تصعيد سعودي متواصل ضد اليمن.. ما خيارات السلام مع المملكة؟

صنعاء سيتي | تحليل | أحمد داود 

 

 

تتحرك المملكة السعودية على كافة الأصعدة في أعمال عدائية واضحة ضد اليمن عسكرياً واستخباراتياً ودبلوماسياً، في تأكيد على عدم رغبتها في المضي نحو تنفيذ استحقاقات السلام وطي صفحة العدوان والحصار المفروض على بلادنا.

ويمكن رصد مجموعة من الشواهد التي تدل على تبني الرياض لهذا النهج، فمنذ توقيع الهدنة عام 2022م، لم تظهر المملكة أي بوادر إيجابية نحو حلحلة الملف الإنساني المتمثل في الإفراج عن الأسرى، والفتح الكامل للمنافذ البرية والبحرية والجوية، إضافة إلى انخراطها الصريح في الإضرار بالأمن الوطني اليمني عن طريق الاشتراك مع المخابرات الصهيونية الأمريكية وتجنيد الجواسيس لصالحهما، ودعم كل الجهود في مجلس الأمن لاستمرار العقوبات على اليمن، والتحشيد الدولي ضد الأحرار في صنعاء.

قبل أيام، أنهت السعودية مناورتها الموسومة بـ”الموج الأحمر 8″ التي أقيمت في مدينة جدة الساحلية، وضمت عدداً من الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، من ضمنها حكومة الخونة، في رسالة موجهة إلى صنعاء، بتحرك هذه الدول تحت مسمى “حماية الممرات المائية”، ولهذا تأتي المناورة بحسب ما يسمى قائد القوات البحرية والدفاع الساحلي في حكومة الخونة عبد الله سالم النخعي لمواجهة ما قال إنه “تصعيد الحوثيين في الممرات البحرية الحيوية”، مع أن كل الدول باتت على قناعة تامة بأن اليمن لا يشكل تهديداً على أمن الملاحة في البحر الأحمر، وأن التصعيد أو الاستهداف خاص بسفن كيان العدو الإسرائيلي أو تلك التي تتجه إلى ميناء أم الرشراش جنوب فلسطين المحتلة.

وتظهر المناورة مدى الترابط الوثيق بين هذه الدول والكيان الصهيوني، فالتحركات العسكرية في هذا الجانب تصب في خدمة العدو، وليس في صالح القضية الفلسطينية، والتي كان من المفترض على هذه الدول المطلة على البحر الأحمر أن تسخر هذا الموقع الاستراتيجي المهم لخدمة القضية الفلسطينية كما فعل اليمن وقواته المسلحة، لا أن تكون رأس حربة في طعن القضية الفلسطينية خدمة للعدو الأمريكي والصهيوني.

هذا أحد المؤشرات التي تدل على عدم وجود نوايا حقيقية للمملكة السعودية للمضي نحو خيار السلام وتنفيذ استحقاقاته، وهي دليل على أنها تتحرك مع دول عربية أخرى لخدمة العدو الإسرائيلي والأمريكي، وتسعى نحو عسكرة البحر الأحمر خدمة لأجندة أمريكية استراتيجية لا تستهدف اليمن فحسب، وإنما الدول المطلة على البحر الأحمر، ودولاً أخرى كالصين وغيرها.

وتأتي هذه التحركات السعودية لتضاف إلى تحركات إماراتية مريبة تسعى إلى التحكم بالملاحة البحرية في البحرين الأحمر والعربي من خلال الاستحداثات العسكرية الإماراتية في جزيرة سقطرى، في تحركات تتماشى مع الأجندة الصهيونية، فالسعودية تشارك دولاً إقليمية ضمن القوة “153” التي تشرف عليها الولايات المتحدة لضمان السيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية على المنطقة، في توسع لا يخدم سوى الكيان الصهيوني.

