نص كلمة السيد / عبد الملك بدر الدين الحوثي في ذكرى استشهاد الإمام الأعظم زيد بن علي عليهما السلام 1435هـ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وخاتم أنبيائه محمدٍ وآله الطاهرين ورضي الله عن صحبه المنتجبين.
أيها الاخوة الاعزاء .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد أن مرّت بنا في العاشر من المحرم ذكرى الفاجعة الكبرى (ذكرى عاشوراء) ذكرى استشهاد سبط رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الإمام الحسين عليه السلام، تأتي ذكرى فاجعةٍ أخرى هي ذكرى إستشهاد حفيده الامام الولي بن الولي زيد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب عليهم السلام.
هذه الذكرى المؤسفة والحزينة وما أكثر الذكريات المؤلمة في تاريخ الأمة، وما أكثر الحوادث المؤسفة في حاضرها.
إن إحياءنا لهذه الذكرى وسابقتها ذكرى استشهاد الامام الحسين وغيرها من المناسبات المهمة المرتبطة بديننا هو لاعتبارات متعددة فهي في المقام الاول مناسباتٌ مرتبطة بأعلامنا، برموزنا، حملة الحق وحملة النور، والقائمين بالقسط، ودعاة العدل، والدعاة إلى الله، الذين حملوا الاسلام منهجاً بعلمهم وفهمهم وتقديمهم له للامة وجسّدوا أخلاقه وقيمه وحملوه مسئولية يتحركون بها في واقع الامة.
هذه المناسبات ارتباطنا بها هو ارتباط القضية الواحدة فقضية الحسين هي قضية أبيه على وأخيه الحسن، وهي قبلهم قضية الرسول، قضية زيد هي نفس القضية، قضية غيره من أعلام الحق والهدى في تاريخ الامة هي نفسها القضية الواحدة، والهمّ الواحد، والمبدأ الواحد، والمسار الواحد، والاتجاه الواحد في مواجهة العدو الواحد الذي له منهجٌ واحد، وطريقةٌ واحدة، ومسارٌ واحد، منتهى لكل مسارٍ منتهى، فالمسار والمبدأ والقضية التي تحرك فيها ولها وبها ولأجلها أعلام الحق والهدى امتداداً إلى أنبياء الله ورسله منتهاها الله سبحانه وتعالى هي وحيه، هي تشريعه، هي هديه، هي أمره هي توجيهه، هي إرشاده، ومنتهى منهج الطواغيت والمستبدين والظالمين والجائرين والمفسدين، منتهاها واحد هو الشيطان اللعين الرجيم المظل لعباد الله المفسد لعباده.
فالارتباط هو إرتباطٌ بالقضية، وهو أيضا لأن الواقع المعاصر والحال الحاضر هو مرتبطٌ بالماضي فحاضر الأمة المليء بالمآسي، المليء بالمظالم، المليء بالمعاناة المشحون بالبؤس هو وليد ذلك الماضي وأثرٌ من آثار طغيان طغاة التاريخ وطغاة الحاضر.
أيضا إحياؤنا لهذه المناسبات لما تحمله لنا من الدروس والعبر التي نحتاج إليها حينما نتحرك في إطار المسئولية نفسها، والقضية ذاتها، والتوجه نفسه، نحتاج إلى تلك الدروس إلى تلك العبر وهي أيضا لشحذ الهمم وإحياء الشعور بالمسئولية، فحينما حينما نتأمل في تاريخ أعلامنا وعظمائنا وهداتنا نجوم العترة وأعلام الأمة، حينما نتأمل في تاريخهم كيف كان اهتمامهم بالمسئولية. كيف كانوا على مستوى عالٍ من الصبر، والثبات، والذل، والعطاء، والهمة العالية، وما قدموه في سبيل الله سبحانه وتعالى وفي سبيل المستضعفين من عباده، وما واجهوه من طغيان في اتجاه آخر وتخاذلٍ في اتجاه ثانٍ، هذا يزيدنا عزماً إلى عزمنا، وهمةً إلى همتنا، وصبراً إلى صبرنا، واستعداداً للبذل والعطاء إلى ما هو موجود، فلهذه الذكريات لهذه المناسبات أهميتها الكبرى ومردودها المهم على المستوى النفسي وعلى المستوى الثقافي والفكري وعلى المستوى العملي، والامام زيد بن على عليه السلام الذي نتحدث في هذه المناسبة عن ذكرى استشهاده هو واحدٌ من عظماء نجوم العترة، وواحدٌ من أعلام الامة، رجل عظيم عرفته كل الامة وأقرّت بفضله وعمله، وأقرّت بمقامه العظيم في دين الله، الإمام زيد بن على عليه السلام عندما نريد أن نتعرف عليه فهو معروف وأشهر من أن نعرف به، لكن إن تحدثنا من باب الاختصار والايجاز فعندما نتحدث عن أسرته ومنبته فهو من الأسرة الطاهرة والبقية الباقية من آل رسول الله محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، الذين أمرنا الله بمودتهم ومحبتهم وجعل ذلك هو الأجر على تبليغ الرسالة المكافأة لنبي الله محمد، والأجر له وتثمين ما قدمه للأمة كلها من هدىً وزكاءً وإخراجاً لها من الظلمات إلى النور فقال سبحانه وتعالى (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) هو من نجوم العترة الطاهرة الذين أمرنا الله بالتمسك بهم، والإهتداء بهم، والسير في طريقهم، والتمسك بمنهجهم، والإقتفاء بإثرهم، وواحد من نجوم تلك العترة الذين قال عنهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض" هو واحدٌ من العترة الطاهرة، من نجومها وأعلامها وهداتها الذين قال عنهم الرسول صلوات الله عليه وعلى آله "أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى" هذا منبته ومنبعه وأسرته، ثم هو الذي كان إبناً لزين العابدين عليه السلام، أبوه زين العابدين وسيد الساجدين الذي أيضا تُقِرُّ كل الأمة بعظيم فضله وعظيم مقامه وسناء مكانته، زين العابدين عليه السلام وسيد الساجدين الذي هو نجل الامام الحسين عليه السلام المتبقي في كربلاء من أسرته بلطفٍ من الله وبرعاية كي لا ينقرض النسل الحسيني.
فزين العابدين عليه السلام بما هو عليه من العلم، والعبادة، والفضل، والتقوى، والمكانة العلية في دين الله والقرب من الله سبحانه وتعالى، هو الذي ربى زيداً، رباه التربية الإيمانية، رباه على الايمان، على التقوى، على العلم، على الفضل، ثم من بعد زين العابدين عليه السلام وبعد وفاته إهتم بتربيته أخوه الإمام الباقر عليه السلام، وهكذا نشأ زيد بن على عليه السلام في تلك الأسرة الطاهرة المؤمنة التي هي على أرقى درجات الإيمان، تربى تربية الايمان، تربية التقوى، تربيةً على الفضل والخير والقيم والأخلاق وتشرّب فيها مبادئ الحق، ونشأ نشأةً مميزةً، فكان متميزاً منذ بداية نشأته منذ بداية شبابه متميزاً بتقواه، بإيمانه بخشيته من الله، متميزاً بفهمه الثاقب واستيعابه الكبير، ومتميزاً أيضا بارتباطه الوثيق الوثيق بالقران الكريم، فهو في تلك المدرسة مدرسة الهدى، مدرسة الحق، مدرسة أهل البيت عليهم السلام هو عليه السلام إختص إختصاصاً متميزاً بارتباطٍ وثيقٍ ومتميز بالقران الكريم، القران الكريم ينبوع العلم، ينبوع المعرفة، منبع الهدى، حتى عرف زيدٌ عليه السلام بحليف القرآن، وهذا الارتباط الوثيق بالقرآن الكريم رأينا أثره حينما نقرأ التاريخ في شخصية المام زيد عليه السلام في أخلاقه، في اهتماماته، في مساره العملي بكله.
