إغارة “القسام” في خان يونس: دلالات عسكرية وسياسية عميقة تقلب موازين المعركة

صنعاء سيتي| متابعات

 

 

في ظل استمرار الحصار والعدوان لأكثر من 640 يومًا، فاجأت كتائب القسام الاحتلال الإسرائيلي بعملية “إغارة متكاملة” في خان يونس، كشفت عن مستوى متقدم من الاحترافية ودلالات استراتيجية وعسكرية وسياسية هامة. هذه العملية، التي وثقت بمقاطع فيديو، أعادت تشكيل الوعي تجاه قدرة المقاومة على الصمود والمبادرة.

 

عملية إغارة احترافية متعددة الأبعاد

وصف الخبير العسكري والاستراتيجي، نضال أبو زيد، العملية بأنها “إغارة” وليست مجرد كمين، مشيرًا إلى أن الإغارة تُعد من أعقد أشكال حرب العصابات وتتطلب مفاجأة وقدرة عالية على التعامل مع التضاريس وإدارة الموارد. وأوضح أبو زيد لـ”قدس برس” أن الإغارة تعني السيطرة الكاملة على الزمان والمكان والهدف، وهو ما تجلى في خان يونس.

نفذت العملية في منطقة “المحطة” القريبة من “السكة” بقلب خان يونس، وهي منطقة استراتيجية تبعد حوالي كيلومتر واحد عن مركز المدينة، مما يدل على جرأة المقاومة في اختراق العمق القتالي للعدو. وأظهرت المقاطع المصورة احترافًا عاليًا في توزيع المهام بين فرق التغطية النارية، مجموعات التنفيذ، والإخلاء، بالإضافة إلى التصوير المتعدد الزوايا الذي عكس البعد الإعلامي للعملية. هذا التنسيق يشير إلى تطور ملحوظ في أداء المقاومة بعد أكثر من 640 يومًا من الحرب.

كما أشار أبو زيد إلى الدقة الاستخباراتية للمقاومة، مستدلاً بإشارة أحد المقاومين إلى تبعية الدبابة المستهدفة للسرية الثالثة، مما يكشف عن معرفة دقيقة بتوزيع وحدات الاحتلال ومعداته. ولفت إلى أن تنفيذ العملية في “المحطة” يشير إلى تحول في تحركات الاحتلال، الذي بات يتجنب الطرق الرئيسية ويلجأ إلى الأزقة المدمرة، لكن المقاومة لاحقته وأوقعت به خسائر فادحة.

تحدث أبو زيد عن تحركات عسكرية للمقاومة خلال الـ 72 ساعة التي سبقت العملية، في قوس جغرافي يمتد من “القرارة” إلى “السكة” و”المحطة” وصولاً إلى “بطن السمين” شمال غرب خان يونس. وعلق قائلًا: “هذا يدل على أن الاحتلال فشل في التقدم من محاور متعددة، فلجأ إلى فتح محور جديد لكنه فوجئ بكمين إغارة محكم كلفه خسائر فادحة”.

وفيما يتعلق بخسائر الاحتلال، أكد أبو زيد أن ما يُعلن لا يعكس الواقع، مشيرًا إلى أن الدبابة المستهدفة، وهي من طراز “ميركافا” بوزن 65 طنًا، تحمل عادةً طاقمًا من أربعة جنود وقد تستخدم أيضًا كناقلة جنود، مما يرفع العدد المحتمل لمن كانوا بداخلها إلى ما يصل 12 جنديًا. ووفقًا للمشاهد، يبدو أن جميع من كانوا بداخلها إما قتلوا أو أصيبوا، مما يرفع حجم الخسائر البشرية أكثر مما يعترف به الاحتلال.

لاحظ أبو زيد تغييرًا في طبيعة عمليات المقاومة بعد 11 يونيو، حيث بات التركيز على استهداف جنود الاحتلال داخل الآليات أو أثناء تحركهم، مع تراجع واضح في الاشتباكات المباشرة أو عمليات القنص. وأرجع ذلك إلى أوامر محتملة صدرت للجنود بعدم مغادرة الآليات، وهو قرار يتنافى مع قواعد الاشتباك في المناطق المبنية. واختتم أبو زيد حديثه بالتساؤل عن كيفية صمود المقاومة 641 يومًا، مجيبًا بأن “الإجابة تكمن في معادلة بسيطة: قدرة المقاومة على إعادة إنتاج نفسها، أسرع من قدرة الاحتلال على تدميرها”.

 

رسالة استراتيجية ودلالات سياسية

اعتبر المحلل السياسي إياد القرا أن العمليات الأخيرة للقسام في خان يونس تحمل دلالات تتجاوز العمل الميداني وتشير إلى تحول واضح في مجريات المعركة. وأوضح القرا لـ”قدس برس” أن العملية تؤكد فشل الاحتلال في تفكيك بنية المقاومة أو تقليص قدرتها على المبادرة، رغم الاجتياحات المتكررة والتدمير واسع النطاق.

وأضاف أن “المقاومة أثبتت مجددًا أنها قادرة على التخطيط والتنفيذ في مناطق يزعم الاحتلال أنه أخضعها بالكامل، ما يكشف عن فشل استخباراتي وعسكري مزدوج”. وأكد أن نوعية الاستهداف والكمائن المنصوبة تعكس استنزافًا متواصلًا لقوات الاحتلال وهيبته.

وأشار القرا إلى أن هذه العملية تحمل رسالة استراتيجية بأن المقاومة تفاوض من موقع قوة، وأن الميدان لا يلغى بالتفاوض بل يدعمه، وأن أي اتفاق لا يحقق وقفًا شاملًا للعدوان وانسحابًا حقيقيًا من الأراضي المحتلة سيكون هشًا وغير قابل للحياة. ولفت إلى أن تنفيذ العملية في خان يونس، المدينة التي تعرضت لأكبر موجات التدمير، له بعد رمزي بالغ، يظهر أن ما قيل إنه “أُخضع بالكامل” قد عاد ليكون بؤرة اشتباك وموقعًا لتفجير كمائن.

وختم القرا تحليله بأن العملية تشكل دفعة معنوية قوية للجمهور الفلسطيني، وتبعث برسالة مزدوجة للعدو والشعب: “المعركة لم تنتهِ، والميدان ما زال يتكلم بلسان المقاومة”.

 

تفاصيل العملية وخسائر الاحتلال

عرضت كتائب القسام أمس السبت مشاهد لإغارة مقاتليها على تجمع لآليات وجنود الاحتلال الإسرائيلي واستهداف دبابتين بطريقة “العمل الفدائي” في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وتضمنت المشاهد الإغارة على تجمع لجنود وآليات الاحتلال، حيث تم استهداف دبابتي “ميركافا” بعبوتي شواظ واستهداف ناقلة جند بقذيفة “الياسين 105″، والاشتباك مع قوة الإنقاذ، وذلك في منطقة المحطة وسط مدينة خانيونس. كما نشرت “القسام” مشاهد لاستهداف 3 ناقلات جند أخرى في منطقة المجمع الإسلامي وشارع البيئة وسط المدينة. وقد اعترف الاحتلال بمقتل جندي وإصابة عدد آخر، بينهم قائد سرية في تلك العملية.

تواصل فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التصدي لقوات الاحتلال المتوغلة، بعد استئناف العدوان والحصار المشدد على قطاع غزة. وتجدر الإشارة إلى أن قوات الاحتلال، بدعم أمريكي مطلق، تواصل ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، مخلفة أكثر من 193 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود ومئات الآلاف من النازحين.

التعليقات مغلقة.