تحركات إماراتية خطيرة في حضرموت.. هل يُستنسخ سيناريو الفاشر ويتكرر المشهد في المكلا؟
صنعاء سيتي | تقرير خاص
ما يحدث اليوم في حضرموت ليس تصاعدًا عشوائيًا للتوتر، ولا صراعًا محليًا محدودًا بين فصائل وقبائل. بل هو نتيجة لمخطط طويل الأمد تسعى من خلاله دولة الإمارات إلى بسط نفوذها المباشر على أكبر محافظة يمنية مساحة، وأغناها بالموارد الطبيعية، بهدف تحويلها إلى قاعدة استراتيجية وعسكرية واقتصادية تتجاوز حدود اليمن إلى البحرين العربي والأحمر. ما نراه من اعتقالات واسعة، تحشيدات عسكرية، تهديدات معلنة ضد القبائل، وتهيئة الأرضية السياسية عبر أدوات محلية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، ليس إلا أجزاء من خطة منهجية لإعادة رسم خريطة النفوذ في جنوب اليمن. هذا التقرير التحليلي يركز على إثبات فرضية واضحة: أن كل ما يحدث في حضرموت جزء من مشروع إماراتي يهدف إلى السيطرة الكاملة على المحافظة، ونهب ثرواتها، وبسط الهيمنة على الساحل الجنوبي، على حساب سيادة اليمن واستقلال قراره المحلي.
إن قراءة الأحداث بشكل متسلسل تظهر أن هناك نمطًا منهجيًا في التصعيد: أولًا، خلق حالة من الفوضى الأمنية عبر اعتقالات مستهدفة وحملات إعلامية تهدف إلى تحييد مقاومة السكان المحليين، ثانيًا، استخدام تهديدات مباشرة من قادة مليشيات مدعومة إماراتيًا لتخويف وإرهاب المجتمعات القبلية، وثالثًا، إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة لتحويل التهديد إلى واقع ملموس على الأرض. كل هذه الخطوات تصب في إطار استراتيجي واضح، يفضح الدور الإماراتي في الساحة الحضرميّة.
في الأيام الأخيرة، شهدت المكلا تحركًا واسعًا للمجاميع المسلحة الموالية للإمارات، التي نفذت حملات اعتقال واسعة طالت عددًا من المواطنين. هذه الحملة لم تكن عسكرية فحسب، بل ترافقت مع حملة إعلامية تحريضية صريحة ضد أبناء حضرموت، محاولين تصويرهم كمعرقلين لأي جهود أمنية خارجية.
في هذا السياق، برز أبو علي الحضرمي كواجهة مباشرة للتحشيد العسكري والإرهاب النفسي. القائد العسكري الذي أنشأته الإمارات بقيادة ما يسمى بـ”قوات الدعم الأمني”، لم يكتف بتوجيه تهديدات للقبائل فحسب، بل استخدم خطابًا تحريضيًا وصريحًا، اتهم فيه أبناء حضرموت بقطاع الطرق، بتجارة المخدرات، ووصفهم بصفات مشينة، في محاولة لتجريدهم من شرعيتهم المحلية، وتهيئة الأرضية النفسية والاجتماعية لمشروع الهيمنة الإماراتي.
تكشف قراءة هذه الوقائع أن الإمارات لا تراهن على القوة الميدانية وحدها، بل تعمل بالتوازي على إعادة تشكيل الوعي المحلي بما يخدم مشروعها. فالتصعيد العسكري يترافق دائمًا مع حملات مكثفة لتشويه القيادات الاجتماعية والقبلية، ودفع السكان إلى الشعور بأنهم محاصرون ومعزولون. هذا التلازم بين الضغط النفسي والسلوك العسكري ليس طارئًا، بل جزء ثابت من منهجية النفوذ الإماراتي في الجنوب، حيث تبدأ معركة السيطرة على الأرض عادة بمعركة السيطرة على الرواية والوجدان العام.