عُرف الإمام زيد عليه السلام بأنه عظيم الخشية من الله، فكان حينما يقرأ بعضاً من آيات القرآن الكريم، ويتأملها أو يسمعها في بعض المقامات يُغمى عليه.. وعُرف أيضاً بهذا الأثر الإيماني في واقعه بكله، في علاقته المتميزة بالله، في أخلاقه وقيمه، في المسؤولية ومواجهة الجائرين، فعلى مستوى الإلتزام والتقوى هو القائل عليه السلام "والله ما كذبت كذبةً منذ عرفت يميني عن شمالي، وما انتهكت لله محرماً منذ عرفت أن الله يعاقب عليه" هل بعد هذه النشأة من نشأة، على هذا المستوى العالي من الإلتزام والتقوى "ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، وما انتهكت لله محرماً منذ عرفت أن الله يعاقب عليه " هو أيضاً القائل "والله لو علمت أن رضاء الله عز وجل في أن أقدح ناراً بيدي حتى إذا اضطرمت رميت بنفسي فيها لفعلت" يعني لو كان ذلك مني يرضي الله لفعلته، هكذا كان في إنشداده إلى الله، في تقواه إلى الله، في ذوبانه في طاعة الله سبحانه وتعالى، ثم في اطار المسئولية، المسئولية أيضاً من أهم ما يدلل على التقوى مستوى اهتمامك بالمسئولية، ليس فقط خشوعك في حالة صلاتك، أو تأثُرُك النفسي في مشاعرك وأنت تتلو القرآن، بل في المسارات العملية المسارات العملية من أهم الشواهد على التقوى والإيمان، ولذلك الإمام زيد عليه السلام سواءً على مستوى الإلتزام و التقوى، أو على مستوى القيام بالمسئولية ومواجهة الجائرين.
عندما نرى موقف واحد من مواقفه كم يحمل من دلالة واضحة، دلالات متعددة، ودلالة واضحة على مدى ثقته بالله، واجلاله لله، وارتباطه بالله سبحانه وتعالى، واحتقاره للطغاة والمتجبرين المنحرفين عن منهج الله سبحانه وتعالى، فله تلك الوقفة في مواجهه هشام ابن عبد الملك الأموي، الحاكم الأموي الجائر الظالم المفسد، ومعروف كيف بلغ الحال في مرحلة ذلك الطاغية المجرم، المستبد، المستحكم والمتحكم على الأمه بكلها، ذلك الطاغية الجائر الذي قال :- والله لو قال لي أحد اتقي الله لضربت عنقه. فالإمام زيد عليه السلام قال له "اتق الله يا هشام" لم يخف ولم يرهب ولم يتهرب من تقديم مثل هذا الأمر والنصح "اتقي الله يا هشام" فقال منزعجاً غاضباً مستكبراً :- أومثلك يأمر مثلي بتقوى الله. فقال عليه السلام "إنه ما من أحدٍ فوق أن يؤمَرَ بتقوى الله ولا دون أن يوصي بتقوى الله" فالإمام زيد عليه السلام وهو من نجوم العترة الطاهرة، من أعلام آل محمد، من هداة الأمة على مستواه العظيم، في إيمانه وتقواه، وعلمه ومعرفته، وهو من الأعلام العظماء، وبمآثره العظيمة في الاسلام والتي منها استمرارية المسار الثوري في الأمة، استمرارية المنهج الحق، والفكر النقي، والمعارف الصحيحة في الأمة.
تحرك في أوساط الأمة قائماً بمسئوليته الكبرى في ثورته التي هي امتدادٌ لثورة جده الحسين عليه السلام في درب جده المصطفي محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وحينما نأتي إلى الظروف التي تحرك فيها الامام زيد عليه السلام ندرك صعوبة الواقع الذي عاش فيه، وصعوبة القيام بالمسئولية في تلك الظروف نفسها، ظروف معروفة، ظروف عاشت فيها الأمة الخضوع المطلق، والاستسلام التام لهيمنة النظام الأموي الجائر، المفسد، المستبد "الذي اتخذ دين الله دغلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً" والأمة في حالة من الرهبة والخوف والاستسلام، والعجز والشعور بالذلّ والهوان والخضوع للقهر والاستعباد، الحالة التي عمّت وانتشرت في أوساط الأمة نتيجةً للجبروت الأموي المستهتر الذي لم يرعى حرمة، ولم يحترم أي شيء لا من المقدسات ولا من الدماء ولا يعطي اعتباراً لأي شيء، نجد أنه منذ ما قبل مرحلة هشام منذ معاوية إلى يزيد ثم من تلاهم، الفظائع الكبيرة التي ارتكبوها في حق الأمة في دينها في مقدساتها، في أعلامها، في حياتها، في أمنها في استقرارها، أمور فضيعة جداً سودت صفحات التاريخ، من يراجع التاريخ بأنصاف يشعر بالخجل أنه كيف أمكن لكل هذا أن يحدث في داخل الأمة التي تنتمي للإسلام، أي فارقٍ يفرق بين ذلك المسلك والمنهج والأسلوب والسيرة الأموية وبين المسلك والمسار والمنهج والأسلوب الفرعوني، سواءً بسواء على نهج الفراعنة، على نهج الفراعنة، على مسارهم، ما حصل في ما سبق خروج الإمام زيد عليه السلام ثم في عصره أمور فضيعة جداً من بينها استباحة المقدسات، هدم الكعبة المشرفة احراقها أولاً، ثم في مرةٍ أخرى هدمها و استهدافها بالمنجنيق واستباحة مكة، هذه فظيعة من الفظائع، عندما نعود إلى ديننا وندرك القداسة الكبيرة لبيت الله الحرام، للكعبة المشرفة، لمعالم الحج في مكة المكرمة التي يحرم فيها استهداف حتى الحيوانات، يحرم فيها استهداف حتى النبات الأخضر، ثم نجد أنهم استهدفوها حتى بالمنجنيق، أحرقوها بالنار، هدموا بنيانها، وكانوا مع إطلاق كل حجر بالمنجنيق تستهدف الكعبة يكبرون أيضاً.! يطلقون التكبير.
الآن الآن ونحن في صراعنا مع المستكبرين من أعظم مخاوفنا التي نخاف في ظل استهداف أمتنا في هذه العصر والزمن، من أعظم مخاوفنا أن تُستهدف الكعبة، أن تقوم إسرائيل وأمريكا أن يقوم اليهود والصهاينة بإستهداف الكعبة، أليست هذه من أعظم مخاوفنا.؟ من أشد ما نتخوّف منه.؟ من أكبر ما يزعجنا، هذا حصل في تاريخنا ما نتخوّف أن تفعله إسرائيل، أو أن تقوم به أمريكا، ما يدعوا إليه الصهاينة اليوم هو ما قد عمله بني أميه في تاريخ الأمة، فاستهدفوا الكعبة، وقتلوا الناس في البيت الحرام، استباحوا مدينة رسول الله ولم يرعوا أي حرمة، وقتلوا أهل المدينة حتى من لاذ منهم إلى قبر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، كثير من أهل المدينة في بعض الأخبار وفي بعض الروايات أن ما يقارب ثلاث مائه شخص أو أكثر ذهبوا ولا ذو بقبر الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، على أساس أنه ربما يحترمه الجنود الأميون، قتلوا الناس على القبر وذبحوهم، ذبحوا الرقاب على قبر رسول الله حتى أغرقوه بالدماء، ثم استباحوا مدينه رسول الله ثلاثة أيام، إستباح فيها الجيش الأموي كل شيء، العرض، أباحوا للجيش الأموي قادته بأمرٍ من يزيد أباحوا، نساء أهل المدينة، عرض أهل المدينة، واباحوا قتل أهل المدينة، وأباحوا ممتلكات أهل المدينة لمدة ثلاثة أيام، استبيحت المقدسات، استبيح الأخيار، قتلوا أخيار الأمه، صفوة الأمة، أعلام الأمة هداة الأمة الذين إليهم ترجع الأمة، في دينها، في تربيتها، في بنائها التربوي والإيماني والديني، قاموا بقتلهم عترة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله لم يرعوا حرمةً للرسول صلوات الله عليه وعلى آله، ثم نجد أيضاً من أشكال استباحه المقدسات والإستهانة بكل شيء الإستهانة بالأمة في كل شيء في دينها ومقدساتها وماعدا ذلك هو أهون بالتالي.
نجد أنه في عصر الإمام زيد عليه السلام، دخل الإمام زيد عليه السلام إلى مجلس الوالي الأموي هشام وإذا بيهودي.! يهودي موجود في المجلس يتحدث إلى هشام ثم ذلك اليهودي في حضرة من يُسمي نفسه أمير المؤمنين، ويعتبر نفسه حاكماً على الأمة الإسلامية بكلها وهو هشام، إذا بذلك اليهودي يسب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يأتي الأمريكيون أو الدنمارك أو أي طرف آخر, سب في مجلس الحاكم الذي يحكم على الأمة الإسلامية ثم لا يتخذ أي موقف ولا حتى ينهر ذلك اليهودي، ولا حتى يُبدي إستياءً، فالإمام زيد عليه السلام غضب لله، وغضب لرسوله صلوات الله عليه وعلى آله، وتهدد ذلك اليهودي ونهره وقال "لإن أمكنني الله منك لأختطفن روحك" فما كان من هشام إلا أن نظر نظرات الغضب والإستياء إلى الإمام زيد عليه السلام ليقول له :- مه لا تؤذ جليسنا يازيد. جليسه اليهودي يؤذي رسول الله، يسب رسول الله، ولا يحترم حتى المقام العظيم لرسول الإسلام، فلا يبالي المسألة عادية, ونحن ذكرنا شبيهاً لهذه، إنزعاج البعض من تحطيم زجاج نوافذ السفارة الأمريكية فيما هم لم ينزعجوا ولم يغضبوا ولم يتبنوا أي موقف آنذلك تجاه السب والإساءة الفظيعة التي هي أسوء حتى من السب لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله.
