تراجع في أداء الدفاعات الإسرائيلية: إيران تعزّز الدقّة في إصاباتها

موقع صنعاء سيتي – صحافة

 

 

قد لا تعترف إسرائيل، لأسباب كثيرة، بالمواقع الحساسة التي تصيبها الصواريخ الإيرانية، لكن ذلك لا ينفي أبداً تلقّيها هي أيضاً ضربات مؤلمة، منذ بدأت عدوانها على الجمهورية الإسلامية فجر الـ13 من الجاري. وفي فصل جديد من فصول تلك الضربات، تلقّى الكيان، صباح أمس، صاروخاً واحداً يبدو أنه أصاب هدفه، بعدما فشلت جميع محاولات اعتراضه، فيما التزمت سلطات الاحتلال الصمت حيال الموقع المُستهدف.

 

ولكنّ الصور، كما المصادر العبرية، دلّت على نجاح عملية الاستهداف التي طاولت مركز «غاف يام نيغيف» التكنولوجي، والذي يضمّ مؤسسات عسكرية وسيبرانية نشطة، وأدّت إلى تضرر محطّة القطارات في المدينة – ما دفع السلطات إلى تعليق العمل فيها -، وأيضاً مقرّ لشركة «مايكروسوفت»، والعديد من الأبنية.

 

وتقع حديقة «غاف يام نيغف» في مدينة بئر السبع جنوبي فلسطين المحتلة، بمحاذاة جامعة بن غوريون، وبالقرب من مجمع تابع للاستخبارات العسكرية، يضمّ وحدة «أوفك» التكنولوجية التابعة لسلاح الجو، ووحدات تكنولوجية أخرى، وقيادة المنطقة الجنوبية في الجيش. وكانت هذه الحديقة التكنولوجية، القريبة من مستشفى «سوروكا»، هدفاً لصواريخ إيرانية صبيحة الخميس؛ إذ قال مراسل «القناة الـ12» العبرية، ألموج بوكير، إن الصاروخ الذي أصاب مدينة بئر السبع بشكل مباشر، هو نفسه الذي انفجر في «سوروكا»، لافتاً إلى أنه يحمل 300 كيلوغرام من المواد المتفجّرة.

 

ولم تكد ساعات تمرّ على استهداف «غاف يام نيغيف» صباح الجمعة، حتى تلقّت إسرائيل رشقة صاروخية كبيرة وثقيلة، نجح بعضها في إصابة مجمّع الوزارات الحكومية في مدينة حيفا، المعروف باسم «الشراع»، والذي شُيّد عام 2002 ويبلغ ارتفاعه 29 طابقاً، وفق ما أظهرته الصور المُتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الأضرار في حيفا «امتدّت على شعاع كيلومتر».

 

وفي ظلّ التكتم الذي يفرضه العدوّ على خسائره، خرج رئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، ليعترف بأنّ القصف الإيراني استهدف «نقطتين استراتيجيتين» في المدينة. وقال ياهف، خلال تفقّده أحد المواقع المتضرّرة: «أقول لسكان حيفا: اتّبعوا التعليمات. الدولة لم تأخذنا في الاعتبار لفترة طويلة، والآن يتم تدمير الأماكن الاستراتيجية في المدينة».

 

وتفرض الرقابة العسكرية، هذه الأيام، قيوداً مشدّدة على وسائل الإعلام، وهو ما يصعّب الكشف عن المواقع الحساسة التي تستهدفها إيران، علماً أن هذه الرقابة نفسها سمحت بالنشر حول سقوط صاروخ إيراني بشكل مباشر على منزل الوزير الإسرائيلي السابق، داني نافيه، في منطقة تل أبيب الكبرى، أول أمس، وإصابة مبنى البورصة الإسرائيلية. لكنّ وسائل الإعلام العبرية كما الحكومة لا تنشر شيئاً حول بقية الأماكن المُستهدفة؛ من مثل قاعدة «نفياتيم»، ومقرّ «الكرياه»، وغيرهما.

 

“نجحت إيران في إنهاك منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية”

ووفقاً لصحيفة «كالكاليست» الاقتصادية الإسرائيلية، فإنّ التقديرات في معهد «وايزمان» للعلوم في رحوفوت قرب تل أبيب، الذي تعتبره طهران «العقل النووي لإسرائيل»، تشير إلى أنّ «حجم الأضرار التي لحقت به، نتيجة إصابة صاروخية، الأحد الماضي، يبلغ 2 مليار شيكل»؛ إذ تضرّرت ثلاثة مبانٍ بحثيّة، وأصيب عدد كبير آخر من المباني، علماً أن «الأضرار المحسوبة هي التي لحقت بالبنى التحتية في المعهد، ولا تشمل الخسائر الجسيمة التي لحقت بالأبحاث العلمية، بسبب فقدان عيّنات وموادّ نادرة تمّ تطويرها، أو كانت تُستخدم كأساس لأبحاث متقدّمة»، بحسب الصحيفة.

