انتهاء صلاحية «السلام الإبراهيمي»: التطبيع مع «مملكة بيبي» لا يغري أحداً
صنعاء سيتي | صحافة
في الوقت الذي تتوقّع فيه أميركا وإسرائيل أن تؤدي الحرب التي خيضت بأيدٍ إسرائيلية خلال السنتَين الماضيتين على عدد من الدول العربية، إلى توسيع «الاتفاقات الإبراهيمية» لتضمّ دولاً عربية وإسلامية أخرى، تُطرح تساؤلات كثيرة حول الأسس التي قامت عليها تلك الاتفاقات، وما إذا كانت الدول التي ترشّحها الولايات المتحدة للانضمام إليها، تَعتبرها مناسبة لها أم لا. في برنامج «في الصورة» الذي يقدّمه الإعلامي السعودي، عبد الله المديفر، على قناة «روتانا خليجية»، يقول الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية، تركي الفيصل، إن تسمية «الاتفاقات بالإبراهيمية ينطبق عليها قول: كلمة حق أُريد بها باطل. فالاتفاقات التي حصلت بين إسرائيل وبين الدول، التي أصبحت الآن تُسمى إبراهيمية، في نظري، ليس لعلاقتها بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وإنما هي اتفاقية سياسية بين دول وصلت إلى قناعة لإيجاد تعامل بينها وبين بعضها. سيدنا إبراهيم نخليه على مستوى الأنبياء والرُسُل ولا ندخله في مثل هذا الأمر».
هذا الكلام يعني، بدقّة، أن الاتفاقات التي وُقّعت بين كلّ من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وبين إسرائيل، جاءت من خارج سياق الصراع العربي – الإسرائيلي، وأن تلك الدول إنّما وقّعت عليها لأنها تعتبر نفسها خارج الصراع أصلاً، إن لم تكن قد انتقلت إلى الضفة الإسرائيلية فيه، وذلك لتحقيق مصالح معينة. كما يعني كلام الفيصل أن الاتفاقات، إذا كان يجب أن تُسمّى «إبراهيمية»، فيتعيّن أن تؤدي إلى مصالحة تعطي أصحاب الحقوق الحدّ الأدنى من حقوقهم، أو حتى الكمّ الذي يعترف لهم العالم به. لكن المغزى الأهمّ لتصريح الفيصل، الذي يعدّ أحد الخبراء المُلهِمين لصنّاع القرار الحاليين في الرياض، هو أن السعودية، إذا كانت ستنخرط في صفقة لتطبيع العلاقات مع العدو، فإن «الاتفاقات الإبراهيمية» ليست هي النموذج الصحيح أو الصالح بالنسبة إليها، وهو ما يدلّ عليه أيضاً اشتراطها، لعقد صفقة كهذه، أن تؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية، بغضّ النظر عن التفاصيل التي يمكن أن تصل إليها المفاوضات لإقامة تلك الدولة.
«الاتفاقات الإبراهيمية» التي وُقّعت على مراحل اعتباراً من أيلول 2020، حين أمضتها الإمارات والبحرين، كانت نتيجتها تحكيم إسرائيل بسياسات الدول الموقّعة، ولا سيما في ما يتعلّق بالأمن. إذ إن أيّ متابعة للمسار الذي سلكته العلاقات بين إسرائيل والدول المعنيّة، تُظهر أن مصالح الأولى الأمنية والاقتصادية صارت البند الأساسي في برامج حكم ثلاثة من تلك البلدان، هي الإمارات والبحرين والمغرب، في حين أن الرابع يغرق في حرب أهلية دموية، يكفي القول إن الإمارات تموّل الطرف الأكثر شراسة وإجراماً فيها، أي «قوات الدعم السريع»، لتبيان أنها هي الأخرى تصبّ تماماً في مصلحة تل أبيب، وذلك من بوّابتَي الاقتتال والتفتيت، اللذين يمثّلان صُلب العقيدة الإسرائيلية إزاء المحيط العربي. أمّا اليوم، فإذا كانت السعودية لا تستسيغ «السلام الإبراهيمي»، فلن تكون ثمّة موجة أخرى من تلك الاتفاقات – إلّا إذا انضمّت بعض الأطراف البعيدة من الصراع، لأسباب خاصة بها، إليها، بل إن ما سيحصل هو إمّا «سلام بالإكراه» نتيجة الدفع الأميركي والغربي، وهو ما ينطبق ربّما على سوريا ولبنان أكثر من غيرهما؛ وإمّا لا سلام، واستمرار الصراع بالتالي.
