مديح القرآن ـ الدرس الرابع ـ

 
   

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

بالنسبة للشباب الذين عادهم جاءوا نحن الآن ندرس كتاب [مديح القرآن] للإمام القاسم بن إبراهيم. وهذا الكتاب مناسب أنه يصوّر، ويخرج بأحسن مما هو عليه، يكبَّر؛ لأجل يدرّس في المراكز، وينتشر للناس. فهو مناسب جداً نشره في الفترة هذه بالذات. يعني الناس الآن أحوج ما يكونون إلى القرآن، في الزمن هذا بالذات.

نحن بحاجة إليه في المساجد, في المراكز, ينتشر في أوساط الناس.

كتاب هو من إمام كبير من أئمة أهل البيت، الزيدية متفقين عليه، هو مشهور عندهم جميعاً، وكتابته بالطريقة التي تكشف كيف رؤية أهل البيت، وتوجه أهل البيت الأصلي، قبل تجي أشياء أخرى. هنا يعطي فعلاً رؤية أهل البيت. يتحدث عن أهمية القرآن، وعظمة القرآن، وحاجة الناس إلى القرآن، وهداية القرآن بشكل كبير.

الإمام القاسم هم يعتبرونه من أقدر أئمة أهل البيت، الإمام القاسم بن إبراهيم يعتبرونه كبير أهل البيت، في قدرته, بل إن بعضهم يعتبرونه فيلسوف المسلمين.

الإمام القاسم نفسه هو ممن كان يهتم بالقرآن، يهتم به اهتماماً كبيراً، وهذا واضح في كتاباته، يعني عنده كمنهج تربوي؛ لهذا تجد الإمام الهادي نفسه ـ وهو حفيده ـ كيف كان اهتمامه بالقرآن.

نحن نقول: أنه حصل عندنا خلل في نظرتنا إلى القرآن الكريم، ولو أن الناس ما يزال عندهم إيمان بأهمية القرآن، وعظمته، لكن حصل خلل كبير في النظرة إلى القرآن، وفي التعامل معه، وحصل خلل كبير، عوائق حدثت لدينا أعاقتنا عن الاهتداء به بالشكل المطلوب.

قد أخذنا فيه حوالي ثلاثة دروس, هو كتاب صغير لكنه عظيم جداً في فائدته.

قال(عليه السلام): [كتاب نزله الله الرحيم الأعلى برحمته من فوق السموات العلى، فأقر في أرضه قراره، وبث في عباده أنواره، فنوره ظاهر لا يخفى، وضياؤه زاهر لا يطفأ، مشرق نوره بالهدى يتلألأ، كما قال سبحانه وتبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(التوبة32) فأبى الله سبحانه إلا تمامه فتم، وخاصم به من هُدي لرشده من خلقه فخصم].

مثلما قلنا بالأمس حول هذه، بأن القرآن الكريم كما قال هنا: [وخاصم به من هُدي لرشده من خلقه فخصم] أن من يخاصم بالقرآن، يعني يحاج آخرين بالقرآن، لا بد أن يخصم، لكن إذا كان عنده معرفة بالقرآن، وعنده فهم للقرآن، فلا بد أن يغلب.

طيب العبارة هذه هي عبارة عامة، وهو الشيء الحقيقي بالنسبة للقرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو نزل القرآن والدنيا فيها ديانات، فيها فلسفات، فيها مذاهب متعددة، فيها ديانات متعددة، بعضها أصلها سماوي مثلما كان عند أهل الكتاب، وبعضها ديانات أخرى، ديانات البوذية، وديانات أخرى في الصين، ويوجد هناك فلسفة عند اليونانيين، وممتدة عند العرب.

طيب عندما ينزل الله القرآن هو قال فيه: أنه نزله للناس جميعاً. طيب هو فيما هو عليه هو بالتأكيد فيه الرد الوافي على أي شيء من هذه التي كانت في الدنيا كلها؛ لأن الله جعله بالشكل الذي يثق به المسلمون أنه يمكن أن يحج أي طرف آخر، أي ثقافة أخرى، حتى ولو كانت ثقافة إلْحادية، فلسفة كيفما كان شكلها، ديانة كيفما كان شكلها، أن القرآن بالشكل الذي يحجّها.

فإذا رأينا أنه ليس على منهجية الفلاسفة مثلاً، ما يعني هذا بأنه ربما ما لحظ الموضوع, أن يكون فيه ما يعتبر رد على ما يعتبر باطل لديهم من فلسفات, فقد يكون القرآن من أصله يعتبر المنهجية بكلها التي يسيرون عليها خطأ؛ لهذا لم يأت على طريقة الفلاسفة، ما بيأتي وفق قواعد المنطق، المنهج الذي يسير عليه الفلاسفة في أبحاثهم، أو في مناظراتهم.

وهو فعلاًً القرآن الكريم كشف بأن أسلوبه هو الأسلوب الذي يصلح للإنسان، وأن الأسلوب الآخر كان أسلوباً قاصراً. القرآن الكريم تقدم في الموضوع بطريقة تختلف عن طريقتهم، هم يقيمون الحوار، والمناظرات على أساس مقدمات منطقية، حوار عقلي يسموه هكذا، يعني من العقل إلى العقل ـ على ما يتصورون ـ من العقل إلى العقل، ما هناك لحظ للموضوع الآخر، الجانب الوجداني لدى الإنسان، وهو جانب واسع جداً، الجانب الوجداني، وحتى في خلق قناعة لدى الإنسان، أو في خلق إيمان لدى الإنسان هذه الطريقة التي يسمونها منطقية ما تكفي، ما تكفي نهائياً.

جاء الأسلوب في القرآن الكريم بطريقة أنه يأتي للإنسان من كل جهة، منطق بشكل مقنع، وترغيب, وترهيب، واستعطاف, بكل الوسائل؛ ولهذا نجح، وانتشر الإسلام بشكل كبير في فترة قصيرة، مع أن الفلاسفة كانوا يغرقون مع بعضهم بعض، ما تلمس بأنها اتسعت فلسفة معينة، متى ما اتسعت مثلاً أحياناً فلسفة معينة فتكون على أساس أنها توافقت مع سياسة نظام معين، حتى الآن في قراءة الفلسفة معظمها قراءة مقولات الفلاسفة، فلان قال كذا، وفلان قال كذا، حكايات، ما هناك ما يمكن ينزل ويكون هو مقبول، ويمشي. هذا يتفلسف، وذاك يتفلسف من هناك ونقض عليه ما عنده، وهكذا، بالطريقة هذه.

فالقرآن سلك طريقة أخرى، طريقة مقنعة، وطريقة تدفع بالإنسان إلى أن يستجيب من خلال هذه: أنه يأتي له من جميع جهاته، من جميع الجهات، ولم يسر على أسلوب الفلاسفة أنفسهم، ما سار على هذا الأسلوب، بحيث أنه يوجد طريقة منطقية أنك مثلاً ما تحتج على الخصم إلا بشيء هو يستلزمه مثلاً, أو هو مؤمن به، أو يلزمه قبوله, ووفق القاعدة هذه.

القرآن الكريم يخاطب مشركين هم ما يزالون كافرين برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكافرين بالقرآن، وكافرين باليوم الآخر، وبالجنة والنار، أليست هذه قضية معروفة؟ ومع هذا تجده يهددهم بالنار، يخوفهم بالنار، يرغبهم بالجنة، يخوفهم بما حصل للأمم الماضية، يذكرهم بالنعم العظيمة عليهم.

طيب على أساس الطريقة المنطقية أنه كيف أنك تأتي تخوفه بجهنم وعاده ما قد آمن بالقرآن، ولا قد آمن بالرسول، والإيمان بجهنم هو فرع على الإيمان بالقرآن، والإيمان بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟! الله أعلم بالإنسان، هو الذي يعلم بالإنسان كيف يخاطبه، فتجد في السور المكية كثير من الوعد والوعيد، السور المكية كثير من الوعد والوعيد فيها، ووعد ووعيد يتحدث عن الآخرة, وعن يوم القيمة، يتحدث عن أهواله، يتحدث عن سوء الحساب، يعرض صور كيف سيكون المشركون، كيف سيكون المجرمون، كيف سيكون الكافرون في ساحة الحشر، كيف سيكون الخوف لديهم، وأبصارهم شاخصة، قلوبهم هواء.

بهذه الطريقة الواسعة جداً وهي عند الآخرين يقولون لك: ما هي منطقية بكلها هذه, إذ كيف يحتج عليه، أو كيف يستدل عليه, أو كيف يهدده بشيء وهو بعد ما قد آمن به؟!.

فبهذا الأسلوب القرآن كشف أن الأسلوب الذي يستخدمه الفلاسفة أسلوب ناقص، أسلوب قاصر. تجد نفس الشيء مشى أسلوب الفلاسفة إلى المتكلمين من الأشاعرة، والمعتزلة، مشى نفس الأسلوب حقهم: الحوار العقلي، الجدل العقلي، الأدلة العقلية، مناظرات عقلية، يعني: كل واحد من رأسه إلى رأس الثاني هكذا, ما يلحظوا الأشياء الأخرى.

نفس الشيء فشلوا، بل ضاعوا هم المعتزلة انقرضوا هم, و الأشاعرة أولئك الذين كانوا أشاعرة بشكل متكلمين طغى عليهم التيار الآخر، تيار المحدثين الحنابلة طغوا عليهم، وإذا المتكلمين سواء كانوا أشاعرة، أو كانوا معتزلة من المسلمين ذابوا هم! هل استطاعوا أن يُدخِلوا أحداً إلى الإسلام؟ لا، بل حنبوا هم، طلع إشكاليات لديهم، غرقوا هم فيها مع بعضهم بعض، وتفرقوا هم، واختلافات، وطلع شبه على حسب طرحهم هم، وتقديمهم للدين، ورؤاهم في موضوع الدين، طلع شبه كثيرة عليهم من الملحدين، والزنادقة، وإذا به بدل ما هو يريد أن يدخل ناس بطريقة عقلية، ناس ربما ما هم مؤمنين بالله، وأنه لازم يخاطبهم خطاب ما يكن له علاقة بالمنهجية هذه القرآنية! فحنبوا هم قبل يدخلوا أحداً في لإسلام، وإشكالات، بقيت إشكالاتهم في بطون الكتب وقد انقرضوا.

ولم يحفظ للمعتزلة بقية من تراثهم إلا الزيدية، الزيدية عندما كان يوجد اتفاق معهم هكذا، أو مثل ما تقل ارتياح لجانبهم؛ لأنهم يتحدثون عن جانب العدل والتوحيد، طغى أسلوبهم علينا، ضيعونا نحن، طغى أسلوبهم علينا وإذا بنا ضعنا.

[برهانه منير مضيء، وتبيانه مسفر جلي، فهو من إسفاره وتبيانه, وهداه ونوره وبرهانه, كما قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً}(النساء174)] ما هو يقول يا أيها الناس؟ خطاب للناس جميعاً؟.

طيب ضمن الناس هؤلاء من؟ كل من لديهم ثقافات أخرى، ديانات، أو فلسفات، أو كيفما كان شكلها، أليسوا ضمن هذا؟ لو قلنا أن القرآن الكريم هو نزل في المنطقة العربية، ويعالج إشكاليات عربية، وما هو متجه لذولاك، ما قد هو حول ذولاك، لما صح أن يقول أنه للناس، ويا أيها الناس، وأرسلناك للناس رحمة، ويتحدث عن العالمين، أنه هدى للعالمين، أليس هكذا يتحدث؟ ولو افترضنا بأن ما فيه ما يمكن أن يكون أجوبة، وليس فقط أجوبة، بل بالشكل الذي يصلح أن يدعو الآخرين فينضووا تحت لوائه لقلنا هذا يعتبر مثلما تقول تقصير كبير.

فكيف يكون القرآن فقط مركز على العقلية العربية هذه، أما الآخرين الذين هم أكثر شبه، منطقهم معقد، منطقهم استدلالي، ما عنده حل لإشكالياتهم! ما هم أكثر خطورة على الإسلام هم؟ مثل قضية ملحدين مثلاً، فلاسفة، أشياء من هذه، ما هم الذين هم يعتبروا خطيرين أكثر من العربي العادي، يعتبروا خطيرين؟

فلو قلنا بأن القرآن ما لحظ من يعتبروا خطيرين على هذا الدين، أو يمكن يقدمون شبه على هذا الدين، ما لحظ موضوعهم لكان هذا يعتبر تقصيراً كبيراً. فبالتأكيد أنه لحظ كل شيء، هو دعوة للناس جميعاً، وإجابات شافية للناس جميعاً، وطريقة صحيحة تنقد كل الطرق التي كان عليها الناس جميعاً.

{قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} هنا كلمة: {بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} هذا خطاب للكل على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم. إذا قلنا فقط بأنه يأتي ببرهان للعربي، وما هو حول الفلاسفة مثلاً, وحول أصحاب الديانات الأخرى، وهم الذين هم أكثر شبه على الدين، أليسوا أكثر شبه على الدين؟ يعني هذا أنه ترك العدو الخطير، ما معناه هكذا؟ ترك العدو الخطير؟ ما عمل شيء يمكن أن يكون قوياً في مواجهته، ممكن أن يكون كاشفاً لبطلان ما لديه.

{قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} كلمة برهان أحياناً تأتي بعبارة مفردة، ما يقول برهان على كذا، وأحياناً ما يقول تبياناً ويجعلها مثلاً قضية خاصة، ما هو يقول: تبياناً لكل شيء؟ هنا أيضاً برهان لكل شيء، برهان على كل شيء؛ لأن كل شيء لا يخرج عن كونه صح أو خطأ، عن كونه هدى أو ضلال، عن كونه حق أو باطل، لا يخرج شيء عن كونه هكذا.

فالقرآن يعتبر برهان على كل ما هو صواب، وكل ما هو حق، وكل ما هو هدى بطريقة مباشرة، وبطريقة يهدي إلى قضية تهدي إلى ألف قضية في إطارها.

[{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}(النساء175)] هذا واحد من أساليب القرآن الكريم, هو هنا يقول: يا أيها الناس، خطاب للناس جميعاً، ثم يقول في أثناء خطابه للناس جميعاً {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ} ما هذا ترغيب؟ ترغيب موجه للناس جميعاً حتى الذي ما قد آمن، الذي ما قد آمن.

طيب هذا من الناحية المنطقية على قواعد الفلاسفة، على قواعد المنطق، المقدمات المنطقية، يقول لك: لا، أولاً تجعله يؤمن، ثم اذكر له الشيء الذي قد هو متفرع على إيمانه به. ما الجنة والنار متفرعة على الإيمان بالرسول، والقرآن؟ تخليه يؤمن بالله أولاً، ثم يؤمن بالرسول ثانياً، ثم يؤمن بالقرآن بعد إيمانه بالرسول، ثم بعد ذلك تحدثه عن الجنة والنار. هنا القرآن حدثهم من أول يوم.

[{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} فمن اعتصم بنور كتاب الله وبرهانه، واتبع ما فيه من أموره وتبيانه، أدخله الله ـ كما قال سبحانه ـ مدخلاً كريماً، وهداه به ـ كما وعد ـ صراطا مستقيماً، ومن أبصر به واهتدى لم يعم بعده أبداً].

هذه القضية هامة، تفهم هذه. إذا كل واحد يريد يثقف نفسه حتى يكون قادراً على معرفة الحق من الباطل، والخطأ من الصواب، وأشياء من هذه. ما هناك ما يمكن أن يوصلك إلى الدرجة هذه إلا القرآن، عندما تكون بهذا الشكل تهتدي بالقرآن الكريم لا يمكن أن تعمى بعده أبداً؛ لأنه يأتي منطق باطل، يأتي أحداث باطلة، يأتي أشياء كثيرة تكون كلها بالشكل الذي يشهد لما لديك.

نحن نقول: أن الباطل نفسه لا يستطيع أن يكون بالشكل الذي لا يقدم شهادة للحق, الباطل رغماً عنه يحمل في طياته ما يعتبر شاهداً للحق؛ لأن أقل ما في الباطل أنه يفضح نفسه، أليس هكذا؟ هو يفضح نفسه، فكونه يفضح نفسه يدل على ماذا؟ يشهد لعظمة الحق، ويشهد في نفس الوقت هذا الباطل على بطلانه! لكن إذا ما هناك اهتداء بالقرآن ممكن يتأثر الإنسان بشبه، يمكن يتأثر بأشياء تغير نظراته، وتعطي مفاهيم خاطئة، مفاهيم معكوسة، ثم ينطلق عليها.

