تفاصيل جديدة حول «الضربة الافتتاحية» هكذا مهّد العدو المسرح

موقع صنعاء سيتي – صحافة

 

 

مع مرور الوقت، بدأت تتكشّف بعض ملامح الضربة الافتتاحية التي نفّذها العدو الإسرائيلي ضد إيران، إذ استندت هذه الضربة إلى خطّة شرع العدو في التحضير لها منذ سنوات، من خلال الاستخبارات الإسرائيلية التي مهّدت للعملية بوتيرة بطيئة، اعتمدت على تشكيل مجموعات صغيرة، جرى زرع خلاياها بهدوء في الداخل الإيراني على فترات زمنية متباعدة، وأُدخلت عبرها المواد الهجومية الأساسية قبيل اتخاذ القرار بالتنفيذ.

 

وهذا ما يفسّر عدم قدرة الاستخبارات الإيرانية على كشف المخطّط مبكراً، على الرغم من اعتقال مجموعات تعمل لصالح «الموساد»، ولم تكن على علمٍ بالمخطّط وحجمه وتفاصيله، نظراً إلى اعتماد إسرائيل طريقة عمل «المجموعات غير المترابطة»، بالإضافة إلى إيكال مهام إلى مجموعات مناهضة للنظام داخلياً، وإيهامها بمساعدتها لضرب أهداف للأخير، كتمويه مُسبق في حال انكشاف أمرها والقبض عليها.

 

على أن آليات التمويه اتّخذت أشكالاً عدّة، منها تغطية النشاط بواجهات تجارية، والاعتماد على مهرّبين لإدخال معدّات هجومية، مثل المُحلّقات الرباعية، وقطع الطائرات المُسيّرة، والمواد الإلكترونية، وبطاريات الليثيوم. وقد جرى إدخال هذه المعدّات على دفعات متفرّقة، لتجنّب لفت الأنظار، وتخزينها لاحقاً في مواقع مختلفة. كما استُعين بمتعاملين أجانب من عرقيات وقوميات مختلفة قادمين من دول الجوار، خصوصاً من أفغانستان وآذربيجان وكردستان.

 

وعمل هؤلاء بشكلٍ نشط، وخصوصاً الأفغان، في وقت استُخدم فيه ملفّ اللجوء كغطاء أساسي لعملهم في ظلّ انتشارهم في محيط المدن الإيرانية. أيضاً، قام العدو بتدريب أفرادٍ محدّدين، وأدخل مجموعات من قبضات «سبارك»، سرّاً، إلى البلاد، حيث زُرِعَت قرب المنشآت الحساسة ومواقع الاغتيال بمدى 25 كلم، وتمّ تمويهها داخل منازل في أطراف المدن، على مقربة من الأهداف، ثم تشغيلها عن بعد، عبر منظومة «ستارلينك» للأقمار الصناعية.

 

مع ذلك، من المبكر جداً الحديث عن كامل تفاصيل العملية الافتتاحية، التي بدأت باستهداف قيادة «الحرس الثوري» والعلماء النوويين، والدفاعات الجوية التي تعرّضت بدورها لتشويش كثيف؛ إذ حتّى اللحظة، لا تزال الرواية عبارة عن سيناريوات وافتراضات متعدّدة، فيما تبقى الحقيقة رهينة ما قد يُكشف من قبل الأطراف المعنية بالصراع.

 

والجدير ذكره، هنا، أنه بعد ساعات من وقوع الضربة الافتتاحية، كانت القيادة الإيرانية قد توصّلت إلى أن الهجوم الأول نُفّذ من الداخل، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات وقائية واسعة حدّت بشكل كبير من وقوع خسائر بشرية أكبر. وانطلقت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الأمن واستخبارات الحرس الثوري، معزّزة بقوى الأمن الداخلي و«الباسيج»، في عمليات مراقبة وبحث واسعة، وخصوصاً بعد رصد حركات آليات تُطلق طائرات مُسيّرة صغيرة أو تحمل مقذوفات صاروخية موجّهة، بالعين المجرّدة، مع الساعات الأولى للهجوم، فجر الجمعة، ليعقب ذلك تنفيذ انتشار ميداني واسع للسيطرة على الأرض.