على العموم نحن أمام واقع, واقع لا حرمة فيه للأمة لا في دينها، لا في مقدساتها لا في أعلامها, الأمة في نظر الحكم الأموي والنظام الأموي الناس مجرد خَوَل خدم والوظيفة بنظرهم، الوظيفة الأساسية للأمة هي أن تكون في خدمتهم، أن تكون في خدمتهم.! ولا يتحاشون في حالٍ من الأحوال أو في ظروف معينة من الإستعباد الصريح والواضح للناس مثل ما فعلوه في المدينة المنورة، في المدينة المنورة ختموا على رقاب الناس بأختام الرِّق والعبودية، وطلبوا من أهل المدينة أن يبايعوا الفرد على أنه عبدٌ رقٌ خالصٌ ليزيد، عبد هكذا يُقرّ على نفسه، يبايع على أنه عبد رق خالص ليزيد ثم يُكوى بالنار ختماً على رقبته إشعاراً أو دلالةً وعلامةً للعبودية وللرق, هكذا حولوا الأمة إلى خول، وحرفوا مفاهيم الإسلام على ضوء ما يخدمهم، ما يفيدهم، ما يعزز من نفوذهم ما يُخضع الأمة لهم، واستأثروا بالفيء بمال الله المال العام الذي هو عطية الله لعباده كلهم على حساب الكثير الكثير معظم أبناء الأمة فقراء يعانون البؤس والحرمان والفقر والشقاء ونكد العيش, فيما هم يستأثرون بالمال العام.
أمام هذا الواقع المليء بالظلم والمشحون بالطغيان، أمام هذا الواقع المليء بالفساد، أمام هذا الواقع الذي أصبح فيه لبني أمية هيبة كبيرة، وأصبحت الأمة ترزح تحت حالةٍ رهيبةٍ من الخوف والقهر والذل، وبعد قتل الآلاف المؤلفة في عددٍ من أقطار الإسلام في المدينة، ومكة، والعراق، وعددٍ من أقطار الإسلام وقد خيّم الصمت وعمّ السكوت والجمود، تحرك الإمام زيد عليه السلام بمبادئ الحق من تلك المنطلقات العظيمة, من منطلقات حركته وثورته أنه كان يحمل الهمّ والألم لواقع امة جده، وكان حريصاً على إنقاذها وإصلاح أمرها, وهذا أثرٌ عظيم من آثار الإيمان وهو في نفس الوقت مما يربِّي عليه الإسلام.
الإمام زيد عليه السلام كان فيما يحمله من همٍ وألمٍ وحرصٍ على إنقاذ أمة جدة لدرجةٍ عبر عنها فقال "والله لوددت أن يدي ملصقةٌ بالثريا – الثريا مجموعة النجوم البعيدة جداً في عنان السماء – والله لوددت أن يدي ملصقةٌ بالثريا ثم أقع من حيث أقع فأتقطع قطعةً قطعة وأن يُصلح الله بذلك أمر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم " هكذا كان فيما يحمله من همّ، فيما يستشعره من مسؤولية في عظيم رحمته بأمة جده، وحنانه وشفقته, إنسان. إنسان بقيم عظيمة يتحرّق على واقع الناس ليس لا أبالياً كما هو حال الكثير من الناس حتى من المحسوبين على الدين ممن لا يبالي بالناس في أي حالٍ كانوا وفي أي واديٍ هلكوا وسقطوا، لا، حرقة القلب والمشاعر والأسف والألم على الواقع المرير والمهين الذي تعيشه الأمة، وبهذا الحرص تحرك في واقع الأمة ليعمل على إستنقاذها مما هي فيه، ثم من تلك الدوافع دافِع المسؤولية، فهو حليف القرآن، القرآن الكريم ولذلك كان يقول "والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت" ما يدعني كتاب الله أن أسكت، هذا الكتاب الذي هو كتابنا جميعاً كأمةٍ مسلمة، كمسلمين هذا الكتاب الذي يجب علينا أن نتّبعه، أن نتمسك به، أن نطيع الله فيما أمرنا فيه الله جل شأنه في هذا الكتاب حملنا مسئولية أن نقيم العدل، أن نواجه الظلم، أن نواجه الفساد، أن نواجه الطغيان والشر "والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت" هذا الإنتماء الواعي للقرآن الكريم الذي ترتب عليه الإلتزام، والعمل، والتطبيق، والإتباع، والتمسك، هو الذي غاب من واقع الأمة وللأسف، وإلا فالقرآن ليس فقط كتاب زيد بن علي أو أن ما فيه من توجيهات وأوامر حركت زيداً في ميدان الحياة، في واقع المسؤولية ليقدم نفسه قرباناً لله وليواجه الطاغوت دون خوف، أو تردد، أو تلكؤ، لا، ليس خاصاً بزيد، وليست تلك المسؤوليات خاصةً بالإمام زيد عليه السلام .لا. نحن كمسلمين إنما بقدر إيماننا بقدر اهتدائنا بهذا الكتاب بقدر مصداقيتنا في إنتمائنا لهذا الدين، في إرتباطنا بهذا الكتاب الذي هو منهج الله الحق, هذا القرآن هذا الكتاب الذي لم يدع زيداً ليسكت لماذا اليوم يسكت الكثير والكثير من الذين يقدمون أنفسهم على أنهم متدينين والبعض منهم ربما يقرأ هذا الكتاب عن ظهر قلب غيباً يحفظ آيةً آية، ويتلوها في أي وقت، كم في واقع الأمة من مدارس لتعليم القرآن، وتحفيظ القرآن، ونرى كثيراً من القائمين عليها الذين يتعاملون بإستغلال، باستغلال في كل شيء، مسلكهم ومسارهم في الحياة بعيد كل البعد عن هذا الكتاب وعن توجيهاته وعن مساره الذي رسمه لنا في واقع الحياة.
الإمام زيد عليه السلام بدافع المسئولية تحرك مؤمن، يدرك أن انتماؤه لهذا الدين، وأن تمسكه بكتاب الله عز وجل، وأن اقتفاءه لأثر نبي الإسلام محمد يفرض عليه حتماً أن يتحرك، أن لا يسكت، أن يصدع بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، أن يتحرك في أمة جده ليقيم الحق وليعمل على إقامة العدل، هو يذكر هو ما قاله جده رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس من المسلمين" ثم الإمام زيد عليه السلام تحرك لإحياء مبدأ من أهم مبادئ الإسلام، مبدأُ حيويٌ في واقع حياة الأمة، هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا المبدأ المهم العظيم في الإسلام والحيوي الذي يترتب عليه تصحيح واقع الأمة من الداخل، وإصلاح واقعها من الداخل، وتطهير ساحتها الداخلية من هيمنة المفسدين، والجائرين، والظالمين، والعابثين، والطغاة.
مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو أهم مسؤوليات المؤمنين (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) الله قال في محكم كتابه (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هذا المبدأ الذي إذا غاب معناه غياب العمل لتصحيح وضعية الأمة من الداخل وبالتالي لا تقوم لها أبداً قائمة.
الإمام زيد عليه السلام تحرك في إطار هذا المبدأ، هذه المسؤولية المهمة جداً في واقع الأمة لتصحيح مسارها لكي يبقى للدين قيمته، ويبقى للأمة سلامة دينها وصلاح دنياها، هو يدرك ما قاله جده، هو نفسه من روى عن جده صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال " لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر أو ليسلطنَّ الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم" النتيجة نتيجة التفريط والتقصير في هذه الفريضة المهمة، وهذا المبدأ الأساس، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نتيجة وخيمة فضيعة سيئة، نتيجة أن يُسلّط الأشرار من داخل الأمة يُسلطون عليها، ويتحكمون بها، ويعبثون بها، بفسادهم بإجرامهم بطغيانهم، فيسوء واقع الحياة، وحينها لا ينفع مجرد الدعاء من الأخيار، اللهم ..اللهم، لا ينفع بدون القيام بهذه المسؤولية.