بعضها قد تكون تنطلق عليها كمقاييس وتكون خطأ يتفرع عليه خطأ, وترى النتائج التي تصل إليها اعتماداً على هذه القواعد الخطأ تطلع النتائج خطأ، وهكذا، وكلما توسع واحد كلما توسع في الضلال.

[ومن أبصر به واهتدى لم يعم بعده أبداً] وهنا في الأخير يمكن بعد ما تهتدي بالقرآن تستطيع تنفتح على كل الثقافات، تقرأ أي شيء, تسمع أي شيء، تجلس مع أي طرف كان, ما عادك أبداً بالشكل الذي يمكن أن يؤثر عليك أي مقولات أخرى، ما عاد يمكن أن يؤثر عليك باطل أبداً، بل كلما ظهر شبه إنما تكون هي بالشكل الذي تزيدك أنت إيماناً ووعياً وبصيرة، وتعرف كيف ترد عليها.

إذاً فهذه هي القاعدة الأساسية، يعرف الإنسان كيف يهتدي بالقرآن، ويهتم جداً بالقرآن، ثم بعد ما عاد يمكن أن يضل إلا قد هو من جهة نفسه هو هكذا تمرد عناد، يسير بعد هواه. فهذا الشيطان ما هو إلا واحد من النوعية هذه, عاصي، ومتمرد وهو عارف، هو عارف هو أنه على باطل، ويعرف الحق، الشيطان يعرف الحق، ولولا أنه يعرف الحق ما استطاع أن يشتغل في مجال الإضلال.

هو عارف للحق، وعارف للباطل، عارف للهدى، وعارف للضلال، يتحرك عارف كيف يضل الناس، وعارف الضلال، وإلا مِن يكون يغلط كثير، لو لم يكن عارف للضلال، من يكن يغلط هو, يكون أحياناً يدخل الناس في حق, يدعوك إلى حق من دون أن ينتبه إلا بعد أنه قد غلط, لكن هو عارف.

[ومن عمي عنه فلم ير هداه، وتورط من غيه ورداه] من عمي عن القرآن. طيب هذه قاعدة لنا عندما نقول أننا نريد أن نتعلم، نريد نعرف، يريد واحد يعرف حق وباطل، يريد واحد يقرأ كل شيء، يريد يعرف كل شيء، يمشي على الطريقة هذه، وستمشي واثق, واثق من نفسك، بثقتك بالقرآن؛ لأن القرآن هو نزل وهو واثق من نفسه، القرآن في الدنيا هذه واثق من نفسه؛ لأن ما هناك أي ثقافة أخرى، أو ديانة أخرى، أو منطق آخر يمكنه أبداً أن يتغلب عليك أبداً، من ينطلقون بانطلاقته، من يتثقفون بثقافته، من يعرفون هداه يكونون بهذا الشكل.

أي ثقافات أخرى غير القرآن يقع واحد في أخطاء كثيرة جداً, ويتيه واحد، ثم يصبح في الأخير ما عاد عنده هوية معينة، ما هو داري من هو؟ مرة يكون معجب بهذا، ومرة يكون معجب بهذا، ومرة كذا, مضطرب، لا تعد تستقيم له أبداً هوية معينة، ولا عاد تستبين له طريق معين، يجلس مرجوج، تختلط عليه الأوراق فعلاً.

والقرآن هو بهذا الشكل يتثقف به المسلمون ثم ينطلقون، ينطلقون على أساس هداه، بمنهجيته، برؤاه، بمفاهيمه، بطرحه، بكل ما فيه, وهنا هو بهذا الشكل الذي قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(الصف9) {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}(التوبة32) ويمشي بعد ذلك يناظر، يقرأ، يلتقي بيهود، يلتقي بنصارى، يلتقي بأي شخص من أي طائفة من طوائف المسلمين يلتقي, لكن لازم يعرف كيف منهجية القرآن أولاً في التعامل مع الآخرين.

لأن القرآن يطرح قاعدة: أنك ما تنطلق بروح جدلية هكذا، تنطلق بروح دعوة، إصلاح، حرص على هدى، حرص على هدى للطرف الآخر، لا تكن هنا تؤهل نفسك على أساس أنك تسير تناظر الناس، ومناظرة لمجرد المناظرة، وجدل لمجرد الجدل، لا، أسلوب دعوة، وتسلك طريقته هو، وتحمل نفس المشاعر التي يريد أن تحملها، يكون عندك حب شديد لهداية الناس، عندك حرص على هداية الناس.

عندما تناظر، عندما تناظر لاحظ القرآن الكريم كيف قدم المسألة, تكون بالشكل الذي الطرف الآخر ما يلمس انك تجذبه إليك شخصياً, شخصياً, أنك تدعوه إلى الله, وطريقة إلى الله هكذا. وهذه قضية في القرآن بشكل عجيب ظهرت مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله), وطريقة من طرق أنبيائه سلكوها, وهذه هي الطريقة الناجحة.

لاحظ عندما أضاع المسلمون هذه الطريقة أصبح المعتزلي يناظر الأشعري, وأصبح الزيدي يناظر كذا, طوائف, وكل واحد مشتد هو يعرف أن اسمه الطائفة الفلانية, وقد هو عارف تلك الطائفة, وفي ثقافته قليل يعقده عليها, هو عارف أنك تريد تسحبه إليك أنت يصبح معتزلي, أو يصبح شيعي, وما هو مستعد, كلما تقدم له من حوار هو يحاول كيف يجوب عليك, كيف يبطل كلامك, كيف يعمل أشياء تخلصه! وجلسوا يتناظرون, يتناظرون لمَّا انتهوا, لا احد جر هذا إليه, ولا أحد دخل في هذا المذهب, ولا احد دخل في هذا المذهب! هذا أسلوب خاطئ, أسلوب خاطئ.

الأسلوب الذي ظهر من سيرة الأنبياء (صلوات الله عليهم) والأنبياء طريقتهم من أرقى الطرق في مجال الدعوة, الأنبياء طريقتهم من أجمل وأدق الطرق طرق الدعوة وأساليبها؛ لأنهم أشخاص اصطفاهم الله وأكملهم لهذه المهمة, تجدهم لا يقدم نفسه شخصياً, هو شخصياً, يدعوهم إلى الله, إلى الله, إلى الله, وعندما يحاولوا هم أن يفهموا القضية شخصية يذكر أن ما القضية شخصية.

من الأشياء التي تعتبر عجيبة في الموضوع عندما هدد الأنبياء أممهم يهددونهم بأنه {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}(إبراهيم13) الله يحكي في آية من الردود على هذه أنهم قالوا: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ}(الأعراف89) إلا أن يشاء الله, العبارة هذه: إلا أن يشاء الله, هو عارف أن ملته شرك, ما ملته شرك؟.

طيب هذه ليست التي يسمونها: مرونة, أو روح تسامح, ليست قضية تسامح, أليس منطق الأنبياء يكون شديداً على الشرك؟ يهاجمون الشرك, يهاجمون المعتقدات الباطلة, لكنه في مهاجمته, في أسلوبه لا يحاول يقدم نفسه وكأنه يشد إليه شخصياً, شخصياً, يكون للآخر موقف منه, بل يقول: بالنسبة لما أنت عليه أنت, إذا أنت تراني أهاجمه بشدة, مالي موقف شخصي منه, لو يشاء الله أن أعود إليه سأعود, لو يشاء الله أن أكون مثلك أعبد الصنم سأعبده! ما هو هنا يترفع عن كون القضية شخصية؟.

فهنا يوحون, ويطبعون ذهنية المجتمع أنهم عبارة عن طريق إلى الله, ويدعونهم إلى الله, وحركة إلى الله, كلها بهذا الشكل؛ ولهذا نجح رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله). عندما يأتي شخص يسلك الطريقة الأخرى: مناظرة, مناظرة شخصية, وعاد عندما تكون أيضاً قاصرة بهذا الشكل, حوار منطقي بحت, ما يتبنى أسلوب دعوة بنفس الطريقة التي سلكها القرآن الكريم, ما يتبنى في تقديم نفسه المشاعر التي قدمها القرآن الكريم أنك تتبناها عندما تكون محاوراً للآخرين, عندما تناظر الآخرين.

عند ما سلكوا الطريقة هذه فعلاً فشلوا, لا الشيعي تحول سني, ولا السني تحول شيعي, ما كان يأتي تحولات من هذه إلا عن طريق السلطة بالقوة فقط, كان أحياناً تأتي عن طريق هذه, كان المصريون في أيام الدولة الفاطمية شيعة, عندما تزور الآن القاهرة ترى مسجد الإمام الحسين فيه مشهد على رأس الإمام الحسين في القاهرة تجد فيه كتابات كلها نصوص شيعية, قصيدة كلها, هم كانوا شيعة.

عندما جاء صلاح الدين الأيوبي هو الذي فرض عليهم هذا التسنن, وظلم الشيعة هناك وعاملهم معاملة قاسية. أما عن طريق الأخذ والرد في أوساط المثقفين من الشيعة والسنة, في أوساط المتكلمين, المعتزلة, والأشاعرة, ما احد رد احد، تكون حالات نادرة جداً.

تجد القرآن الكريم في هذا الإطار {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(إبراهيم11) ما القرآن يأتي بهذا المنطق؟ يقول: ما أنا إلا بشر, {إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} يقول: أنا أنا شخصياً لست إلا بشر مثلك، لكن المسألة هي هكذا علي وعليك, هو دعوة لي ولك, هو طريقة ترسم لي ولك، نسير عليها جميعاً إلى الله.

قضية الله هي ثابتة عند الناس جميعاً, الله سبحانه وتعالى معروف المعرفة الجملية أنه هو إله, وخلق السموات والأرض, ورب السموات, هذه ثابتة عند البشر جميعاً, معروف لديهم كإله, بل كان الكثير من المجتمعات تعرف حتى الملائكة, وليس فقط يعرفون أن هناك إله هو الله الذي خلق السموات والأرض؛ ولهذا عرض في القرآن الكريم:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}(الزخرف9) وهكذا.

{إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ} ما هو يتحدث عن الله؟ {اللهُ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} من علينا أن نكون رسل إليكم مبلغين لكم, ننذركم, نهديكم, ننصحكم, من أجلكم انتم؛ لأن لا يعاقبكم الله؛ لأن تحظوا بثواب الله؛ لأن تحظوا برضاه, لأن تحظوا بجنته, ما هي هكذا كلها شد إلى الله؟.

هذه طريقة أساسية, طريقة أساسية في العمل, طريقة أساسية في المناظرة, في الدعوة في الحوار يجب أن تتبناها, ما يفرض واحد نفسه عبارة عن مناظر مجادل, تدخل في مناظرة فتكون المناظرة عبارة عن مباراة, من الذي سيغلب! المفروض ما تحمل هذه الروحية أبداً, القضية ليست قضية أريد أن أغلبك أو تغلبني, القضية كذا كذا, دعوة إلى الله, المسألة كذا, يجب علينا أن نعمل كذا, لا بد أن نعمل كذا.

يكون عنده شبه معينة ترد عليه في هذا الإطار, تفند شبهه في هذا الإطار, وتأتي بالتذكير, تأتي بنفس الأسلوب تستخدمه قضية الجنة النار, الوعيد الإلهي بالخذلان في الدنيا, الخزي في الدنيا, ومصائب في الدنيا, وعقوبة في الآخرة, وهكذا, بهذه الطريقة, لا يقدم واحد نفسه كمناظر؛ لأنك تشد الطرف الآخر فيحصل هكذا كل واحد يشتد من عنده, ويرى بأنه ما هو مستعد أبداً أن يظهر أنه ضعف أمامك, أو انهزم أمامك, سيكابر ويعاند, وينكر, ويعمل كل طريقة؛ لأن معنى الموضوع أنه هزم أمامك.

إذاً لازم أنك تذيب شخصيتك نهائياً, تشده إلى الله, والموضوع إلى الله {إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ} هذا النبي بكله يقول له: نحن بشر مثلك يا أخي, فقط القضية كذا كذا..الخ, ما هم هكذا يجعلونهم يتجاوزون بذهنيتهم شخصه إلى الله؟.

طيب الإنسان أساساً ما عاد يحصل عنده حرج, الطرف الآخر ما عاد يحصل عنده حرج معك عندما يعرف أن القضية هي على هذا النحو, يعني ما إنك تريد أنت أن تقهره, تريد تفند ما يقول هكذا بطريقة تجبهه, تظهر ضعفه, تظهر بطلان كذا, بطريقة وكأنها مباراة, وكأنكم في حلبة مصارعة!.

هذه الطريقة فاشلة, الطريقة الأولى هي الطريق التي يكون معها قريب أن يستجيب؛ لأنه عندما يستجيب يعني استجاب لله, استجاب لشيء من جهة الله, استجاب لطريقة تشده إلى الله, فيكون قريب منك عندما تسلك الطريقة هذه.

هذه واحدة من الطرق الهامة التي أرشد إليها القرآن الكريم, يعني عندما نقول يتثقف الإنسان بثقافته, أي تعرف بيناته, تعرف برهانه, تعرف ما يهدي إليه, في نفس الوقت تعرف الطريقة التي سلكها هو كمنهج في محاورة الآخرين, في مناظرة الآخرين, في دعوة الآخرين, تمشي عليها, وإلا فأنت أول غالط أنت.

[ومن عمي عنه فلم ير هداه, وتورط من غيه ورداه] تورط بسبب غيه ورداه [في بحور ذات لج من الجهالات] هذه واحدة من الأشياء الخطيرة. أحياناً قضية واحدة تخطئ فيها تفتحك على أبواب من الجهالات؛ لهذا قلنا: كل غلطة في الجانب الثقافي, كل صغيرة هي كبيرة في الأخطاء الثقافية؛ لأن ما هناك حاجة تراها مثلاً لوحدها, لها تداعيات, حتى في قول الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}(الزلزلة8) قلنا: أن الله في هذه ما يتحدث عن قضية مقاصاة, الذي نسميها مقاصاة.

إن كل شيء له تداعيات, كل شيء يفتح على أشياء, فالذرة هذه قد توصلك إلى جمل, توصلك إلى جبل, ما هي قضية ذرة لوحدها, وما تكون الحاجة تجلس لوحدها, لوحدها, يكون كل شيء له تداعيات. طيب بعض الأشياء تكون خطيرة, تكون مثلاً تفتح على جهالات رهيبة, وإشكالات ما تحتل, إشكالات تموت وعادها في راسك لو قلَّك دارس مائة سنة ما ترضى تحتل.

لهذا نقول: أنه فعلاً وهي قضية مجربة قد تسير تدرس عند شخص عمره مثلاً ثمانين سنة, قضّى حياته كلها دراسة, تدرس في أشياء من هذه, وتمر بمشاكل, ويقول لك: [عز الله أنها مشكلة]!.

ما هو يقول: عز الله أنها مشكلة بعد ثمانين سنة؟! بعد ثمانين سنة مشكلة, معناه ما هي محتل, المشكلة ما تحتل بمشكلة, إذا هي مشكلة متفرعة من قاعدة باطلة ما هي محتل أبداً إلا بفهم بطلان القاعدة التي هي متفرعة عنها, متى ما ضربت هذه احتل الإشكال, ثم تحتل إشكالات كثيرة, كل ما هي متفرعة عن القاعدة المغلوطة ستراها في الأخير تحتل كلها.

درسنا عند شيبات وهو يقول لك: عز الله أنها مشكلة هذه! وهكذا, طيب لو هو ذكي لفهم أنك ما تستطيع أبداً أن تحول المشكلة إلى حل, المشكلة مشكلة, والباطل باطل, يريد يحاول مثلاً يلفق له طلَّع مشكلة جديدة, يريد يحاول يعمل له مبررات طلَّع إشكالات جديدة.