 

وقال مسؤول إسرائيلي، لـ»كالكاليست»، إنّ «كلفة إنشاء مبنى مختبرات فارغة قد تصل إلى 50 مليون دولار، ومع التجهيزات المتطوّرة قد ترتفع الكلفة إلى 100 مليون دولار». ومن بين المواقع المُستهدفة أيضاً، حي رامات غان قرب تل أبيب، حيث دُمّرت 9 مبان بالكامل، وتضرّرت مئات الشقق والمركبات، فيما تداول إسرائيليون مقطعاً لمراسل «فوكس نيوز»، حيث ظهر في شارع مناحيم بيغن، مؤكداً إصابة مبنى وزارة الأمن في «الكرياه».

 

وإذ تُعدّ منطقة خليج حيفا أحد الأهداف البارزة بالنسبة إلى إيران؛ فقد أعلنت شركة «بازان»، المشغّلة لمصافي النفط في حيفا، الأحد، تضرُّر خطوط أنابيب جرّاء الهجمات الصاروخية، مؤكّدة أن منشآت التكرير الرئيسية لا تزال تعمل، بينما تمّ إيقاف «بعض المنشآت الثانوية»، من دون تحديدها. كذلك، تعرّضت مدن ومناطق عدة، من بينها حيفا وقيسارية وتل أبيب ورمات غان وبيتاح تكفا وريشون لتسيون وبني براك وبيت يام، لقصف إيراني كبير، خلّف أضراراً جسيمة في المباني والمركبات.

 

وتسعى إسرائيل، منذ الخميس، لبناء سردية يمكن ترويجها أمام العالم، مفادها أن إيران استهدفت مستشفى «سوروكا» والمرضى الموجودين فيه، في بئر السبع، وذلك للتعتيم على الأهداف العسكرية والاستخبارية المُستهدفة. لكنّ النائب السابق لرئيس وحدة الاستخبارات «8200» في جيش الاحتلال، آساف كوهن، قال، في تصريحات صحافية، إن «إيران لا تؤذي المدنيين، لكنها تحاول فقط استهداف القواعد العسكرية»، مضيفاً: «نحاول تصويرهم ككيان شرير، لكنهم دولة قوية، نحن نهاجم أهدافهم الأمنية، فيردّون بضرب أهدافنا الأمنية».

 

وفيما صار واضحاً تنويع إيران أساليب الاستهداف، يظهر أنها انتقلت من القصف الكمّي إلى ذلك النوعي، والذي يندرج في إطار حروب الاستنزاف. وفي هذا الجانب، أشارت مصادر عبرية إلى ارتفاع نسبة الفشل في تصدّي أنظمة الدفاع الجوي للصواريخ الإيرانية، والتي كان آخرَها صاروخا بئر السبع وحيفا اللذان نجحا في اختراق طبقات تلك المنظومات وإصابة هدفهما. ويبدو أن إستراتيجية إيران في عمليات الإطلاق التي اعتمدت، بدايةً، على استخدام عدد هائل من الصواريخ دفعة واحدة، نجحت في إنهاك منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية. ونتج من ذلك، اعتراف إسرائيلي وأميركي باستنزاف مخازن الصواريخ الاعتراضية لدى إسرائيل، فضلاً عن نجاعة الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية.

 

ويرجّح الخبراء اعتماد إيران على استراتيجيات إضافية، من مثل استخدام مُسيّرات وهمية وإرسال أهداف جوية زائفة، بهدف استنزاف ذخيرة المنظومات الدفاعية، وأيضاً إرباكها، إلى درجة أن الصواريخ الاعتراضية كانت تستهدف بطاريات الدفاع الجوي بعد فشل الإطلاق، وفق ما جرى توثيقه في مقاطع مصوّرة، إضافةً إلى احتمالية استخدام «الحرس الثوري» الإيراني وسائل الحرب الإلكترونية، من مثل التشويش على الرادارات الإسرائيلية. وفي هذا السياق، ذكر مسؤولون إسرائيليون، لوكالة «بلومبرغ»، أن إيران اخترقت كاميرات أمنية داخل إسرائيل لجمع معلومات استخبارية، وأن هناك زيادة في عملية استهداف تلك الكاميرات.

 

*أحمد العبد: الإخبارية اللبنانية

التعليقات مغلقة.