صنعاء.. تَصُدُّ المؤامرة وتدافع عن سيادة اليمن

صنعاء سيتي | مقالات | بشير ربيع الصانع

 

مع احتدام الصراع بين الأدوات المحلية والإقليمية في جنوب اليمن، يتكشف حجم البؤس السياسي الذي وصلت إليه تلك القوى التي تتسابق لإثبات ولائها أكثر، وتتنافس على إرضاء الأمريكي والكيان الصهيوني وحلفائهما، حتى تحولت إلى أدوات تُستخدم ثم تُركل خارج المشهد.. هذا كان بوابة واسعة ينفذ منها المشروعُ الخارجي ليستهدفَ البلد وثرواته وهُويته واستقلاله.

ولفهم حقيقة ما يجري اليوم، لا بد من العودة إلى اللحظة الأولى للعدوان السعوديّ الإماراتي، حين جرى تزيين العدوان على اليمن بعناوين مضللة مثل “استعادة الشرعية”، “إعادة اليمن إلى الحضن العربي”، “الدفاع عن الصحابة”… عناوين خادعة استُغلت لتجنيد محدودي الوعي، وإحياء أحقاد تاريخية لدى من يحملون خصومة عميقة مع الشعب اليمني.

ومن هذه الأبواب دخل الطامعون بالحكم، فانساقوا خلف وعود كاذبة بالمناصب والسلطة، وتحَرّك معهم علماء السوء ودعاة الفتنة الذين غذّوا الطائفية والمذهبية لصناعة تعبئة تستهدف اليمنيين جميعًا دون استثناء.

وانطلقت أكبر حملة تحريض إعلامي وعسكري، معتقدين أن كسر اليمن مُجَـرّد أَيَّـام، وأن البلد سيخضَعُ بسهولة، وأن الخيانة الداخلية ستفتح لهم الأبواب.

 

لكن الصدمة جاءت معاكسة تمامًا.

بفضل الله، وبحكمة القيادة المتمثلة في السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله-، استطاع اليمن أن يمتص الضربة الأولى، وأن يعيد ترتيب صفوفه، ويتحَرّك بثبات ووعي، ليواجه أضخم تكتل عسكري في المنطقة.

ومع مرور الوقت، وصلت الضربات اليمنية إلى منابع النفط في جدة وينبع، وإلى مطار أبوظبي، وإلى عمق التحالف ومرتزِقته، حتى اضطروا إلى التوسل بهدنة بعدما تبخرت أوهام الحسم.

وما إن بدأت الهدنة، حتى تحَرّك الشعب اليمني بقيادة السيد القائد لإسناد غزة في معركة “طوفان الأقصى”، فوقف اليمن موقفًا أربك القوى الكبرى، وأدهش العالم، وأجبر الكثير على إعادة النظر في صورة هذا الشعب الذي قُصف وحوصِر لسنوات، لكنه خرج ليكون في مقدمة الداعمين لفلسطين.

هذا الموقف أحرج الأدوات المحلية والإقليمية الذين قضوا سنوات في تشويه اليمنيين وتكفيرهم، فإذا باليمنيين اليوم يشكلون رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، فيما أُولئك الذين كانوا ينبحون ضد صنعاء وقفوا عاجزين لا يملكون من أمرهم شيئًا، بل كان موقفهم معاديًا لصنعاء وخدمةً للكيان الصهيوني.

ومع فشل مشروعهم العسكري والإعلامي، أعاد الأمريكي والكيان تشغيل خطتهم الأولى الأَسَاسية: السيطرة على منابع النفط في اليمن، ومحاصرة صنعاء سياسيًّا واقتصاديًّا.

ولأن هذه الخطوة تشكل خطرًا على السعوديّة وعلى مصالحهم فيها، جرى الإيحاء بإزاحتها من الواجهة لكنها لا تزال تعمل بخُبث وحقد دفين، ودُفعت الإمارات إلى مقدمة المشهد، بينما الهدف الحقيقي ظل كما هو: اليمن، وثرواته، وموقعه الاستراتيجي، وقراره السياسي الذي يسعون لربطه بالخارج ربطًا كاملًا.

وأمام هذه الوقائع، يصبح على كُـلّ يمني أن يدرك حجم المؤامرة، وأن يفهم أن حكومة صنعاء هي الجهة الوحيدة القادرة على صَدِّ هذا المخطّط واستعادة المحافظات المحتلّة، وأن معركة اليوم معركة مصير كُـلّ اليمنيين، معركة وجود يريد الأعداء من خلالها تحويل اليمن إلى بلد تابع، بلا قرار وبلا سيادة.

وفي قلب هذا المشهد تأتي الرسالة إلى أُولئك المرتزِقة الذين ما زالوا حتى الآن عاجزين عن فهم ما جرى.

سيأتي اليوم الذي يتخلّى عنكم التحالف الذي رهنتم مصيركم به، وسيترككم في الميدان بلا مشروع وبلا حماية وبلا مستقبل، ولم ينظر إليكم يومًا كشركاء، بل كأدوات استهلاكية تُرمى بمُجَـرّد انتهاء صلاحيتها.

التحالف لم يأتِ لأجلكم، بل جاء يبحث عن النفط والموانئ والموقع الاستراتيجي، ومن صدّق أن السعوديّة والإمارات جاءت لتقديم «نجدة» أَو «تحرير» فقد وقع في أكبر خدعة سياسية في تاريخ اليمن.

كُـلّ الوعود التي ضُخّت في آذانكم عن مناصب ومكاسب ومستقبل زاهر تبخرت، ولم يبقَ إلا الحقيقة: لقد استخدموكم ثم سيتركوكم خلفهم بلا امتداد ولا سند.

ومعركتكم هي مع الأكاذيب التي عاشرتكم لسنوات وشوّهت بصيرتكم، ومع الوهم الذي جعلكم تحاربون وطنكم؛ مِن أجلِ أجندات لا علاقة لها بكم.

ومن يربط مصيره بالخارج سيبقى محتقرًا عنده، ومن يهرب من وطنه إلى حضن الغريب سيعود في النهاية بلا وطن.

واليمن اليوم يكتب فصلًا جديدًا من تاريخه، ومن أراد أن يعود إلى حضن شعبه فالباب مفتوح، ومن أراد أن يبقى ذليلًا للأجنبي فليتحمل عواقب اختياره.

فاليمن لن يقبل أن يظل بين صفوف أبنائه من يبيع الأرض والثروة والقرار السياسي، والمرحلة اليوم تفرز الرجال، ومن لا يسجّل موقفًا الآن فلن يجد غدًا مكانًا يقف فيه.

التعليقات مغلقة.