مثلما قالوا مثلاً, عندما جعلوا المسألة أنه هكذا أن الإنسان يتحرك هو كل شخص لوحده ويرجح ويجتهد وينظر, وأشياء من هذه, ثم ظهر حصل اختلاف, الاختلاف مشكلة، ما هو مشكلة؟ كيف نحاول في المشكلة هذه نحلها, نضفي عليها شرعية, ونقول: يجوز الاختلاف! ألسنا من صلحناه يجوز؟ لكن ما سبر يجوز, ولو قلنا يجوز, ما سبر يجوز من مرة, لأننا دخلنا الآن في مشكلة كبيرة, لأننا متى ما قلنا يجوز فكلمة يجوز يعني يجوز من جهة الشرع, ما معناها هكذا؟ فنكون قد أضفينا عليه شرعية, والشرع منسوب إلى من؟ منسوب إلى الله, طلع لك ماذا؟ أن الله يجوِّز الاختلاف في دينه! طلع الموضوع بالنسبة لنا مشكلة كبيرة, أنه هو الذي نهى عن الاختلاف والتفرق, وهو الذي يستطيع أن يرسم منهجاً لا يختلف الناس إذا ساروا عليه, فكيف يتهدد ويتوعد المختلفين المتفرقين, ثم يجوِّز الاختلاف؟!.

ما هو طلع تناقض؟ إذاً طلعت مشكلة كبيرة, ونحن نريد نسبرها تجوز! وهكذا, ما هناك حاجة باطل تريد تلجمها إلا وتدخل في إشكاليات أكبر منها, ما يمكن تتلجم نهائياً.

عندما يقول: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران105) ما هذا وعيد؟ هو عندما يقول: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ} بالتأكيد أنه قادر على أن يرسم منهجاً لا يختلف الناس عليه أبداً إذا ساروا عليه, وهو قال هذا في القرآن, هو قال هذا, عندما تحدث عن من اختلفوا بعد الأنبياء أنهم إنما اختلفوا من جهة أنفسهم, بغي, حسد, أشياء من هذه, دوافع أخرى.

يعني ما سببه قصور من جانب الله, تقصير في آيات الله, هو يقول: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ}(الجاثية17) {مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}(آل عمران105) {مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}(البقرة213) طيب بينات على ماذا؟ هل معناها بينات ليختلفوا؟! فكيف تنهى, وتتوعد المختلفين وتأتي تقدم لهم بينات تفرق بينهم؟! ما من صح هذا.

بينات معناها إذا ساروا، بينات على منهج, على طريقة إذا ساروا عليها لا يختلفون في الدين, لا يتفرقون في الدين نهائياً؛ لأن الدين أساساً نزل لحل الخلافات {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}(البقرة213) فما نختلف فيه نحن من شؤون الحياة هذه، في حركتنا في الحياة, وتعاملنا مع بعضنا بعض, جاء الدين ليحسم الخلاف هو, ليجعل الناس أمة واحدة, فكيف يمكن أن يبيح الاختلاف هو؟ وكيف يمكن أن يرسم هو طريقة للاختلاف, ويوجه الناس إلى طريقة تؤدي إلى الاختلاف؟!.

ثم قالوا بعد عندما رأوا أنهم يخطئون, كل واحد يرى الثاني مخطئا؛ لأنه حتى نفس المجتهدين كل واحد يرى الثاني مخطئا رغماً عنه, هو يرى أن القضية التي رآها صحيحة أليس هكذا؟ فهو بالطبع يرى أن الطرف الثاني مخطئ, لكن قالوا خلاص مادام المسألة بهذا الشكل فكلنا مصيبين! صُلح, نتصالح أنه نكون كلنا مصيبين!.

طيب إذا اتصالح لك عشرة علماء, اتصالح عشرة علماء هم في نفس الوقت يجيزون لكل واحد منهم أن يتحرك في الساحة, وفق الرؤية حقه, ويجوز للآخرين أن يقلدوه! هنا ما حلوا الإشكالية بالنسبة للعامة, وهي الأمة, نسبة العلماء من الأمة تكون نسبة قليلة, تكون أقل ربما واحد في المليون, أو أقل, نسبة العلماء بالنسبة لعامة الأمة قد تكون واحد في المليون.

طيب إذا نحن اتصالحنا عشرة علماء, عشرين عالماً على أن كل مجتهد مصيب, ونجلس فيما بيننا هكذا, لكن ما كل واحد مننا يشتغل على كيفه؟ ما كل واحد يدعو على كيفه هو؟ ما كل واحد يجيز لنفسه أنه يلف معه مجاميع ممن يقلدونه؟ صارت الأمة متفرقة بشكل كبير بطريقتهم هذه, عندما يقولون: أن كل مجتهد مصيب, سواء قالوا: مصيب للحق, وهم يريدون مصيب للحق الذين يقولون بهذه, والآخرين لا, مصيب في عمله من حيث هو أما فيما توصل إليه فقد يكون خطأ, هؤلاء الذين عادهم ـ مثلما تقل ـ محافظين.

عندما نقول: مصيب طلع نفس الشيء, أن الدين يتفرق, ونجعل كل قضية في نفس الوقت, نجعلها حق, ونجعلها صواب! هذا يعارض هذا, هذا القول معارض لهذا, ونجعلها صواب كلها! يطلع في الأخير لا شيء, يطلع في الأخير الباري فقط مثلما بين نقول أنه يأتي يختم, مثل عندما يكون جالس في مكتب طلَّع ذياك رأي من عنده, طلع ذياك ورقة من عنده, ختمها له, وجاء الثاني وختم له! ما بلى يختم فقط [إرادة الله تابع لإرادة المجتهد] كما يقولون!!.

طيب بالتأكيد يكون لها آثار سلبية في واقع الحياة, والدين هو جاء ليبني الحياة بشكل صحيح, يبني الأمة بشكل صحيح, قالوا: مصيب أو مهما قالوا، يحتاج يظهر الخطأ, الخطأ يحتاج تظهر آثاره, لو اتفقوا كلهم أنهم مصيبين هكذا واتصالحوا فيما بينهم, في الأخير تتباين رؤاهم, وما عاد تراهم يلتقوا على موقف واحد.

تأتي قضية هذا يرى أنه لازم أن يتحرك الناس فيها, قال آخر: لا, وجاء ذاك الثاني وطرح له رأي فيها, وهكذا.

ما الأمة ستضطرب عندما يضطرب من يوجهوها؟ ما العلماء أساسا هم المعنيين بتوجيه الأمة؟ فإذا اختلف العلماء اختلف توجيههم للأمة, فتباينت مواقفها, فضعفت, يطلع غلطة كبيرة جداً تتنافى مع منهجية القرآن التربوية للأمة, يربي الأمة على أساس أن تكون أمة واحدة, تنطلق في مواقفها بشكل سريع, على جاهزية تامة, أمة على جاهزية تامة.

ما تجلس تضطرب في ماذا تعمل, وتحاليل ماذا نعمل, ماذا نعمل؟ وهل يجوز, وهل ما يجوز! والعدو يغرقهم بالإشكاليات, مثلما الآن, قد هو ذا قد دخل أفغانستان وفلسطين والعراق, وبلدان أخرى يهددها, وعاد المحللين شغالين في ماذا يعمل الناس! ورؤى متباينة في ماذا يعملون, ما قد ارتسمت طريقة!.

فتلاحظ أنه لا بد أن يكون هدى الله بالشكل الذي يجعل الأمة على جاهزية تامة بحيث هي تغرق العدو هي, تغرقه ما هو يغرقها بمشاكل, نجلس نتناقش حول مشكلة ماذا نعمل أمامها, وأخذ ورد! نختلف, تكون الأمة بوضعية بالشكل الذي إذا واجهها العدو يفرقها أكثر, تتفرق أكثر, عندما تكون هكذا, يختلفون أمام أي قضية تأتي من جانب العدو.

وجلسوا يأخذوا ويردوا, وطلَّع لهم مشكلة ثانية وعادهم ما قد تخلصوا من الأولى, واختبصوا في هذه, وطلَّع وحدة ثالثة, وأغرقهم، لمّا في الأخير يحبطوا, ويستسلموا, ما هذا حاصل؟ إنه لازم أن يكون هناك طريقة؛ لأن الناس هم عبيد لله, وهو ملكهم, وهو المدبر لشئون عباده, لا بد أن يكون لديه طريقة إذا ساروا عليها ما يحصل شيء من هذا على الإطلاق.

ومثلما قلنا أكثر من مرة: أن كل قضية هي تعود إلى الله, عندما نكون نتحدث فيما بيننا وجوزنا حاجة, جوزناها, أو قلنا: قد هي سابر, افهم بأنك ترد القضية إلى الله, في الأخير ترى من فوق هل هي تليق بجلال الله, هل هي تتناسب مع حكمته, مع علمه, مع ملكه, مع إلوهيته, مع ربوبيته, مع رحمته, مع عدله, ..الخ، أو أنها لا تتناسب.

أي قضية طلعها إلى عند الله؛ لأن كل شيء أقول فيه جائز, أو حتى تقول: مباح, أنت ترده إلى الله, هل أباح هذا هو, هل أجاز هذا؟ ثم ترجع إلى القرآن الكريم ستجد بأنه قد يطلع الباري على أساس كلامك أن هذا جائز, أباح هذا, وأجاز هذا, يطلع الباري متناقض في شرعه هو, وفي هديه هو.

عندما تفترض أن ألأمة هذه فيما هي عليه أن الباري ما عمل لها حل كان يقيها أن لا تصل إلى ما وصلت إليه, هذا يمس بعدل الله أيضاً, يمس برحمته, يمس بملكه, يمس بحكمته.

أي أن الوضعية التي الأمة فيها الآن بالتأكيد أن هناك حل لها, إذاً الأمة هي انصرفت عنه, أو لم يقدم لها مع تعاقب الأجيال؛ لأن ما من جوزنا, ما من صح أن تجيز على الله أن يترك عباده هكذا, ما من جاز أبداً أن تجوّز على الله أنه هكذا ترك الناس هكذا, وترك الدنيا هكذا, وما قدم لهم أي حل إذا ساروا عليه ما يمكن أن يحصل هذا الذي هم فيه من المعاناة, من الذلة, من الضعة, من التمزق, والتفرق.

هذه قضية هل يمكن أن نجوّزها على الباري؟ لأن الله يقول عنا بأننا عبيده, فنحن عندما يقول هو ملكنا ونحن عبيده, طيب هو الذي يختص, والذي له, ومن حق الناس عليه أن يرسم لهم الطريقة؛ باعتبارهم عبيده, يرسم لهم طريقة لا يظلموا, وهو يقول في القرآن الكريم: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ}(آل عمران108) ما هكذا يقول؟.

يرسم طريقة؛ لأننا عبيده, وهو يتحدث بأنه رحمن رحيم, ما رحمن رحيم هي تمشي إلى رحمن بعبيده, رحيم بعبيده, حكيم في تصرفه مع عبيده, وتدبيره لشئونه يقوم على أساس الحكمة, وهذه كلها أليست تصرفات مع خلقه؟ ومن أهم مخلوقاته في الدنيا هو الإنسان, من أعظم المخلوقات في الدنيا هو الإنسان الذي توجه إليه كثير من التدبيرات الإلهية, والتوجيه الإلهي, هو الإنسان نفسه.

فعندما تأتي تصنف الحالة التي الناس فيها ما أنت ستصنف بأنهم متفرقين؟ لأن آراءهم متشتتة متباينة؛ لأنهم ممزقين إلى شعوب, وطوائف؛ لأنهم, لأنهم, فكان هذا هو سبب ضعفهم, أليست هكذا؟ أبسط واحد يحلل سيطلع هذه.

إذاً لا بد أن تفترض أن هناك طريقة بعكس هذه تماماً, أي أن الله رسم طريقة ما يختلفوا, ما يتمزقوا, ما يتحولوا إلى طوائف, ما يكونون آراء متفرقة, ومتباينة, طريقة تجعلهم على مستوى عالي من الجاهزية, لا بد أن تفترض هذه.

ترجع إلى القرآن الكريم تجد فعلاً أنها بالشكل هذا, أنه رسم الطريقة بهذا الشكل التي تجعل الأمة على هذا النحو: أمة واحدة, أمة قوية, أمة ما تظلم, ما تقهر نهائياً, أمة ما يغرقها العدو في مشاكل, هي نفسها تستطيع أن تحبطه من أول يوم.

لاحظ الآن كيف وضعيتنا؟ ألسنا الآن كل ما بدر شيء من جانب العدو اختلفنا عليه, فيزداد الناس ضعفاً كلما تقدم العدو إليهم. لاحظ أمام شعار فقط, نزل شعار إلى الساحة ما احنا اختلفنا؟ ناس يقول: لا, وناس يقول: إلا! وهكذا, افترض أي حاجة في وضعية الأمة هكذا _ أي قضية يطرحها العدو من جانبه _ ستكون بالشكل الذي يتفرق الناس, من جهة أن هذا رأى هذا, وهذا ما رآه, وما هناك شيء يعتبر حسم في الموضوع, ما هناك لديهم قضية قائمة, كلنا معرضين عن أن يكون هناك قضية قائمة تجعلنا بالشكل الذي يأتي شيء من جانب العدو نستطيع تلتقي كلمتنا عليه, ما هناك تردد ولا اختلاف ولا اضطراب.

هنا يكون واجب كبير على الإنسان فيما يتعلق بتنزيه الله قضية هامة أن يكون عملك بالشكل الذي يكون دائماً تجعل تنزيه الله مقياسا؛ لأنها هي الغاية الكبرى هو تنزيه الله, وتقديسه, والشهادة على كماله؛ ولهذا يتحدث في القرآن الكريم عن تسبيح كل الكائنات, يسبح لله ما في السموات وما في الأرض, قضية تنزيه الله قضية هامة.

فإذا الإنسان مؤمن بقضية هي بالشكل الذي يمس بكمال الله, تؤدي إلى إلحاق نقص بجلال الله, وحكمته, وقدسيته, معنى هذا أنك ارتكبت جريمة كبيرة, جريمة كبيرة جداً, ليست قضية بسيطة.

نحن قلنا في موضوع الدين, موضوع الدين لا زم أن يكون عملك في تقديم الدين بالشكل الذي يعرف الناس الدين, بحيث ما يروا عند الله تقصير, يكون معرفتهم للدين بالشكل الذي يدينوا بشيء هو الذي يليق بجلال الله, يكون فيه تنزيه لله, لا يكون الناس في الأخير هم ـ إذا ما قدمت القضية بهذا الشكل ـ يكونوا في الأخير قد عندهم فهم يحملوا الباري المسئولية هو, وهذه حاصلة عندنا.

عندما تسمع حديث عن صراع الحق والباطل, وقوة أهل الباطل, وغلبة أهل الباطل وإمكانياتهم الهائلة يقولون: هكذا حال الدنيا, الباري أراد أن تكون الدنيا هكذا!.

إذا أحد يريد يتحرك ويقول الحق وما حق, يقول لك: أهل الحق يكونون ضعاف, أهل الحق ما بينجحوا, والحق ما بيسبر في الدنيا هذه! وأن الباري جعلها هكذا, جعل الدنيا على هذا الشكل!.

ما معنى هذا أننا نحمل الباري المسئولية؟ نحمله مسئولية هذه الأشياء, هو الذي جعل الناس بشكل ما بيرضوا يقبلوا الحق! وهذه فكرة قائمة, فهم قائم, هو الذي جعل الدنيا بهذا الشكل ما فيها مكان للحق, ما بلى باطل باطل, ما يستقيم فيها إلا أهل الباطل, أهل الحق ما ينتصروا, أهل الحق ضعاف, أهل الحق ما بيسبر لهم شيء, هذه مقولات حاصلة!.

طيب فمعنى هذا أن الله هو الذي هيئ للباطل الساحة, هو الذي خلق الإنسان على وضعية ما يقبل الحق أبداً! ما معنى هذا أن الخطأ جاء من عنده؟ طيب هذه عندما ترجع إلى القرآن الكريم تجدها قضية باطلة من أفضع القضايا في بطلانها.

إن الله يقدم ما لديه, وعود لأهل الحق لأن ينتصروا, وعود لمن ساروا على هديه, وعود للناس إذا ساروا على هديه كيف ستكون حياتهم, كيف ستكون سعادتهم في الدنيا, كيف ستكون سعادتهم في الآخرة.

