تقاسم أدوار بين الرياض وأبوظبي: “المجلس الانتقالي” و«درع الوطن» أدوات النفوذ المتنافس
صنعاء سيتي | تقرير | جميل الحاج
إعادة تشكيل اليمن من الشرق: صراع محلي بأبعاد إقليمية ودولية مفتوحة على المجهول
شرق اليمن على صفيح ساخن: صراع النفوذ الإقليمي وإعادة رسم الجغرافيا السياسية
حضرموت والمهرة في قلب الصراع: النفط والموانئ عنوان المعركة الإقليمية
شهدت محافظتي حضرموت والمهرة شرقي البلاد خلال الأيام والأسابيع الماضية تطورات ميدانية متسارعة وحاسمة، حملت في طياتها مؤشرات واضحة على تحولات عميقة في المشهدين السياسي والأمني، ليس على مستوى المحافظات الشرقية فحسب، بل على مستوى اليمن ككل.
هذه التطورات، التي بدت في ظاهرها تحركات عسكرية محدودة، تكشف في جوهرها عن صراع إقليمي محتدم، وإعادة هندسة دقيقة لموازين القوى، ترتبط بإدارة الموارد النفطية والمنافذ البحرية، وبمشاريع سياسية تتجاوز حدود الجغرافيا اليمنية.
تعود جذور التوتر الأخير إلى أوائل ديسمبر، عندما شنّ ما يُعرف بـ«تحالف حضرموت القبلي»، الذي يرفع شعار الهوية الحضرمية المستقلة ويعلن ولاءه لحكومة المرتزقة في عدن المدعومة من الاحتلال السعودي، هجوماً استباقياً في منطقة غيل بن يمين جنوب غربي وادي حضرموت.
جاء هذا التحرك بهدف منع تقدم «قوات حضرموت الخاصة» المدعومة من الاحتلال الإماراتي، والتابعة لما يسمي بـ ” المجلس الانتقالي الجنوبي” الساعي لانفصال الجنوب، ما أدى إلى تصاعد حدة الاشتباكات ودخول المشهد مرحلة أكثر تعقيداً.
وفي الأيام الأخيرة، دخل الصراع منعطفاً جديداً مع سيطرة مليشيات ما يسمى بـ” الانتقالي” على مواقع كانت خاضعة لـما يسمي بـ «المنطقة العسكرية الأولى» في وادي حضرموت. وبذلك، تقدمت وحدات تابعة لما تسمي “المنطقة العسكرية الثانية” وميلشيا “الانتقالي” إلى مدينتي صهيون والقطن، وسيطرت على قصر الجمهورية وعدد من المراكز الحيوية، في خطوة مثّلت ضربة رمزية وعملية للترتيبات السابقة في المحافظة.
رداً على هذا التقدم، اتخذ «تحالف حضرموت القبلي» بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش موقفاً حذراً، وركز على حماية حقول النفط باعتبارها أولوية قصوى.
هذا الموقف أوحى، بشكل غير مباشر، بأن سقوط «المنطقة العسكرية الأولى» جرى ضمن تفاهمات غير معلنة، توسطت فيها المحتل السعودية عبر وفد ترأسه محمد بن عبيد القحطاني. وتشير المعطيات إلى أن هذه التفاهمات شملت إعادة انتشار قوات تحالف العدوان و”قوات النخبة” قرب مناطق الشركات النفطية، ودمج قوات أمن حضرموت في هيكل واحد لتأمين المنشآت، بما يعكس تحول الصراع من مواجهة ميدانية مفتوحة إلى إعادة تنظيم أمني مرتبط بإدارة الثروة النفطية، وتحييد القبائل ضمن خطة أوسع.
لم تقتصر التطورات على حضرموت، إذ شهدت محافظة المهرة مشهداً مشابهاً، حيث سيطرت “القوات الجنوبية” على المطار والميناء والقصر الجمهوري في الغيضة دون اشتباكات تُذكر، ودون رد فعل واضح من حكومة المرتزقة في عدن.
هذا الهدوء المريب يعزز فرضية وجود ترتيبات مسبقة، ويؤكد أن ما يجري يتجاوز التحركات العسكرية المباشرة إلى إعادة توزيع للأدوار بين الفاعلين الإقليميين.
في هذا السياق، يبرز بوضوح تقسيم غير معلن للأدوار بين الاحتلال السعودية والإمارات. فـ “المجلس الانتقالي الجنوبي” يشكل أداة إماراتية فعالة لتغيير موازين القوى سريعاً، فيما تمثل قوات «درع الوطن» أداة سعودية لاحتواء النفوذ الإماراتي ومنع هيمنته الكاملة على جنوب اليمن.
