29 ديسمبر.. يومٌ كُتبت فيه جراحُ اليمن في سجلٍّ لا يسقط بالتقادم
صنعاء سيتي | تقرير خاص
على امتداد سنوات العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن، تحوّل التاسع والعشرون من ديسمبر إلى تاريخ يختزن طبقات متراكمة من الدم والدمار، يومٌ لا يتبدل وجهه مهما تغيّرت الأعوام، لأنه يرتبط في ذاكرة اليمنيين بجرائم ممنهجة استهدفت البشر والحجر، البيوت والأسواق والمدارس والقرى البعيدة التي لم تكن تحمل إلا مواطنين بسطاء ونسوة وأطفالاً ينتظرون لقمة العيش.
إن استعادة هذا اليوم ليست ترفاً توثيقياً، بل ضرورة لإبقاء الحقائق حيّة، وكي لا تُغلق ملفات الجريمة قبل أن تُفتح ساحات العدالة.
في هذا اليوم من عام 2015، هزّت الغارات قرى ومدناً يمنية متفرقة، حيث استهدف طيران العدوان منازل المواطنين في مناطق متعددة، فسقط شهداء وجرحى بينهم نساء وأطفال، وتضررت مساكن وممتلكات ومزارع وهي مصادر حياة المدنيين. وفي مناطق ريفية بعيدة، لم تكن جغرافيا القرى عائقاً أمام القتل، فقد طال القصف أسواقاً شعبية وقرى لا تحمل أي طابع عسكري، في مشهد يلخص طابع الحرب: المدني دائماً هو الهدف.
لم تكن الغارات وحدها أداة القتل.. في 2016 سُجّل سقوط ضحايا جرّاء قنابل وأسلحة خلفها العدوان في محيط البيوت والطرقات، فيما نفّذ مرتزقة العدوان قصفاً مدفعياً استهدف منازل ومزارع وبنى تحتية بسيطة يعتمد عليها الناس للعيش.. كانت الجريمة هذا العام أكثر صمتاً، لكنها أكثر إيلاماً لأنها قَتلت في زمن سكونٍ ظاهريّ.
عام 2017 كان الأشد حضوراً في الذاكرة، إذ تعرّضت مناطق سكنية لغارات خلّفت شهداء كثيرين ودمرت منازل بأكملها على رؤوس ساكنيها، وسقط أطفال ونساء في مجازر متكررة، بينما استهدفت غارات أخرى أسواقاً وشاحنات تقلّ غذاءً، ومدارس ومنشآت مدنية.. لم يكن هناك أي معيار عسكري في اختيار الهدف.. بل معيار واحد: المزيد من القتل والتدمير.
تتابعت الأعوام، وتكرر المشهد ذاته في 2018 و2019 و2020… قذائف وهاونات على القرى والمزارع، وطائرات تجسسية تلقي غارات في الحديدة، وانفجارات مخلفات العدوان تحصد المدنيين في منازلهم وفي حقولهم، بينما تستمر التحصينات العسكرية للمرتزقة في قلب المناطق السكنية، ما يضيف خطراً مركباً على حياة المواطنين.
حتى مع تراجع نسبي في وتيرة العمليات الجوية عام 2021، لم ينجُ المدنيون.. غارات استهدفت العمران والمستشفيات، وقصف أسلحة رشاشة في الحديدة، ومخلفات متفجرة انفجرت في يد طفل كان يلهو، أو شاب يحرث أرضه.. هذه المشاهد وحدها كفيلة بإنهاء أي ادعاء بأن الحرب انطفأت.. الذاكرة تشهد بالعكس.
إن توثيق هذا التاريخ، بكل ما فيه من أسماء وقرى وصور ودماء، ليس فعلاً عادياً، بل صيانة لحق مستقبل اليمن في العدالة. التاسع والعشرون من ديسمبر ليس تاريخاً عابراً في روزنامة العدوان، بل صفحة تُقرأ كل عام لتذكّر بأن جراح اليمن ليست رقماً.. بل قضية تنتظر الحساب.
*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر
التعليقات مغلقة.