الإعلام اليمني منبرُ الكبرياء ودرعُ اليقين
صنعاء سيتي | مقالات | أحمد الضبيبي
في ساحة الوغى الإعلامي، حَيثُ تتصارَعُ الروايات وتتطاير أباطيلُ الظلام، يقف الإعلامي والناشط اليمني شامخًا، لا ككاتب خبر فحسب، بل كمُجاهد بالبيان وحارس لضوء الحقيقة في لحظة فارقة تستوجبُ أن ترتقيَ الكلمة إلى مصافّ الصيحات المدوّية، وأن تكون اللغة سيفًا بتارًا يقطع دابر التضليل، فالمعركة ليست على الأرض والجو فحسب، بل هي حرب كسر الإرادَة واستلاب الوعي.
لقد أثبت العدوُّ الأمريكي وحلفاؤه أنَّهم لا يهابون شيئًا قدرَ توهج الحقيقة الصادعة؛ لذا، وجَّهوا سِهامَ غدرهم نحوَ منابر الإجلال ومنارات الوعي في اليمن، في محاولة يائسة لتكميم الأفواه الخالدة واغتيال صوت الصمود.
وهذا الاستهداف، ببُعدَيه العسكري والتقني، هو وصمةُ عار أبديةٌ في جبين التاريخ.
لم يقتصرِ العدوُّ الأمريكي والصهيوني على استهداف البنية التحتية والمقدرات الاقتصادية لليمن، بل شن هجومًا شرسًا وممنهجًا على قلاع الوعي ومنابر الحقيقة، معتبرًا السردية اليمنية الأصيلة خطرًا يهدّد هيمنته وأجنداته.
إن استهدافَ الإعلام اليمني ما هو إلا ثمرةٌ مُرَّةٌ للإفلاس الاستراتيجي الذي مُني به تحالف العدوان السعوديّ الأمريكي وأدواته، بعد أن تكسّرت على صخرة الصمود والتضحية اليمنية كُـلّ مؤامراتهم الخبيثة وحملاتهم الزائفة، ولأنه وقف صخرةً أمام التضليل، وكان الصوت المدوي الذي لم يكتفِ بإسناد صمود الشعب اليمني، بل انطلق ليكون رأس الحربة في فضح جرائم الكيان الصهيوني وتعريته نصرةً لغزة، فاستحق أن يكون الهدف لنجاحه الساحق.
هذا الاستهداف المزدوج، العسكري والتقني، يمثل ذروة الخوف من قوة رسالة الصمود، حَيثُ انطلق التحريض الأمريكي وحلفائه في إطار ممنهج لتجفيف منابع الكلمة.
وقد تجسد العجز عن مواجهة منطق السرد اليمني بمنطق الحقيقة في اللجوء إلى الخيار العسكري الإجرامي.
فقد اتهمت مندوبةُ أمريكا في الأمم المتحدة الإعلامَ اليمني بالدعاية الماكرة؛ بهَدفِ تجريده من أية حماية قانونية دولية، ممهدة ومشرعنة بذلك لمرحلة القصف المباشر، في محاولات إجرامية يائسة لاقتلاع جذور الإعلام من خلال القصف المباشر، متصورًا أن إزاحة الأجساد ستؤدي إلى إخماد الأفكار.
توج هذا التحريض توصيات مجلس الأمن التي أدانت استخدام المنصات الإعلامية في محاولة لتغييب الصوت اليمني عن الرأي العام العالمي الداعم؛ ما شكّل الذريعة والشرعية الكبرى لاستهداف مبنى صحيفة 26 سبتمبر وسقوط 31 شهيدًا من الصحفيين، آية دامغة على أن العدوّ يرى في حبر الكاتب وكلمة الشاهد تهديدًا وجوديًّا يُضاهي الصواريخ.
وكان هذا الهجوم تتويجًا مأساويًّا لمسار التحريض، ليثبت أن العدوّ لا يتورع عن إزهاق الأرواح لوقف تدفق الحقيقة.