قدم الحق بالشكل الذي إذا سار الناس عليه لا يبقى للباطل مكان. الباطل أساساً ما هو شي مطبوع في الدنيا, مطبوع, هو يعتبر شاذ, يعتبر شاذ, هو الشذوذ في الدنيا, الباطل هو الشذوذ أساساً, ما هو الشيء الأصلي فيها, المعصية هي الحالة الشاذة, الباطل هو الحالة الشاذة بالنسبة لفطرة الإنسان, بالنسبة لسنن الكون, بالنسبة للهداية الإلهية, الهداية الإلهية لا تقوم على أساس أنه لازم أن يطبع في الدنيا نصفها باطل, يطبع لك نصف باطل, ويقول لك في الاختيار: نصف باطل, ونصف حق, نصف طاعة, ونصف معصية, ويخليك في الوسط, ونقول هذا هو الاختيار, يا إما تروح في الحق, يا إما تروح في الباطل.

ما هي بالشكل هذا, خلق الإنسان, وخلقت الدنيا بالشكل الذي الباطل يعتبر شاذ فيها, ما هناك حاجة للباطل بكله نهائياً؛ ولهذا يتحدث عن الباطل بقوله: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}(الإسراء81) هو الحالة الشاذة, هو الذي لا مكان له في الواقع, لكن أنتم تجعلون له مكان في نفوسكم, وتطبعون الحياة به {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم41).

طيب فالمفاهيم الأخرى المعكوسة سمعناها هذه أيام كنا نتحرك في حزب الحق [أهل الحق ما بيسبر لهم شيء, وأهل الحق يكونوا ضعاف, وأهل الحق ما بينتصروا, وأهل الحق ..]!.

هل أن الله طبع الدنيا بهذا الطابع, وطبع الإنسان بهذه الطبيعة, فهو جعل الإنسان بشكل ما يقبل الحق، وجعل الدنيا بشكل لا مكان فيها للحق؟! معنى هذا تطلع إشكالية كبيرة في هذه بالنسبة لله, ما هو سيطلع سؤال كبير على الله سبحانه وتعالى؟ أنه كيف هذا, ترسم هدى وأنت رسمت أمامه عوائق كبيرة لا يمكن أن يتخطاها, فشلنا, لا نستطيع, لا نستطيع على الإطلاق, وأنت رسمت في الحياة, أنت قضيت وحكمت أن تكون على هذا النحو: لا مكان فيها للحق!.

فلماذا تتحدث معنا بالحق, وتقول: نقاتل من أجل الحق, وندعو للحق, وما هناك مكان له؟ ما من كان هذا سؤال كبير على الباري؟ سيكون معنى هذا ماذا؟ أنه تصرف غير حكيم, تصرف ما فيه أي شيء من مظاهر الرحمة, ولا فيه أي شيء, وحتى لو افترضت أن بعده جنة ونار, ما تكفي في كونه حكمة أبداً, ما تكفي في كونه حكمة.

طيب هم قدموا المسألة بالشكل هذا, إنما فقط فلسفوها فيما بعد قالوا: سهل يعني قد الجنة هناك بعد هذه قد هو ثواب كبير, قد هو يغطي النقص ذاك فقد هو مصلحة للإنسان.

لكن الباري هو يتحدث عن نفسه بأنه ملك, وهو مدبر, وهو حكيم, ما من أمكن يعمل هذه القضية إنسان خلي عنك الله سبحانه وتعالى, مثلما قلنا بالأمس هل يمكن واحد من الناس يأتي يصلح مبنى كبير ويمليه موظفين, ويسلمهم قراطيس وأقلام يشخططوا, يقول واحد ما معكم؟ قالوا: فقط نحن نشتغل لأجل يعطونا معاشات!.

طيب من بعد المعاشات والمبنى هذا والأقلام والأوراق هل هناك غاية أخرى؟ أو فقط هو جمعهم هنا لأجل يعطيهم معاشات؟ هل يمكن لشخص يعمل هذه؟ يأتي رئيس الوزراء يبني مبنى كبير ويمليه موظفين ويعطي لكل واحد منهم في الشهر أربعين ألف, وفي الأخير يقول لك: ماذا تعملون هنا؟ قالوا: نشخطط هكذا, ونجمع قراطيس في الدواليب!. لأجل ماذا؟ قالوا: لأجل يجي لنا مرتبات, والذي لا يعمل هكذا لن يجي له شيء!!.

طيب هنا ألست ستسأل ما هي الفائدة من هذا؟ ما المقصود من وراء هذا؟ هذا هو السؤال, ماذا وراء هذا, لازم هناك غاية.

لهذا الباري ما جعل الجنة نفسها أو النار هي الغاية من وراء التشريع, من وراء الخلق, لا, بل هي في نفس الوقت من الآن وسيلة للإنسان أن يندفع في العمل؛ ولهذا يأتي بالحديث عن الجنة, بالحديث عن النار, أليس ليرغب ويرهب الناس هنا في الدنيا لينطلقوا في العمل هنا في الدنيا فهي وسيلة.

طيب يوجد غاية أخرى, يوجد غاية كبيرة جداً, الغاية تتمثل في استقامة الحياة على هدي الله, وتنتهي القضية كلها عندما يستقيم الإنسان على هدي الله, يتجلى بشكل رهيب, وبشكل دقيق جداً حكمة الله, ورحمته, وحسن تدبيره, وقدرته, يتجلى كماله, من خلال هذا يتجلى كمال الله سبحانه وتعالى.

لكن تركنا هذه وقلنا ما شي هو الذي طبع الدنيا بهذا الطابع, والدنيا هي هكذا, هي دار امتحان وابتلاء, وأهل الباطل يكونون فيها هم المسيطرون, وما هناك مكان فيها إلا للباطل!.

ما يصح هذا على الله أبداً, هو في القرآن الكريم يقول: لا, {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} هم الذين طبعوها بالفساد, هو خلقها عندما تأتي تشوف خلقها تجدها وكأنها كنز, أو كأنها درة ثمينة بكلها, وأودع فيها كل ما هو يعتبر ميدان واسع للإنسان أن يرتقي إلى أرقى العلوم, في مجالات الصناعة, وغيرها.

ما كلها هنا في حركة الدنيا وأجوائها؟ وجودها بهذا الشكل, هي تعتبر درة ثمينة غالية لها قيمتها عند الله, غير صحيح عندما يقول لك: ما تساوي عند الله جناح بعوضة, لها قيمتها عند الله؛ لأن الحكيم لكل شيء قيمته, ما هو باعتبار حاجته إليه, كونه في نفسه ذو قيمة.

…………..

{إِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ}(هود123) كل شيء هو في الأخير ينتهي إلى الله, وكل شيء يوصلك إلى بين يدي الله, أي أنت تسير على ما يوصلك إلى بين يديه, يا إما لسعادة, يا إما لشقاء.

إلى أن قال: [وتورط من غيه ورداه, في بحور ذات لج من الجهالات] لجج مثل طبقات البحر [وتخبط في غور لجج من الضلالات, لا يخرج من تورط فيها من ضيق غورها, ولا ينجو غريق بحورها, من نار تبوبها, وحيرات سهوبها] التباب يعني: الهلاك، والسهوب يعني: الفلوات, وحيرات صحاريها, يعني: الصحاري, قفار واسعة من الضلال تتيه فيها.

[فلا صريخ له فيها ينقذه من تبِّ, ولا هاد يهديه منها في سهب, فهو في لج بحورها في تبوب] في هلاك، خسارة [ومن ضلالات غورها في سهوب] ضلالات واسعة [متحيِّر بين هلكة وثبور, وضلال حيرة في ظلمة وبحور] كل مرة واكتشف أنه خاسر, كل مرة واكتشف أن طريقته غلط, كل مرة واكتشف أن الطريق التي يتصور أنها قد سبرت خسارة عليه, وهكذا.

[موصولٌ ضلاله وعماه, بما هو فيه من عاجلته ودنياه, بعمى من الآخرة لا يبيد] يقول لك: الضلال, العمى هو موصول من الدنيا إلى الآخرة, له آثاره السيئة في الدنيا وفي الآخرة.[بل له فيها البقاء أبداً والتخليد, كما قال سبحانه: {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}(الإسراء72)].

نحن نفترض العكس, نقول: نحن في الدنيا هذه, والدنيا هذه كذا كذا كذا، ـ هي حالة عمى نحن فيها ـ وهي أيام يقضيها واحد, ويحافظ واحد على دينه! أيضاً يقول هكذا: يحافظ واحد على دينه! ماذا بقي له من دين؟! وما هي إلا أيام الدنيا هذه, ويقدم واحد على الباري ويدخله الجنة! الله يقول لك هنا: {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى}؛ لأن عماك هنا في الدنيا هو عمى عن الطريق التي توصلك إلى الجنة, العمى هنا في الدنيا هو عمى عن طريق الخير.

وهذه حالة خطيرة أيضاً، هذه آية يجب أن الناس ينتبهوا لها جميعاً, هي تشبه الآية الأخرى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طه124) فهو هنا يربط، يربط ما بين العمى والشقاء في الدنيا, والعمى والشقاء في الآخرة؟.

كيف تفترض حالتين متباينتين، تفترض حالة العمى هنا هي طريق النجاة في الآخرة!؟ ما هو صحيح هذا، حالة العمى في الدنيا ليست طريق نجاة في الآخرة {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى} العمى هنا عمى عن ماذا؟ عمى عن هدي الله، عمى عن السير على هدي الله سبحانه وتعالى, يصبح في واقع حياته متخبط, أعمى ما يبصر شيئاً {فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}.

يعني: نلاحظ هل نحن في عمى أو نحن مبصرين؟ ما يقاس العمى والبصر بكبر العيون وصغرها في هذا الموضوع, بالمقياس القرآني, هل نحن في مفاهيمنا, في رؤيتنا للحياة, في رؤيتنا للإنسان, في رؤيتنا للدين, في رؤيتنا لكل حركة الحياة, في مواقفنا هل نحن وفق القرآن الكريم؛ لأنه هو النور, أليس النور؟ هو البصائر.

إذا لم يكن الناس وفق القرآن الكريم فهم في عمى, فإذا كانوا في عمى {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} لكن لا, الآن تجد المفهوم السائد [الدنيا هذه قد التطمت, وما عاد درى الناس كيف يعملوا, وقد احنا كذا…] وعمى [لكن هي أيام, أفضل لواحد إذا قد مشَّى حاله كيفما جاء ويصبر, ويحاول واحد يكون من أولياء الله, ويدخل الجنة]!. نفترض بعد العمى هنا في الدنيا والتخبط والحيرة أن نكون مبصرين يوم القيمة!.

[فمن لم يستدل على أمر دنياه وآخرته بكتاب الله] يستدل: يجعله دليله، يجعله هاديه؛ لينير له الطريق؛ لأن القرآن يرسم الطريق, وينيرها, ويرغبك لأن تسير فيها, وفي نفس الوقت يدافع عنك وأنت تسير فيها. ما هو ما بلى مثلما يسير واحد معه [اتريك] أو [كشاف], لا يرسم له الطريق, ولا يوجد أكثر من كونه معه كشاف يبصر به الطريق.

أما القرآن فهو يرسم هو الطريقة, ويبين الطرق الأخرى كيف أنها طرق خسارة, هادي بكل ما تعنيه الكلمة.

[فمن لم يستدل على أمر دنياه وآخرته بكتاب الله فلن يصيب عليه أبداً دليلاً] لن يصيب على أمر دنياه وآخرته أي دليل غيره يهتدي به. [ومن لم ينج به من خبوت الحيرة والجهالة] الخُبُوت يعني: الخبت, المتاهات, الصحاري, خبت مثلما بين نقول معروفة الكلمة هذه. [ويحيا بروحه من موت العمى والضلالة, لم يزل لسبيل الجهل سالكا] ولو عنده أنه علامة, ولو قال له الناس علامة, ولو كتبه كما كانت ومؤلفاته كما كانت.

هنا يقطع بأنه [لم يزل لسبيل الجهل سالكاً, وبموت العمى والضلال هالكاً؛ لأن الله جعله روحاً من موت الضلالة محيياً, وضياء من ظلم الجهالة منيراًً مصحياًً]. طيب: المشكلة أننا نقول: القرآن صحيح هو هكذا, أليس الناس مؤمنين بهذا؟ ويكون عندهم عندما يأتي يفسر القرآن يقول لك: هذه الآية نتركها محلها, وهذه معناها كذا, وهذه معناها كذا! أليس هو هنا يرى أنه يتعامل مع القرآن؟ لكن المشكلة أن معه غلطة من البداية في النظر إلى القرآن, في النظر إلى التعامل مع القرآن, إلى الاهتداء بالقرآن الكريم كيف يكون.

يأتي يحكِّم أشياء أخرى, مقاييس من عنده, يرسم هو رؤى معينة, الناس يأتوا يرسموا رؤى معينة تحت عنوان خدمة دين, تحت عنوان بأنها أيضاً من علوم الدين, وانطلقنا إلى القرآن ننظر إليه من خلالها فلم نبصر, وفي الأخير نقدم موضوع القرآن عمى على عمى بالنسبة للناس! يتخبط الإنسان حتى ولو عنده أنه يسير على طريقة هدى, ولو عنده أنه يخدم القرآن نفسه, يقرأ هنا, يقرأ يقرأ؛ لأجل يعرف في الأخير كيف يتعامل مع القرآن.

القرآن نفسه مرتبط بهداة, والقرآن نفسه يرسم الطريقة في التعامل معه, حتى ما ترك هذا الموضوع؛ لأنه هو المفتاح, حتى طريقة التعامل معه, طريقة الاهتداء به, الأسس التي تسير عليها لتهتدي به, العلاقة التي تبتعد عنها لتهتدي به, رسمها أيضاً.

أليس هذا هو المفتاح للموضوع بالنسبة للقرآن؟ أي حتى نفس المفتاح هذا هو هدى إليه, هو هدى إليه.

[هنا ورد سؤال: إذاً ما جدوى ما يسمى بعلوم الآلة؟]

فقال: علوم الآلة منها ما هو بشكل قلَََب يضرب القرآن، ومنها ما هو ناقص عن الموضوع المهم في القرآن, من أجل القرآن, مثل اللغة العربية, نحن أساساً لا نقرأ لغة عربية, عندما تأتي تقرأ النحو والصرف والمعاني والبيان فأنت لا تقرأ لغة عربية, أنت تقرأ قواعد.

المطلوب أن تتعرف على اللغة نفسها، وأن تمارس قراءتها، والإطلاع على نصوصها, من شعر ونثر, حتى تعرف أنت تلقائياً أساليبها, أساليب العرب في خطابهم, وأساليب العرب في التعبير عن كل قضاياهم؛ لأن الشعر العربي يشتمل على قضايا العرب نفوسهم, لا توجد قضية ربما إلا وفيها شعر, كل قضاياهم, كل تفكيرهم, كل نظراتهم, هو داخله أساليب العرب في التخاطب, داخله الأساليب اللغوية نفسها, كذلك النثر.

القرآن أيضاً في هذا الموضوع يعتبر من أهم مراجع اللغة العربية, بل فيه ما يضرب بعض قواعد النحاة أنفسهم, ما يضرب بعض قواعد النحويين؛ لأن النحوي ما يجلس نحوي يلتزم بعمل استقراء أنه لماذا نصبوا هذه ولماذا رفعوا هذه, في كونه فاعل أو مفعول أو أشياء من هذه, لكن هو أيضاً يتطرق، هو أيضاً يتطرق إلى المعاني, يتحدث عن المعاني.

لاحظ مثلاً موضوع [الاختصاص] نصبه على الاختصاص, والاختصاص يعني خصه بأهمية بخصوصها مثل من يأتي ينصب {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ} من قوله تعالى: {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ}(النساء162) ألم يتحدث هنا بالرفع في بدايتها؟ في موضوع يؤمنون بالله، الإيمان بالله مرفوع, وصل عند والمقيمين الصلاة نصبها, قالوا: هو نصبها على الاختصاص, أي وأخص المقيمين الصلاة بالمزيد من المدح.

