مبرّرات العدوان تهاوَتْ.. هل حان للمغرَّر بهم أن يستيقظوا؟

صنعاء سيتي | مقالات | شاهر أحمد عمير

 

منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان على اليمن، حاولت دول التحالف أن تبني رواية كبيرة من الشعارات اللامعة والمبرّرات الجاهزة، التي أرادت من خلالها إقناع الداخل والخارج بأنها تخوض حربًا “مشروعة” و“معركة لإنقاذ اليمن”.

ومع مرور السنوات، ومع انكشاف الحقائق أمام العالم وأمام اليمنيين في كُـلّ منطقة، لم يبقَ من تلك الرواية سوى بقايا حجج باهتة تتساقط واحدة تلو الأُخرى أمام الواقع.

اليوم، وبعد كُـلّ ما حدث، يمكن القول بثقة إن كُـلّ الذرائع التي رُفعت لتبرير العدوان قد انتهت، وإن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل آن لمن انخدعوا بتلك الروايات أن يستيقظوا من غفلتهم؟

أول المبرّرات التي سقطت كان شعار “إعادة الشرعية”.

فدول التحالف نفسها كانت أول من انقلب على تلك الشرعية التي ادّعت أنها جاءت لحمايتها.

تحولت الورقة السياسية التي رُفعت عاليًا في السنوات الأولى إلى شيء بلا قيمة، ثم إلى عبء تم التخلص منه والتبرؤ منه عند أول منعطف سياسي.

وهذا وحده يكشف أن الأمر لم يكن يومًا متعلقًا بشرعية أَو دولة، بل كان متعلقًا بالهيمنة والنفوذ والسيطرة، وأن الشعار لم يكن أكثر من ستار لتمرير التدخل العسكري.

وما حدث مع الشرعية حدث مع علم الجمهورية اليمنية نفسه.

العلم الذي رُفع كشعار للاستعادة والكرامة، وجدناه يُهان ويُستبعد من المحافظات المحتلّة لصالح أعلام التقسيم والتبعية.

هذا السلوك ليس مُجَـرّد تفصيل صغير، بل هو دليل واضح على طبيعة المشروع الذي كانت الرياض وأبوظبي تدفعان باتّجاهه: مشروع يقوم على تفكيك اليمن وإضعاف هويته وضرب وحدته الوطنية؛ لأَنَّ بلدًا ممزقًا هو بلد يسهل التحكم به ونهب ثرواته.

أما الشعب في المحافظات الجنوبية والشرقية، فقد كان الشاهد الأكبر على زيف الادِّعاءات.

فالتحالف الذي وعد بالإنقاذ قدّم للناس واقعًا قاسيًا من الفقر، والفوضى، ونهب الثروات، وانعدام الأمن، وانهيار الخدمات، والاعتداءات اليومية على المواطنين.

تحولت المدن المحتلّة إلى ساحات نفوذ وصراع بين أدوات الاحتلال السعوديّ والإماراتي، فيما تحوّل المواطن إلى ضحية بين مصالح وأطماع لا علاقة لها بمصلحته أَو بكرامته.

وهكذا انكشف أن ما جرى لم يكن إنقاذا ولا تحريرًا، بل كان عملية ممنهجة لإضعاف المجتمع واستنزاف مقدراته.

ومع المأساة الكبرى التي شهدها العالم في غزة، سقطت آخر أوراق التجمّل التي حاول التحالف التستر بها.

الأنظمة التي قالت إنها تقاتل “دفاعًا عن العروبة والإسلام” وقفت أمام جريمة الإبادة في غزة موقفًا مخزيًا، صامتة حينًا، ومطبّعة أَو مبرّرة أحيانًا أُخرى.

لقد باعت تلك الأنظمة كُـلّ ما ادّعت الدفاع عنه، واصطفت في لحظة الحقيقة ضد تطلعات الشعوب وضد القيم التي طالما تغنّت بها.

هذا السقوط الأخلاقي والسياسي كشف أن حربهم على اليمن لم تكن يومًا دفاعًا عن الأُمَّــة، بل كانت جزءًا من مشروع لإضعاف الأُمَّــة، وتفتيت الشعوب، وفتح الطريق أمام النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

هذه الوقائع كلها، وما تحمله من دلالات عميقة، تضع اليوم المغرَّر بهم أمام مسؤولية تاريخية.

لم يعد بالإمْكَان التعلق بالشعارات القديمة، ولم يعد التضليل الإعلامي قادرًا على إخفاء الحقيقة.

من يعيش في المناطق المحتلّة يرى بأم عينيه شكل الاحتلال وأدواته ونهبه وفساده، ويدرك أن التحالف لم يكن صديقًا لليمن ولا لشعبه، بل كان عدوًا لاستقلاله وكرامته ووحدته.

لقد آن لمن ما زالوا في دائرة الوهم أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التي لا يمكن تجاهلها: لماذا يستمر الفقر والفوضى في المناطق المحتلّة بينما تتحسن الأوضاع في المناطق الحرة؟ لماذا اختفت الشرعية التي كانت الهدف المعلن؟ لماذا يقف من ادّعوا الدفاع عن الأُمَّــة في الصف نفسه مع من يرتكب الجرائم بحق أهل غزة؟ ولماذا ترفض تلك الأنظمة أي حلول تعيد لليمن قراره الوطني المستقل؟ الإجابات موجودة أمام الجميع، والحقيقة لم تعد قابلة للحجب.

المعركة اليوم لم تعد معركة إعلام ودعاية، بل معركة وعي وحقيقة.

إنها معركة بين مقاوم يدافع عن بلده ومحتلّ ينهب ثرواته، بين شعب يعيش كرامته وبين مشروع يسعى لإذلاله.

والوعي الشعبي في تصاعد، والشعب بات يرى الصورة كاملة: العدوان سقطت مبرّراته، وأدواته تتداعى، والمشروع الذي سعت دول التحالف إلى فرضه انهار أمام صمود اليمنيين وثبات قيادتهم.

وما على من لا يزال واقفًا في دائرة التضليل إلا أن يواجه الحقيقة بشجاعة، وأن يدرك أن ساعة الاستيقاظ قد حانت، وأن التاريخ لن يرحم من بقي في صف الباطل بعد أن انكشف كُـلّ شيء.

التعليقات مغلقة.