والإمام زيد عليه السلام قال في رسالته الشهيرة، رسالة دعوته التي وجهها إلى علماء الأمة قال عليه السلام "واعلموا أن فريضة الله تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أقيمت له استقامة الفرائض بأسرها هينها وشديدها" يعني مبدأ له كل هذه الأهمية، هذا الفرض إذا أقيم أقيم الدين بكله، وإذا عُطل عطل معظم الدين وما يتبقى من الدين يتبقى كشكليات لا أثر لها في الواقع، ولا نفع لها في الحياة، إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها هينها وشديدها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الدعاء إلى دين الإسلام والإخراج من الظلمة، ورد المظالم وقسمة الفيء والغنائم على منازلها – المال العام – بدلاً من أن يستأثر به الظالمون، أو تستأثر به فئة معينة ضمن الأمر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقسم ويوزع المال العام على مستحقيه بكلهم، وأخذ الصدقات ووضعها في مواضعها، وإقامة الحدود، إقامة الحدود ردعاً للمفسدين والمجرمين واللصوص وما إلى ذلك، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهد، والإحسان، وإجتناب المحارم كل هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, طبعاً شُوهت هذه الفريضة، قُدم شكل مختلف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قُدمت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنها تخص هامشاً محدوداً من العبادات والجانب الأخلاقي في جزءٍ منه، يعني مساحة بسيطة وهامش صغير من الأخلاق والعبادات، قالوا هنا في تلك الدائرة الضيقة الصغيرة هنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط أن يكون على رأس المساكين فقط أما أن بأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في الإطار العام في المسؤولية العامة ضد الظالمين الجائرين المفسدين، أما أن يؤمر حاكم أو رئيس أو زعيم أو مسؤول أن يأمر بمعروف أن يُنهى عن منكر. لا. يريدون تعطيل ذلك، وأصبحت مسألة من مسألة التودد للظالمين وفي ظلهم، هيئة أمر بمعروف ونهي عن منكر في إطار الظالمين.
الأمر بالمعروف هكذا يقدمه الإمام زيد عليه السلام في إطاره مفهومه العام والشامل، الأمر بالمعروف بكل ما هو معروف، بكل ما لأمة بحاجة إليه أن تهتدي به، أن تتحلى به ، أن تسلكه، أن تعمل به مما فيه صلاح دينها ودنياها، دائرة واسعة تشمل كل ما فيه صالح دينها ودنيها، وليس فقط بالحالة الشكلية التي تُركز على هامش صغير من العبادات والأخلاق تستهدف الناس العاديين فقط، وهكذا تحرك، وهكذا وجّه دعوته إلى الأمة، ويخاطب الناس فيقول "إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله -إلى كتاب الله- وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم" هذا منهجه، هذا المنهج الذي دعا إليه الإمام زيد وقدمه للأمة، أما المشروع العملي التطبيقي فهو حتماً يتفرع عن هذا المنهج، يواصل فيقول "وإلى جهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين وقَسْمِ الفيء بين أهله، ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب". ثم يستنهض العلماء ويستنهض الأمة، تلك كانت الخطوط العريضة التي تحرك على ضوئها عليه السلام ودعا إليها الأمة، جهاد الظالمين لدفع ظلمهم، لإيقافهم عند حدهم، لا يمكن أن يُوَقَّفَ ظلمهم، وأن يُدفع جبروتهم إلا بالجهاد ضدهم، بالتحرك الجاد لإيقافهم عند حدهم، والدفع عن المستضعفين حتى لا يبقوا ضحيةً لطغيان الطغاة وهيمنة المجرمين، وقَسْمِ الفيء بين أهله، المال العام، حتى لا تحرم الأمة من ثرواتها العامة فيترتب على ذلك من المساوئ، نرى في واقعنا الآن فئة قليلة، أشخاص معدودون الأصابع ربما يستأثرون بمعظم ثروة الشعب اليمني، بمعظم إيرادات النفط والثورة النفطية وغيرها يستأثرون بمعظم مصالح الشعب اليمني، فيما الملايين يعيشون حالة البؤس الحرمان والمعاناة، والكثير يعيش هماً بتوفير لقمة عيشه.
يستنهض العلماء والأمة فيقول "فسارعوا عباد الله إلى الحق" دعوة إلى الحق ويفترض بالأمة المسلمة أن تستجيب لدعوة كهذه من داعٍ كالإمام زيد، معروف بين أوساط الأمة كل الأمة يشهد له علماؤها، تياراتها، اتجاهاتها الفكرية بالفضل والعلم، رجل عظيم موثوق ليس مغموراً ولا مجهولاً "فسارعوا عباد الله إلى الحق فبالحق يكبت عدوكم وتمنع حريمكم وتأمن ساحتكم" يتوفر لكم الأمن والمنعة على حرماتكم وذلك أننا ننزع الجائرين عن الجنود، يعني حتى لا يبقى الجيش تحت سلطة الجائرين الذين يستخدمون الجيش للسطوة على الناس، وللظلم للناس، وليجعلوا منه أداة تسلط وقهر وقمع يهيمنون من خلالها على الأمة "ننزع الجائرين عن الجنود والخزائن" الخزائن الثروة العامة لا تبقى بأيدهم، لأن الخزائن العامة عندما تبقى بأيدي الجائرين الظالمين يختصون بها ترفاً في مصالحهم للترف في المعيشة ولتعزيز نفوذهم، ووسيلة يستقوون بها لتعزيز هيمنتهم وسيطرتهم "الخزائن والمدائن" والمدائن حتى لا يكونوا هم من يديرون شؤون الناس، عندما يكون من يدير شؤون الناس ظالماً مجرماً فبظلمه وشره وطغيانه سيمارس ما يمارس في واقع حياتهم، "والفيء والغنائم، ونثبّت الأمين المؤتمن" اللائق بالمسؤولية، الإنسان الذي ليس مصدر خوف، في أن يظلم الأمة، أو يسرق الأمة، أو ينهب ثروات الأمة "ونثبت الأمين المؤتمن غير الراشي والمرتشي الناقض للعهد فإن نظهر فإن ننتصر فهذا عهدنا وإن نُستهشد فقد نصحنا لربنا وأدينا الحق إليه من أنفسنا" نكون قد قمنا بواجبنا فالجنة مثوانا ومنقلبنا، فأي هذا يكره المسلم وفي أي هذا يرهب المسلم، ثم يدرك عليه السلام مشكلة الأمة، مشكلة الأمة الكبيرة، الأمة التي كان من المفترض أن ينهض علماؤها بمسئوليتهم ويكون لهم دورٌ أساسيٌ إيجابيٌ في تعريف الأمة بمسئوليتها، وفي هداية الأمة لسبيل ربها، وفي تحريك الأمة لإقامة الحق والعدل في واقعها، ولكن يرى أن الكثير وليس الكل الكثير من العلماء أصبحوا علماء سوء، لهم إسهام سلبي وسيء في تدجين الأمة للظالمين، فيقول عليه السلام "يا علماء السوء أنتم أعظم الخلق مصيبة وأشدهم عقوبة إن كنتم تعقلون" لماذا لأن جرمهم كبير، جرم علماء السوء جرم فضيع بقدر ما أسهموا وأظلوا، أسهموا في تدجين الأمة للظالمين وأظلوا الناس وحرفوا مفاهيم الحق هم أعظم الخلق مصيبة وأشدهم عقوبة "ذلك بأن الله قد احتج عليكم بما استحفظكم إذا جعل الأمور ترد اليكم وتصدر عنكم، الأحكام من قبلكم تلتمس، والسنن من جهتكم تختبر يقول المتبعون لكم : أنتم حجتنا بيننا وبين ربنا" لأن الكثير من عامة الناس عندما يكون لهم ارتباطات بعلماء معينين يثقون فيهم، يأمنونهم يطمئنون إليهم، يعتبرونهم حجتهم فيما بينهم وبين الله، أي فتوى أي تعبئة، تعبئة بالدين على حساب الدين، باسم الدين تؤثر فيهم، رأينا الأثر للفتوى التي هدرت دماء إخوتنا في الجنوب في عام 94 ورأينا كيف وضفت الفتاوى الباطلة والزائفة والظالمة لحشد الناس إلى قتل أخوتهم في صعدة، ورأينا كيف سوغت الفتاوى الظالمة والباطلة حتى قتل الأطفال وحتى قتل النساء وأباحت ذلك .. يعني أمر لم يجرؤ على أن يبيحه هكذا بكل وضوح حتى اليهود والنصارى حتى ما يقدمونه من مواثيق على أنها مواثيق للأمم المتحدة أو مواثيق لحقوق الإنسان لمنظمات أو لأي شيء آخر لا يجرؤون على أن يصرحوا بإباحة دماء الأطفال والنساء، والفتوى الجائرة تجرأت على فعل ذلك، "فبأي منزلة نزلتم من العباد هذه المنزلة فوالذي نفس زيد ابن علي بيده لو بينتم للناس ما تعلمون، ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون لتضعضع بنيان الجبارين ولتهدّم أساس الظالمين، ولكنكم اشتريتم بآيات الله ثمناً قليلاً وادهنتم في دينه، وفارقتم كتابه، هذا ما أخذ الله عليكم من العهود والمواثيق كي تتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الثم والعدوان، فأمكنتم الظلمة من الظلم وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقارنة فهذا حالكم" والإمام زيد عليه السلام بهذه المبادئ، من هذه المنطلقات، بدافع المسئولية تحرك وصولاً إلى خروجه ثائراً، وكان قد واعد أصحابه والمستجيبين له من المسلمين، على أن يكون موعد الثورة في الواحد من شهر صفر، ولكن نتيجة العمل الاستخباراتي الأموي أكتشفت خطة الإمام زيد عليه السلام أفشى بها البعض، وأدرك بنو أمية أن ظهوره قريب وأنه موجود في الكوفة وبالتالي بحثوا عنهم وكانوا قريبين من اكتشاف مكانه، فاضطر إلى تعجيل الخروج في الثاني والعشرين من المحرم، قبل الموعد المتفق عليه مع من كان قد استجاب له وواعده بالخروج معه من المسلمين، فخرج في الكوفة، خرج في الثاني والعشرين من المحرم ليلة الأربعاء، ونادى بشعاراته المعروفة "يا منصور أمت" وهذا كان شعار جده رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في غزوة بدر، في صبيحة يوم الأربعاء كان قد وافاه على طول تلك الليلة ممن كان قد بايعه، وافاه فقط مئتان وثمانية عشر رجلاً، بينما في بعض الأخبار أن الذين كانوا قد بايعوا من الكوفة وحدها فقط ما يقارب الخمسة عشر ألف رجل، ووفى منهم فقط مئتان وثمانية عشر رجل إلى صبيحة يوم الأربعاء كانوا هم الذين قد وافوه، ولاحظ الإمام زيد عليه السلام حالة التخاذل الكبيرة في واقع الأمة، وقلة المستجيبين، ومحدودية الإمكانيات، وقلة الأنصار، وقال لأحد أنصاره الأوفياء نصر ابن خزيمة قال له الإمام زيد عليه السلام "يا نصر أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية" فيفعلوا معه ما فعلوا مع الحسين من تخاذل قال :- جعلت فداك أما أنا فوالله لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت.
