مصير اليورانيوم الإيراني غامض: طهران تدخل مرحلة “الغموض النووي” بعد الهجمات الأمريكية

صنعاء سيتي| متابعات

 

 

على الرغم من أن الهجمات الإسرائيلية-الأمريكية على إيران كانت تهدف إلى تدمير برنامجها النووي، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه الضربات قد دفعت بالبرنامج إلى وضع “مستتر وتحت الأرض وغامض”، وهي مرحلة يمكن تسميتها بـ “الغموض النووي”، مما يثير قلق الغرب أكثر من الفترة التي كانت فيها المنشآت الإيرانية تعمل بشكل علني وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لا يملك الغرب حاليًا تقييمًا دقيقًا للأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية، كما لا يعرف على وجه الدقة أين يوجد اليورانيوم الإيراني المخصب. ويأتي هذا الغموض في ظل تعليق العلاقات بين طهران والوكالة الدولية بموجب قانون إيراني جديد، مما يمنع مفتشيها من تفتيش المنشآت، حيث تعتبر إيران بعضهم “جواسيس”.

 

تباين في تقييم أثر الهجمات وتصريحات متضاربة

كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أكد مرارًا خلال الأيام الأخيرة أن الهجمات التي شنتها قاذفات “B2” الأمريكية في 22 حزيران الماضي على ثلاث منشآت نووية إيرانية هي “نطنز” و”أصفهان” و”فوردو”، قد أدت إلى “تدمير” البرنامج النووي بالكامل. كما أعلن عن تنظيم “احتفال تدمير” البرنامج خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن يوم الإثنين المقبل.

إلا أن تقارير عديدة في وسائل الإعلام الأمريكية تشكك في رواية ترامب، وتزعم أن هذه الضربات أخرت البرنامج النووي لبضعة أشهر فقط، وهو ما أثار حفيظة الرئيس الأمريكي. وفي تأكيد لهذه التقارير، صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن “البرنامج النووي الإيراني لم يُدمّر بالكامل، وأن إيران قد تتمكن من تخصيب اليورانيوم مجددًا خلال أشهر”.

على الجانب الإيراني، تسود حالة من “الغموض المتعمد”. ويتحدث مسؤولون إيرانيون، بمن فيهم المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، عن “أضرار حادة” لحقت بالمنشآت النووية دون تفاصيل إضافية، مؤكدين أن البرنامج سيواصل نشاطه بقوة. كما قال وزير الخارجية، عباس عراقجي، لشبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية إن “القصف الأمريكي لموقع فوردو ألحق أضرارًا جسيمة، لكن تكنولوجيا التخصيب لا يمكن تدميرها بالقصف وسنتمكن من إصلاح الضرر بسرعة”. وأكد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أن “الصناعة النووية ليست شيئًا يمكن تدميره بالقصف، بل إن صناعتنا النووية تكنولوجيتها محلية ومتجذرة في هذه الأرض والمياه”.

 

قلق غربي من استئناف التخصيب السري وتغير العقيدة النووية

رغم أن العديد من المؤشرات تدل على توقف تقدم البرنامج النووي إثر الهجمات الأخيرة، فإن إمكانية استعادته متاحة، مما يشكل مصدر قلق للغرب، خاصة إذا قررت إيران التخصيب في منشآت سرية هذه المرة. ويسهم القرار البرلماني بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية، والذي أصبح نافذًا بعد إعلان الرئيس مسعود بزشكيان أمس، في تقييد يد الوكالة في مراقبة البرنامج. وترى إيران أن عضويتها في الوكالة ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لم تجلب لها فائدة، ولم تمكنها من الحفاظ على حقها في برنامج نووي سلمي، وبالتالي تعرضت منشآتها للقصف من قبل دولة تمتلك سلاحًا نوويًا.

يشكل عدم تحديد أماكن الاحتفاظ باليورانيوم المخصب أحد أبعاد سياسة “الغموض النووي”. وتمتلك إيران ثلاثة مستويات من اليورانيوم المخصب بنسب 3.67% و20% و60%، ولا يتطلب وصولها إلى المستوى المخصص للأغراض العسكرية (90%) سوى خطوات تقنية قليلة وتغيير ترتيب أجهزة الطرد المركزي.

بعد 10 أيام من الهجوم الأمريكي، لم تنشر طهران أي معطيات عن المواد النووية، خاصة اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وتكتفي بالقول إنها تعلم المصير القطعي لهذه المواد، دون مؤشرات حول ما إذا كانت قد نُقلت إلى موقع آخر أم أنها دُفنت في “فوردو”.

يبدو أن مخزون إيران المتبقي من اليورانيوم المخصب تحول حاليًا إلى ورقة رئيسية بيدها، حيث تعتبر طهران هذه المواد رمزًا لاندحار العدو وأداة لممارسة الضغط الدبلوماسي. كما يشكل التهديد بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) والإشارات غير المباشرة إلى القدرة على تصنيع قنبلة، جزءًا من تكتيكات الضغط للحصول على تنازلات في الظروف الحرجة.

وما يمكن أن يزيد من غموض توجهات البرنامج النووي هو التهديدات السابقة للسلطات الإيرانية بشأن احتمال “تغيير العقيدة النووية” في حال تعرض المنشآت النووية للهجوم. وإذا طبقت السلطات تهديداتها فعليًا، فهذا يعني أنها ستتحرك في اتجاه إنتاج السلاح النووي، الأمر الذي – وإن كان من الصعوبة بمكان تحقيقه – من شأنه أن يؤدي إلى تغييرات كبرى في المعادلات الاستراتيجية في المنطقة.

التعليقات مغلقة.