محاولات أمريكا الفاشلة في إيران

صنعاء سيتي | مقالات | نبيل الجمل

 

 

إن الادِّعاءات الأمريكية المتكرّرة والعلنية حول السعي لتغيير النظام في إيران تشكل محورًا ثابتًا في السياسة الخارجية لواشنطن منذ قيام الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩. . وقد تجسَّدت هذه المساعي عبر مجموعة متنوعة من الأدوات، تراوحت بين الضغط الاقتصادي الخانق والتدخل غير المباشر وحتى استخدام القوة العسكرية المحدودة.

يُعدُّ الاعتراف الأخير الذي أدلى به المبعوث الأمريكي براك – بأن واشنطن حاولت تغيير النظام في إيران “مرتين” وفشلت في ذلك – دليلًا على أن هذا الهدف كان ولا يزال حاضرًا في الأجندة الأمريكية، رغم اختلاف الإدارات المتعاقبة.

لقد اعتمدت واشنطن في سعيها لإسقاط إيران على استراتيجية متعددة الجوانب، يمكن تلخيصها في المحاور التالية:

١. سلاح العقوبات الاقتصادية الخانقة: يعدُّ هذا الأُسلُـوب الأبرز والأكثر فاعلية في محاولات الضغط على طهران.

تبنت الإدارات الأمريكية، خَاصَّة في عهد دونالد ترامب عبر سياسة “الضغط الأقصى”، عقوبات شاملة تستهدف شلّ الاقتصاد الإيراني.

لم تقتصر هذه العقوبات على قطاع النفط والبتروكيماويات، الذي جُعلت صادراته “قريبة من الصفر”، بل امتدت لتشمل القطاعات المالية لمنع التعاملات بالدولار، والصناعات الحيوية مثل الحديد والصلب والنحاس.

الهدف المعلن هو حرمان النظام من الموارد اللازمة لتمويل ما تسميه واشنطن “الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي”، لكن الهدف الضمني هو إحداث ضغط داخلي يولد سخطًا شعبيًّا واسعًا قد يؤدي إلى احتجاجات كبرى تقود في النهاية إلى تغيير النظام.

٢. الحرب الناعمة ودعم المعارضة الداخلية: تخصص الحكومة الأمريكية، وتحديدًا عبر وكالات مثل صندوق الديمقراطية الإقليمي للشرق الأدنى (NERD) التابع لوزارة الخارجية، مئات الملايين من الدولارات في محاولات لتغيير النظام.

لا يتم هذا التدخل بشكل مباشر، بل عبر آليات تبدو “ناعمة”، مثل:

دعم المجتمع المدني: تمويل كيانات تُعدُّ واجهات لأجهزة استخباراتية لدعم ما يسمى بـ “المجتمع المدني الإيراني” و”المدافعين عن الحقوق المدنية”؛ بهَدفِ “تعزيز سبل المشاركة الديمقراطية الفعالة”.

الضغط الإعلامي والسيبراني: شن حملات إعلامية ودعائية واسعة لـ “دحض البروباغندا الإيرانية”، ومحاولة تدمير القوة الناعمة الإيرانية في المنطقة، ومساعدة الإيرانيين في الحصول على تقنيات لتجاوز حجب الإنترنت ومراقبتها.

استهداف القوة الصُّلبة: إدراج كيانات عسكرية إيرانية رئيسية، مثل فيلق القدس والحرس الثوري، على قوائم الإرهاب؛ بهَدفِ عزلها وتشويه صورتها دوليًّا.

٣. التهديد والعمل العسكري المحدود: لم تستبعد واشنطن استخدام القوة العسكرية في بعض المراحل.

فإلى جانب التهديدات المُستمرّة، شهدت السنوات الأخيرة توترًا بلغ حَــدّ الاشتباك المباشر أَو غير المباشر، بما في ذلك ضربات استهدفت منشآت إيرانية أَو قيادات عسكرية (مثل اغتيال قاسم سليماني)، فضلًا عن مشاركة أمريكية في ضربات ضد منشآت نووية إيرانية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات.

تهدف هذه الأعمال إلى فرض الردع وتقليص النفوذ الإيراني، مع إبقاء خيار التصعيد مفتوحًا كـ “ورقة أخيرة” في مسار تغيير النظام.

على الرغم من كُـلّ هذه الضغوط والأدوات، يعترف المبعوث الأمريكي بفشل محاولاتهم المباشرة لتغيير النظام؛ مما يشير إلى أن النظام الإيراني قد نجح في بناء آليات صمود داخلية لم تستطع العقوبات أَو التدخلات الناعمة كسرها، مدعومًا بتحوله نحو موقف نووي أكثر تشدّدا وإرادَة سياسية واضحة للاستقلال والاعتماد على الذات، متجاوزًا بذلك الرقابة الدولية.

التعليقات مغلقة.