 

هكذا، انتشرت قوات التعبئة «الباسيج»، وأطلقت عمليات مسح ميداني في محيط المراكز الحساسة، توسّعت لاحقاً إلى خارج نطاقات المناطق العسكرية والأمنية، في حملة تطهير شاملة، برز خلالها التعاون الشعبي الكبير مع القوى الأمنية، إذ شرع الأهالي في الإبلاغ عن كل تحرّك مشبوه، سواء وجود أشخاص غرباء في الأحياء، أو وجود آليات نقل مغطاة، أو حتى رؤيتهم لانطلاق مُسيّرات من محيط أماكن سكنهم، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في إلقاء القبض على هؤلاء، وتعطيل العديد من الهجمات قبل حصولها. كما أخطرت السلطات الأمنية المتعاونين و«المُغرّر بهم» بأن أمامهم مهلة حتى يوم الأحد، 22 حزيران الحالي، لتسليم أنفسهم، مقابل تخفيف العقوبات؛ على أنّ كلّ من يُلقى القبض عليه بعد هذا التاريخ «سيتعرّض لأشدّ العقوبات».

 

ومع تكشّف حجم الاستهداف في مناطق خارج طهران، خصوصاً في المدن الغربية ومناطق الشمال الغربي، اتّسعت رقعة الانتشار الأمني، ما أدّى إلى إلقاء القبض على عدد كبير من الأفراد، ومصادرة كميات كبيرة من المُسيّرات والمخازن والمتفجّرات، الأمر الذي عطّل، حتى الآن، فاعلية الهجمات من الداخل، على الرغم من عدم القدرة على كشفها كاملةً، نتيجة تخزين بعض المعدّات في القرى المجاورة للمدن، وفي الجبال، وعلى مساحات مختلفة.

 

واللافت في التكتيك الإسرائيلي الذي اعتمد في ضرب الداخل الإيراني – ومهّد نارياً لغارات سلاح الجو على المنشآت النووية -، أنه اعتمد على إدخال المعدّات عبر البر، أو بواسطة التهريب البحري. وتمّت عمليات النقل بشكل بطيء ومتأنٍّ لا يلفت الانتباه، باستغلال خدمات التوصيل (دليفري) المُستخدمة بشكل كبير في إيران؛ إذ كانت المعدّات، من مثل الدرونات الصغيرة، والبطاريات، والشواحن والقطع الإلكترونية، وغيرها، تُنقل ضمن طرود توصيل «مدنية»، تحت غطاء تجاري.

 

أما الوسائل الأخرى، فتمّ إدخالها عبر مجموعات مُدرّبة، وأُوصلت إلى أماكنها المحدّدة، فيما كانت محدودة الانتشار وفقاً لطبيعة المنشآت المُستهدفة وحساسيتها. وقد كان التركيز منصبّاً على الطائرات المُسيّرة التي تُطلق من داخل الشاحنات أو من غرف جاهزة أُخضِعت للتمويه على أسطح بعض المنازل.

 

وعلى أي حال، يشير الكمّ الهائل من المواد المضبوطة والجاهزة للاستخدام، بوضوح، إلى مدى ضخامة التحضير، زمنياً ومكانياً، كي تُعتمد العمليات على فترات طويلة. لكنّ المعدّات المضبوطة، وبينها قطع الطائرات والمعدّات الجاهزة للتركيب، تكشف أنّ العدو استعجل تنفيذ العملية، ربّما بدافع الخشية من رصد إيراني لها، والبدء بإجراءات مضادّة، أو بفعل مؤشرات استخلصها من الهجوم الأوكراني الأخير ضد روسيا، والذي قد يكون عجّل في اتخاذ القرار قبل أوانه.

 

*حسن حيدر: الإخبارية اللبنانية

التعليقات مغلقة.