وتكتسب حضرموت والمهرة أهمية خاصة للرياض بحكم الحدود البرية الطويلة والمنافذ البحرية وموارد الطاقة، فيما جرى دمج تحالف قبائل حضرموت في إطار جديد يضمن له دوراً وظيفياً في حماية المنشآت النفطية.
وتُعد حضرموت أكبر محافظات اليمن، إذ تشكل نحو ثلث مساحة البلاد، وتزخر بثروات نفطية وغازية تُقدّر بمليارات الدولارات، فضلاً عن موانئ استراتيجية على بحر العرب وحدود ممتدة مع السعودية.
وتشير التقديرات إلى أن قطاع النفط والغاز يمثل ما بين 60 و70 في المئة من إيرادات حكومة المرتزقة في عدن، ما يجعل السيطرة على حضرموت شرياناً اقتصادياً حيوياً لأي طرف يسعى للنفوذ.
لطالما كانت حضرموت اسمياً تحت سلطة “حكومة عدن”، إلا أن الواقع كان يقوم على توازن هش بين القوى المحلية والقبلية.
هذا التوازن انهار عملياً عندما أعلن تحالف قبائل حضرموت، في مارس الماضي، سيطرته على منشآت النفط بدعوى حماية «الثروة الوطنية» من التدخل الأجنبي، مؤكداً رفضه للمشاريع المفروضة من الخارج، بما فيها المشروع الانفصالي المدعوم إماراتياً.
ويمثل سقوط «المنطقة العسكرية الأولى» ضربة قوية لـ “حزب الإصلاح”، الذي كان يعتمد عليها كقاعدة نفوذ رئيسية في حضرموت.
ويعني تفكك هذا الهيكل تقليصاً حاداً لدور الحزب، وفرض إعادة تعريف قسرية لموقعه السياسي والعسكري، خاصة مع تمدد القوات الجنوبية نحو شبوة والمهرة، حيث يتمتع الإصلاح أيضاً بنفوذ تقليدي.
يواجه الإصلاح ثلاثة تحديات أساسية: الحفاظ على نفوذه في مأرب وتعز، بناء تحالفات جديدة داخل معسكر المعارضة بصنعاء، وتفادي التهميش الكامل.
وفي الوقت نفسه، تعيد هذه التحولات تشكيل جبهة المعارضة، مع بروز فصائل جديدة مثل “دار الوطن” و”العمالقة” و”طارق صالح”.
وتحمل هذه التطورات تداعيات واسعة، أبرزها تراجع دور “حكومة عدن” إلى موقع هامشي، وتحول الجنوب إلى ساحة نفوذ متعددة المراكز، إضافة إلى نقل مركز ثقل الصراع نحو الشرق، وزيادة أهمية حضرموت والمهرة في المعادلات الوطنية.
كما تفتح التحولات الباب أمام صنعاء لإعادة بناء علاقات مع قبائل الشرق، وتثير في المقابل مخاوف عمانية من تقلص دور مسقط في المهرة.
في ظل هذا المشهد، تتصاعد «حرب باردة» بين الرياض وأبوظبي حول تقاسم النفوذ، وقد حذرت تقارير بحثية، منها تقرير لمؤسسة كارنيغي، من أن هذا التنافس يهدد استقرار حضرموت ويعمق الانقسامات الداخلية، رغم مؤشرات التنسيق الظاهر بين الطرفين.
وتأتي هذه التطورات في سياق مراجعات غربية لإدارة الملف اليمني، ضمن رؤية أوسع لـ«الشرق الأوسط الجديد»، تقوم على تفكيك السلطة المركزية، وتعزيز الهياكل الفيدرالية، وإدارة الموارد عبر وكلاء محليين، وخلق أحزمة استقرار لاحتواء صنعاء.
ختاماً: ما يجري في شرق اليمن يتجاوز كونه صراعاً محلياً، ليغدو مختبراً لإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني، حيث يتقاطع الأمن الاقتصادي مع مشاريع إقليمية ودولية.
وبينما لا يمكن الجزم بأن ما يحدث هو تنفيذ مباشر لخطط معلنة، إلا أن تلاقي الوقائع الميدانية مع هذه الرؤى يؤكد أن حضرموت والمهرة باتتا في قلب معركة إعادة رسم مستقبل اليمن، في مشهد مفتوح على كل الاحتمالات.
*المصدر: الحقيقة
التعليقات مغلقة.