غزة بين فخر المقاومة وقسوة الشتاء: بيان “أبو عبيدة” يُلهب الصمود والاحتلال يُمعن في “حرب الخيام” وخرق التهدئة

صنعاء سيتي | متابعات

في الوقت الذي تصارع فيه غزة أمواجاً متلاطمة من التحديات، برز بيان المتحدث العسكري لكتائب القسام، “أبو عبيدة”، كحدث محوري أعاد تشكيل المشهد العام في الشارع الفلسطيني.

هذا البيان، الذي نعى فيه ثلة من قادة المقاومة الذين ارتقوا في ذروة العطاء داخل غرف “القيادة والسيطرة”، لم يكن مجرد إعلان عن استشهاد قادة، بل كان وثيقة سياسية وعسكرية عززت من التفاف الحاضنة الشعبية حول خيار المقاومة، رغم ما يكابده السكان من أوجاع النزوح وقسوة الطبيعة.

أكدت مراسلة قناة “المسيرة” في غزة، دعاء روقة، أن كلمات “أبو عبيدة” لامست وجدان المواطنين الذين وجدوا في ارتقاء قادتهم وسط الميدان دليلاً على صدق التوجه ووحدة المصير بين القاعدة والقيادة.

ويرى مراقبون أن الصدى الواسع للبيان جاء رداً عملياً على أوهام العدو الصهيوني؛ فاستمرار المقاومة في ممارسة مهامها من غرف السيطرة المتقدمة يبعث برسالة فولاذية مفادها أن بنية المقاومة القيادية عصية على الانكسار، وأن سياسة الاغتيالات التي ينتهجها الاحتلال لم تزد المقاتلين والجمهور إلا إصراراً على مواصلة الدرب حتى التحرير.

وبالتوازي مع هذا الصمود الأسطوري، تعيش غزة فصلاً جديداً من المأساة مع دخول منخفض جوي قاسٍ. ففي ظل الأمطار الغزيرة والرياح العاتية، تلاشت “أنصاف الخيام” المصنوعة من الأقمشة المهترئة والنايلون البالي، تاركة آلاف العائلات والنازحين في العراء.

هذه الكارثة الإنسانية ليست مجرد “قضاء وقدر”، بل هي نتاج سياسة صهيونية متعمدة؛ حيث يواصل الاحتلال، بصلف وتحدٍ للمجتمع الدولي، منع إدخال مستلزمات الإيواء الأساسية من خيام وشوادر وملابس شتوية، في محاولة لاستخدام “البرد والابتزاز المعيشي” كأدوات ضغط سياسي ضد الحاضنة الشعبية للمقاومة.

وعلى الصعيد السياسي، يبدو أن اتفاق وقف العدوان بات يترنح تحت ضربات الخروقات الصهيونية المنهجية. فرغم مرور أكثر من ثمانين يوماً على بدء التهدئة، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى “عدوان صامت”؛ حيث يتحكم الاحتلال في المعابر كصنبور يفتحه ويغلقه وفق أهوائه، مانعاً وصول المساعدات النوعية والأدوية الضرورية.

هذا التعنت أدى إلى “موت سريري” للمنظومة الصحية؛ حيث توقفت العمليات الجراحية الكبرى، ونفدت مخازن الأدوية، مما يهدد حياة الآلاف من الجرحى والمرضى الذين ينتظرون بصيص أمل للسفر أو العلاج.

إن التنصل الصهيوني من استحقاقات المرحلة الأولى للاتفاق يثبت للعالم مجدداً أن هذا العدو لا يفهم سوى لغة القوة، وأن أي رهان على “نواياه الإنسانية” هو رهان خاسر.

إن المشهد في غزة اليوم يلخص صراع الإرادات؛ فبينما يراهن الاحتلال على انكسار الشعب تحت ضغط البرد والجوع والاغتيالات، يثبت الفلسطينيون أن وعيهم المرتكز على “المشروع المقاوم” أقوى من آلة الحرب ومن تقلبات الطقس. إن التفاعل الشعبي مع بيان القسام يؤكد أن دماء القادة لم تذهب سدى، بل تحولت إلى وعي جمعي يدرك أن كلفة الاستسلام أعظم بكثير من كلفة المواجهة، وأن النصر يبدأ من الثبات في غرف القيادة كما في خيام النازحين.

التعليقات مغلقة.