وتحاول السعودية والإمارات والقوى العربية المتحالفة معها التحرك خدمة لأمريكا وكيان العدو الإسرائيلي، تحت مبررات واهية من أبرزها مواجهة ما يسمونها “التهديدات الحوثية”، وهي مبررات لم تعد تنطلي على أحد، وبات الجميع يدرك خفايا هذا التحرك ومخاطره، فهذا الرئيس الإرتيري -الذي تطل بلاده على البحر الأحمر- يؤكد أن “أي عسكرة للجزر اليمنية تمثل تهديدًا مباشرًا لإريتريا ومصر والصومال، وللأمن البحري الإقليمي برمته”.

انكشاف استخباراتي

وإذا كانت المملكة تتحرك عسكرياً بشكل لافت ضد اليمن، فإن العمل الاستخباراتي ضد صنعاء بات أكثر انكشافاً مع اعترافات شبكة التجسس التابعة للمخابرات الأمريكية الصهيونية السعودية، فقد ظهر الدور السعودي في خدمة العدوين الأمريكي والصهيوني واضحاً، ويكفي أن مقر الاستخبارات لهذه الغرفة المشتركة هو الرياض.

وبالتأكيد، فإن هذه ليست كل الممارسات السعودية ضد اليمن، وإنما ذكرنا بعض الشواهد، والتي يمكن أن نستدل من خلالها على أن السعودية ليس لديها نوايا في الدخول في سلام عادل ومشرف مع اليمن يطوي 10 سنوات من العدوان والحصار، بقدر ما تسعى إلى مراكمة أحقادها تجاه اليمن من خلال المزيد من الأعمال العدائية، فالرياض تريد العودة باليمن إلى وصايتها كـ”حديقة خلفية”، ولذلك لا تريد القبول بأي حل أو تسوية تصب لصالح الشعب اليمني الذي حررته ثورة 21 سبتمبر من الوصاية.

ويمكن القول إن تصاعد القوة لدى القوات المسلحة اليمنية وتحقيق توازن الردع في المعركة العسكرية كان السبب في الجنوح السعودي والإماراتي المؤقت للسلام في اليمن، فقد جاءت هدنة 2022م بعد عمليات نوعية للقوات المسلحة اليمنية استهدفت العمقين السعودي والإماراتي، ولهذا فإن السعودية لجأت إلى الهدنة خشية من توسع العمليات ضدها، لكنها ليست على قناعة بالسلام إطلاقاً.

وتظل الخيارات متنوعة لدى صنعاء في الرد على التصعيد السعودي العدائي المتواصل، ومن أبرزها الدخول في مفاوضات مكثفة لثني جارة السوء عن الاستمرار في عدوانها على اليمن. وتلعب عُمان هنا دوراً بارزاً، لا سيما إذا وُجدت الرغبة السعودية للخروج من مأزق اليمن، وهو خيار مفضل للجميع، لأن استمرار العدوان لا يصب في مصلحة أحد، وتأثيرات الحرب وكلفتها مضاعفة على الجميع.

أما الخيار الثاني لدى صنعاء -وبعد استنفاد كل الفرص السلمية- فإن العودة إلى الحرب ومواجهة التصعيد بالتصعيد ستكون متاحة أمام اليمنيين، وستُفَعّل المعادلة التي أطلقها السيد القائد – يحفظه الله – المطار بالمطار، والميناء بالميناء، لتشمل معادلات أوسع ضمن قاعدة الرد بالمثل.

وتبدو المرحلة المقبلة اختباراً للسعودية، فاستمرار التصعيد للمملكة سيقابل برد من قبل صنعاء، وهنا ستكون الكلفة كبيرة جداً على الرياض التي تطمح ببناء اقتصاد قوي ضمن خطة 2030م التي اتضح أنها ستفشل، ولديها الكثير من المشاريع العملاقة، وهذه لن تكون بمنأى عن الغضب اليماني المتصاعد، والذي إذا انفجر فسيجرف معه السعودية وكل المنطقة كما تنبأ بذلك الراحل محمد حسنين هيكل.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.