وتحرك الإمام زيد عليه السلام بقلة الناصر، بالفئة القليلة من المؤمنين الصادقين الذين تحركوا معه، تحرك ببطولة وفداء كبيرٍ للإسلام واستبسال قل نظيره، بتلك القلة القليلة واجه اثنا عشر ألف مقاتل من الجيش الأموي، وهزمهم من سكة إلى سكة، ومن شارع إلى شارع، وتقدم ليدخل إلى داخل الكوفة وقتل في اليوم الأول من الجيش المعادي أكثر من ألفي قتيل، وتقدم الإمام زيد عليه السلام وهو يقاتل بتلك الفئة المؤمنة القليلة الصادقة الصابرة الثابتة أشد قتال حتى تمكن من الوصول إلى مسجد الكوفة، في مسجد الكوفة كان قد جُمع أهل الكوفة وحوصروا فيه وأغلقت عليهم الأبواب، ولكن يبدوا أن ذلك أعجبهم، هم غير راغبين في الجهاد ويبحثون عن الأعذار مثلما نقول عندنا في المثل -عندنا حبسك عذر- حينما وصل الإمام زيد عليه السلام إلى مسجد الكوفة قام نصر بن خزيمة أحد مشاهير المجاهدين معه جعل ينادي المحصورين في المسجد وهو يفتح لهم الأبواب ويقول لهم أخرجوا يا أهل الكوفة، أخرجوا من الذل الى العز، أخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فإنكم لستم في واحدٍ منهما، يعني لا أنتم في خير الدينا ولا أنتم في خير الآخرة، أخرجوا، تحرروا، فتحت لهم الأبواب فلم يخرجوا، لقد رغبوا في أن يحبسوا أنفسهم حتى بعدما فتحت لهم الأبواب، لكن الإمام عليه السلام واصل مشواره الجهادي وكان حينما خفقت الراية على رأسه قال عليه السلام متوجهاً إلى الله العظيم "اللهم لك خرجت وإياك أردت ورضوانك طلبت، ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ولدينك ولكتابك ولنبيك ولأهل بيت نبيك ولأوليائك من المؤمنين، اللهم هذا الجهد مني وأنت المستعان" ثم قال عليه السلام "الحمد لله الذي أكمل لي ديني" هكذا كان زيد، وهكذا هي بصيرة الحق، مبادئ الإسلام، نور القرآن "الحمد لله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أني لقيت جدي محمد يوم القيامة ولم آمر في أمته بمعروف ولمن أنه عن منكر والله ما أبالي إذا قمت بكتاب الله وسنة نبيه أنه تؤجج لي نارٌ ثم قذفت نفسي فيها ثم صرت إلى رحمة الله" استمرت المعركة في يوم الأربعاء ثم في يوم الخميس بكل استبسالٍ وتفانٍ مع قلة الناصر، وقلة العدة، وفي آخر نهار الخميس حسب بعض الروايات أصيب الإمام زيد عليه السلام بسهم بجبينه، وفور إصابته قال عليه السلام "الشهادة الشهادة الحمد لله الذي رزقنيها" وهكذا نلمس أثر الأيمان، أثر القرآن، مبادئ الإسلام، أثرها العظيم في مثل هذا الرجل العظيم الذي يقدم لنا أعظم الدروس من الواقع العملي من موقع القدوة والأسوة، بعد استشهاد الإمام زيد عليه السلام دفن، دفن جثمانه الطاهر بشكل سري، ولكن أكتشف الأمر وعرف الأعداء مكان دفنه، واستخرج الجثمان الطاهر ثم قطعوا رأسه الشريف ليطوفوا به في بلدان العالم الإسلامي، وتعاملوا بكل وحشية، الوحشية التي تجسد فيها سوء ما عليه المجرمين، ما عليه الظالمون والمفسدون والطغاة، كيف ممارساتهم معاملاتهم تصرفاتهم وحشيتهم إجراميتهم، انعدام حتى الأخلاق الإنسانية لديهم، صلبوا الجسد الشريف منزوعاً عنه الثياب والملابس، وبقي مصلوباً لأربع سنوات، بعد ذلك قاموا بإحراقه بالنار، كانوا يغتاظون ، كانوا يرون أثر زيد في الأمة باقياً مستمراً بالرغم من قتلة، بالرغم من قطع رأسه، بالرغم من إرسال رأسه ليطاف به في الآفاق، لكن أثره كان باقياً فكان ذلك يغيظهم، أنزلوه بعد أربع سنوات من الصلب وقاموا بإحراقه، ثم بسحقه، ثم ذروه جزء منه في نهر الفرات، قالوا لكي لا يبقى من زيد ولا حتى ذرة من جسده، ذرو جزءً من جسده الشريف بعد إحراقه وسحقه ذره في نهر الفرات، وجزء جعلوه في مهب الريح، لكي يضيع . وهكذا هو الطغيان والظلم والجور، وهكذا كان للظلم والطغيان امتداده في واقع أمتنا من تاريخها الغابر إلى حاضرها المعاصر، في المقابل كان أيضاً هناك امتداد، امتدادٌ لصوت الحق، امتدادٌ للقائمين بالعدل عبر التاريخ وسيبقى هذا الإمتداد الى قيام الساعة .
عندما أيها الإخوة الأعزاء من هذا الامتداد، طغيان الفراعنة، طغيان الجائرين عبر التاريخ الممتد إلى عصرنا وزمننا، بكلّ ما في عصرنا وزمننا من مَآسٍ وأوجاع وآلام شملت كل أمتنا، أوجاعها وآلامها، ومظالمها الكبرى على يد الكيان الصهيوني الإسرائيلي في فلسطين، وعلى يد أمريكا في بقية بقاع العالم الإسلامي، الأوجاع والآلام والمآسي والمظالم الرهيبة التي تُمارَس بحقّ الأمة، من حكامها وسلاطينها، سلاطين الجور والظلم، الذين سحقوا شعوبهم، أذلوها، وقهروها، وأهانوها، وظلموها بكل أنواع الظلم على كل المستويات.
