جمعة رجب.. محطة إيمانية في الوجدان اليمني
صنعاء سيتي | تقرير خاص
تحلّ الجمعة الأولى من شهر رجب على اليمنيين كل عام، حاملةً معها واحدة من أقدم الذكريات الدينية المتجذّرة في تاريخهم، ذكرى دخول أهل اليمن في الإسلام أفواجًا على يد مبعوث رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
وتحظى هذه المناسبة بمكانة خاصة لدى اليمنيين، إذ لا يتعاملون معها كمجرد حدث تاريخي، بل كعيد ديني متوارث، يجددون من خلاله ارتباطهم بالإسلام والرسالة المحمد ية، ويستحضرون صفحة مشرقة من تاريخهم الإيماني.
تشير المصادر التاريخية إلى أن الإمام علي عليه السلام وصل إلى اليمن في السنة التاسعة للهجرة، حاملاً رسالة النبي إلى أهلها، فقرأها على قبائل همدان، التي أعلنت إسلامها في يوم واحد، في مشهد جسّد سرعة الاستجابة، وعمق التقبّل للرسالة الإسلامية.
وقد مثّل هذا الحدث نقطة تحول كبرى، إذ لم يكن دخول اليمنيين في الإسلام نتيجة قتال أو إكراه، بل استجابة مباشرة للدعوة، وهو ما أكسب هذه الذكرى خصوصيتها التاريخية والدينية.
بلغ خبر إسلام أهل اليمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فخرّ ساجدًا شكرًا لله، وردّد عبارته المشهورة: «السلام على همدان»، في دلالة واضحة على المكانة التي حظي بها اليمنيون في صدر الإسلام.
كما ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، وهو توصيف ظل حاضرًا في الذاكرة اليمنية، ومعززًا لقيمة هذه الذكرى عبر العصور.
احتفظ اليمنيون بجمعة رجب كمناسبة دينية واجتماعية، توارثوها جيلًا بعد جيل، حيث اعتادوا إحياءها بالصلاة والذكر وإقامة المحاضرات في المساجد، إلى جانب الممارسات الاجتماعية من زيارة الأقارب وصلة الأرحام والتوسعة على الأهل.
وتُعد هذه الممارسات جزءًا من الموروث الثقافي اليمني، الذي ارتبط بالهوية الإيمانية، وأسهم في ترسيخ حضور المناسبة في الحياة اليومية للمجتمع.
يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله في خطاباته بالمناسبة، أن جمعة رجب تمثل صفحة ناصعة في تاريخ اليمنيين، ومحطة أساسية لترسيخ الهوية الإيمانية، وتعزيز الانتماء للإسلام في مواجهة محاولات الاستهداف الثقافي والفكري.
ويشير إلى أن استحضار هذه الذكرى لا يقتصر على الاحتفاء بالماضي، بل يتطلب العمل على نقل قيمها إلى الأجيال، بما يعزز الوعي والارتباط العملي بالدين.
تتجلى خصوصية جمعة رجب في اليمن من خلال الطقوس المصاحبة لها، حيث تشهد المساجد إقامة حلقات الذكر والمدائح النبوية، إلى جانب التجمعات العائلية والفعاليات الاجتماعية، التي تعكس الطابع الروحي والإنساني للمناسبة.
ويؤكد باحثون أن استمرار هذه الطقوس أسهم في الحفاظ على حضور المناسبة، رغم المتغيرات التي شهدها المجتمع اليمني عبر التاريخ.
في ظل التحديات الراهنة التي يواجهها اليمن، تكتسب جمعة رجب أبعادًا إضافية، باعتبارها مناسبة تُستحضر فيها معاني الثبات والارتباط بالهوية الإيمانية، وتجديد العهد بالقيم التي دخل بها اليمنيون الإسلام منذ ما يقارب أربعة عشر قرنًا.
كما تتقاطع دلالات المناسبة مع الموقف اليمني الثابت تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، باعتبارها امتدادًا عمليًا للانتماء الإيماني.
تبقى جمعة رجب ذكرى راسخة في الذاكرة اليمنية، لأنها ارتبطت بلحظة إيمانية خالصة، وباستجابة تاريخية شكلت مسار اليمنيين الديني والحضاري.
ومع كل عام، يعيد اليمنيون إحياء هذه المناسبة، لا كطقس شكلي، بل كتأكيد متجدد على هوية إيمانية ظلوا متمسكين بها عبر القرون.
*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر


التعليقات مغلقة.