ما هو معقول أن يكون مقيمي الصلاة محط اختصاص بعد كلمة يؤمنون بالله, بعد الإيمان بالله، الإيمان بالله هو أرقى، يعني هذا المكان ليس مكان اختصاص نهائياً. عندما تلاحظ أنه ليس النصب هنا لكونه وأخص, العطف هو العطف لكن المفردة هنا في الاستعمال العربي ثقيلة جداً [والمقيمون الصلاة] فأين ما حصل في القرآن, ربما في موضعين أو في ثلاثة ما تجدها إلا منصوبة, ليس من أجل الاختصاص, العطف هو العطف لكن المفردة هذه, والصيغة هذه تجد لا يوجد معها في القرآن مثلها, ما كان من هذا النحو يعتبر ثقيلاً [والمقيمون الصلاة] الميم تؤدي إلا ضم الشفتين بإشباع, بعدها كسره مشبعة, أليست امتداد من حالة إلى حالة مضادة تماماً, ثم الانتقال إلى حالة مضادة تماماً [مقيمون] لا توجد هذه.

لاحظ كيف عبارة مسلمون ثقيلة؟ أليست ثقيلة مسلمون؟ ثقيلة, إلا أنها فقط أخف من هذه, لأنه لا يوجد فيها إشباع حركات. الميم هنا ثقيلة, الميم مع الضمة ثقيلة, الميم مخرجها من الشفتين, الموقف متضاد تماماً أن يكون بعدها حرف مكسور بإشباع بعده ياء, أليست هذه حالة مضادة؟ تنتقل أيضاً إلى ميم مضمومة, هذه حالة مضادة.

هذه ليست موجودة, الاستخدام هذا نادر في اللغة العربية, أو يكاد لا يوجد, لكن أن يكون حرف آخر [تاء] تقيمون, أليست سهلة؟ تقيمون, يقيمون سهلة. هنا والمقيمين الصلاة بدل والمقيمون الصلاة, التعامل مع المفردة هذه على هذا النحو.

طيب هنا يأتي يحاول يفلسفها للاختصاص أي وأخص المقيمين الصلاة. ما يصح أن تقول: أخص المقيمين الصلاة بعد قوله يؤمنون بالله. الإيمان بالله هو الدرجة العالية الإيمان بالله, هنا تجدها ينصبها لوحدها.

طيب في آية أخرى عندما تحدث في سورة [الصافات] عندما قال: {بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(الصافات43) فهنا عباد الله منصوبة؟ هل هذا استثناء؟ مشكلة هذه, اختصاص, استثناء!.

هذه لها قيمة فنية, تصوير, مثلاً بالنسبة لهؤلاء الناس الضالين الذين وعدوا بهذا العذاب الأليم, يصور موقفهم ـ وربما قد يكون موقفاً حقيقياً في القيامة ـ أنهم يخاطبون, ويرون أنفسهم أنهم في حسرة شديدة عندما ينتقى من بينهم عباد الله المخلصين, فيتصورون أنفسهم مجموعين ثم ينتقى من بينهم الناس المخلصين الذين يذهبون إلى الجنة وينجون. هذه فيها حسرة شديدة.

لاحظ إذا هناك سجناء مثلاً في عنبر واحد, عندما يكون هناك سجناء وفي عنبر واحد, وجاءوا يخرجون من بينهم خمسة أو ستة, أليست ستكون شديدة على الآخرين؟ تكون ثقيلة عليهم. فهو يتحدث عن موقف من هذا القبيل, عن مقام من هذا النوع, يطلقون مثلاً أشخاصاً من عنبر آخر ليسوا من الذين هم عندك ما تكون ثقيلة عليك، ما تكون ثقيلة.

فعندما يقول: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} ما أمكن يكون استثناء على قواعد النحو, ولا أمكن يكون اختصاص لكن أخص؛ لأن الاختصاص يكون في السياق الواحد, ولا أمكن تقدر له لكن؛ لأن المقام الذي تقدر فيه لكن يأتي مرفوع.

هنا يصور موقف, ويصور حالة لديهم من الآن, عندما يكونون في حالة من التحسر شديدة, عباد الله المخلصين ينجون من بينهم فيكون حسرة شديدة عليهم.

فالقرآن, أعتقد أن القرآن نفسه هو من أهم المراجع اللغوية, من أهم مراجع اللغة العربية. تجد أحياناً في بعض المفردات, بعض المفردات تأتي تبحث في [القاموس], تبحث في [لسان العرب], تبحث في مراجع ما تجد الكلام الذي ترى أنه فعلاً ممكن تقول أنه هو المعنى لهذه المفردة, إلا بما يعطيها القرآن هو من معنى لها, ولو معنى إجمالي تفهم من خلالها.

فالقرآن هو مرجع من أهم مراجع اللغة, لازم اهتمام باللغة نفسها؛ لأنه ممكن أقرأ معاني وبيان, قواعد المعاني والبيان هي حول فصاحة وبلاغة, يتحدث عن أساليب, لكن ما تعايش نفس اللغة, ممكن تقرأها وما تطلع بليغ, بل يمكن تقرأها ولا تستطيع تقيم نص معين, أو تحلله إذا ما هناك معايشة للنص اللغوي نفسه.

أقرأ قواعد النحو أعرف كيف اللغة فيما يتعلق بالنطق بالحركات, هذا منصوب, وهذا مرفوع..الخ, فيما يتعلق بآخر الكلمة: إعراب وبناء, وشكل الإعراب فيها, سواء كان بشكل حركات, أو بشكل حروف علامات.

فاللغة العربية على هذا النحو ضرورية جداً, بل ضروري جداً أن الناس يحاولون من خلال قراءة الشعر, ومن خلال قراءة النثر, والنثر الذي يكون بليغاً, لا تقرأ لناس ليسوا بلغاء, إذا واحد قرأ لأشخاص ليسوا بلغاء, وكتّاب ليسوا بلغاء يتأثر بأسلوبهم, تقرأ نصوصاً بليغة للعرب يتحدثون في نفس الفترة التي ما كان قد حصل فيها خلل في استخدام الناس للغة العربية.

هذا يعين على فهم القرآن الكريم؛ ولهذا فعلاً تجد أن اللغة العربية محاربة جداً من اليهود, حتى الشعر العربي يحاربونه, يحاربونه بطرق كثيرة تحت عنوان الحرية حتى في اللغة, الحرية من القيود هذه, قيود القافية, وقيود البحور والوزن, مثل الشعر العمودي الذي يسمونه الشعر الحر, شعر حر, متحرر من القافية! هذه ليست حريات.

عندما يعرفون اللغة العربية التي عايشها العرب, وارتبطوا بها, وتحدثوا بها, وعرفوا قيمتها سيتذوقون القرآن الكريم, ويعرفون قيمته بشكل رهيب؛ ولهذا تجد أن من ينطلق يفسر ممن هم أدباء, انشغلوا باللغة على هذا النحو, يكون تفسيرهم جيد, يكون تفسيرهم ممتاز, تفسيرهم يعني يقدم القرآن بشكل جميل, بشكل مثلما يعمل سيد قطب في [ظلال القرآن], هو أديب أساساً. لكن خلي نحوي يفسر, أو خلي فقيه, أو أصول فقهي, أي واحد من هؤلاء يفسر, يطلع لك القرآن لاشيء, هذا يطلعه بشكل جميل جداً.

محمد حسين فضل الله أيضاً أديب, في تفسيره [من وحي القرآن] يكشف وجوها ممتازة وجذابة, والقرآن يقدمه بشكل عظيم, بشكل جذاب؛ لأنه عايش اللغة العربية في نصها, في النص العربي؛ ولهذا نقول: أنه ضروري جداً أن يكون في المراكز ملازم من هذا النوع, يقراها الطلاب, ونقراها جميعاً, تؤخذ مقطوعات شعرية من دواوين الشعر العربي, ويقرأها الطلاب, نتعود على اللغة؛ لتعرف اللغة نفسها عندما تقرأ قصيدة, والقصائد هذه فيها أساليب لغوية تعبر عن معاني, بل يكشف لك واقع المجتمع العربي, وكيف كانت حياتهم, كلها هذه مهمة بالنسبة لفهم القرآن الكريم, كلها مهمة بالنسبة للعودة إلى القرآن الكريم.

تجد اللغة العربية محاربة بشكل رهيب جداً من جانب الغربيين, بشكل رهيب. طيب ونحن أيضاً نأتي عندما لا يوجد منهجية تقوم على أساس اختيار ورؤية صحيحة, اللغة العربية مربوطة عندنا بالنحو، النحو عندنا من أعقد الأشياء على الطلاب, يتصور اللغة العربية يعني النحو، والنحو قد بدا ثقيل, نقول: النحو هو واحد من فنون معرفة قواعد اللغة في النطق, وإلا فنحن أساساً ما قد عرفنا اللغة، اللغة تعال نقرأ نصوصها, الشعر العربي, النثر العربي, مثل فقرات في [نهج البلاغة], وترجع إلى القرآن الكريم أهم مرجع عربي, بل هو موثق يوثق أيضاً القرآن الكريم, فيه توثيق أيضاً للنص العربية. أما أصول الفقه فبالتأكيد سيطلع واحد متخبط مع القرآن ومع كل شيء.

[فمن أحياه الله بروحه فهو الحي الرضي] من أحياه الله بروح القرآن فهو الحي الرضي, الراضي عن نفسه, الراضي عن طريقته, المرضي عن طريقته, الراضي عنه الله سبحانه وتعالى. [وما كان فيه من حق فهو المصحِّي المضيء] المصِّحي إذا هناك رقود يصحيهم. [لا تلتبس به الأغاليط, ولا تشوبه الأخاليط, فهو النقي المحض] نقي خالص, لا يأتيه الباطل من بين يديه, ولا من خلفه, الباطل بكل أنواعه, والباطل فيما يتعلق بجانب النص, اختلاف, تناقض, لا يوجد فيه نهائياً.

[والجديد أبداً الغضّ] طري دائماً, القرآن طري دائماً, لكن لا يعرف طراوته ـ وإلا بيطلع غُبيب, يطلع غُبيب له ألف ومدري كم سنة جالس ـ إلا من يتحركون على أساسه, من يتحركون على أساسه يجدونه طرياً دائماً, يجدونه يهدي دائماً, يجدونه يتحرك دائماً. طيب نصه, نفس النص هو قديم, أليس النص قديم حقه من يوم نزل؟ له ألف وأربعمائة سنة نفس النص من يوم نزوله؟ لكن القرآن نفسه, يقدم نفسه وكأن الآية نزلت الآن, في حركة الحياة, فيما يهدي إليه، فيما يهدي إليه, وكأنه جديد دائماً.

يعني ما موضوع جِدَّته مرتبط بالجانب البلاغي في النص، في النص نفسه, ليس لهذا فقط, فيما يهدي إليه, فيما يكشفه, فيما يرشد إليه, فمن يقرأه بتفهم يهديه إلى أن يكون عنده فهم لمعانيه سيكون هو من يفهم بلاغته, ويفهم فصاحته.

لاحظ هذه القضية هي هامة معرفتها فيما يتعلق, يعني عندما نقول: أننا نقرأه ولا نمل منه, والمسلمون يقولون هكذا, الآخرين قالوا فقط لأنكم مربيين على التعلق به, ومنشدين إليه هكذا, ومتعصبين له.

لا، مسألة كون أن الإنسان لا يمل من قراءته إذا كانت قراءته بالشكل الذي يهتدي لمعانيه, سيراه دائماً جذاباً, يراه دائماً لذيذاً, يراه دائماً لا يمل منه أبداً إذا كان بهذا الشكل، إذا كان بهذا الشكل لا يمل منه أبداً.

أما من يقرؤه هكذا بدون تفهم, لا تصدق بأنه لا يمل, أنه ممكن يدَرْوِسه, يدَرْوِسه ولا يمل منه, المسألة هي يا إما عنده حالة معينة هو يعتقد أن له ثواب في قراءته فيقرأ ولو عنده ملل هو سيأتي له ثواب عليه.

فكونه لا يُمَل هو أن النص على أرقى نص, آياته محكمة, وفيما يهدي إليه بشكل دائم, دائماً كلما ترجع إليه, وكلما تقرؤه دائماً يعطيك أشياء جديدة, وليس معنى جديدة مغايرة، جديدة في الاتجاه الواحد، القرآن هو في عمقه, هو عمق واحد, هو اتجاه واحد.

[لا يُخلِق جدَّته تكرار, ولا يدخل محضه الأكدار] محضه: خلوصه, نقاؤه. الأكدار: ما يكدره. [بل نقي من ذلك كله فصفى, فأغنى بمنِّ الله وكفى, فليس معه إلى غيره حاجة] ليس بك مع القرآن إلى غير القرآن حاجة [ولا فاقة, ولا يغلب حجته من ملحد فيه لدد, ولا مشاقَّة] ملحد فيه, في القرآن الكريم, لديدة, لا يستطيع أبداً أن يكون منطقه بالشكل الذي يغلب منطق القرآن.

لما انصرف المسلمون عن الطريقة هذه غُلبوا, هل تدري بأنه طلع إشكالات غرق فيها المتكلمون, حنبوا فيها. عندما تأتي تقرأ لابن المقفع إشكالاته، إشكالاته هي وليدة رؤية المتكلمين, تجد الإشكالات حقته هي وليدة رؤيتهم, ليست إشكالات طبيعية, يعني إشكالات ثقافية هي قامت على تقديم الموضوع برؤية طلع منها استشكال من عندهم, وتساؤل.

عندما تقرأ في كتاب الرد على ابن المقفع للإمام القاسم نفسه, وتتأمله طلَّعوا إشكالات عندما انصرفوا عن طريقة القرآن في خطاب الآخرين, في دعوة الآخرين, قدموا الدين بطريقة معينة, طلع عليهم إشكالات كبيرة.

معهم إشكالية حول موضوع جهنم ما احتلت إلى الآن, ماتوا وما زالت مشكلة في كتبهم, حول قضية جهنم, لماذا جهنم؛ لأنهم فسروا التكليف هذا, التكليف: عرض على الخير قالوا, عرض على الخير, تعمله يجي لك خير.

يعني يتفلسفون حول موضوع لماذا الدين من أصله, ولماذا وجب؟ كونه وجب قالوا: من أجل شكر المنعم, وأشياء من هذه,لكن كيف حسن من الله؟! كيف نعتبره حسن؟ أن الله فعله فهو محسن به؟ قالوا: لأنه عرض على الخير.

طلع لهم مشكلة من عند الزنادقة الذين يسمونهم زنادقة, يزنقونهم, زنادقة يزنقون هؤلاء, طلع من عندهم إشكالية يقولون: تمام, عرض على الخير, لكن إذا واحد ما قبل هذا الخير فلماذا يعذبه؟ هذا ما هو منطقي, ولا هو معقول, فلماذا جهنم؟ ولا استطاعوا يجوبوا عليهم.

تحصلها مشكلة عند القاضي عبد الجبار في [شرح الأصول الخمسة], وعند غيره؛ لأنه ـ يقولون ـ مثلما أجي أقول لك: قد جهزت لك مائدة معينة, أليس هذا عرض على الخير؟ تعال, أنت ما رضيت, فقمت أضربك حتى اشبعك ضرباً لماذا؟ إذا ما رضي خلاص يرح له, مع السلامة, ما رضي يمشي على الخير هذا, لا يريده, ما أعجبه الدين يمشي عليه من أجل الخير الذي سيؤدي إليه فخلاص أتركه وبس, أما أنك أيضاً تعذبه فلماذا؟ هذه الإشكالية لاحظ كيف طلعت من عند النظرة التي قدموها للحياة.

طلَّعوا ناس أصحاب شبه, طلّعوا ناس متنكرين لهذا الدين؛ لتقديمهم الدين على هذا النحو. ولاحظ أن هذه قضية حصلت, اليهود استطاعوا يطلعوا ناس كثير يتنكرون لهذا الدين بناء على تقديم الدين على هذه المفاهيم السائدة, يجعلون الدين هذا ليس له قيمة, ينفرون منه. العلمانيون يقولون: الدين ليس له علاقة بالحياة, ولا هو شيء, من يريد الدين فذاك المسجد مكانه! بكل قناعة, ويناظروا, ويحرجوا الإسلاميين! يحرجونهم فعلاً لماذا؟ لأن الدين قُدم بالطريقة التي ينفر منها الإنسان حقيقة, قدم بالطريقة التي ينفر منها البشر على أيدي هؤلاء المعتزلة, والأشعرية.