وبلدنا اليمن هو ضمن هذا الأمة، الأمة الكبيرة، التي كَبُرَ ما تعانيه من ظلم، وجلَّ ما تعانيه من اضطهاد، وعَظُمَ وفَضُعَ ما تعانيه من قهرٍ واستعباد.
نأتي إلى ظروفنا الحالية في بلدنا، فواقعنا نفسه هو الواقع الذي ثارَ عليه زيد، وثارَ قبلهُ الحسين، وواقعنا نفسه هو الذي يستوجبُ منَّا، من منطلق انتماءنا الصادق، إلى كتاب ربنا، إلى مبادئنا العظيمة في إسلامنا، إلى القيم والأخلاق، التي تُعتبر المنظومة الأساسية لإسلامنا وديننا، تفرض علينا أن نثور كما ثاروا، أن نقفَ بوجه الباطل كما وقفوا.
عندما نأتي إلى الظروف التي نعيشها في بلادنا، على المستوى السياسي؛ ترى الكوارث والفظائع والأمور العجيبة، والتي لم نكن نتوقّع أن نعيشها في يومٍ من الأيام، في مثل ما هي عليه.
التفريط بالاستقلال والسيادة، وغابت كل تلك العبارات والجُمَل والمبادئ، والخطابات، وما كنا نسمعهُ مما كان محشوًّا بعبارات الوطنية والوطن وما شابه.. لم يبقَ هناك من أيّ اعتبار لا لوطن، ولا لوطنية، ولا لمواطن.
فرّطوا بالاستقلال والسيادة، بلدنا لم يعد مستقلًّا، بلدنا خاضع خضوعاً كاملاً للوصاية الأجنبية، ومُستباح السيادة.. القواعد الأجنبية في بلدنا.. مصادرة القرار السياسي، من يتحكم بالقرار السياسي في البلد.؟ من يُملي ما يشاء على كبار رجال الدولة ووزرائها ومسئوليها.؟ ثم هم ينفذون بدون أي تردد.. الإهدار لدم أبناء الشعب اليمني، حكومة أهدرت شعبها، دماء شعبها، وأباحت حياتهم، لدرجة أن الأمريكي يُمكنهُ أن يقتل أي يمني، في أي محافظة، بدون أن يُواجِه أي كلمة، أو احتجاج.. يقتل من يريد، في أي محافظة، طفلاً أو كبيراً أو صغيراً، رجلاً، أو امرأة، وكأن الشعب اليمني شعبٌ من الخرفان، وكأنَّ الأمريكي الجزار الذي له أن يذبح من يريد، متى يريد.. هذا الشعب شعب من البشر، كيف ساغَ لهذه الحكومة أن تُهدِرَ دمه.؟ وأن تبيحَهُ للأمريكيين؛ فيقتلونهُ بدون أي مُساءلة أو احتجاج أو أي موقف..؟!!
نجد أيضًا إصرار النافذين في السلطة والقوى التقليدية، على السيطرة على التفاصيل في إطار تنفيذ المؤامرات التي هي لصالح الخارج من خلال صفقات مع الخارج؛ لضمان دعمه، وهذه كارثة.. هذه ربما من أهمّ العوامل الداخلية التي ساعدت على أن يأتي الخارج بكلّ ثقله ليلعب لعبتهُ في البلد، ويتصرف كيفما يشاء ويريد في البلد، ينشر أجهزتهُ الاستخباراتية، يعمل ما يشاء ويريد.
نجد أيضاً أنَّ معظم القوى النافذة في السلطة تتعاطى وفق منطلقات، بناءً على منطلقات ومعايير حزبية خالصة وليست وطنية.. يعني يهمهم مصلحتهم الشخصية ومصلحتهم الحزبية في حدود معينة، ولو على حساب الوطن بكلِّه، على حساب البلد بكلِّه، على حساب الشعب بكلِّه، ليست عندهم مشكلة، ليس للشعب عندهم قيمة ولا كرامة ولا حُرمة.
ثم نأتي إلى المستوى الأمني، فنجد الفظائع أيضًا.. الاغتيالات، انتشار الاغتيالات، وحسب بعض الإحصائيات مائة وستين جريمة اغتيال، في الفترة الأخيرة فقط..!! ومعظم ضحايا الاغتيالات كانوا حتى من الجيش ومن القوى الأمنية، ولكنها طالت أيضاً بقية الفئات من أبناء الشعب، وصولًا حتى إلى المُحامين، والحقوقيين.
الاغتيالات التي تتمّ بصورة وقحة جدًّا تنمُّ عن تواطئٍ، وعن تسهيلاتٍ واضحة، يعني هل هذا الشعب شعبٌ ليس لهُ من يحميه.؟ ما قيمة ما فائدة أن يكون هناك أجهزة أمنية.؟ وأن يكون هناك جيش.؟ ثمَّ المسألة ليست مسألة معقدة.. يعني اغتيالات معقدة تتم بطريقة معقدة..لا، تتم الاغتيالات في وضح النهار في معظمها، أو في بداية الليل.! في الشوارع العامة.! وفي كثيرٍ من الحالات بالقرب من مبانٍ أمنية، من مؤسسات أمنية، من أماكن أمنية، من مناطق خاضعة لسيطرة أمنية قوية.
ليس فهذا فحسب.. أصبحت صنعاء وهي العاصمة التي للأمن فيها ثقله أكثر من أي محافظةٍ أخرى، ويُفترض أن هناك سيطرة أمنية فيها أكثر من غيرها من المحافظات؛ أصبحت هي بؤرةً للشرّ، وبؤرةً للمجرمين والقتلة، يعيثون فيها الفساد، يتحركون على سياراتهم، وموتراتهم، من هذا المكان إلى هذا المكان، من هذا الشارع إلى هذا الشارع، وبكلِّ بساطة، وينفذون جرائم القتل بكلِّ بساطة، وكل جرائم القتل بدون استثناء تمرُّ من دون متابعة، من دون كشف للجُناة، من دون تقديمهم للعدالة.! صنعاء.. فما بالك بغيرها.
على المستوى الأمني نشاهد أن هناك تغذية لحروب داخلية، وبشكلٍ كبير، يُدفع في ذلك المال، تُساهم المؤسسات الرسمية في تغذيتها، مخازن الجيش من داخلها توفر دفعات متنوعة من السلاح، ومتنوعة من الذخائر والقذائف لتمويل هذه الحروب للاعتداء على شريحةٍ واسعةٍ من أبناء الشعب اليمني.. وتسهيلات للأمر لأنه مطلوب، لأنهم يريدون لليمن أن يكون هكذا، بلدًا محترقًا بالحروب والفتن والمشاكل.. بلدًا لا أمن فيه ولا استقرار، وأي حكومة هذه الحكومة التي تساعد على ذلك ؟! وتوظف أجهزتها الأمنية لدعم ذلك ولتسهيل ذلك.؟ قطع للطرقات.. طرقات رئيسية إلى محافظة بأكملها تُقطع، ليُحاصر أبناء محافظة بكلِّها، وبكلِّ بساطة، ويتمّ قطع الطرقات حيث هناك سيطرة كاملة للحكومة، للجيش، للأجهزة الأمنية، وتنزل تعليمات وتوجيهات من المستويات العليا في الدولة، أنِ اتركوا لهؤلاء شأنهم، أنِ افسحوا لهم المجال ليقطعوا الطريق، أولئك الذين يقولون في وسائل إعلامهم أنهم يتلذذون بقطعهم للإمدادات الغذائية، ومنعهم من وصول الدواء للشيبان كما يقولون، وحليب الأطفال للأطفال، ويقسمون أنهم يتلذذون بذلك.!
يعني هناك رعاية.. رعاية رسمية لكل ما يجري، ومن وراء هذه الرعاية الرسمية، هناك مؤامرة خارجية، لمصلحة من تريدون البلد أن يحترق بالمشاكل؟ لمصلحة من تُسهلون.. تقدمون كل هذه التسهيلات، من أجل الفتن والحروب والمشاكل والقتل والنهب والسَّلب.. أليس هذا لمصلحة أمريكا.؟ لمصلحة الخارج.؟ أليس هذا يُضعف اليمن بكلِّه.؟ أليس هذا يُحوّل اليمن إلى صومالٍ آخر..؟!
استهداف للمصالح الحيوية بين آونةٍ وأخرى، وبين كل وقتٍ وآخر، تُستهدف أنابيب النفط، والمسألة عادية.! مسألة عادية.! يُعلنُ عنها، وتتعاطى معها الجهات الرسمية بكل تغاضٍ.
في نهاية المطاف يتضرر الشعب اليمني.. استهداف المنشئات الخدمية في مقدمتها النفط، والكهرباء، استهداف في الآونة الأخيرة حتى للقطاع الخاص، بدأ هناك عمل منظم لاستهداف كبار التجار، وسمعنا عن ما حصل في تعز، وعن حالات حصلت في صنعاء.
