نار تحت الرماد.. خطر الجاسوس المتعلِّم على كيان الأُمَّــة

صنعاء سيتي | مقالات | علي هراش

 

قضية الجاسوسية من أعظم القضايا التي تمس كيان الأمم وتقوض أركان المجتمعات، ولكنها تبلغ ذروة الخسة والدناءة حينما يكون صاحبها من أهل العلم والمعرفة، ممن رُزقوا موهبة الفكر والعقل، وأُوتوا حظًا من الثقافة والدراية.. فالجاسوس الذي يكونُ عالِمًا أَو دكتورًا أَو مثقفًا قد ارتكب جُرمًا لا يُقاسُ بجُرم غيره؛ لأنه قد خان أعظمَ الأمانات، أمانة العلم والمعرفة التي ائتمنه عليها المجتمع والبشرية.

إن العالِمَ الحقيقي ليس مُجَـرّد حاملٍ لشهادة، أَو باحث في مختبر، بل هو حارس لأسرار الوجود، وقائد لمسيرة التقدم، ومربٍّ للأجيال.

فهو بمثابة العقل المفكر للأُمَّـة، والروح التي تحَرّك ضميرها.

فإذا ما انحرف هذا العالم، وتحول إلى أدَاة للتجسس، فإنه لا يخون بلده فحسب، بل يخون رسالة الدين والعلم ذاتها، ويخون الإنسانية جمعاء.

ولعل الآية الكريمة تضيء لنا هذا المعنى بأبلغ بيان، حَيثُ يقول الله تعالى: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الأرض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَو تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).

في هذه الآيات العظيمة عبرة بالغة لمن كان له قلب أَو ألقى السمع وهو شهيد.

إنها تصور حال من آتاه الله العلم والمعرفة، فلم يشكر النعمة، بل انسلخ منها كما تنسلخ الحية من جلدها.

لقد كان بإمْكَانه أن يكون منارة هدى، ولكنها اختار طريق الضلال.

كان يمكن للعلم أن يرفع مقامه، لكنه هوى به إلى الحضيض، فاختار الأرض على السماء، والهوى على الهدى.

وشبهه الحق سبحانه بالكلب في لهثه الدائم؛ لأنه صورة للقلق والضياع والعدم.

فالجاسوس العالم يشبه هذا الكلب في تردّده وخوفه وعدم استقراره، لا يهدأ ولا يسكن؛ لأنه خائر من الداخل، مقطوع الصلة بمصدر قوته وكرامته.

إن جريمة الجاسوس العالم أَو المثقف أَو الدكتور أفدح؛ لأنها تمثل خيانة مزدوجة: خيانة الوطن وخيانة العلم.

وهو قد استخدم أدوات المعرفة التي يجب أن تكون وسيلة للبناء؛ فحولها إلى أدَاة هدم.. واستغل مكانته الاجتماعية التي بناها بالعلم، فجعلها جسرًا للتخريب.

وهذا من أعظم الغش والخداع؛ لأنه خداع مبني على ثقة الناس بالعلم وأهله.

وما أقسى أن يكون العالم أَو المثقف أَو الدكتور جاسوسًا! فهو كالطبيب الذي يقتل مرضاه، والمهندس الذي يهدم بيوت قومه، والأب الذي يبيع أبناءه.

إنه انقلاب في القيم، وتحطيم للمقدسات.. وفيه تجرد من كُـلّ القيم الإيمانية والفطرية التي فطر الله الناس عليها.

ولذلك فإن عقوبة الجاسوس في الدنيا والآخرة أشد؛ لأنه جمع بين الجهل المركَّب – جهل بقيمة العلم – والخيانة المزدوجة.

فاللهم احفظ بلادنا من كُـلّ جاسوس خائن، اللهــم ووفق أجهزتنا الأمنية واحفظ قيادتنا من كُـلّ سوء ومكروه.

التعليقات مغلقة.