اليمن ومعركة الوعي: مواجهة التهويل الإسرائيلي وتثبيت معادلة الردع
صنعاء سيتي | تقرير | جميل الحاج
التهويل الإعلامي الإسرائيلي: سلاح العاجز في مواجهة الانتصارات اليمنية
معركة الوعي والصمود: توجيهات السيد القائد وتثبيت صمود الشعب اليمني
برز اليمن خلال العامين الماضيين كلاعب محوري في عمليات إسناد غزة، من خلال تنفيذ ضربات نوعية وصلت إلى عمق الكيان الصهيوني، ومن خلال عمليات عسكرية استهدفت سفن العدو الإسرائيلي والسفن المرتبطة به والمتوجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، إلى جانب فرض حصار بحري مشدد عجزت الولايات المتحدة وبريطانيا عن إيقافه أو فكه.
ومع تحقق هذه الإنجازات، وجد العدو نفسه أمام واقع جديد عنوانه: عجز الردع وفشل تعطيل القدرات اليمنية.
وأمام هذا التحول، صعّد العدو الإسرائيلي وحلفاؤه من حملات التهويل والتضليل الإعلامي، في محاولة للتغطية على إخفاقاته العسكرية.. هذه الحملات ليست سوى امتداد للحرب النفسية التي تُبنى على بث الشائعات، وتضخيم الأكاذيب، وزرع الخوف في وعي المجتمع اليمني، بعد أن فشل العدوان المباشر والحصار الاقتصادي في تحقيق أهدافه.
يلجأ العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي إلى ما يُعرف بـ”سلاح التهويل”، الذي يعتمد على التهديد باستخدام القوة أكثر من استخدامها فعلياً، بهدف إحداث صدمة نفسية تُشكّل ضغطاً داخلياً على المجتمع.
الهدف منها ليس عسكرياً بقدر ما هو محاولة لإعادة تشكيل الوعي، بحيث تُزرع صورة دائمة تربط المقاومة بالدمار، وتفصل الشعب عن قيادته، وتُصوِّر المواجهة مع العدو الإسرائيلي وكأنها عبء على اليمن، لا موقف ديني أخلاقي وإنساني لصالح قضايا الأمة.
وحين يفشل العدو في امتلاك بنك أهداف دقيق، يلجأ إلى القصف العشوائي للأحياء والمرافق والأسواق، في محاولة لتعويض جمهوره الداخلي بصورة “الجيش القادر على الضرب من السماء”، رغم عدم وجود قيمة عسكرية حقيقية لهذه الضربات.. وهكذا ينتقل الصراع من معركة قوة إلى معركة أعصاب ووعي.
قبل أن تُطلق الرصاصة، تُطلق الشائعة.. هذا هو المبدأ الذي تقوم عليه الحرب الجديدة ضد اليمن، الهدف لم يعد قصف صنعاء بالصواريخ، بل قصف وعي المواطن اليمني وتفكيك ثقته بقيادته ومؤسساته، تسعى هذه الحرب إلى تكسير الثقة الداخلية من خلال إشعال الخلافات، وزرع بذور الإحباط واليأس، وتحويل الانتباه عن المعركة الحقيقية ضد العدوان الخارجي إلى صراعات داخلية.
وفي أوقات التهدئة، لا يتوقف التهويل، بل يتحول إلى حرب باردة تُستخدم فيها المؤامرات عبر العملاء، والضغوط الاقتصادية، وإشاعة القلق الدائم من جولة جديدة.. وهكذا يُراد للمعاناة أن تتحول إلى نمط حياة يُنهك المجتمع ببطء.
تبدأ هذه الحرب من شاشة كل هاتف، عبر جيوش إلكترونية وحسابات مزيفة تتقن فن التضليل، وتعمل على خلق بيئة رقمية مشوهة تزرع الشك في كل موقف وطني، إنها أخطر أنواع الحروب، لأنها بلا دخان وبلا أصوات انفجارات، لكنها تستهدف النسيج الداخلي للمجتمع، وتبحث عن أصحاب النفوس الضعيفة لتدفع لهم وتدربهم على أعمال الخيانة، بهدف تفجير المجتمع من الداخل وإشغال الناس ببعضهم البعض.
ويعتمد تهويل العدو الإسرائيلي على تهديد كل ما يلامس حياة الناس: المنازل، الأطفال، المستشفيات، المدارس، الموانئ والمطارات.
وذلك بهدف جعل كل فرد يشعر بأنه داخل دائرة الخطر، وأن حياته الشخصية مهددة، ليصبح أداة ضغط على القيادة السياسية والعسكرية، وفي الوقت نفسه، يقدم العدو المدنيين كرهائن تفاوضيين لإجبار اليمن على تقديم تنازلات تخدم الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
يتبنى العدو الإسرائيلي والأمريكي وأدواتهم في المنطقة العربية ما يسمى بـ “عقيدة الضاحية” المبنية على التدمير الواسع للمناطق المدنية، لإيصال رسالة مفادها أن البيئة المدنية نفسها هي ساحة عقاب، ويُرفَق ذلك بحملات إعلامية تهدف إلى شيطنة المنازل والمنشآت المدنية عبر سردية الدرع البشري، وتجريد المدني من حصانته القانونية.
