الدماغ يجزِّئ الذاكرة إلى أحداث مميزة، وهو مفهوم يُعرف بـتجزئة الأحداث. من خلال دراستهم التي أجروها على 19 مريضًا مصابون بالصرع المقاوم للأدوية (4)، تمكن روتيشوزر وفريقه من دراسة طريقة أداء الخلايا العصبية خلال هذه العملية.
غُرست أقطاب كهربائية جراحياً في أدمغة المرضى المشاركين في الدراسة لتساعد الباحثين في تحديد مركز نوبات الصرع المصابون بها، وتسمح لهم بتسجيل نشاط الخلايا العصبية للمريض حينما كان المرضى يشاهدون مقاطع أفلام تتضمن حدودًا إدراكية [التي يُعتقد أنها تجزئ التجربة وتنظم الذاكرة (5)].
بالرغم من أن هذه الحدود الإدراكية (6) في الحياة اليومية تتميز بفروق دقيقة، إلّا أن الباحثين ركزوا في هذه الدراسة فقط على الحدود الإدراكية “الثابتة” والحدود الإدراكية “المتغيرة أو المرنة “(6).
“أحد الأمثلة على الحدود ا المتغيرة هو مشهد لشخصين يسيران في ردهة وهما يتحدثان، وفي المشهد التالي، ينضم إليهما شخص ثالث، لكن المشهد لا يزال جزءًا من نفس السردية العامة”، حسبما قال روتيشوزر، المدير المؤقت لمركز العلوم العصبية والطب ورئيس مجلس الإدارة في علوم الأعصاب في مستشفي سيدارز – سيناء.
في حالة الحدود الإدراكية الثابتة قد يتضمن المشهد الثاني مجموعة مختلفة تمامًا من أشخاص راكبين سيارة. “الاختلاف بين الحدود الإدراكية الثابتة والحدود الإدراكية المتغيرة يكمن في حجم الانحراف عن السردية القائمة”، حسبما قال روتيشوزر. “هل هي سردية مختلفة تمامًا، أم أنها مشهد جديد من نفس السردية؟”.
عندما شاهد المشاركون في الدراسة مقاطع من الفيلم، لاحظ الباحثون أن بعض الخلايا العصبية في الدماغ، والتي أطلقوا عليها اسم “خلايا الحدود الإدراكية”، زادت من نشاطها بعد مشاهدة مقاطع من فيلم تتضمن حدودًا إدراكية ثابتة وحدودًا إدراكية متغيرة. مجموعة أخرى من الخلايا العصبية، وُسمت بـ “خلايا الحدث” ، زادت من نشاطها فقط استجابةً للحدود الإدراكية الثابتة، ولكن ليس استجابة للحدود الإدراكية المتغيرة.
فسّر روتيشوزر وزملاؤه بأن نشاط خلايا الحدود الإدراكية وخلايا الحدث – التي اعتبرت الأعلى في النشاط بعد الحدود الإدراكية الثابتة، عندما أصدر كل من نوعي الخلايا جهد فعل- يضع الدماغ في حالة مناسبة لبدء ذاكرة جديدة.
“استجابة الحدود الإدراكية تشبه، نوعًا ما، إنشاء مجلدًا جديدًا على جهاز كمبيوتر”، كما قال روتيشوزر. حيث يمكن بعد ذلك تخرين الملفات المختلفة في ذلك المجلد. وعندما تظهر حدود إدراكية أخرى، يغلق المستخدم المجلد الأول وينشئ مجلدًا آخر”.
لاستعادة الذكريات، يستخدم الدماغ نشاطات الحدود الإدراكية كما أطلق عليها روتيشوزر المصطلح التالي: “مراسي للسفر الذهني عبر الزمن”.
تكوين الذاكرة واستدعائها ينطوي على نشاط منسق في جميع أنحاء الدماغ البشري(7).