وبعد أن فشل العدوّ الأمريكي وحلفائه في إخراس صوت الحقيقة عبر استهداف المؤسّسات الإعلامية وقتل الصحفيين، ارتدّ بخبث إلى الميدان الرقمي لتنفيذ حصار خانق عبر إغلاق الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، في تكتيك جبان يهدف إلى عزل السردية اليمنية عن فضاء التنافس الإعلامي العالمي.
تُوِّجت حملة أمريكا وحلفائها، التي وفرت لها أغطية قانونية زائفة عبر توصيات دولية جائرة، بمذبحة رقمية طالت آلاف الحسابات والمنصات، وكان إغلاق الحسابات استكمالًا لمشروع نزع الشرعية، ومحاولة دنيئة لعزل السردية اليمنية بعد أن عجز القصف عن بترها.
يمثل هذا الحجب محاولة لاغتيال الوصول والتأثير، وذلك بعد أن أدركوا أن الرسالة اليمنية الخارقة قد أخذت تتمدد وتخترق سدّ التعتيم، ما يفرض على الإعلامي اليمني مواجهة مضاعفة في ميادين لا تتقيد بالجغرافيا.
إن العدوّ، بغروره الأعمى وأجنداته المُتَلَثِّمَةِ بالزيف، قد ارتكب خطيئة استراتيجية لا تُغتفر عندما ظنّ أن قصف البُنى أَو حجب المنابر كفيل باستئصال جذور الحقيقة المتجذرة في هذا الثرى المبارك، يا له من وهم، فالدم المسفوك تحوّل إلى قسم أزليّ، والمنصات المغلقة أصبحت دلالة دامغة على عجزهم المريع أمام منطق السردية اليمنية الباسلة.
إننا في ذروة هذا الصراع، نُدرك أن شرف المهنة يكمن في صيانة الميثاق المقدس للوعي، وفي مواجهة هذا الاستهداف الشرس والمؤامرات الخبيثة، ينهض الواجب المقدس على عاتق كُـلّ إعلامي وناشط يمني ليحمل شعلة اليقين ولواء الصدق.
إنه واجب نبيل وشريف يتطلب عزيمة لا تلين وبصيرة نافذة، وأن يكون الإعلامي سيدًا لموقفه، صادقًا في ولائه، لا يحيد عن مُثُلِ وحدة الوطن واستقلاله الناجز ومجابهة سيل الكذب المائج والتصدي بتحدٍ وعلانية للشائعات الهدامة، باستخدام لغة البيان المفعمة التي لا تقبل التأويل ولا الركون إلى الخمول.
ويجب أن يتجلى شرف المهنة في الاستماتة في التدقيق والتحقيق والتحلي بأمانة الكلمة المقدسة، ليصبح الإعلام اليمني مرجعًا أصيلًا لا يُدحض للصدق، والرد على الشائعات صاعقًا وفوريًّا، بتفنيدها بسرعة البرق والوضوح القاطع، مدعومًا بالأدلة والبراهين الدامغة التي تبطل زيفها وتُحوّلها إلى رماد في أعين مروجيها، والتمسك بالرصانة والتبصّر العميق؛ لأن قوة الحجّـة المحكمة هي السلاح الأشد فتكًا في معركة الرأي العام.
فالإعلام ليس نفيًّا للباطل فحسب، بل هو غرسٌ متواصل لروح الأمل وإذكاء لجذوة الصمود الأبي في النفوس.
ولم يعد الإعلامي مُجَـرّد شاهد، بل هو سيد الموقف، والمُجاهد بالبيان، وقلعة الصمود الشامخة، وخط الدفاع الأول الباسل في حرب الوعي المصيرية.
فلتكن كلمته صوت حق مدوٍّ ومِفتاحًا لليقين وترياقًا للزيف والضلال، ولتثبت الأيّام أن قوة الحقيقة الخالصة هي المنتصرة على شراسة العدوّ الأمريكي والصهيوني وأدواتهم.
التعليقات مغلقة.