توطين صناعة الألبان.. ثورة 21 سبتمبر تفتح معركة الاكتفاء وتكسر التبعية الغذائية

صنعاء سيتي  | تقرير | أحمد قحيم

لم تكن معركة اليمن مع الاستيراد معركة أرقام أو سلع، بل معركة سيادة وقرار.. فعلى مدى عقود، جرى تحويل البلاد إلى سوق مفتوحة، تُغرقها المنتجات الأجنبية، فيما جرى تهميش الإنتاج المحلي، وتجفيف الريف، وضرب سلاسل القيمة الزراعية والحيوانية، حتى بات اليمن – رغم موارده – يعتمد على الخارج في غذائه اليومي.

اليوم، ومع ثورة 21 سبتمبر التي حررت القرار السيادي من الوصاية الأمريكية والخليجية، تشهد البلاد تحوّلًا نوعيًا في مقاربة الاقتصاد، كان من أبرز تجلياته استراتيجية توطين صناعة الألبان، بوصفها نموذجًا عمليًا للانتقال من الاستيراد إلى الإنتاج، ومن التبعية إلى الاكتفاء.

كيف صُنعت التبعية الغذائية؟

تكشف بيانات الاستيراد أن اليمن كان ينفق مئات الملايين من الدولارات سنويًا على استيراد الألبان ومشتقاتها، في وقتٍ تمتلك فيه البلاد مقومات إنتاج محلي واسعة.. ففي العام 2023 فقط، بلغت واردات الألبان والأجبان والزبدة والسمن أكثر من 384 مليون دولار، وهي كميات تعادل احتياجًا سنويًا يقارب 948 ألف طن من الحليب الخام، أي أكثر من 2.6 مليون لتر يوميًا.

هذا الواقع لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة:

  • سياسات إغراق متعمدة.

  • غياب الحماية للمنتج المحلي.

  • تهميش الريف والمزارع.

  • تفكيك سلاسل القيمة الزراعية.

  • ربط الأمن الغذائي بالأسواق الخارجية.

والأخطر أن هذا النمط جعل الغذاء أداة ضغط سياسي واقتصادي، ووسيلة ابتزاز للشعوب، في انتهاك مباشر لحقها في السيادة.

توطين صناعة الألبان.. الأرقام تتحدث

منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة الحليب ومشتقاته (NSLD) في يونيو 2023، وحتى ديسمبر 2025، تحققت نتائج غير مسبوقة، خصوصًا في محافظة الحديدة وتهامة:

  • رفع الطاقة الإنتاجية من 16,470 لترًا يوميًا إلى 157,000 لتر يوميًا، بنسبة نمو تجاوزت 850% خلال عامين ونصف.

  • زيادة عدد الأبقار المنتجة من 4,186 إلى 40,000 بقرة.

  • إنتاج أكثر من 81.4 مليون لتر حليب بقيمة تجاوزت 34.5 مليار ريال.

  • توفير 19 مليون دولار سنويًا من فاتورة الاستيراد، أي أكثر من 10 مليارات ريال.

  • إيجاد أكثر من 20,884 فرصة عمل مباشرة في الحديدة وحدها، ضمن سلاسل القيمة المختلفة، بما يعني استفادة مباشرة وغير مباشرة لأكثر من 104 آلاف مواطن.

  • ضخ سيولة نقدية في السوق المحلية تجاوزت 34.5 مليار ريال، أسهمت في تحريك الاقتصاد المحلي.

هذه النتائج لم تكن إنتاجًا خامًا فقط، بل ثمرة منظومة متكاملة شملت:
  • إنشاء مراكز تجميع الحليب.

  • تمويل شراء الأبقار.

  • تجهيز عيادات بيطرية.

  • دعم الأعلاف والنقل المبرد.

  • دعم حكومي مباشر بلغ 80 ريالًا لكل لتر.

كما برز البعد الاجتماعي للاستراتيجية، من خلال تمكين الجمعيات التعاونية، ودعم المعاقين وأسر الشهداء والمتضررين، وتوسيع قاعدة المستفيدين، بما جعل التوطين مشروعًا تنمويًا شاملًا لا قطاعيًا ضيقًا.

القرار المشترك الأول.. حماية الإنتاج من بوابة السيادة

شكّل القرار المشترك الأول بين وزارات المالية والاقتصاد والصناعة والاستثمار نقطة تحوّل مفصلية، عبر:

  • منع استيراد السلع التي يغطيها الإنتاج المحلي، وعلى رأسها الألبان السائلة.

  • تقييد استيراد السلع التي يغطيها الإنتاج المحلي جزئيًا.

  • إعادة توجيه فاتورة الاستيراد نحو الداخل.

وأكد القائم بأعمال رئيس الوزراء، العلامة محمد مفتاح، أن هذه الإجراءات تأتي في سياق تنظيم الاستيراد ودعم الإنتاج الوطني، فيما شدد وزير المالية عبدالجبار أحمد على أنها برامج حماية فعّالة لا إجراءات طارئة.

الإنتاج فريضة والسيادة مسؤولية

يندرج توطين الألبان ضمن رؤية قرآنية واضحة تقوم على: ﴿كُلُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾.
وهي رؤية لا تفصل بين الشكر والعمل، ولا بين العبادة والإنتاج.

وقد شكّلت توجيهات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي – حفظه الله – الأساس الفكري لهذا المسار، حيث أكد مرارًا أن:

  • حماية المنتج الوطني واجب سيادي.

  • ضبط الاستيراد ضرورة لا خيار.

  • وعي المستهلك هو خط الدفاع الأول.

  • تجميع رؤوس الأموال في تعاونيات هو طريق النهضة.

  • لا كرامة لأمة تستورد كل شيء وهي قادرة على الإنتاج.

هذه الرؤية تُرجمت اليوم إلى سياسات عملية، تعيد الاعتبار للإنتاج، وتضع الاقتصاد في خدمة المجتمع، لا العكس.

ثورة 21 سبتمبر.. الجذر الذي أعاد اليمن إلى نفسه

ما كان لهذه التحولات أن تتحقق لولا ثورة 21 سبتمبر التي:

  • حررت القرار الاقتصادي.

  • أسقطت الوصاية الخارجية.

  • أعادت توجيه الدولة نحو الاكتفاء.

  • أرست قواعد الاقتصاد المقاوم.

  • نقلت اليمن من الهامش إلى الفعل.

إن توطين صناعة الألبان ليس مجرد نجاح زراعي، بل إعلان واضح عن دخول اليمن مرحلة اقتصادية جديدة، عنوانها:
الإنتاج بدل الاستيراد، والسيادة بدل التبعية، والقرار الوطني بدل الإملاءات الخارجية.

نهضة اقتصادية وطنية شاملة

تجربة توطين صناعة الألبان تثبت أن اليمن، حين يمتلك قراره، قادر على أن ينتج، ويكتفي، ويبني اقتصاده بيديه.. وهي تجربة قابلة للتوسع والتكرار في قطاعات أخرى، لتشكّل معًا نهضة اقتصادية وطنية شاملة، تضع البلاد على طريق الاستقلال الحقيقي.

*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر

التعليقات مغلقة.