“عندما يحاول المرء تذكر أحد الأشياء، فهذا يجعل خلايا الدماغ تصدر فعل جهد”. ثم يقوم نظام الذاكرة هذا بمقارنة نمط النشاط بجميع نشاطات أفعال الجهد السابقة التي حدثت بعد فترة وجيزة من أحداث الحدود الإدراكية. إذا وجد نظام الذاكرة ملفًا (فعل جهد) مشابهًا، فإنه يفتح هذا المجلد. وعليه يرجع المرء لبضع ثوان إلى تلك اللحظة الزمنية والأحداث التي وقعت فيها ويتذكرها”.
لاختبار نظريتهم، أجرى الباحثون اختباري ذاكرة على المشاركين في الدراسة. عرضوا على المشاركين في البداية سلسلة من الصور الساكنة وسألوهم عما إذا كانوا قد رأوها في مقاطع الفيلم التي شاهدوها أم لا. كان المشاركون في الدراسة أكثر احتمالًا لتذكر الصور التي اتبعت عن كثب أحد الحدود الإدراكية الثابتة أو المتغيرة، لو أمكن إنشاء “مجلد ذاكرة” جديد.
كما عرض الباحثون على المشاركين أزواج صور من مقاطع الفيلم التي شاهدوها وسألوهم عن أيها ظهرت أولاً. واجه المشاركون صعوبة في تذكر الترتيب الصحيح للصور التي ظهرت على جوانب متقابلة من الحدود الإدراكية الثابتة، ربما بسبب تجزئة الدماغ لتلك الصور ووضعها في مجلدات ذاكرة منفصلة.
قال روتيشوزر إن العلاجات التي تعمل على تحسين تجزئة الأحداث يمكن أن تساعد المرضى الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة. وأوضح أنه حتى لو كان تغييرًا بسيطًا، كتغيير في جو [مكان، مثلًا] الحدث يمكن أن يضخم الحدود الإدراكية لأحداثه.
“تأثير السياق قوي جدًّا في الواقع”، كما قال روتيشوزر. “لو ذاكرت دروسك في مكان جديد، لم يسبق لك أن كنت فيه، بدل أن تذاكر دروسك على أريكة في البيت حيث كل شيء يبدو مألوفًا بالنسبة لك، ستنشئ ذاكرة أقوى بكثير للمادة الدراسية [لو غيرت مكانك إلى مكان جديد]”.
في دراسات المتابعة، خطط الفريق لاختبار النظرية القائلة بأن خلايا الحدود وخلايا الحدث تنشط خلايا الدوبامين العصبية عند إصدارها فعل جهد، وأن الدوبامين، وهو ناقل عصبي (8)، يمكن أن يستخدم كعلاج لتقوية تكوِّن الذاكرة.
لاحظ روتيشوزر وفريقه أيضًا خلال هذه الدراسة أنه عندما أصدرت خلايا الحدث فعل جهد تزامنيًّا مع نظم موجات ثيتا (9) داخل الدماغ كان المشاركون أكثر قدرة على تذكر ترتيب الصور التي شاهدوها في الفيلم.
هذه رؤية جديدة مهمة لأنها تثبت أن الإثارة / التحفيز العميق للدماغ (10)، الذي يعدل من نظم موجات ثيتا، يمكن أن يكون تحفيزًا علاجيًّا لاضطرابات الذاكرة.
“يُعتقد أن نظم ثيتا هي” الصمغ الصدغي (الزماني) “للذاكرة العرضية (11)”، قالت زينج، المؤلف الأول للدراسة: “نعتقد أن إصدار خلايا الحدث فعل جهد بالتزامن مع نظم موجات ثيتا يُنشئ روابط بناءً على زمن وقوع الحدث في مجلدات ذاكرة مختلفة”.
ضم فريق البحث زميلة ما بعد الدكتوراه جي تشينغ Jie Zheng، وباحث علم الأعصاب غابرييل كريمان Gabriel Kreiman من مستشفى بوسطن للأطفال. وجراح الأعصاب توفيق ڤاليانت، من جامعة تورنتو؛ وآدم ماميلاك Adam Mamelak، برفسور جراحة المخ والأعصاب ومدير برنامج جراحة المخ والأعصاب الوظيفية في مستشفى سيدارز سيناء.
التعليقات مغلقة.