حملة تخويف من اليمن: إسرائيل تريد حرباً جديدة
صنعاء سيتي | صحافة
بينما يواصل اليمن ضرب أهداف في إسرائيل ويتصاعد التوتر في البحر الأحمر، يبرز تفاوت حادّ في طريقة تناول الإعلام الإقليمي والدولي لهذا الملف. ففي حين تميل القنوات الخليجية والإسرائيلية إلى تبنّي خطاب تحريضي وتعبوي يضخّم خطر حركة “أنصار الله” ويشيطنها، يتّجه الإعلام الغربي إلى تغطية أكثر تحفّظاً تركّز على الوقائع والتوصيف، من دون دعوات صريحة إلى التصعيد؛ وهو ما يعكس اختلافاً في الأجندات والمصالح.
وسُجّل، في الأيام الماضية، تركيز الإعلام الخليجي، ولا سيما رأس حربته قناة “العربية – الحدث” السعودية، على تطورات الملف اليمني، الذي خصّصت له تغطية مكثّفة طاولت مختلف جوانب الصراع، مع اهتمام خاص بما يوصف بـ”الخطر اليمني المتزايد في البحر الأحمر”. وتناولت التغطية قدرات اليمن العسكرية، وتخلّلتها اتهامات بامتلاك صواريخ استراتيجية متطوّرة، وباستخدام تقنيات إيرانية في الهجمات البحرية الأخيرة. وذهب بعض التقارير إلى الحديث عن امتلاك “أنصار الله” صاروخ “الشيطان” الروسي وتقنيات كيميائية، من دون الاستناد إلى أي وثائق رسمية، أو صور أقمار صناعية، أو حتى إشارات من تقارير أممية أو مصادر استخباراتية معروفة.
واعتبر مراقبون ذلك مبالغة إعلامية تهدف إلى تضخيم الخطر اليمني وإعادة تدويل الملف، بما يخدم استدراج عدوان غربي جديد على هذا البلد. واستشهد هؤلاء بأن صاروخ “الشيطان” يُعدّ من أضخم المنظومات النووية في العالم ويتطلّب بنية تحتية متقدّمة. كما أن الحديث عن تصنيع أو تخزين أسلحة كيميائية داخل مناطق محاصَرة وعرضة للقصف بشكل دائم، يُعد افتراضاً غير منطقي، ويخالف أبسط قواعد التقدير العسكري.
ومما لفت أيضاً في الرسائل الإعلامية الصادرة عن القنوات الخليجية وتلك الإسرائيلية، تقاطعها عند توصيف “أنصار الله” كأداة إيرانية تهدّد أمن الملاحة في البحر الأحمر، وكمكوّن يجب تحجيمه، بل استهدافه مجدّداً. وعلى الرغم من أن الإعلام الغربي يتماشى مع ذلك الخليجي في الخشية من توسّع نفوذ اليمن وتعاظم قدراته في استهداف الملاحة، مع التركيز على توصيف واقع القوة الصاعدة للحركة كما يرد في تقارير صحف من مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”غارديان”، إلا أن الأول لا يدعو إلى استهداف اليمن مجدّداً؛ بل يعتقد بعض وسائل الإعلام الغربية بعقم المعالجة العسكرية ويرى أن الحل الأمثل لقضية الملاحة يأتي بواسطة الدبلوماسية.
كما أن التغطية الغربية تخلو غالباً من المعلومات غير المُثبتة بتقارير استخباراتية أو صور أقمار صناعية، ومن العناوين الاستفزازية التي تطبع كثيراً من الإعلام السعودي والإماراتي. ويرى محللون أن هذا التفاوت يعكس تبايناً في المصالح والنظرة إلى دور “أنصار الله”؛ فبينما ترى واشنطن ولندن في الحركة طرفاً لا يمكن تجاوزه في معادلة اليمن السياسية، تسعى تل أبيب وبعض العواصم الخليجية إلى عزل الحركة عسكرياً وسياسياً.
وتثير التقاطعات ما بين الطرفين الأخيرين، أسئلة حول ما إذا كانت الحملات الإعلامية الحالية تمهّد لتحرك عسكري واسع أو إعادة تبرير الحرب على اليمن، بعد تراجع الزخم الدولي بفعل اتفاق وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن. ويأتي ذلك فيما يتواصل حديث مراكز أبحاث أميركية وغربية عن أن “أنصار الله” تمكّنت من فرض وقائع جديدة على الأرض، عسكرياً وإعلامياً، على الرغم من تصاعد الضربات الجوية الأميركية والبريطانية منذ مطلع عام 2024.
وأشار مركز “ستيمسون” الأميركي، في تقرير نُشر الأسبوع الماضي، إلى أن الحملة الجوية الأميركية التي استهدفت مواقع “الحوثيين”، حقّقت مكاسب تكتيكية محدودة، لكنها فشلت في إحداث تغيير استراتيجي على المدى البعيد. وأضاف أن “أنصار الله” استعادت قدراتها بسرعة، مستفيدة من دعم تقني خارجي، ومناخ تعبوي داخلي تصاعد بفعل الهجمات الأميركية.
وفي السياق ذاته، نشر مركز “اليمن والخليج للدراسات” تقريراً موسّعاً تناول فيه إسقاط “الحوثيين” 19 طائرة مُسيّرة أميركية من طراز “أم كيو 9” خلال الفترة من كانون الثاني 2024 إلى أيار 2025، ما يُعد ضربة معنوية وعسكرية كبيرة للقوات الجوية الأميركية. وبذلك، يرتفع عدد الطائرات التي أسقطتها الجماعة إلى 22 طائرة منذ عام 2017، وفق التقرير.
بدورها، عبّرت صحيفة “تلغراف” البريطانية عن قلق أوروبي متزايد من تصاعد نفوذ اليمن في المنطقة، معتبرة ذلك مؤشراً إلى أن الحرب الطويلة لم تحقّق أهدافها، بل أدّت إلى تعزيز موقع الحركة على المستويات الإقليمية والدولية. وعكَس التقرير إدراكاً لكون التدخّل العسكري السعودي والدعم الغربي عزّزا قدرة الحركة على تهديد الممرات الدولية الحسّاسة، ما أجبر الغرب على إعادة حساباته.
*لقمان عبدالله: الاخبار اللبنانية
التعليقات مغلقة.