إلى جانب ذلك، تُستخدم وسائل الإعلام كمنصة مركزية للحرب النفسية، تُضخ عبرها تهديدات من نوع “سننهي وجودكم” و”سندمر قدراتكم”، وهي تهديدات مصممة للاستهلاك الإعلامي أكثر من كونها خططاً عسكرية، كما تُستنسخ مشاهد الدمار في غزة لاستخدامها كوسيلة ترهيب جاهزة.
ويتوسع التهويل ليشمل تهديد المرافق الحيوية مثل الموانئ والمطارات والمعابر، بهدف جعل الناس يشعرون بأنهم داخل سجن كبير تحت حصار اقتصادي ونفسي.
وتُستخدم سياسة الاغتيالات، عبر استخدام التكنولوجيا وأن لديها معلومات عن كل شيء، وأنها تستطيع استهدافهم متى أرادت، أي إشعار الناس بأنهم مراقَبون.
لا يتعامل العدو مع المجتمع ككتلة واحدة، بل يوجه رسائل مختلفة لكل شريحة وفق حساسياتها. وحتى المجاهد في القوات اليمنية المحصّن عقائدياً، يحاول العدو إيصال التهويل إليه عبر أسرته وجيرانه وأصدقائه، وهكذا يتحول المدني إلى الساحة الأساسية في الحرب النفسية.
وتُظهر التجربة التاريخية أن التهويل قد ينجح في خلق صدمة مؤقتة، لكنه يفشل على المدى الاستراتيجي، إذ يتحول الخوف لدى الشعوب إلى غضب ثم إلى مزيد من التمسك بخيار المقاومة، لأن الاستهداف يُفهم على أنه استهداف للدين والوجود والكرامة والمستقبل.
يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي ـ يحفظه الله ـ أن مواجهة تهويل العدو الإسرائيلي وحلفائه تتطلب الثقة بالله، والوعي بمخططاتهم الإعلامية والنفسية، وتعزيز الصمود الشعبي والعملي، مشيراً إلى أن الحملات الإعلامية ضد المقاومين هي جزء من حرب تضليل، وأن الموقف الحقيقي يكمن في المقاطعة وتطوير القدرات العسكرية وعدم الانجرار وراء الإرجاف والتيئيس، مع التركيز على دعم غزة واستعادة الحقوق والمقدسات.
وتعتمد استراتيجية مواجهة التهويل للعدو على التحصين الروحي، والاعتماد على الله والثقة به، وهو ما يمنح الشعب الثبات في مواجهة إمكانيات العدو الهائلة، وفضح مخططات العدو وذلك بكشف مخططات الحرب النفسية والإعلامية التي يشنها العدو لتشويه المقاومين وتثبيط الهمم، إلى جانب الوعي والتبصير بتوعية الأمة بحقيقة عداوة اليهود، وخطورة مشروعهم الاستعماري، وسعيهم لإضلال الأمة وتجريدها من هويتها، والعمل الميداني على الدعوة إلى مقاطعة العدو اقتصادياً واستخباراتياً، وتطوير القدرات العسكرية، وعدم الاكتفاء بالمواقف الشكلية.
كما يجب التصدي للإرجاف ومواجهة حملات الإحباط واليأس التي يضخها الأعداء في أوساط الأمة، والتأكيد على أن الصراع مستمر وأن النصر ممكن، وتوحيد الصفوف بالدعوة لمواجهة حقيقية للعدو بدلاً من الانشغال بالصراعات الداخلية، معتبراً أن الصمت تواطؤ في الجريمة.
ويرى السيد القائد أن الشعب اليمني، بإيمانه ووعيه، لن يتأثر بتهويل العدو، وسيبقى في موقع المواجهة، مدركاً أن الصراع هو معركة شاملة في كل المجالات، تتطلب أعلى درجات اليقظة والجهوزية العسكرية والعملية، ويؤكد أن موقف شعبنا لن يتأثر بالإرجاف والتهويل، ولا بإمكانات العدو وتحالفاته لأنه موقف يستند إلى الاعتماد على الله والثقة به.
لقد أدرك اليمنيون أن الحرب الإعلامية والاقتصادية هي الوجه الآخر للعدوان العسكري، وأن الهدف النهائي هو كسر إرادتهم وسلبهم قرارهم المستقل، هذا الإدراك هو السلاح الأقوى الذي حوّل كل محاولات التضليل والتهويل إلى فشل، وأبقى شعلة الصمود متقدة.
يبقى الرد المؤلم في العمق المعادي هو العامل الحاسم في إسقاط التهويل، لأنه يعيد توازن الرعب ويمنع العدو من احتكار معادلة الخوف، فالتهويل ليس سوى “ضجيج العاجز عن الحسم”، ومحاولة لتعويض الفشل عبر استهداف المدنيين.
ويؤكد الواقع أنّ التهويل الإعلامي لا يسقط المواقف الصادقة، وأن الشعوب الحرة المؤمنة بربها قادرة على إفشال كل حملات التشويه والخداع.
لذلك يبقى اليمن، قيادةً وشعباً، في موقعه المتقدم من معركة الوعي والتحرر، ثابتاً على موقفه في مواجهة العدو، وداعماً لقضايا الأمة وفي مقدمتها غزة.
*المصدر: الحقيقة
التعليقات مغلقة.