ويمكرون بالجنوب
صنعاء سيتي | مقالات | وفاء الكبسي
لم يعد المشهد الجنوبي اليوم مجرد اضطرابٍ عابر أو خلاف داخلي كما يحاول البعض تصويره؛ بل تحوّل إلى ساحة مكشوفة لمكرٍ خارجيّ تُديره السعودية والإمارات بأدواتهما المحلية، في محاولة لمدّ النفوذ والسيطرة على الجغرافيا والثروة، ولو كان الثمن تمزيق وطنٍ كامل.
منذ دخول قوات الاحتلال السعودي والإماراتي أراضي الجنوب، ظهر أن الغاية ليست إعادة دولة ولا حماية حق، بل انتزاع الموانئ، ونهب حقول النفط، والسيطرة على الجزر والممرات البحرية.
وما تبقى من الدولة جرى تفكيكه، وما تبقى من المجتمع جرى تقسيمه إلى مليشيات وأطراف تتنازع، ليظل القرار الحقيقي في يد المحتل وحده.
ما يحدث اليوم في حضرموت — من تهجيرٍ قسري وطردٍ للأسر الشمالية من بيوتها — ليس من العادات اليمنية، ولا من أخلاق أهل الجنوب، ولا من طباع الحضارم.
إنه غرسٌ خبيث زرعه المحتلّ ليزرع المناطقية ويعيد رسم الخارطة بالنار.
مشاهد طفلة تبكي وتصرخ: «وكأننا في غزة!» ليست مجرد صورة؛ بل صرخة وطن يُدفع دفعًا إلى الفتنة، لتتحول المظلومية من احتلال خارجي إلى صراع داخلي، وتتبدل البوصلة من مواجهة العدو إلى ضرب الإخوة بعضهم ببعض.
يدرك الاحتلال أن اليمنيين إذا اجتمعوا تحطمت كل مخططاته، لذلك يصنع اليوم:
عداوات بين الشمال والجنوب،
انقسامات بين القبائل والمحافظات،
وتيارات مسلحة تتصارع لخدمة الخارج.
كل ذلك ليبقى النفط في قبضته، والموانئ تحت سيطرته، والقرار مرتهنًا عنده.
الجنوب ليس فقيرًا، بل محتلًّا.
كل ما يجري من صراع يهدف إلى وضع اليد على:
نفط وادي حضرموت،
موانئ عدن والمكلا،
الجزر الاستراتيجية كسقطرى وميون، والممرات البحرية التي تعدّ من أهم طرق العالم.
ومن أجل هذه الأطماع، يُقتل المواطن، ويُشرّد الأبرياء، ويُفتح باب الفتنة على مصراعيه.
الجنوب الذي قاوم الاحتلال في الماضي لن يقبل الاحتلال اليوم مهما تغيّرت الأسماء.
والشعب الذي قدّم التضحيات قادر على أن يستعيد قراره الوطني الحر، بعيدًا عن أدوات الرياض وأبوظبي.
إن الفتنة التي تُزرع اليوم في حضرموت ليست قدرًا، بل مخططًا.
والوعي وحده كفيل بإسقاطه.
ختامًا أقدم نداء إلى أهلنا في الجنوب:
يا أهل الجنوب…
يا أصحاب التاريخ، والقيم، والشهامة…
لا تسمحوا للمحتلّ أن يجعل من أرضكم وقودًا للصراع، ومن بيوتكم ممرًا للفتنة، ومن أبنائكم أدوات لمعاركه.
اعقلوا… فأنتم ونحن أهلٌ ودمٌ واحد.
لا تجعلوا الاحتلال ينجح في ما عجز عنه تاريخ طويل من محاولات التقسيم.
اليمن واحد… وجناحاه لا يطعن أحدهما الآخر.
ارفعوا أصواتكم في وجه الظلم،
أوقفوا المناطقية،
واحفظوا ما تبقى من الودّ والأخوّة، قبل أن يحرقها المحتلّ بنار لا تُبقي ولا تذر.
التعليقات مغلقة.