وتُعد مليشيا “قوات الدعم الأمني” في حضرموت نسخة محلية من قوات الدعم السريع في السودان، حيث اعتمدت الإمارات نفس الاستراتيجية التي اتبعتها في الخرطوم: استخدام أدوات مسلحة موالية لها لفرض النفوذ بالقوة، مع التركيز على الترهيب، الاعتقالات التعسفية، والمداهمات الليلية للمنازل. مشاهد الفيديو المتداولة في حضرموت توثق هذه الانتهاكات بشكل صارخ، من اقتحام المنازل وهتك حرمات الأسر إلى الاعتداء على النساء والأطفال، بما يعكس نمطًا متكررًا في سلوك أدوات الإمارات في مناطق نفوذها. التحليل يظهر أن الهدف ليس مجرد السيطرة الميدانية، بل خلق حالة من الرعب النفسي والاجتماعي لكسر إرادة السكان المحليين وإضعاف أي مقاومة محتملة، كما حدث في السودان، ما يجعل “قوات الدعم الأمني” أداة رئيسية في تنفيذ المخطط الإماراتي للهيمنة على حضرموت.
رد فعل قبائل حضرموت جاء كاستجابة طبيعية، لكنه يحمل بعدًا تحليليًا مهمًا: قدرة المجتمع المحلي على مواجهة أي مخطط خارجي يهدد أمن واستقرار المحافظة. فقد دعا حلف قبائل حضرموت إلى اجتماع طارئ موسع شمل مشايخ ووجهاء وممثلين عن القبائل المختلفة، لمناقشة التطورات الأمنية الطارئة والتحركات العسكرية القادمة من خارج المحافظة. هذا الاجتماع لم يكن مجرد تجمع شكلي، بل كان بمثابة آلية رقابية وتحليلية لتفكيك أدوات الهيمنة الخارجية، وتحديد نقاط الضعف في الاستراتيجية الإماراتية عبر المجلس الانتقالي.
شهد الاجتماع في منطقة العليب بهضبة حضرموت حضورًا واسعًا، حيث ناقش الحاضرون خطر دخول أعداد كبيرة من القوات القادمة من محافظات أخرى، وانتشارها في مواقع كانت تحت إدارة قوات النخبة الحضرمية. وأكد الشيخ عمرو بن حبريش في كلمته أن أبناء حضرموت لم يعتدوا على أحد، وأن تهديدات اليوم ليست شخصية بل تهدف إلى استهداف الأرض والثروة الحضرمية. هذه الرسالة تحمل بعدًا تحليليًا واضحًا: محاولة استهداف حضرموت كمحور اقتصادي واستراتيجي تقابله مقاومة واعية ومخطط لها من المجتمع المحلي.
التحليل هنا يظهر أن قبائل حضرموت لا تكتفي برد فعل رمزي أو شعارات عامة، بل تتخذ خطوات عملية، منها الدعوة لتشكيل مقاومة حضرمية وتحديد مسؤوليات أفراد قوات النخبة الحضرمية للالتحاق بأهلهم، لضمان عدم استخدامهم كأداة في تنفيذ أهداف الجهات الطامعة. هذه القرارات تعكس فهمًا استراتيجيًا لطبيعة المخاطر، وتهدف إلى تحييد تأثير القوى الخارجية قبل أن تتمكن من فرض السيطرة على الأرض.
من منظور تحليلي، هذه المقاومة هي اختبار فعلي لجدية المخطط الإماراتي، فهي تظهر قدرة القبائل على تحدي التحشيدات العسكرية والسياسية، وتحول أي تحرك خارجي إلى مكلف سياسيًا وعسكريًا. كل خطوة من هذا الاجتماع تشير إلى أن أي مشروع للهيمنة يحتاج إلى تجاوز مقاومة محلية واعية ومدروسة، مما يعكس أن فرض السيطرة على حضرموت لن يكون سلسًا كما تخطط أبوظبي عبر أدواتها المحلية.
المرحلة الحالية توضح أن المواجهة في حضرموت ليست مجرد نزاع عابر، بل ميدان اختبار لقدرة المجتمع المحلي على مقاومة الهيمنة الخارجية، وتحليل نقاط القوة والضعف في أدوات الإمارات على الأرض، وهو ما يعزز فرضية التقرير أن ما يحدث في حضرموت جزء من مخطط إماراتي ممنهج، يواجه اليوم مقاومة فعلية ومدروسة من السكان المحليين.
ما يحدث في حضرموت اليوم لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد تحرك عسكري معزول أو رد فعل ظرفي، بل هو جزء من مخطط إماراتي متكامل الأركان، يهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية للمحافظة بما يخدم رؤية أبوظبي الإقليمية. حضرموت، بثقلها النفطي ومخزونها من المعادن الثمينة وسواحلها الممتدة على البحر العربي، تمثل نقطة محورية لأي قوة تبحث عن نفوذ مستدام في المحيط الهندي والقرن الأفريقي، ويظهر هذا بوضوح في التركيز الإماراتي على السيطرة على الموانئ والجزر الاستراتيجية، وتأمين المواقع البحرية الحيوية.
