حق إيران في الدفاع عن النفس والمعايير الغربية

موقع صنعاء سيتي – صحافة 

 

تشنّ إسرائيل حرباً على إيران أدّت إلى شهداء مدنيين وقادة عسكريين وتدمير بنى تحتية ومؤسسات ومستشفيات ورفع درجة المخاطرة لاستهداف المنشآت النووية. في المقابل، بدأت إيران بالدفاع عن نفسها بهجمات تستهدف عبرها الكيان الإسرائيلي.

 

وفي تصريحٍ يُظهر المعايير المزدوجة عند الغرب، أعلنت دوله أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، علماً أن إسرائيل هي المعتدية بشكل واضح. وهذا يظهر خلافاً مع دول أخرى أكدت حق إيران بالدفاع عن نفسها، إذ إن القانون الدولي الذي يعطي حق الدفاع للدولة المعتدى عليها وليس للدولة المعتدية.

 

أولاً: ميثاق الأمم المتحدة

يعطي العدوان الإسرائيلي الحق كاملاً لإيران في الدفاع عن النفس، وهذا ما يظهر عبر نصوص القانون الدولي، علماً أنه لا يمكن ذكر ونقاش كل ما ورد حول ذلك.

وفي الملاحظة: كل الردود الإيرانية تحصل رداً على الهجومات الجوية الإسرائيلية، فلم تبدأ إيران بهجوماتها إلا كردّ فعل، وبالتالي إن حقّ الدفاع عن النفس الذي يستلزم وجود خصمٍ مدجَّج بالسلاح على أهبّة الانقضاض على الدولة، يُقرّ حق الدولة بذلك عبر المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة – الفصل السابع – التي تنصّ على أنه: «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم…»

الممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد ايراواني (أ ف ب)

المادة 51 من الميثاق تكفل للدول حقّ الدفاع عن النفس، فلا يمكن أن تتعرض دولةٌ ما لاعتداءٍ من دون أن تدافع عن نفسها، لأنّ هذا العمل سيتكرر باستمرارٍ. والاستثناء الذي ورد فيه نصٌّ صريحٌ في ميثاق الأمم المتحدة، خروجاً على مبدأ تحريم استعمال القوة، هو الدفاع الفرديّ والجماعيّ عن النفس. وهذا الحقّ أكدته أيضاً اتفاقية «مونتيفيديو» التي تحدّثت عن حق الدفاع عن النفس، مع غيرها من المواثيق الدولية المتعددة الواردة في قواعد القانون الدولي الإنساني.

 

“لا يمكن القول بوجود أو انتفاء حق الدولة في الدفاع الشرعي إلّا على ضوء طبيعة الحق الذي يهدره السلوك غير المشروع لدولة أخرى”

إنّ جوهر الاعتداء هو الفعل غير المشروع، أياً كان شكله، مسلحاً أو غير مسلح، ما دام أنّه يمثل ضرراً وجودياً بدولة أخرى أو ينطوي على خطر هذا الإضرار. وحصر الاعتداء في صورة معيّنة يتجاهل حقيقة أنّ الدفاع الشرعيّ سابقٌ في وجوده على وجود ميثاق الأمم المتحدة نفسه.

الأمر الثاني الذي يجب أخذه في الحسبان، هو أنّه لا يمكن القول بوجود أو انتفاء حق الدولة في الدفاع الشرعي إلّا على ضوء طبيعة الحق الذي يهدره السلوك غير المشروع لدولة أخرى. وعندما ينصبّ السلوك غير المشروع على حقٍّ يتعلق بوجود دولةٍ أخرى وكيانها، فإنّ حقها في الدفاع عن النفس يغدو مؤكداً وشرعياً.

وقد عُرفت هذه الفكرة في الأنظمة القانونية الداخلية كحقٍّ طبيعيٍّ، ثمّ استقرّت كمبدأ أساسيٍّ في القانون الدوليّ. ويعدّ حقّ الدفاع الشرعيّ نتيجةً حتميّةً للحقّ في البقاء والمحافظة على النّفس.

ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة، ليس حقّ الدفاع الشرعيّ مطلقاً من دون قيود، فهو مقيّدٌ من ناحيةٍ بتعرّض الدولة المعتدى عليها لعدوان مسلّح، ومن ناحيةٍ ثانيةٍ مقيّدٌ بأن تتمّ ممارسته بشكلٍ مؤقت، وحتى يقوم مجلس الأمن بتحمّل مسؤوليته في اتخاذ التدابير الفعّالة ضدّ الدولة المعتدية. ومن ناحيةٍ ثالثة، يخضع لرقابة مجلس الأمن، وبالتالي إنّ الدولة التي تمارسه تلتزم بإبلاغ مجلس الأمن فوراً بالتدابير التي اتخذتها.

وفي ظل امتناع مجلس الأمن عن لعب دوره، مع العلم أن إيران رفعت القضية أمامه، فهذا يمنح إيران الحق في الدفاع عن نفسها، بعدما تهددت سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.

وأمام ما يحصل من تهديد وجودي، حيث أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، أنه يريد إسقاط النظام الإيراني، يصبح تلقائياً من حقّ الدولة والجماعة المستهدفة في البقاء، حق الدفاع الذي يُعدّ سبباً رئيسياً لبقاء الدولة والقيام بدورها في حماية مواطنيها، وهو ما يكسبها الشرعية أمامهم.

 

ثانياً: الشروط والمعايير

تحدّث فقهاء القانون الدولي عن شروط الدفاع عن النفس، وهذه الشروط يمكن إيجازها بشكلٍ عام، ومنها:

  1. أن يكون مصدر الخطر غير مشروع: يُعتبر الخطر المتضمن في الاعتداء غير مشروعٍ إذا كان يهدّد بوقوع إخلالٍ بحقٍ يحميه القانون الدولي.
  2. أن يكون الخطر حالّاً: من دون هذا الشرط لا يتحقق الهدف من إباحة حق الدفاع الشرعيّ، وهو درء خطرٍ عن الدولة المعتدى عليها لم يكن في وسع المنظمات الدولية صدّه عنها، وهذا ما لم تقم به الأمم المتحدة في حالة إيران. فالخطر أصبح واقعاً بالفعل ولم ينتهِ بعد، وهذه حالة الاعتداء الإسرائيلي على إيران.
  3. شرط الضرورة: يجب أن يكون الخطر المتطلّب للدفاع عن النفس حالّاً وداهماً، ولا توجد وسيلة لصدّه سوى باللجوء إلى القوة. ولم تقم المنظمة الدولية بصده أو حله بطرق سلمية.
  4. يجب أن يوجَّه الدفاع الشرعيّ إلى الدولة مصدر العدوان وهذا ما يحصل فعلاً.
  5. شرط التناسب: يتضمّن حقّ الدّفاع الشرعيّ في القانون العرفيّ افتراض تناسب القوة المستخدمة مع التهديد المواجَه والخطر القائم.
  6. توجيه فعل الدفاع إلى مصدر العدوان المسلّح: هذا ما يُعبر عنه بالقول إنّ فعل الدفاع ينبغي أن يُوجَّه إلى مصدر الخطر، ومصدر الخطر في فعل العدوان هو الدولة التي قامت بشنّ هذا العدوان. وبالتالي، وفق مطالعة قانونية صغيرة، يمكن تعرية المعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي من قبل المجتمع الدولي عندما تكون المعتدية هي إسرائيل على دولة أخرى.

*علي إبراهيم مطر: أكاديمي وباحث في العلاقات الدولية

الإخبارية اللبنانية

التعليقات مغلقة.