كيف صنعت ثورة 21 سبتمبر معادلة القوة البحرية ؟
صنعاء سيتي | تقرير | هاشم علي
في أواخر عام 2014، كانت القوات البحرية على حافة الانهيار، إمكانيات محدودة، معدات متقادمة، وقواعد ساحلية مهددة بالحصار أو التدمير، لم يكن البحر يمثل عمقًا استراتيجيًا بقدر ما كان عبئًا أمنيًا مفتوحًا على احتمالات الاستهداف والحصار.
لكن الثورة الشعبية في 21 سبتمبر وضعت اليمن على مسار جديد، أعادت تعريف السيادة البحرية وأدواتها، وحوّلت القوات البحرية من قوة مدمَّرة ومحاصَرة إلى عنصر ضغط إقليمي مؤثر.
قبل 21 سبتمبر، كانت البحرية تعاني من تهميش طويل، واعتماد كامل على الدعم الخارجي في الصيانة والتسليح والتدريب، ما جعلها عاجزة عن اتخاذ أي قرار بحري مستقل، الجاهزية الفنية والعملياتية محدودة، وغياب الرؤية الاستراتيجية جعل البحر اليمني مكشوفًا أمام أي تهديد، مع أكثر من 2500 كيلومتر من السواحل دون حماية فعلية.
المصادر الميدانية تشير إلى أن معظم الزوارق والسفن كانت عاطلة عن العمل بسبب الأعطال ونقص قطع الغيار، ما جعل الموانئ اليمنية نقاط ضعف واضحة في منظومة الأمن الوطني.
مع انطلاقة الثورة في 21 سبتمبر، فتحت مسارًا جديدًا في التفكير العسكري، وأتاحت للقوات البحرية فرصة إعادة بناء نفسها وفق أولويات وطنية، ومع العدوان الذي بدأ عام 2015، تعرّضت القواعد البحرية، لقصف مكثف أدى إلى خروج القطع البحرية عن الخدمة وفرض حصار بحري شديد.
المصادر الميدانية تؤكد أن هذه الأزمة لم تُقرأ كنهاية للقوة البحرية، بل كنقطة مفصلية لإعادة التفكير في شكل القوة ووظيفتها، بدلاً من السعي لاستعادة نموذج تقليدي مكلف، توجهت الثورة نحو بناء قوة بحرية غير متكافئة تعتمد على الموارد المتاحة، وتحويل القيود إلى أدوات قوة وردع.
جرت عملية إعادة البناء في إطار رؤية وطنية شاملة أفرزتها ثورة 21 سبتمبر، وارتكزت على استعادة القرار السيادي وتحرير القدرات البحرية من الارتهان الخارجي, هذا المسار لم يكن سريعًا أو معلن التفاصيل، بل اعتمد على تراكم الخبرات، وتنظيم الإمكانات المتاحة، وتطوير الأداء العام بما يتناسب مع متطلبات المرحلة وظروف المواجهة.
وأثمر هذا التوجه عن تشكّل قدرات بحرية أكثر تماسكًا وفاعلية، قادرة على العمل في بيئة معقّدة، والتكيّف مع التحديات المتغيّرة، وفرض حضور مؤثر في مسرح العمليات البحرية، رغم شدة الحصار والاستهداف المستمر.
أبرز التحولات تمثلت في إدخال منظومة صواريخ بحرية محلية الصنع، شملت صواريخ باليستية ومجنحة بمديات تصل إلى 800 كيلومتر ورؤوس حربية تصل إلى 550 كيلوجرام، مع أنظمة توجيه متعددة تتناسب مع الأهداف المتحركة في البحر.
خبير استراتيجي ذكر: “ثورة 21 سبتمبر أعادت للرؤية البحرية قيمتها، وصواريخ البحر أصبحت قلب المعادلة الجديدة، مجبرة الخصوم على إعادة حساب كل خطوة في البحر الأحمر وباب المندب.”

نماذج مثل عاصف وطوفان صُممت للسرعة والمباغتة مع بصمة رادارية منخفضة وقدرة عالية على المناورة، ما مكّن القوات البحرية من تنفيذ ضربات خاطفة في توقيتات وظروف معقدة.
المصادر البحرية أكدت أن هذه الزوارق ساهمت في تنفيذ عمليات ناجحة، أثرت على حركة الملاحة الدولية، وأثبتت أن الحجم الصغير لا يعني تأثيرًا محدودًا.
الألغام البحرية شكلت بعدًا آخر في استراتيجية الردع، حيث تم تطوير أكثر من 11 نوعًا من الألغام المحلية، بعضها ثابت وبعضها متحرك، مزودة بأنظمة تفجير ذكية، ما جعل أي اقتراب غير محسوب من المياه اليمنية محفوفًا بالمخاطر.
خبراء ملاحيون أفادوا أن هذه الألغام نجحت في فرض قيود غير معلنة على الملاحة، وحوّلت البحر من مساحة مفتوحة إلى منطقة ردع واستراتيجية، وهو ما يعكس أثر الثورة على أدوات القوة البحرية.
أثبتت القوات البحرية اليمنية منذ 21 سبتمبر أن البحر لم يعد مجرد مساحة جغرافية، بل أصبح أداة استراتيجية للردع وإعادة رسم موازين القوة، في إطار عمليات الإسناد لغزة ضمن جبهات الإسناد، نفذت البحرية عمليات دقيقة استهدفت السفن المعادية، حيث بلغ عدد السفن المستهدفة 228 سفينة تابعة للأعداء.
وفق مصادر رسمية، أجبرت هذه العمليات العدو الإسرائيلي على إغلاق ميناء أم الرشراش لمدة عامين، ما ألحق به خسائر اقتصادية كبيرة، وأجبر شركات الشحن الدولية على إعادة تقييم مساراتها لتجنب مناطق النفوذ اليمني، لم تقتصر الإنجازات البحرية على الاستهداف المباشر، بل شملت مواجهة حاملات طائرات وأساطيل البحرية الأمريكية المرافقة، حيث اضطرّت هذه السفن إلى مغادرة مسرح العمليات، فيما أكد الجانب الأمريكي نفسه على شراسة المواجهات ونجاعة التكتيك اليمني في البحر.
هذه النتائج جاءت نتيجة تطوير قدرات بحرية متكاملة شملت الزوارق السريعة، الألغام البحرية، والصواريخ البحرية، مع الاستفادة القصوى من التضاريس الساحلية والخلجان والممرات الضيقة لتنفيذ عمليات مباغتة، ما جعل البحر اليمني منطقة ردع حقيقية وأداة قوية لإحداث تأثير استراتيجي على مستوى المنطقة.
ثورة 21 سبتمبر لم تغيّر السياسة فحسب، بل أعادت صياغة مفهوم القوة البحرية في اليمن، من قوة مدمَّرة ومحاصرة إلى لاعب قادر على التأثير في خطوط الملاحة الدولية، يظهر التحول أن الإرادة الوطنية، الاستراتيجية الذكية، والابتكار تحت الضغط يمكن أن يحوّل البحر من نقطة ضعف إلى معادلة سيادة حقيقية.
*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر




التعليقات مغلقة.