إسرائيل تريد التحكّم بالشرق الأوسط، وليس السلام
والواقع أن الدعم الأميركي الكبير لإسرائيل الذي يعانيه العرب، يضيّق الخيارات أمامهم إلى أبعد الحدود، إلّا حين يكون هناك خلاف أميركي – إسرائيلي على سبل المضيّ قدماً، كالحاصل اليوم بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو؛ إذ ثمّة هنا ما يضير المصالح الأميركية التي تتناسب مع شكل من السيطرة، أكثر نعومة من ذلك الذي يريده نتنياهو، الساعي إلى الحصول على استسلام علني كامل على الطريقة اليابانية أو الألمانية. وما «التراجعات» الأميركية الأخيرة التي سجّلتها تصريحات مبعوث واشنطن إلى سوريا، توم براك، في منتدى الدوحة، إلّا مؤشّر واضح إلى أن الطرف المقابل لإسرائيل ليس مهزوماً إلى الدرجة التي تضعه في موقع مَن يقبل بشروط إسرائيل، ولا سيّما تلك التي تتعلّق باحتلالها الدائم لأراض عربية خارج حدود الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ عام 1948.
أمّا في ما يتعلّق بدول الخليج، ولا سيما السعودية التي تُعتبر الأهم بين سائر الدول المرشّحة للانضمام إلى ركب التطبيع، والقاطرة التي ستقود دولاً عربية وإسلامية أخرى إليه، فلا يبدو أن التطبيع مع حكومة إسرائيلية لديها مثل هذا البرنامج، سيكون سهلاً عليها، بل يَظهر أنه صار أبعد بكثير ممّا كان عليه عشية «طوفان الأقصى»، وهو ما تجلّى خلال زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى البيت الأبيض، وتفهّم الأخير للموقف السعودي. قبل ذلك، بدا أن من آثار الضربة التي وجّهتها إسرائيل إلى قطر خلال الحرب على قطاع غزة، في التاسع من أيلول الماضي – وإن كان المستهدف بها في الأساس قيادة حركة «حماس»، وجهود وقف إطلاق النار التي تَقدّمتها الدولة الخليجية في حينه -، أصابت «الاتفاقات الإبراهيمية»، باعتبار أن قطر كانت مرشّحة هي الأخرى للانضمام إليها، في حال توافرت ظروف للتوسعة. والرسالة من وراء تلك الضربة، التي أرادها صاحب القرار في تل أبيب، ظهرت صارخة في وضوحها، وهي أن من يريد التطبيع كأيّ دولة ليس بينها وبين إسرائيل أيّ عداء، أي على قاعدة المصالح المتبادلة ووفقاً لنمط «الاتفاقات الإبراهيمية»، فأهلاً وسهلاً به. وأمّا من يريد فرض شروط تتعلّق بمعالجة أسباب الصراع الأوسع، أي المسألة الفلسطينية، حتى لو بأدنى الحدود، فهو غير مرحَّب به.
وذلك يعني أن إسرائيل تريد التحكّم بالشرق الأوسط، وليس السلام، وأنها تجاوزت حتى معادلة «الأمن مقابل السلام»، لتصبح المعادلة الآن: «الأمن المطلق، مقابل هدوء نسبي للعرب»، تستمرّ إسرائيل في غضونه في توجيه ضربات استباقية موضعية، إلى حيث تتصوّر نشوء تهديد، من دون أيّ آلية مراجعة. والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء ما تقدّم، يتمحور حول مدى أهمية اتفاقات التطبيع بالنسبة إلى الولايات المتحدة. الواقع أن واشنطن، وإن كانت تحاول إغراء تل أبيب بالكلام عن توسيع تلك الاتفاقيات، إلا أن الأخيرة لا تمثّل أولوية في نظرها في علاقاتها العربية التي تشتمل على مصالح كبيرة، قد تجد أميركا معها نفسها مضطرّة إلى لجم إسرائيل، ولو بنسبة معينة.
*حسين إبراهيم: الاخبارية اللبنانية
التعليقات مغلقة.