[ولا يغلب حجته من ملحد فيه لدد ولا مشاقَّة] لا لدادته, ولا مشاقته يمكن أن تغلب حجج القرآن الكريم نهائياً, أسلوب القرآن قدم أن الهدى الذي فيه حتى مع الآخرين هدى الله كله, في عصر القرآن, ومن قبل القرآن, أنه يكون بالشكل الذي يجعل الطرف الآخر يؤمن به غصباً عنه من الداخل، غصباً عنه, لا أن يطلع له إشكاليات وشبه أيضاً, ويتنمر بها على الطرف الآخر الذي يمثل الدين {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً}(الإسراء102) {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ}(الأنعام33) {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}(النمل14).

وهكذا يقدم الموضوع بأن دين الله إذا ما قدم, هدى الله إذا ما قدم هو بالشكل الذي يقتحم الإنسان إلى أعماق أعماقه فيؤمن به من الداخل رغماً عنه, وإن كان معانداً.

[بل حججه الحجج الغوالب, وشهب نوره فالشهب الثواقب] الحجج الغوالب تغلب أي شُبَه, أي شيء يطلق عليها صاحبها حجة [وشهب نوره فالشهب الثواقب, التي لا يخبو أبداً ضوء نورها, ولا يخرب أبداً عمارة معمورها, فيخبو بخبوِّها نور ضوئها] أي يقول لك: حتى الإنسان عندما يكون مهتدياً بالقرآن الكريم, ما يتعرض أنه في يوم من الأيام يأتي طرف آخر يستطيع أن يجعله يتلاشى إذا كان هو مهتدياً.

والإنسان هو أيضاً من عنده إذا أراد أن يكون خبيثاً يستطيع, والقرآن عرض أن هناك نماذج من البشر من هذا النوع, أنه حتى لو تأتي له آيات كيفما تكون ما يرضى, ما هو أنه زعم ما فهم, ما عرف, لكن معاند, معاند, معاند صريح, ويمكن يكون هناك معاندين, أعداء لله فعلاً, يحملون عداوة لله {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}(التوبة114), الشيطان حمل عداوة لله, ما القضية قضية معرفة, أو ما معرفة, يصبح هو يكون له موقف ساخط على الله, وعدو لله, وحرب لله هو.

[وشهب نوره فالشهب الثواقب] تثقب الظلام, تخترقه [التي لا يخبو أبداً ضوء نورها, ولا يخرب أبداً عمارة معمورها, فيخبو بخبوِّها نور ضوئها, ويخرب لو خربت لخرابها نعمة الله وهابها, فيكون خرابها تغييراً لها] لنعمة الله, أو تغييرا لها, لهذه التي عمرت من نورها, [ولنعمة الله فيها, ولما جعله من هداه مضموما إليها] يبدو أنه في العبارات هذه فيها نقص من ناحية التعبير في هذه النسخة [ويخرب لو خربت لخرابها نعمة الله وهابها, فيكون خرابها تغييراً لها, ولنعمة الله فيها, ولما جعله من هداه مضموما إليها].

خلاصتها أنه لو خربت لخربت هي, وخربت نعمة الله بها وفيها, وما يحصل هذا [ولن يغير الله نعمة كما قال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد11) ولن يلتبس شيء من هدى الله عليهم أبداً إلا بتلبيسهم كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وأنَّ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ}(الأنفال53)] التغيير إلى الأفضل, والتغيير إلى الأسوء.

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} هم غيروا ما بأنفسهم, تحولوا فتحولت النعمة, تغيرت النعمة, ولن يتغيروا إلى واقع نعمة, وإلى واقع أفضل إلا بتغيير ما هم عليه, إذا هم على نعمة لن يُسلَبوا هذه النعمة, ولن تتغير إلا بتغيير من جانبهم هم.

فإذا ما هناك اهتداء من جانب الإنسان مثلاً بالقرآن الكريم ما هو لأن الله هو نفسه عمل عائق معين, أو غير هو من تلقاء نفسه هذا الشيء، لا، بسبب من جانب الناس هم, يكونون على وضعية معينة, ما يهتدوا بالقرآن الكريم، يحصل من جانبهم انحراف كيفما كان لا يعودوا يهتدوا بالقرآن. وهنا يقطع بأن الناس إذا أصبحوا لم يعودوا يهتدون بالقرآن فليس هناك شيء آخر على الإطلاق يمكن أن يهتدوا به نهائياً.

[وفي التلبيس عليهم بتلبيسهم] هذا الاستشهاد على أنه ما يحصل ما جانب الله هكذا تلبيس, أو تغيير أو هكذا إلا من الإنسان نفسه إذا هو غير فتغيرت نعمة الله عليه, لبّس على نفسه فبدا الموضوع ملبس عليه.

[وفي التلبيس عليهم بتلبيسهم, وما وكلهم الله إليه في ذلك من أنفسهم, ما يقول الرحمن الرحيم: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ}] يعني فهلا أنزل ملك [{وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} (الأنعام8)] وتطلع إشكالية أخرى؛ لأن الله ما بيفصل تصرفاته وفق مطالب الآخرين ورؤاهم {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}(المؤمنون71) يقول: لو نزلنا ملكا لجعلناه رجلاً, ثم يلتبس عليهم الموضوع ويقولون: ما هو ملك.

هو يتحدث في القرآن عن مسألة المفاهيم هذه التي تكون عند الناس, مفاهيم معينة, وتكون من أساسها دعاية معينة, ثم تؤصل وتصبح مفهوماً معيناً, عندما كانوا يقولون: {وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً}(المؤمنون24) {لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} ومن هذا القبيل. هم في الأخير يقولون: الرسالة ليست قضية عادية, لو أن الله يريد يرسل رسولاً لأرسل ملكاً, لما أرسل واحد مننا, أليسوا في الأخير يقولون: ما أنتم إلا بشراً مثلنا, لستم إلا بشراً أنتم. أليس هذا مفهوم معين مغلوط يخليهم لا يعودوا يحاولون أن يهتدون بالله؟.

طيب الموضوع هو ما ربطه بشخص الذي يقدمه, يكون ملك أو يكون رجل, هو جعله بالشكل هذا, لماذا تجعل من شخصه إشكالية, تجعل من شخصه كونه بشرا إشكالية؟ ليست إشكالية هو لاحظ ماذا يقدم لك, أليس هو يقدم له آيات, ويقدم له بيانات, ويقدم له هدى, يقدم له أشياء يفهمها, أشياء يؤمن بها رغماً عنه. لكن لا, هو يأتي يتمسك بمسألة مفهوم من هذا: ذا عندك ما هو إلا بشر. قد لا يعد يحضر عنده.

تجد كثيراً من الأنبياء لا يعد يحضر عندهم ناس من الأمم التي بعث فيهم؛ لأنهم يقولون: أبداً, ما هو رسول, ما يمكن يكون رسول, {وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً} ولا يعد يبدي عليه نهائياً. هكذا تأتي مفاهيم عند الإنسان تصرفه، تصرفه عن أن يهتدي بشيء.

[وفي كتاب الله وترافده, وتشابهه في البيان وتشاهده] ترافده بعضه يرفد بعض, يشهد بعضه لبعض, ويشد بعضه بعضاً, ويؤكد بعضه بعضاً [وتشابهه في البيان وتشاهده]؛ لأن القضية الواحدة يتناولها من أكثر من جهة, ويقدمها أكثر من مرة, وفي أكثر من موضوع, قضية تأكيد, لا تكون فقط قضية واحدة, ويخطفها خطفه فقط, تجده يتحدث عنها كثيراً ومن جميع جوانبها.

[وفي كتاب الله وترافده, وتشابهه في البيان وتشاهده ما يقول سبحانه فيه وفيما جعله من ذلك عليه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً}] يشبه بعضه بعض [{مَّثَانِيَ}] بمعنى مثنَّى, أو تثنى الأشياء فيه, تتردد, وعندما تتردد لا تتردد على صورة واحدة, يكشف القضية من أكثر من جهة، من أكثر من جانب.

[{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}]هذا هدى الله, فالذي لا يهتدي به سيضل، ويضله الله {وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} ولم يعد هناك أي طرف آخر يمكن أن يهديه على الإطلاق.

الضلال ـ مثلما نقول أكثر من مرة ـ الضلال معناه واسع جداً, يعني في كل مجالات الحياة, في كل مجالات الحياة.

[فهل بعد هذه الآية وبيانها لملحد ـ أنصف نفسه ـ في كتاب الله من حيرة في شك, أو إلحاد؟!] لملحد أنصف نفسه [في كتاب الله من حيرة في شك, أو إلحاد؟! لو لم يسمع فيه غيرها, إذا هو فهم تفسيرها, فكيف بما ثَنَّى الله في الحجة لذلك من المثاني, وكرر على ذلك من شواهد البرهان, التي فيها من الحجة, والتبيين والإتقان, ما هو أحق من كل رؤية وعيان].

يعني أنه يبين ويوضح بما هو تقريباً أكثر من ماذا؟ من وضوح المرئيات, بما هو يكاد أن يكون أكثر من وضوح المرئيات [فليسمع سامع لتقرير الله سبحانه لعباده على الشهادة له, بتنزيله الكتاب إذ يقول سبحانه فيهم لمن أنكر أنه تنزيل رب العالمين: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}(هود13)] إذا عندكم أنه افتراه, من عنده صلحه, فأنتم عرب مثله تستطيعوا إذاً فهاتوا, هاتوا عشر سور مثله مفتريات, إن كان على ما تقولون أنه مفترى, وأنت افتري, هات عشر سور, تستطيع أن تعمل عشر سور من مثل القرآن ما تستطيع. هناك قال:{بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}(البقرة23) في آية أخرى.

[{وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}] بأنه افتراه, وبأنه مفترى وليس من عند الله؛ لأن ما كان من عند البشر فيستطيع البشر أن يعمل مثله، يستطيعون أن يعملون مثله ما كان صناعة بشرية، يستطيع الآخرون أن يصنعوا مثله.

إذا هناك مثلاً ساحر ما هو يستطيع شخص آخر يتعلم قواعد السحر فيكون ساحراً مثله؟ إذا هناك أحد مثلاً يبدع في مجالات معينة، ما هو يكون للصناعة قواعد معينة, يستطيع من يتعلموها أن يصنعوا مثله وهكذا.

[فأمرهم تبارك وتعالى بذلك بالحشد لأوليائهم, ولكل من قدروا عليه في ذلك من أعدائهم, ممن أنكر من القرآن ما أنكروا, وكفر بالله كما كفروا, فلم يستجب له في ذلك مجيب, أحمق منهم ولا لبيب, وانحسروا عن الجواب له قاصرين, وغلبوا بمنِّ الله صاغرين, ولو وجدوا على ذلك قوة لأجابوا فيه ـ مسرعين ـ الدعوة, ولو كان ما جاء به بشرياً] شيء من صناعة البشر [لكان بعضهم عليه قوياً] يستطيع أن يأتي بمثله؛ [لتشابه البشر في القول والنظر, والهيئات والصور.

ولعلم الله بعجزهم عن أن يأتوا بسورة واحدة من سوَرِه, أو بشيء مما جعله فيه من هداه ونوره, ما يقول أرحم الراحمين لرسوله وللمؤمنين: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}(هود14) فهل بعد هذا من تقرير أو برهان, أو تبصير لقوم يعقلون].

ونحن نأتي في الأخير ونقول: القرآن على هذا النحو: عظيم, وهدى, ونور, وشفاء…الخ, لكن نقول في الأخير: هذا القرآن ما استطاع يوحد الناس! أو نقول: نحن مثلاً نتفرق في قضايا ثم نظفي عليها شرعية, ويقدم موضوع الدين كل واحد من عنده, فتفرقنا واختلفنا, وهذه هي إشكالية, أليست إشكالية؟ وفي الأخير نحسبها على هذا!!.

فإذا افترضنا أنه لا يوجد في القرآن حلاً لهذه الأشياء, لا يوجد في القرآن حلاً لهذه الوضعيات السيئة التي الناس عليها, معنى هذا لا يوجد قيمة للضجة هذه بكلها حول عظمته وهدى ونور وشفاء وبصائر .. الخ, إذا لم يكن فيه ما يعتبر بصيرة نبصر فيها الحالة السيئة التي نحن فيها, إذا ما كان فيه ما نبصر به طريق لا نختلف إذا سرنا عليها.

أليس هذا من أبسط الحاجات, ومن الإشكالات القائمة التي يلمس الناس دائماً بأن هناك حاجة إلى حل لها؟ لأن الكل مختلفين عندما تأتي تناقشه يقول لك في الأخير: لكن ما أمكن إلا كذا. ما هو يقول: هي إشكالية؟ يقول لك في الأخير: ما أمكن إلا كذا.

أو يقول لك: الاختلاف هو طبيعي, يعني البشر هم طبيعي يختلفون, والاختلاف هو طبيعي عند البشر. قلنا: صحيح, الاختلاف طبيعي عند البشر؛ ولهذا كان ممنوع أن ينزل الدين إلى بين أيديهم, وكل واحد من عنده؛ لأنهم سيختلفون فيه؛ لأنهم متنوعين في رؤاهم, في أمزجتهم, في طبائعهم, فكان القرآن, وكان هدي الله بالشكل الذي ينضوي تحت لوائه من هم مختلفين, ولو نزل إليهم سيختلفون فيه, ويفرقونه, ويمزقونه؛ لأن الاختلاف طبيعي عندهم, أليس الاختلاف طبيعي؟.

الاختلاف هذا نفسه الذي يقولون هو طبيعي, هي ليست قضية سلبية, هو أصلاً تنوع بالنسبة لعمارة الحياة, هو تنوع، تنوع, لكن إذا تريد تنزل القرآن إلى بين أيدي هؤلاء المتنوعين سيمزقونه كل ممزق, والدين يفرقونه, وكل واحد ينطلق لوحده.

وهذه قضية فيها شاهد من الحياة بالنسبة لنا, ألست مثلاً ستجد في الشعب الواحد ترى الناس مختلفين, مختلفين في مؤهلاتهم, مختلفين في صناعاتهم، مختلفين في أذواقهم، مختلفين في مهنهم, ويأتون بنظام واحد, أليسوا يأتون بنظام واحد يكون نظام لحياة هؤلاء الذين تراهم هذا نجار, وهذا طبيب, وهذا كهربائي, وهذا ملحّم, وهذا بنّاء, وهذا مليّس, وهذا يأكل هذا, وهذا ما يعجبه الأكل هذا, وهذا يأكل كذا, وهذا يعجبه أن يكون شكله كذا. أليس هذا التنوع حاصل عند الناس؟.

هذا لا يمكن أن يحصل عندنا نحن البشر, يعني نقول: أنها ليست قضية صحيحة أنه ممكن ننزل النظام, ننزل قانون ونجعله في متناول الناس هم, نقول: أنتم اعملوا لكم قانون, وكل واحد يمشي على ما ترجح لديه! ما هو سيطلع رؤى متباينة؟ يأتي القانون بالشكل الذي لا يخضع للاختلافات هذه, بل هو يحسم, أي يعتبر نظام يجمع هؤلاء المختلفين في صناعاتهم, في أمزجتهم؛ ليسيروا في اتجاه واحد في الحياة؟ يسيروا في اتجاه واحد, وما معناه ليطلعوا كلهم نجارين, أو يطلعوا كلهم كهربائيين, أو يطلعوا كلهم ملحمين, أو بنائين، لا، لأن مجموع البنائين, والملحمين, والكهربائيين, والأطباء, والإداريين, والمعلمين .. الخ, كلهم يبنوا ماذا؟ يبنوا الحياة.

فهنا يجعل كيف يكون عمل النجار بشكل صحيح, يكون رافد في الحياة, يكون له أثر في الحياة, مثل الكهربائي, مثل المعلم, مثل كذا, فيضبط المسيرة هذه المتنوعة, يضبط المسيرة المتنوعة, يضبط الناس المتنوعين في مسيرتهم, ويجعل المؤدى واحد, والغاية واحدة, ويجعل البناء في الأخير بناء واحداً.