اختطافات بشكلٍ كبير.. توسيع دائرة الاستهداف بالقتل لتشمل الجميع، كل فئات الشعب، حتى أعضاء مجلس النواب، وصولًا إلى الحادثة الإجرامية الأخيرة، التي استهدفت الشهيد العزيز/ عبد الكريم أحمد جدبان، رحمهُ الله.
في بداية الأمر نودّ أن ننوه وننبّه ونؤكد على أنها جريمةٌ سياسية بامتياز.. جريمة سياسية، وليست جريمةً طائفية، وليس ورائها بُعدٌ طائفي.. هي جريمةٌ سياسية، هذا شيء مؤكد، واستهداف أخانا العزيز الشهيد الدكتور عبد الكريم أحمد جدبان، رحمهُ الله، هو استهداف للقيم بكلِّ ما عُرِفَ به هذا الرجل من قِيَم وأخلاق، واستهداف للمعرفة والعلم.. هذا الرجل كان عاشقًا للمعرفة، عاشقًا للعلم، حاملاً للعلم، والقوى الهمجية العميلة المدمّرة للبلد، لا تتقبل أن يكون في أوساط شعبنا من هذا النوع.. يشقّ عليها أن تصبر، هذه مشكلة عندها، القوى الهمجية بكل همجيتها وجهلها وغبائها وتبلّدها وإجرامها ونزعتها الطغيانية، لا تقبل أن يكون في البلد متنورون، أصحاب معرفة، أحرار.. هذه مشكلة عندها.
كذلك نعرف أن النهج الصهيوني والأمريكي لا يقبل لأي بلد أن يكون فيه متنورون أحرار.. أحرار، لا يقبل بهذا، هو يستهدفهم.
استهدافهُ أيضًا كان استهدافًا للعيش المشترك لتغذية الفتن والانقسامات والحروب الداخلية، واستهداف للاستقرار والأمن، استهدافهُ كان استهدافًا للتوجه والمسار المنادي باستقلال البلد، وصون كرامة الشعب، ومكافحة الفساد، وإصلاح الأوضاع.
فالشهيد العزيز كان هذا مسارُه، مسار العمل على استقلال البلد وصون كرامة الشعب، مكافحة الفساد.. الجريمة بشكلها دليلٌ على الإفلاس، إفلاس مرتكبيها ومن ورائهم من القيم والأعراف، كيف ساغَ لهم أن يستهدفوا رجلاً عارفًا عالمًا.. رجلَ سلام، مُسالم.؟ أن يستهدفوه، حتى أعزل من السلاح، ليس معه ولا حتى سكين، وهو خارجٌ من الصلاة، فيقتلونهُ بدمٍ بارد.
وفي صنعاء، ومثلما أسلفنا، ما يحصل في صنعاء وهي العاصمة، ويُفترضُ فيها أن الأمن فيها أكثر من غيرها من المحافظات، دليل على تسهيلات رسمية للقتلة والمجرمين.. في المقابل هناك تضييق كبير على الفئات المستهدفة من حماية نفسها، أي مجرم أيّ قاتل أيّ متنفذ يُعطونه آلاف الأرقام الأمنية، ويُعطونهُ التصريحات لحمل السلاح، أما الفئات المستهدفة فمن العسير عليها أن تحصل على أرقام أمنية أو تصريحات لحمل السلاح للدفاع عن نفسها..!! لماذا.. لماذا تفعلون ذلك.؟ القتلة والمجرمون والمتوحشون تُعطونهم كل التسهيلات، ويُمنحون أرقامًا أمنية وتصريحات ليحملوا السلاح، أما من يريد أن يدافع عن نفسه لأنه مستهدف، فأنتم تضايقونهُ وتحرصون على تجريدهِ من السلاح.. لا أنتم تحمونهُ، ولا أنتم تسمحون له بحماية نفسه، تسهيلات لعملية القتل، وشكل من أشكال التواطئ والإسهام المباشر فيما يحدث.
هنا نسأل أين دور وزارة الداخلية.؟ ولمصلحة من تعمل.؟ وماذا بقيَ لها تقدمه للشعب.؟ نُدرك أنها لا تعمل لمصلحة المواطن اليمني، كمواطن يمني، لأنها أصبحت إقطاعية حزبية، لم تعد وزارة الداخلية مؤسسة رسمية لمصلحة الشعب اليمني، أصبحت إقطاعية لحزب الإصلاح.
طالما أن الضحية ليس من حزب الإصلاح لا يهم، يُقتل من قتل، ويُنهب من نُهب، ويُعتدى على أي إنسان.. لا يهم، طالما أنه ليس من حزب الإصلاح ما هناك من مشكلة لدى وزارة الداخلية.
وزير الداخلية بنفسه هو ضحية لسياسات وتوجهات حزبه، لأن حزب الإصلاح يريد أن يكون فقط هو من يأمن ويسلم، وهكذا يتصور، ولا يدرك أنه في نهاية المطاف سيكون حاله حال بقية اليمنيين، وأن يُؤتى على الثور الأسود مثلما استُهدفَ الثور الأبيض، مثلما استُهدفَ الأحرار قبل الأثوار.
نحن نقول: أن هذا التوجه الأناني الإقصائي الاستبدادي لحزب الإصلاح، في ممارساته في المؤسسات التي سيطر عليها في الدولة، توجّه سيء، وينمّ عن بُعد كبير عن القِيَم والمبادئ.. لماذا.؟
حزب الإصلاح يريد أن تكون مؤسسات الدولة، أن يكون البلد بكلِّه، أن تكون الثروة العامة للحزب، ليس عندهُ منطلق أن يكون هو حزبًا في خدمة الوطن، وحزبًا في خدمة الشعب.. لا، حزب مصلحي فئوي طائفي أناني، لا يُفكّر إلا في مصلحته، ويريد تجيير كل المؤسسات والثروة العامة لمصلحته فقط. هذه النظرة السلبية لها تأثيراتها السلبية لأنها أصلًا هي لُبُّ الاستبداد، وهي جوهرُ الطغيان.
هذه النظرة الأنانية الاستبدادية الإقصائية، وبالتالي يعقد صفقات مع الخارج، على أنه في اليمن يأمن الأمريكيون، وتأمن المخابرات الصهيونية التي أعلنت عن زيادة نشاطها في اليمن، أعلنت مؤخرًا هذا، ويأمن بعض رموز وقادة حزب الإصلاح، أما بقية اليمنيين فلا مشكلة في أن يكونوا مستهدَفين.. وفي أن يحترقَ البلد بكلِّه.
نعم.. ولذلك نجد الموقف السلبي بالأمس لحزب الإصلاح في داخل مجلس النواب.. كان لمعظم أعضاء مجلس النواب موقف مُشرِّف، عندما عملوا على مساءلة هذه الحكومة، لماذا هذا الانفلات الأمني.؟ لماذا هذه الفوضى في البلد.؟ لماذا هذا الاسترخاص لحياة اليمنيين ولممتلكاتهم.؟ لم تستجب الحكومة للمساءلة، قدموا عريضةً لسحب الثقة عن الحكومة، اعترض ممثلو حزب الإصلاح في داخل البرلمان، مع أنهم أقروا بفشل وعجز الحكومة عن القيام بمسئولياتها.
طبعًا.. إذا أنتم تُقرّون أنهم حكومة عاجزة فاشلة، فلماذا تحولون دون مساءلتها.؟ لماذا تدافعون عن أدائها الفاشل.؟ هل تريدون أن يُحكمَ البلد بالفشل.؟ وأن تعمَّ الفوضى.؟
نحنُ نشيد ونقدِّر ونثمِّن الموقف الشريف لمعظم أعضاء مجلس النواب بالأمس، ونحن نشد على أيديهم أن يستمروا في عمليات الضغط لمواجهة هذه الفوضى، وهذا الانفلات الخطير جدًّا على البلد.
ثم نحن نشيد ونقدّر ونثمّن الإجماع الوطني على إدانة الجريمة الفظيعة في استهداف الشهيد الدكتور/ عبد الكريم جدبان.. نقول هذا الإجماع الذي رأيناه وسمعناه، رأيناه في يوم تشييع الشهيد الدكتور رحمهُ الله، وسمعناه من خلال البيانات التي صدرت عن كل القوى السياسية بدون استثناء.. هذا الإجماع على إدانة الجريمة لماذا لا يتحول إلى اصطفاف وطني، لمواجهة هذه الاختلالات الأمنية، لمنع المجرمين والمفسدين من تدمير البلد، وإفقاد الشعب اليمني أمنهُ واستقراره.؟ لماذا لا يتحول إلى اصطفاف وطني لعمل ما من شأنه أن يُوقف مسلسل الجرائم وأن يحمي الشعب.؟
وإذا استطردنا في الكلام عن الحالة التي يعيشها البلد، على المستوى الاقتصادي.. تدمير البنية الاقتصادية.. اعتماد الجُرع.. الاعتماد على التسوّل.. الاعتماد على القروض.. الفساد الرهيب، أشياء فضيعة.
