في وداع حامل سِر الشهيد القائد
صنعاء سيتي | مقالات | عبد القوي السباعي
في ليلةٍ صامتة من ليالي صنعاء، أغمض المجاهد الكبير محمد محسن العياني عينيه، مودّعًا وطنًا طالما جاهد؛ مِن أجلِه، مطويًّا صفحة حياة كانت أشبه بملحمةٍ من العطاء والإخلاص، وكان شاهدًا حيًّا على التضحية والفداء، وواحدًا من أوائل الذين انطلقوا بالمسيرة القرآنية، مؤمنًا بأنّ طريق العزة والمجد يمر عبر مناهضة الطغيان ومواجهة مشاريع الهيمنة والاستكبار العالمي التي تقودها أمريكا وكَيان الاحتلال الصهيوني.
لقد حمل الفقيد على عاتقه إرثًا جهاديًّا ثقيلًا، رحل بجسده لكنه ترك إرثَ البطولة والإيثار، حَيثُ ظل مخلصًا لدينه ووطنه ومجتمعه، مجاهدًا في سبيل الله محتسبًا مقبلًا غير مدبِر، ورافضًا لكل أشكال العدوان على البلاد، مستعدًّا لتقديم روحه وبذل دمه؛ مِن أجلِ الأهداف السامية التي جاء بها المشروع القرآني العظيم.
وكان من أبرز ما يميز سيرة هذا الرجل العظيم هو وقوفُه شامخًا في خضم أصعب الأحداث عام 2004م، حَيثُ تجلّت إنسانيتُه وبطولتُه معًا.
في تلك الأيّام العصيبة، لم يفكِّر محمد محسن العياني بنفسه؛ بل كانت أولويته هي إجلاء النساء والأطفال، بعد قصفٍ وحشي طالهم وهم بداخل “جرف سلمان”.
فمشى معهم، خطوةً بخطوةً، حتى أوصلهم بسلام إلى باب الجرف، مؤمِّنًا بذلك سلامتَهم قبل كُـلّ شيء.
وما إن انتهى من مهمة الإجلاء الإنسانية، حتى عاد أدراجَه ليواجه الخطر مجدّدًا، حَيثُ شارك في محاولة إنقاذ الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي –رضوان الله عليه– والذي وجده مثقَلًا بالجراح والتعب، وحاول حملَ القائد المُصاب، مؤديًا واجبَ الوفاء تحت وابل النيران؛ فكان مثالًا للتضحية والفداء، ويحمل رفاقَه رافضًا الاستسلام.
وفي اللحظة الفاصلة التي لا تُنسى، وبعد أن نجحوا في رفع القائد وإخراجه إلى مسافة قصيرة، تم تطويقُهم، وفُصِلوا عنه بالقوة، ليأتي القصفُ المباشر الذي أمطرته عصاباتُ وعملاءُ السعوديّة عفاش وعلي محسن على السيد والمجاهدين، في مشهد كشف عن وحشية لم يتوقعها، وظلت شهادتُه المدوّية وثيقةً تاريخية تثبت حقيقة تلك اللحظات وتضحية القائد ورفاقه.
بعد أن حمل المجاهد العياني أمانةَ المشهد الأخير للقائد، لم يتوقف جهاده؛ بل كان متنقّلًا بين الميادين لا يكل ولا يمل، حتى رأى أن المشروع قد أخذ بالرسوخ عقب ثورة الـ21 من سبتمبر المباركة.
فانتقل إلى ميدان آخر لا يقل أهميّة، وهو ميدان العطاء الاجتماعي، لقد كرّس حياتَه لخدمة المستضعفين، ومواصلة النضال عبر الإسهامات المجتمعية البارزة، خَاصَّة في كفالة أيتام الشهداء.
لقد رأى الفقيد في رعاية هؤلاء الأبناء امتدادًا للإخلاص لدماء آبائهم الزكية، واستمرارًا للحفاظ على جذوة المسيرة متقدة.
وبذلك، ظل العياني يمثل حلقة الوصل الحية بين جيل التأسيس وجيل الاستمرار، وبرحيله –سلام الله عليه– خسر اليمن شخصية وطنية نادرة، ورجلًا مخلصًا، ومجاهدًا عظيمًا، ترك وراءه سيرة عطرة ستظل تُروى للأجيال كقصة إيثار وبطولة لا تُنسى.
التعليقات مغلقة.