التحشيدات العسكرية التي دفعتها الإمارات عبر مرتزقتها فيما يسمى بـ”المجلس الانتقالي” لم تكن مجرد رد على مقاومة محلية، بل خطوة متعمدة لإعادة هيكلة المشهد السياسي والاجتماعي في حضرموت. المجلس الانتقالي، باعتباره الذراع السياسي والعسكري لأبوظبي، يُوظف لتغيير التوازن الديموغرافي والسياسي في المحافظة، من خلال إدخال مليشيات وفصائل مسلحة، من خارج حضرموت، وتثبيت وجود بشري جديد في مناطق حساسة، ما يهيئ لاحقًا الظروف لإعلان كيان سياسي يمكن التحكم به عن بعد. بهذا الأسلوب، لا يُستهدف فقط فرض النفوذ العسكري، بل إعادة هندسة السلطة المحلية بما يخدم الأهداف الإماراتية.
حضرموت، بحكم موقعها الجيوسياسي، تمثل بوابة طبيعية للمحيط الهندي، وممرًا حيويًا لخطوط الملاحة الدولية. السيطرة على ميناء الضبة، والجزر القريبة من الساحل، والمواقع البحرية العميقة، ليست مجرد خطوات تكتيكية، بل أهداف استراتيجية مدروسة بعناية لتعزيز النفوذ الإماراتي في المنطقة، وربطها بمشاريعها الاقتصادية والعسكرية في الجنوب واليمن ككل. هذا المخطط يعكس فهمًا دقيقًا لدور حضرموت في تأمين المصالح الاقتصادية لأبوظبي، بما يشمل النفوذ على التجارة الدولية وخطوط الطاقة.
على الجانب الأمني، لا تعتمد الإمارات على قواتها المباشرة فقط، بل بنت هيكلًا أمنيًا عبر مليشيات محلية مرتبطة بها بالكامل، مثل قوات النخبة الحضرمية وقوات الدعم الأمني، المصممة على غرار قوات الدعم السريع في السودان. هذه التشكيلات ليست مجرد وحدات أمنية محلية، بل أذرع إماراتية لضمان ولاء طويل الأمد، وإنتاج واقع أمني جديد يتيح لأبوظبي إدارة المحافظة دون الحاجة لتواجد عسكري مرئي. استخدام هذه المليشيات يعكس استراتيجية مزدوجة: فرض السيطرة العسكرية المباشرة، والتحكم بالواقع السياسي والاجتماعي عبر أدوات محلية موالية.
الوقائع على الأرض تكشف عن مشروع إماراتي طويل الأمد، يستهدف حضرموت ككنز اقتصادي وموقع استراتيجي، ويعتمد على أدوات محلية موالية، عسكرة المشهد، إعادة هيكلة البنية القبلية والسياسية، والسيطرة على الموانئ والسواحل، بما يعيد تشكيل مستقبل المحافظة بما يخدم أهداف أبوظبي الجيوسياسية.
تؤكد الأحداث في حضرموت أن المخطط الإماراتي ليس مجرد تحرك عسكري أو تدخل سياسي عابر، بل مشروع استراتيجي متكامل يهدف إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية والمواقع الجغرافية الحيوية، وإعادة هيكلة السلطة المحلية بما يخدم أهداف أبوظبي في الجنوب واليمن ككل. التحشيدات العسكرية، المليشيات الموالية، وتغيير التوازن الديموغرافي والسياسي، إلى جانب القمع النفسي والاجتماعي الممنهج، كلها أدوات متكاملة لإحكام السيطرة وفرض الهيمنة على المحافظة.
في المقابل، المقاومة الحضرمية المدروسة، المتمثلة في تحركات القبائل، الاجتماعات التحليلية، وتحديد آليات دفاعية واضحة، تظهر قدرة المجتمع المحلي على تفكيك أدوات الهيمنة ورفع كلفة أي تدخل خارجي. هذا الصدام بين مشروع الهيمنة الإماراتي وإرادة السكان المحليين يعكس حقيقة جوهرية: حضرموت ليست ساحة سهلة للسيطرة، وأن أي مخطط خارجي سيواجه مقاومة واعية ومدروسة، تجعل فرض السيطرة على الأرض مسألة معقدة ومكلفة سياسيًا وعسكريًا.
*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر
التعليقات مغلقة.