صناعة الملبوسات في اليمن.. بوابة استعادة السيادة الاقتصادية بعد ثورة 21 سبتمبر
صنعاء سيتي | تقرير | أحمد قحيم
لم تكن صناعة الملبوسات في اليمن يومًا مسألةً تجارية عابرة، بل ظلّت لعقود مرآةً صادقةً لحال الاقتصاد الوطني: صعودًا حين كان القرار بيد اليمنيين، وانهيارًا حين أُرتهنت البلاد لسياسات الإغراق والوصاية الخارجية.
اليوم، وبعد ثورة 21 سبتمبر المباركة، تعود هذه الصناعة الحيوية إلى الواجهة، لا كقطاع إنتاجي فحسب، بل كعنوانٍ لمعركة السيادة الاقتصادية، وتجسيدٍ عملي لشعار «نلبس مما نصنع»، في مواجهة نموذجٍ استعماري عمل طويلًا على تحويل اليمن من بلد منتج إلى سوق استهلاكية تابعة.
هذا التقرير يتناول صناعة الملبوسات من ثلاثة أبعاد مترابطة: المشكلة وتشخيصها، الشواهد الواقعية على التحول، ثم الرؤية القرآنية للمعالجة، بوصفها الإطار الناظم لمسار التوطين وبناء الاقتصاد المقاوم.
قبل ثورة 21 سبتمبر، تعرّض قطاع الملبوسات، ومعه مجمل الصناعة الوطنية، لحرب صامتة لا تقل خطورة عن العدوان العسكري. سياسات الخصخصة، وتجفيف التمويل، وفتح الأسواق بلا ضوابط، والتدخلات الخارجية، أدّت إلى:
-
تعطيل مصانع استراتيجية، وفي مقدمتها مصنع الغزل والنسيج، العمود الفقري لصناعة النسيج اليمنية.
-
انهيار سلسلة القيمة الصناعية، من الزراعة (القطن) إلى التصنيع والتسويق.
-
قفز فاتورة استيراد الملابس إلى مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
-
فقدان عشرات الآلاف من فرص العمل، وتحويل آلاف الأسر إلى ضحايا للبطالة والفقر.
هذا المسار لم يكن عشوائيًا، بل انسجم تمامًا مع ما حذّر منه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، حين أكّد أن استراتيجية العدو تقوم على إبقاء الشعوب مستهلكة، وتعطيل قدرتها على الإنتاج والاكتفاء الذاتي، في الغذاء والملبس وسائر مقومات الحياة.
مع استعادة القرار الوطني بعد ثورة 21 سبتمبر المباركة، بدأت معركة من نوع آخر، معركة بناء الاقتصاد المنتج.. وفي قطاع الملبوسات، ظهرت مؤشرات التحول بوضوح:
1. تعافي السوق وبروز قاعدة إنتاجية وطنية
-
تغطية الإنتاج المحلي حاليًا نحو 30–40% من احتياجات السوق، مع قابلية سريعة للتوسع.
-
مصانع ومعامل يمنية تنتج ملابس رجالية ونسائية وولادية، داخلية وشتوية، بجودة منافسة وتصاميم حديثة.
-
أسعار محلية أقل من المستورد، مع تحسّن ملحوظ في التغليف والعرض.
2. الكادر الوطني.. رأس المال الحقيقي
-
وجود كفاءات يمنية عالية في الخياطة والتصميم والتشغيل.
-
مشاركة واسعة للمرأة في العملية الإنتاجية، بما يعزز التمكين الاقتصادي ويخلق فرص عمل مستدامة.
-
أكثر من 50 ألف خياط يعملون اليوم في هذا القطاع، مع قابلية لرفع الرقم إلى 300 ألف فرصة عمل عند الوصول للاكتفاء الذاتي.
3. السياسات الحكومية الداعمة
-
منع استيراد أكثر من 20 صنفًا من السلع التي يمكن توطينها، ضمن سياسة تدريجية تحمي السوق.
-
إعفاءات جمركية وضريبية لمدخلات الإنتاج.
-
توجيه الجهات الحكومية لشراء المنتج المحلي.
-
إنشاء إدارة لضبط التكاليف، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
4. الإطار التشريعي.. قانون الاستثمار الجديد
قانون الاستثمار رقم (3) لسنة 2025م شكّل مظلةً قانونية داعمة للصناعة الوطنية، عبر:
-
حوافز وإعفاءات لرؤوس الأموال المتوسطة.
-
ضمانات قانونية للمستثمرين.
-
التوجه لإطلاق نافذة واحدة لمعالجة شكاوى المستثمرين وتقليص البيروقراطية.
5. مصنع الغزل والنسيج.. الرمز والمعركة القادمة
إعادة تشغيل هذا المصنع التاريخي تمثّل الحلقة المفصلية في استكمال سلسلة التوطين، واستغلال القطن المحلي، وخفض كلفة الإنتاج، والانتقال من الاكتفاء إلى التصدير.
الرؤية التي تحكم هذا التحول ليست تقنية فقط، بل قرآنية وسيادية.. فقد ربط الشهيد القائد، كما السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، بين القوة الاقتصادية وكمال الإيمان والقدرة على مواجهة العدو.
القرآن حين يأمر بالإعداد {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} لا يحصر القوة في بعدها العسكري، بل يشمل القوة الاقتصادية، والقدرة على الإنتاج، والتحرر من التبعية.
ومن هنا، فإن توطين صناعة الملبوسات:
-
يحصّن القرار الوطني من الابتزاز والحصار.
-
يقطع واحدة من أهم قنوات استنزاف العملة الصعبة.
-
يحوّل المجتمع من مستهلك ضعيف إلى منتج صامد.
وهو بالضبط ما حذّر منه الشهيد القائد حين كشف زيف ما يسمى «المنتج الوطني» المرتبط بالخارج، ودعا إلى إنتاج حقيقي مستقل، بمواد أولية محلية، وإرادة وطنية خالصة.
*ثورة 21 سبتمبر.. حين يصبح الاكتفاء موقفًا
ما يشهده اليمن اليوم في قطاع الملبوسات ليس تجربة عابرة، بل مسار استراتيجي أعاد الاعتبار لفكرة الاكتفاء الذاتي، ورسّخ ملامح اقتصاد مقاوم، بدأ ينسج خيوطه بثبات.
-
أعادت لليمن قراره.
-
حرّرت اقتصاده من الوصاية الأمريكية والخليجية.
-
وضعت الإنتاج المحلي في صدارة الأولويات.
ومع استمرار هذا النهج، فإن صناعة الملبوسات مرشّحة لأن تكون بوابة اليمن من الاكتفاء إلى التصدير، وعنوانًا لمرحلة جديدة، يلبس فيها اليمنيون من صنعت أيديهم، ويصنعون مستقبلهم بإرادتهم.
*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر
التعليقات مغلقة.