نأتي إلى الدور الإعلامي، لنجد المشكلة أيضًا هناك كما هي في بقية المجالات.. للأسف الشديد يصبُّ الجهد الإعلامي للقوى المتمكنة إعلاميًّا في مسارها السياسي الهدّام حاملًا نفس العِلل، فنجد في وسائل الإعلام لتلك القوى التركيز الكبير على كلِّ ما من شأنه أن يزيد من حالة الفُرقة والعداوة والبغضاء، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وإثارة الفتن.
نلحظ تهميش كبير، وتبسيط للقضايا الكُبرى.. تُنتهك سيادة الشعب اليمني، يتعاطى الإعلام تعاطٍ هادئ بارد فاتر، كلّ القضايا المهمة، يتعاطى معها إعلام بعض القوى، والتي هي متمكنة إعلاميًّا بشكلٍ باردٍ وفاتر، وبتبسيط وتهوين للمسألة، بينما قضايا أخرى تشهد سخونةً إعلامية، وتعبئةً إعلامية بشكل كبير، بغيةً لإثارة الفتن والمشاكل.
نلحظ غياب الدور الإيجابي لوسائل الإعلام، نسأل كم كتابات.. كم برامج تصبُّ في الاتجاه الإيجابي.؟ فيما من شأنه أن يعزز التعايش السلمي، أو يساعد على حل المشاكل، أو يرفع مستوى الوعي للشعب تجاه قضايا أساسية ومهمة.. لا شيء، دور سلبي يخدم في نهاية المطاف من.؟ يخدمَ حالةَ الفوضى، يخدم حالة انعدام الاستقرار، يخدم الخارج الطامع، يخدم القوى المتآمرة في البلد من الداخل، ووراء ذلك كلِّه اختلال كبير في التوجهات، التوجهات العامة للقوى السياسية، وفي ممارسة العمل السياسي.
نلحظ غياب كبير للاهتمام.. غياب بالكامل يكاد يكون بالكامل للاهتمام بالقضايا الكبرى، التي أُخرجَت للأسف الشديد عن دائرة الاهتمام، بل أُدخِلت من جانب تلك القوى في دائرة الاستغلال والمناكفات، على مستوى سيادة البلد.. كثير من القوى السياسية لم يعد عندها التفات إلى هذا الأمر نهائيًا، وليس عندها مشكلة في أن يكون اليمن بلداً لا استقلال له، ولا سيادةَ له، ولا حُرمةَ له.. ليس عندها مشكلة في ذلك، هي مشغولة فقط أن تتودد إلى الخارج بالتحرّك العدائي ضد أي طرف في الوطن في الداخل يحرص وينادي باستقلال البلد، بالانتقاد والمناهضة لانتهاك سيادة البلد.
غياب القِيَم الإنسانية والدينية والوطنية عن منطلقات وسلوكيات العمل السياسي، حتى من بعض الأحزاب التي تُلبس مسارها السياسي ثوب الدين، ثوب الإسلام.. غياب العدل والإنصاف، لأن العدل والإنصاف يُفترض أن يكون قاعدة أساسية للتعاطي للإنسان لمسلم في أي مسار من مسارات حياته، وفي مقدمتها المسار السياسي، حتى مع من تكره، ومع من تختلف (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُوْنُوْا قَوَّامِيْنَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى ألَّا تَعْدِلُوا) هل قرأ فقهاء وعلماء ووعَّاظ وخطباء حزب الإصلاح هذه الآية؟ أم عَمُوا عنها.؟ (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى ألَّا تَعْدِلُوْا اعْدِلُوْا هَوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
حتى غياب الأسس الوطنية الجامعة، الشراكة الوطنية، التعايش السلمي، كل هذه الأشياء ضاعت.. وللأسف الشديد نحن نقول أيها الأخوة: حتى لا يضيع البلد والشعب في مهب ريح الأخطار والتحديات نؤكد على ضرورة استشعار الخطر، يا قوم.. يا ناس.. يا قوى سياسية، هناك خطر حقيقي يتهدّد بلدنا، ويتهدّد شعبنا بكلّه، وهو خطرٌ على الجميع، والبعض الذي يُراهن على صفقات مع الخارج هو حتى هو يتعرض للخطر في نهاية المطاف، وأولئك الذين يراهنون عليهم ليسوا أوفياء مع أحد، ولماذا لا يأخذون العبرة مع ما قد حصل مع غيرهم.؟!
يجب أن نستشعر المسئولية.. الجميع، كلنا يجب علينا أن نستشعر المسئولية تجاهَ أنفسنا، بلدنا، شعبنا، وأنه لا بد من العمل والتحرّك الجاد على كل المستويات لدفع هذا الخطر، لتحقيق مصلحة بلدنا، أمنه، استقراره، استقلاله، كرامة شعبنا، والحفاظ عليه.
يجب العمل على تحقيق أهداف الثورة التي مثّلت أملاً كبيرًا لشعبنا اليمني، وهنا.. ولخدمة أهداف الثورة يُفترض أن يكون هناك اهتمام بمخرجات الحوار الوطني على ألا تتجاوز القضايا الرئيسية، لا ينبغي أبدًا، ولا يجوز أن يتجاوز الحوار الوطني القضايا الكُبرى، في مقدمتها بناءُ الدولة، والقضية الجنوبية، وكذلك العدالة الوطنية.. قضايا رئيسية وأساسية لا ينبغي أبدًا تجاوزها وتجاهلها، في مقابل أن مؤتمر الحوار أنجز مسائل أخرى من قبيل زواج الصغيرات وما شابه.. لا ينبغي، هذا استخفاف بالشعب، هذا احتقار للشعب، هذا استهانة بشعبٍ كامل.
نؤكد على ضرورة المرحلة التأسيسية، كمرحلة جديدة لبناء دولةٍ عادلة نحو يمنٍ جديد، وكذلك لتحقيق وتطبيق مُخرجات الحوار الوطني، بدون مرحلة تأسيسية معناه إدخال اليمن في متاهة نحو المجهول، معناه تضييع كل مقررات الحوار الوطني، معناه إبقاء البلد في حالةٍ من الفوضى، بل وإدخاله إلى واقعٍ أسوء مما هو فيه، معناه عودة للاستبداد والاستغلال والارتهان الفظيع للخارج.
المرحلة التأسيسية هي لمصلحة الوطن.. كل الوطن، ويفترض ببعض القوى السياسية التي تُحاول الحيلولة دون مرحلة تأسيسية أن تراجع موقفها لمصلحة الشعب ولو لهذه المرة.. ولو لهذه المرة.
نحنُ نؤكِّد على أهمية أن يكون الدخول إلى المرحلة التأسيسية من بوابة المصالحة الوطنية، أُقرّ ضمن مقررات الحوار الوطني أن يكون هناك هيئة للمصالحة الوطنية، نحنُ نؤكد على أهمية أن تكون المصالحة الوطنية في بداية المرحلة التأسيسية، حتى ندخل إلى المرحلة التأسيسية في جوِّ وئام، وليس في جوِّ خِصَام، وتنازع، ومحاولة من البعض ضمن منهجيتهم القائمة على الاستبداد والأَثَرَة، والسيطرة على كل شيء، وبالتالي الاختلاف الدائم مع الآخرين، والمناكفات السياسية التي تؤثر على كلِّ شيء.
هذه بعض المسائل المهمة التي نريد التنبيه عليها في هذا اليوم، وفي هذه الذكرى المهمة.
ونحنُ أيها الأخوة الأعزاء في الختام نقولُ لشعبنا ولأمتنا: إننا في مسيرتنا القرآنية، وانطلاقًا من مشروع زيد بن علي عليهما السلام، وثورته التي كانت امتدادًا لثورة جدّه الحسين عليه السلام، في دربِ جدّهِ المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبتوفيقِ الله، والاعتماد عليه، والتوكل عليه، سنواصل المشوار؛ سعيًا لإقامة العدل، وعملاً لدفع الظلم، ووقوفًا بوجه الجائرين والمستكبرين، واثقين من الله بالنصر، وُحسن العاقبة.. والعاقبةُ للمتقين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.4shared.com/mp3/jfJoG5lA/__–_______________1435-_.html

التعليقات مغلقة.