عندما نتصور مثلاً أمة تكون قوية, ما كلمة أمة تعني حاجة واحدة, تتصور قوة واحدة, أليست هكذا؟ تنزل إلى تفاصيل القوى, تقول: يجب أن يكون هناك زراعة, يكون هناك تعليم, يكون هناك صناعة, يكون هناك مراكز علمية, ومراكز أبحاث, ألست هنا في الأخير ترى تنوعاً؟ لتتشكل قوة، وتتشكل أمة واحدة, بناء الأمة يتمثل في هذا التنوع الواسع, فليضبط المسألة بحيث يكون هذا التنوع بالشكل الذي يبني الأمة, ويكون هؤلاء بالشكل الذي ما يكون بينهم اختلافات, ينطلقون انطلاقة واحدة وهكذا.

كيف أما في دين الله نجوِّز أنه ينزله إلى بين أيدينا, وكل واحد ينطلق على حسب مزاجه؟ يستنبط هو, ويمشي على ما ترجح لديه وفهم, وعلى ما غلب عليه ظنه, وعلى ما أدى إليه نظره, ما هذه قضية؟ هذه لا تقبل عند أي شخص عنده تفكير لصناعة نظام ولو لمديرية واحدة ما بالك لشعب, هذه الطريقة ليست صحيحة أبداً.

فعندما يقول لك واحد: الخلاف هو طبيعي, طيب هذا شاهد على المسألة هذه؛ لأنك ترى الناس هكذا يختلفون في أمزجتهم, في أهوائهم, في أشياء من هذه, فهذا شاهد على أن الدين لو نزل إلى بين أيديهم فيخضع لرؤاهم, وأنظارهم سيختلفون, وهذا الذي حصل فعلاً, أليس هو الذي حصل؟ وشهدوا, وأصبح مبحثاً من مباحث أصول الفقه نفسه, ومن مباحث علم الكلام, موضوع الاختلاف. قضية حصلت لا يوجد أي مجال لسدها لا تحصل, بحيث نعمل على أن لا تحصل.

في الأخير قاموا ببحثها: هل كل هؤلاء المختلفين مصيبين, أو الحق واحد والباقين مخطئين؟ وإذا قلنا: الباقين مخطئين, فهل هم آثمين, أو ما هم آثمين, أو من هو الآثم, ومن هو الذي ما هو آثم..! أصبح مبحثاً هو في حد ذاته, يعني قضية مسلمة, وقعت فعلاً.

طيب لماذا لا يعملوا بحث أنه هل هناك شيء يحول دون أن يحصل اختلاف على هذا النحو, وكل واحد يطلع رؤية من عنده, وكل واحد يقدم فكرة من عنده في هذا الدين, وكل واحد يقدمها بأنها هي الدين, أو ما يريده الدين؟. لا بد أن هناك حل, إذا لم نفترض في القرآن الكريم حلاً لهذا, فمعنى هذا بأنه ما هناك حاجة لقوله: هدى، نور، شفاء، بصائر .. الخ.

لأننا بحاجة, هذه ظلمة, أليست هذه ظلمة, وهذه إشكالية كبيرة, هذه تجعل الأمة لا تعد تلتقي على موقف واحد, تجعل الأمة تتعادى فيما بينها, تجعل الناس يحارب بعضهم, تجعلهم أمام الأعداء إذا جاءت قضية يختلفون بدل أن يتوحدوا في وجهه. ما هذا شيء ملموس؟ هل هناك حل لهذه وإلا فما هو النور والبصائر إذا ما هناك نور وبصيرة لهذه المشكلة؟ وأمثالها, وكم يا مشاكل من هذا القبيل.

يعني هذه هي قاعدة على أساس ننطلق منها, عندما تجد في القرآن الكريم أن الله يقول لك: حكيم, عليم, قدير, رحيم, أليس هذا شيء؟ قل: لا بأس, لكن إذا افترضنا بأنه أنت ما عندك أي تدبير في هذا الموضوع الذي نحن نراه بالنسبة لنا شقاء, وحالة غير حكيمة, وحالة غير صحية ـ على ما يقولون ـ فما معنى عليم حكيم قدير وأنت ملكنا وإلهنا؟ أليست هكذا؟.

لا بد أن تفترض أن لديه ما يجعل حياتك بالشكل الذي تتناسب مع حكمته هو, مع رحمته هو, لا بد أن تفترض هذه. عندما يقول لك: القرآن هدى ونور وشفاء, طيب أنا عندي إشكاليات معينة, وفي الحياة إشكاليات معينة, فلا بد أن نفترض أن في القرآن حلولاً لها لو سار الناس عليها لما وقعت هذه الإشكاليات نهائياً.

أما إذا افترضنا أن القرآن ليس له دخل من الموضوع فأنت إذاً ما تردده عبارات فاضية, نوراً مبيناً, وهدى, وضياء, وأشياء من هذه, وأنت مؤمن بالإشكالية كإيمانك بالقرآن! كيف تؤمن بالمشكلة كإيمانك بالقرآن أنها واقعة, ولا هناك منها مخرج؟! طيب أنا أريد أن أسألك أنه إذا القرآن ليس فيه نور لهذه المشكلة إذاً فالقرآن, وهذه قد تحصل لواحد في مناظرة معينة, قد تحصل لك هذه؛ ولهذا نقول: يجب أن نفهم ما هو الحل؟ ما هو الحل فعلاً وإلا قد يقال بالنسبة للقرآن: هدى, نوراً, شفاء, الخ. نقول لك: طيب هنا وضعية معينة أليست إشكالية؟ صحيح إشكالية, ما هو النور حقك لهذه؟ ما هو الهدى هنا في هذا؟ ما هو … الخ. عندما لا يكون هناك شيء إذاً لماذا تقول لي أنت: هدى, ونور, وأنت معتقد بأن هذه ظلمة, ولا يوجد منها مخرج في قرآنك؟! أليست هذه مشكلة؟.

لاحظ كيف مارسوها بطريقة معناه مستعجلة, لما قد أصبح مفهوماً سائداً عند الناس أنه نقرأ كذا بنية كذا, أليست هذه حالة؟ قالوا: إقرؤوا {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ألف مرة و{ألم تَر} خمسمائة مرة, يقرؤونها بنية أن الله يدمر أمريكا وإسرائيل! طيب نقول: الغلطة في هذه أن هذا تقديم للقرآن بالنسبة للعامة بشكل غير صحيح, سيأتي من بعدك إحباط, سيقرؤونها خليهم يقرؤونها كم ليالي من ألف مرة, من خمسمائة مرة, ورأى العدو إنما فقط إنجازات, ونجاحات في عمله هناك, أخذ بغداد, أخذ العراق, وقد هو يريد إيران, يريد السعودية.

ماذا سيقول الناس بعد, من يقرؤون القرآن بالشكل هذا؟ سيقول واحد: ما نفع، هي نفس هذه, يعني هو ليس فيه حلاً للمشكلة هذه, ما عمل شيء, ما له أثر! ما هنا ستهبط قيمة القرآن في النفس؟ بالرؤية هذه عندما يقول لك: اقرأ كذا بنية كذا، وقرأ قرأ وفي الأخير يقول: ما نفع, تهبط قيمة القرآن عنده, أي لا يوجد فيه مخرج لهذه.

لكن لا، يُقدم القرآن بالشكل الصحيح في التعامل معه, هو يهدي عملياً تنطلق {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}(الأنفال60) {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(آل عمران122) وهكذا, أليس هو يتحدث؟ يهدي عملياً؛ لأنه أنزله كتاباً لنقرأه ونسير على هديه, وليس لنقرأه هو على العدو, تقرأه على العدو هذا, لا؛ ولهذا ما حصلت في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله), ما حصلت, ما قرأه وجلس في مسجده على المشركين وهم متجهين إلى المدينة, لقيوهم في [أحد] وقتال, خسروا سبعين شخصاً منهم حمزة.

ألم يكن أسهل عليه أن يقرأ {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ألف مرة؟ لكن هذه ليست طريقة, خاصة وأنت في مواجهة يهود, وحملة دعائية, حملة ثقافية يهودية متجهة, قد هم معبيين شُبَه, عارفين ماذا يطرحوا من إشكالات, إذا ما هناك عند الناس فهم لحل فعلاً سيجعلون الناس يكفرون, يشكون في الدين, أو على الأقل ما يكون للدين قيمة عندهم نهائياً.

عندما يقول: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفرقان6) معناه أن كل قضية ما يغفل عنها, في القرآن ما يهدي إليها.

إذا الإنسان ما يلمس أنه يوجد حل تفصيلي لتلك النقطة الفلانية, فهو يهدي إلى شيء, هذا الشيء يقوم على أساسه الحلول التفصيلية للقضية.

ثم إن القرآن ـ كما نقول أكثر من مرة ـ القرآن الكريم أيضاً هو بالشكل الذي لم يقدم بمعزل عن الله, الإمام القاسم أيضا له عبارة في هذا الموضوع, لم يقدم بمعزل عن الله, أو بديل عن الله على الإطلاق, هو يهدي, ومما يهدي إليه يهدي كيف يكون نظرتك إلى الله, كيف يكون تعاملك معه, كيف تكون ثقتك به؟.

ثم يأتي هو, يتدخل هو, لاحظ في القرآن الكريم أليس هو يعرض تدخلات إلهية؟ في كل الميادين, حتى في الحالة التي المسلمون ما يكونون منتبهين ماذا يعمل,{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}(المائدة11) ما هو يأتي عنده تفكير الآن أنه إذا قال الناس كذا أنه

[سيأتي ذاك يدجهم, ويأتي مدري من هو ذاك يدجنا, وعاد احنا, وعاد احنا, يا خبير امانه بطِّل]. ثم في الأخير يطلع حكمة يطلع موقف حكيم أن الناس يبطلوا!.

طيب هذه, كلمة يدجوكم, أو يدجوهم, ليس لها أصل في القرآن نهائياً, يقول لك لا، هل تدري متى يمكن أن يدجوك؟ عندما لا تسير على القرآن, سيدجوك ولو قد أنت في الميدان.

……….

أليس الناس سيموتون رغماً عنهم؟ إذا اتركها, وقد نحن في آخر الدنيا, وقد نحن هؤلاء بعد ألف وأربعمائة سنة, الله أعلم كم عاد في عمر الدنيا, وقد جرب الناس كل شيء, خلنا نجرب القرآن, ننطلق على هديه بثقة وأينما وصلنا نوصل, وأنت أمام عدو سيدجَّك ولو أنت جالس, سيدجَّك ولو أنت جالس, ولو ما تتعرض له, ولا تطلَّع كلمة عليه, أنه سيبحث عنك, هو هذا قد دور بعد السعودية, يقوم يعمل في الرياض انفجار رهيب جداً, حتى يقول: رأيتم أنكم مقصرين, وما هم مقصرين, هم أصدقاء لأمريكا أكثر من صداقة بعضهم بعض, حتى يقولون عن السعوديين أنفسهم كان كثير من السعوديين يكونون عارفين لأمريكا أكثر من معرفتهم للسعودية هي! يكون موظفاً في جدة, أو في الرياض, وجاءت العطلة ومشى كذاك, لا يعرف لا المنطقة الشرقية, ولا يعرف مناطق أخرى. عارفين أمريكا أكثر مما يعرفون السعودية.

يطلعون لهم تلك القضية؛ ليقولوا: السعودية مقصرة, هم قالوا مقصرين, ما يستطيعون, ما قاموا بواجبهم في مكافحة الإرهاب إذاً ما منهم شيء لازم ندخل نحن. إذا لاحظ هنا ألم يدجهم؟ افترض دجنا فخليه يدجنا ونحن نعمل ضده, ولا يدجنا ونحن ساكتين. أليس هكذا أفضل؟ على مبدأ الدجة التي يسمونها يدجهم, أو يلبجهم.

ترجع إلى القرآن هو يعتبر هذه قضية ما لها أساس من الصحة الدجة هذه نهائياً, يشكل وقاية, لاحظ في سورة {ألم غُلِبَتِ الرُوْمُ} هذه العبارة الهامة جداً, من بداية حركة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) في مكة إلى أن تمكن أن يقيم دولة في المدينة, يعمل تغييراً عالمياً, صراع دولي بالشكل الذي يتناسب مع حركته, ما عاد بدوا عليه يريدوا يدجوه إلا وقد هو قوي, وعارف كيف يتعامل معهم. ألم يدجهم هو؟ وفي الأخير أولئك هم دجوا الفرس والروم, ألم تنته إلى هذه القضية في الأخير.

هذه المسألة, وهذا التفكير عند الناس كلهم, قضية [ما بلى با نقم ودجونا, أحسن لنا ما لنا حاجة] في القرآن منسوفة بشكل مؤكد, ومكرر, ومبين؛ لأن الله يعلم كيف يفكر الإنسان, ما هو يعلم؟ أن عندك عقدة معينة يهدي إلى ما يحلها, ويقول لك أنه يصنع في واقع الحياة ما لا ترى هذا الشيء وتتخيله [الدجة هذه] هو هذا يقول لهم: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}(الأنفال26) جعل الفرس يدجوا الروم, والروم بعد يدجوا الفرس.

ألم يأت الدج هناك؟ لكن إذا ما تحرك الناس سيخلي الروم يدجوهم, ويخلي الفرس يدجوهم, يخلي أمريكا تدجهم, ويخلي كثير من الناس يدجوهم عندما لا يتحركون؛ لأنه يكون تسليطاً؛ لأنه من تفترض مثلاً, من تفترض اليهودي هو الذي يأتي يشتغل بالقرآن والنصراني؟ إن الناس هم يعتبرون أنهم قد أعطوا الله ميثاقاً, عندما سموا أنفسهم مسلمين, وآمنوا بهذه الأشياء هم مسلمون, إذاً يجب أن يسيروا وإلا سيعرضون أنفسهم هم لتسليط من جانب الله, يسلط عليهم أخبث أعدائهم.

إذا كانت هذه رؤية عندي وعندك, ارجع إلى القرآن الكريم ترى كيف رؤيته في الموضوع, ليست بهذا الشكل, هو يرسم طريقة يكون بدايتها فكرة تراها ليست بالشكل الذي أمامها عوائق نهائياً, أن الناس أنفسهم يحملون الشعور بمسؤولية, هذه أول واحدة, يعرفون الله, ثم يتحملون مسؤولية أن يكونوا أنصاراً له هذه واحدة, على هذا الأساس ترى في الأخير موضوع الوحدة عندما يقول واحد, أليست الوحدة أساسية؟ لكن الوحدة مفتاحها من هنا, مفتاحها من هنا.

طيب في هذا الموضوع ما هناك أحد سيحول دونك أبداً في أنك تتحمل الشعور بالمسؤولية, هل أحد يستطيع يسيطر على مشاعرك؟ لا، في مجال معرفتك لله حتى تثق به, وتعرف ماذا يعمل للناس إذا كان معهم, عندما يكونون سائرين في طريقه, هذه قضية أيضاً لا يوجد عائق أمامها, الباري لا يجعل عوائق أبداً.

ثم ترى أنه إذا الناس ساروا بهذا الشكل كانوا قريبين من التوحد؛ لأن المسألة أن الله يرسم طريقة للناس يسيرون عليها, يتدخل هو, أسباب لأن يتدخل في الموضوع؛ ولهذا قال: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}(آل عمران103) ألم يتدخل؟ طيب هذه ليست قضية هكذا مصادفات، لها سنن هذه, لها سنن من عنده, لها أسباب {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(الأنفال63) أليست هكذا؟ هذه واحدة.

وعندما يتحملون الشعور بالمسئولية سيكونون قريبين من التوحد, سيكونون قريبين في أشياء كثيرة تحصل في مجتمعهم, أخوة, ألفة, تعاون, محبة, صدق؛ لأنهم كلهم قد هم يشعرون بمسؤولية أن يتحركوا بموقف واحد, وأن عليهم أن يكونوا على هذا النحو؛ فانطلقوا تلقائياً, ما يكون هذا التباطؤ, فلا نرضى إلا أن ما هناك ما يدفعنا, ما يوجد لدينا الشعور بالمسؤولية فنرى بأنه فعلاً واجب أن نتوحد, ويجب أن نتوحد, ولا تسببنا بالطريقة التي تؤدي إلى أن الله يتدخل في الموضوع فيؤلف هو بين قلوب الناس.

