صنعاء سيتي | متابعات
لم يكن عام 2025 في قطاع غزة مجرد عام آخر من المعاناة، بل كان العام الذي انتقل فيه العدو الصهيوني من “القتل السريع” بالقصف والصواريخ إلى “القتل البطيء” عبر ما بات يُعرف بـ “هندسة التجويع”. خلال هذا العام، تحولت حياة 2.4 مليون إنسان إلى صراع مرير من أجل البقاء، بعد أن أحكم الاحتلال قبضته على كل منافذ الحياة، محولاً الغذاء من حق إنساني إلى سلاح للابتزاز والتركيع.
شهد عام 2025 تطبيق خطة صهيونية منهجية لتفكيك منظومة الغذاء خطوة بخطوة؛ بدأت بتدمير الأراضي الزراعية ومصادر الإنتاج المحلي، مروراً بشل سلاسل التوريد ومحاصرة المعابر، وصولاً إلى الاستهداف المباشر للمخابز ومخازن الإغاثة. هذا الواقع، كما يصفه الخبراء، تجاوز مفهوم “الأزمة الإغاثية” ليصبح سياسة تجويع مُدارة ومقصودة تهدف إلى كسر إرادة الإنسان الفلسطيني.
ويكشف مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، أن عام 2025 هو “الأسوأ إنسانياً منذ عقود”. وتبرهن الأرقام الرسمية الصادمة على هذا الانهيار؛ فبينما كان القطاع بحاجة إلى نحو 198 ألف شاحنة مساعدات وبضائع خلال العام، لم يسمح العدو بدخول سوى 21,974 شاحنة فقط، أي بنسبة لا تتجاوز 11% من الاحتياجات الأساسية. هذا المنع الممنهج لأكثر من 176 ألف شاحنة أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار وتفشي الفقر المدقع، ليصبح الجوع هو القاتل الأول في غزة.
من جانبه، يصف الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة، هذا العام بـ “عام القتل بحرمان السعرات الحرارية”. ويشير إلى أن إغلاق المعابر المستمر منذ مارس الماضي حول الأجساد الفلسطينية إلى ساحة للموت التدريجي. الحصيلة كانت مفجعة:
-
ارتقاء أكثر من 460 مواطناً جوعاً وعطشاً داخل المستشفيات، بينهم 157 طفلاً.
-
استشهاد أكثر من 2,300 مواطن أثناء محاولتهم الحصول على الطحين أو استهداف قوافل المساعدات.
-
وفاة أكثر من 10 آلاف شخص لأسباب غير مباشرة مرتبطة بانهيار الجهاز المناعي الناتج عن سوء التغذية الحاد.
لم يكتفِ الاحتلال بمنع المساعدات، بل استهدف “القدرة الذاتية” للإنتاج. ويؤكد المهندس محمد أبو عودة، المتحدث باسم وزارة الزراعة، أن الاحتلال طبق “إبادة زراعية شاملة”، مسيطراً على 54% من مساحة القطاع (الشريط الأصفر)، ومدمراً 85% من الأراضي الزراعية و90% من القطاع الحيواني. ببلوزة خسائر تجاوزت 3.5 مليار دولار، لم يمرر الاحتلال عام 2025 إلا وقد لوّث التربة ودمر الآبار وشبكات الري، ليضمن حرمان السكان من أي محصول زراعي لسنوات مقبلة، فارضاً عليهم الاعتماد القسري على “المعلبات الشحيحة”.
وفي سياق تدمير البنية التحتية، دمر الاحتلال 80% من ممتلكات البلديات. ويحذر الدكتور يحيى السراج، رئيس اتحاد البلديات، من أن القطاع يعمل اليوم بـ 120 آلية فقط من أصل 650، مما أدى إلى عجز كامل عن إدارة النفايات وصيانة شبكات المياه، وهو ما حول “الجوع” إلى تهديد صحي وبيئي شامل يهدد بانفجار الأوبئة.
قانونياً، يشدد صلاح عبد العاطي، رئيس هيئة “حشد”، على أن ما جرى في عام 2025 هو انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف التي تحظر استخدام التجويع كسلاح. ويؤكد أن هذه السياسة تُصنف كـ “جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”، تستوجب تحركاً دولياً عاجلاً لوقف الإفلات من العقاب وضمان حماية المدنيين من “هندسة الموت البطيء”.
لقد كان عام 2025 هو العام الذي حاول فيه الاحتلال تحويل “أمعاء الأطفال” في غزة إلى ورقة ضغط سياسي. وبينما يقف العالم متفرجاً، يسطر الفلسطينيون ملحمة صمود أسطورية أمام أبشع كارثة إنسانية في العصر الحديث، مؤكدين أن “هندسة التجويع” قد تنهك الأجساد، لكنها لن تكسر إرادة البقاء.
التعليقات مغلقة.