هذا ليس حاصلاً فقط نجلس نؤمن بأن التوحد ضروري, وما هناك أحد متوحد مع أحد عندما لم ننطلق من هذه البدايات.

لأن هذه سنة في القرآن الكريم أن الله لا يهدي إلى شيء, أو يأمر بشيء إلا ويهدي إلى الطريقة التي يقوم عليها, وتؤدي إليه, الأسس التي يقوم عليها, والطريقة التي تؤدي إليه ـ هو لا يقول كذا ثم يتركك لوحدك ـ التوحد ما هو, وكيف يكون, ما أسسه؟ ما الذي يجعل الأمة قريبة من أن تتوحد, رسمها في القرآن الكريم بشكل كامل.

لاحظ متى ما قال واحد: [احنا ضعاف, واحنا مفرقين, واحنا, واحنا ..] ما واحد يقول هكذا يعدد؟ طيب هذه هي مشاكل أليست مشاكل؟ لازم في إيمانك أن تفترض أن في القرآن ما يعتبر حلا لها وإلا لكانت مشكلة. إن الله يقول: {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}(الصف14) وكونوا, وكونوا, وهو يعلم بأننا ضعاف لن نستطيع أبداً, ثم في الأخير يطلع تكليف ما لا يطاق, أليس هكذا؟

لأنه يخاطب الناس هو يعلم أنهم يستطيعون, ويخاطبهم بالشكل الذي يقول لهم هو أيضاً سيكون معهم, ثم يعمل هو الشيء الكثير الذي ما يمكن يعملونه هو.

نقول هذا آية من آيات الله في الموضوع في بداية الإسلام, يضرب الروم بالفرس, ثم يضرب الفرس بالروم خلال تلك المرحلة, من بداية حركة النبي في مكة, وقد أصبح ظاهراً, هكذا عمله عمل ديني, في ظرف معين. لمّا قد هو في المدينة, وقد عنده كيان, وقد عنده جيش, ألم يضربهم ببعضهم بعض هناك؟ وكلهم كانوا مفتحين عيونهم عليه, فلو أن المسلمين ذلك اليوم كانوا يقولون: لكن الروم, لكن الفرس, ولا جهدنا, ولا بأيدينا, ولا احنا ولا.. ما كان معهم أكل أحياناً, أضعف مننا حقيقة.

ثم لا يمر الزمان إلا ويرون أنفسهم هم أولئك الذين كانوا مستضعفين في الأرض أصبحوا هذا والي على منطقة كذا داخل بلاد فارس, وهذا والي على كذا, وقادة للجيوش في أعماق بلاد الروم وفارس, وهم أولئك الذين كانوا مستضعفين في الأرض {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} وكل حاجة تقول فيها لكن افهم أنها محلول في القرآن, وتقطع كل الأعذار.

وليست بطريقة يقطعها بالقوة غصباً, يقول ما معك مجال, لو يأتي ما يأتي، لا، هو سيكون معك, ويحصل تغيرات, ويحصل كذا, أشياء كثيرة, يرغبك للطريقة نفسها, ويكشف لك كل الوسائل التي يمكن أن تهيئها, وتجعلها سهلة, وتصل إليها تلقائياً, ما هو أنه يأتي بمنطق ما معك مجال, نقول نحن ضعاف, يقول: لو ما تستطيع ستحتاج, لازم تعمل هذا وإلا جهنم. ليس بالمنطق هذا نهائياً.

يهيئ, ويتحدث بأنه يهيئ, وأنه يعمل الشيء الكثير الكثير, عرض أمثلة كثيرة, سواء كانت من بداية الإسلام, وحركة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أو من الأمم الماضية, عندما يعرضها في القرآن الكريم ليثق الناس به, يعرض صوراً حقيقية؛ ولهذا ما يكون قصصه عبارة عن قصص مثل القصص التي يعملها الآخرون كتّاب قصاصون, يلاحظ موضوعاً معيناً, ويكتب فيه قصة افتراضية, قصة خيالية, قصص واقعية, من واقع الحياة؛ لتثق أكثر.

تكون أمثلته أمثلة واقعية, من واقع الحياة, مما عمل هو بالأمم الماضية, مما عمل هو لأوليائه في الأمم الماضية, مما عمل هو في بداية حركة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) حركة الرسالة.

{وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}(القصص57) أليست هذه الدجة التي هي عندنا؟ [با يقطعوا علينا مدري إيش, وما عاده جاي لنا شيء] هنا أشار لهم {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} يتحرك هؤلاء مرغمين, ويأتون بالحاجات إلى عندهم نفوسهم, يعني هنا كمثال, ويتحدث في آيات أخرى عما يزيح هذه الفكرة: نتخطف من حولنا, يدجونا, عمل أشياء كثيرة تزيح الفكرة هذه من نفوس الناس.

حتى الأرقام عندما يقول مثلاً: أحنا قليل, هو هذا قال:{أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ}، قليل لكن متى ما قد صرنا كثير ممكن. ضرب أمثلة في هذا الموضوع نفسه, أصبحوا كثيراً ضعفت ثقتهم بالله ضربهم في يوم حنين, اثنا عشر ألفا بعدما هزموا المشركين, وفتحوا مكة, وراحوا فهزموا أمام قبيلة! أليست هذه واحدة منها؟.

القضية ليست قضية أرقام هنا, هي قضية ثقة بالله, وتعد كل ما تستطيع من قوة, ومهما كان لديك من قوة وأرقام كبيرة لازم أن تبقى حالتك دائماً مشدود إلى الله ثقة به{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}(آل عمران126) هدايته, تأييده, لا ترتبط بنفسك على الإطلاق مهما بلغت من قوة, يقول: أعد كل قوة.

[هنا سؤال عن مسألة التوازن, أو التكافؤ أنه لابد من التكافؤ.]

أجاب: يوجد فهم مغلوط لمسألة التكافؤ, يعني يتصور أن القضية هي قضية مثلاً حديد, عند العرب قوة أخرى تعطل تلك القوة, ما تحتاج لها ربما خبرات نهائياً؛ لأن هذه سنة إلهية, لا يسمح للعدو أن يكبر دون أن يكون فيه نقاط ضعف كبيرة. أمريكا عندها تكنولوجيا متقدمة جداً, عندها سلاح متطور, عندها جيش كبير, عندها عتاد عسكري كثير جداً.

لكن لو أن العرب قاطعوها اقتصاديا, وقطعوا النفط ـ هذا العمل هل فيه تكنولوجيا؟ أو فيه شيء؟ ـ لانهارت, لو سحبوا أموالهم من بنوكها لانهارت أمريكا.

أيضاً إذا هناك فهم لما هو التكافؤ, المسلمون ملزمون إلى أن يطوروا أنفسهم على أرقى مستوى, أن يعدو كل القوة, لكن وقوة واحدة يجب أن تكون لديهم دائماً, ومسيطرة على مشاعرهم.

مسالة التوازن, مسألة التوازن هذا نفسه, أن تفهم سنن أخرى, لا تأتي تقارن بين نفسك بأن ما عندك إلا بندق, أو عندك حاجة بسيطة والآخر عنده طائرة, وعنده كذا, فتقول متى ما قد عندي طائرات ودبابات, وعندي كذا, وعندي كذا … الخ, فسأعمل كذا, ما هو قد يقول الناس هكذا؟.

لا, إفهم في الواقع بأنه هذا العدو الكبير يوجد ثغرات لديه, يوجد نقاط ضعف رهيبة جداً, يوجد وسائل في متناولك أن تعملها تؤثر عليه, وأنت في مواجهته أنك فعلاً تؤثر عليه فعلاً, خاصة في الزمن هذا, الحرب في الزمن هذا وإن بدت أرهب هي أسهل هي أسهل, ووسائل مواجهة العدو كثيرة, ومتنوعة, في متناول الناس أن يعملوا الكثير منها, ففي يديك وسائل تعيقه عن استخدام السلاح الكبير ذلك. إذاً هذا توازن أليس توازن؟ هنا التدخل إلهي, التدخل الإلهي هو يعمل عملاً كبيراً جداً, أو العمل كله يأتي من خلال التدخل الإلهي.

لكن متى يكون التدخل الإلهي؟ ليس فقط تأتي تقرأ ألف {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد}, أن تتحرك فعلاً, تتحرك فعلاً, تفكر, تنظم, تعد كلما لديك من قوة, تغرق ذهنيتك في الموضوع. التدخل الإلهي قد يجعل الشيء من جانبك له تأثير بالنسبة للعدو, يجعل وجودك إشكالية ترعب العدو ولو كيان صغير, ترعب العدو, يصبح العدو نفسه تكون قراراته بالشكل الذي لا يرى بأن من مصلحته أن يضربك, هذا تدخل إلهي يأتي يعيقه عن أشياء؛ لأن الله هو مهيمن على الناس جميعاً, هو ضرب أمثلة عن هذا في القرآن.

عندما يقول عن موسى وفرعون، فرعون يقول: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى}(غافر26) أليس هو هنا يقول اتركوني أقتله, ولا أحد منعه, ولا شيء, هنا يأتي دفاع إلهي, يأتي متغيرات, أو العدو نفسه يتبنى خطة يرى أنه لازم يسير عليها, وتكون هي بالشكل الذي تظهر لك نقاط ضعف كثيرة فيه, وتتيح لك مجالات كثيرة أن تعمل ضده.

نقول: أن الناس يستطيعون أن يعملوا ضد أمريكا, يعملوا ضد أمريكا بشكل مكشوف, سيكونون أسلم الناس عن أمريكا, أبعد الناس عن أن تضربهم أمريكا. هذه قضية تبدو غريبة, أليست غريبة؟ لماذا؟ لأن الأمريكيين يتبنون طريقة هم يريدون أن لا يكشفوا أنفسهم عدوانيين للشعوب كمعتدين, يحتاجوا يعملوا مبررات من هذه, ما هم يحتاجوا يعملوا أشياء؟ طيب أنت تستطيع أن تكون بالشكل الذي لا يستطيع يعمل ضدك شيئاً, أو يعمل ضدك شيئاً يكون بالشكل الذي , مثلاً تهمة معينة تكون بالشكل الذي هي غير مقبولة, هي غير مؤثرة, لا على جماعاتك, ولا على محيطك, ما تكون مقبولة.

فأنت تجد أنه في الوقت الذي تراه كبيراً أنه عنده ثغرات كبيرة تجعل تفكيره بالشكل الذي لا يعد يستخدم تلك الحاجة الكبيرة ضدك، لا يستخدمها ضدك. وأنت في الطريق تعدُّ كلما حصل عندك إمكانيات، تصنع تحصل على أسلحة متطورة، اعمل كل ما باستطاعتك, اعمل كلما بوسعك, هذا شيء لا بد منه.

لكن يقعد واحد, يقعدوا هنا, ويقولوا: نريد توازن, أي أن يكون عندنا تكنولوجيا مثلما يوجد عند أمريكا نفسها, يكون عندنا من الأسلحة مثلما عند أمريكا نفسها! هذا ليس مقياساً, ليس مقياساً أساساً, لا واقعاً, ولا ضمن السنة الإلهية, ليس مقياساً؛ لأنه معلوم عند العرب الآن, وهم يعرفون بأن لديهم سلاح النفط, والمقاطعة الاقتصادية بالشكل الذي يوقف كل هذه القطع التي تحركها أمريكا.

لأن تكنولوجيا أمريكا التي نراها متطورة يترتب عليها التزامات مالية كبيرة, يكون أي ضعف اقتصادي يؤثر عليها, يقولون حتى تحريك هذا السلاح النووي أنه مكلف جداً, تخزينه, وإخراجه من داخل مخازنه, يعني الحركة حتى للتي تكون جاهز, مثل رؤؤس, أو قطع, يقولون: بأنه هو مكلف جداً, ليست قضية سهلة, ليست مثل عندما تأتي تأخذ لك قذيفة من هذه القذايف العادية, وتحملها, يحتاج إلى أشياء يقولون مكلفة جداً مسألة التخزين, وتجهيزه مكلف جداً.

ثم في الأخير تجد أنه بحاجة إلى المال في حركته هذه, والمال مصدره من عندك كسوق استهلاكية, والنفط الذي أنت مهيمن عليه. فلاحظ من باب التوازن هذا, ما العرب عندهم هذا السلاح سلاح النفط, وسلاح المقاطعة الاقتصادية؟ سيوقف أمريكا عن قراراتها هذه كلها؟ لم يتحرك الأمريكيون إلا بعد ما حاولوا في العرب يعملوا اتفاقيات معهم أن النفط لا يستخدم كسلاح, أولاً يجمدوا سلاحنا هم!.

ولأن عندنا حكاماً من النوعية هذه, قابلين, مفرقين, الكثير منهم قد يكونون متواطئين مع الأمريكيين, لا يستخدم النفط كسلاح! الأمريكي هو يشهد بأن النفط مؤثر عليه لو تحاول تستخدمه كسلاح, أولاً يوقف سلاحك. إذاً لاحظ بأنه هو كان ينظر إليك بأن عندك سلاح أرقى مما عنده, سلاح يوقف سلاحه نهائياً, يقعده, بل قد يؤدي إلى انهياره هو كدولة, ككيان.

القرآن كل ما فيها لكن يبعدها, يبعدها نهائياً, ولا يترك للناس أي عذر.

…………

لماذا يحاولوا يضغطوا على إيران وسوريا ولبنان من أجل حزب الله؟ أيّن أقوى إيران وسوريا ولبنان أو حزب الله؟ في عتاد، في كل شيء, لماذا لا يضغطوا على حزب الله من أول يوم؟ ما باستطاعتهم أن يضربوا مناطق حزب الله بصواريخ من أوربا, وليس فقط من داخل البلاد العربية؟ من البحر الأحمر, من عند رؤوسهم من هنا، من البحر الأبيض من طرف لبنان ما باستطاعتهم يضربونهم؟

تجد العرب معهم سلاح ثقيل, وطائرات, معهم سلاح ثقيل لكن حزب الله أثقل, وما معه دبابات ولا طائرات ولا صواريخ بعيدة المدى, ما هو أثقل عليهم؟

إيقاف النفط يوقف أمريكا، إيقاف النفط وما بلى ماسورة يوقفها, فقط يغلقها, ويصدره إلى بلدان أخرى, لكن لا يوجد عندهم إرادة, ما عندهم مسؤولية, ما عندهم اهتمام نهائياً!.

هذا الدين يجعل الناس ينظرون إلى أمريكا نظرة احتقار, إذا فهموا دين الله لن يكترثوا بأمريكا لكن إذا ما فهموا الدين ستكون أمريكا عندهم أكبر من الله.

تجد الدولة الآن تخاف من أمريكا أكثر مما تخاف الله, يخافون منهم أكثر, لن يكون عنده اهتمام بالنسبة لك أنه يتجه, وقد هو يعرف بأنك ربما تشكل حماية له, خاصة بعد ما رأوا العراق انهار الجيش, وأنه لا يعد يوثق بالجيش وقد هو في داخله مخلخل. هذه حركة شعبية, انطلاقة دينية ما بين تكلف الدولة شيئاً, ولا تحسب عليها, يكونون بالشكل الذي يستطيعون أن يدافعوا عن دينهم, يدافعوا عن بلادهم.

فأي دولة المفروض أن هذا شيء طبيعي, أي شخص, أي مسئول أصبح خائفاً هو لم يعد يرى منظمات دولية يمكن تنفعه, لم يعد يرى الجامعة العربية يمكن تنفعه, لم يعد يرى جيشه يمكن ينفعه, أليس هذا شيء طبيعي عنده انه يمكن يرى عمل الناس بالشكل الذي يرضى عنه هو؟. عندما يقول الأمريكي يمتنع الناس فيمكن تقول له: لا, يريد يحاول يمتنع الناس, تقول: لا، لا تمتنعوا أبداً, إذا حاول الأمريكي يضغط عليه يقول: ما رضيوا هم شعب فوضوي.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.