العدو الإسرائيلي وهو يعيش المجاعة في القيم والأخلاق

صنعاء سيتي | تقرير | وديع العبسي

 

لا تحتاج معرفة الطبيعة الوحشية للعدو الصهيوني الكثير من الجهد لإدراك حقيقته ككيان قائم على تبرير كل الوسائل البشعة لتحقيق أهدافه. كيان “بلا قيم وبلا أخلاق”. هكذا خلصت الكثير من التناولات التحليلية والبحثية في توصيفها للكيان، وخلال إخضاع عملياته العدوانية -لفرض مخططات الإلغاء وسرقة حق الشعب الفلسطيني في أرضه- للمراقبة والتقصي لم تختلف اللجان الدولية والمنظمات الأممية -باستثناء ما كان منها مرتبطًا بجذور صهيونية- على أنه قد قفز على الأعراف الأخلاقية، وظهر متجردًا من أي قيم أو أخلاق أو مبادئ، متجاوزًا بذلك كل العالم.

سلسلة الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني بدعم وإشراف أمريكي بريطاني منذ جرت زراعته في الوسط العربي، تُظهر كيف أنه اعتمد مبدأ التحدي والاستخفاف بالعالم، كما اعتمد تصوير نفسه ككيان فوق طائلة القانون، ومع الحضور الأمريكي السافر في معرض الدفاع عنه بوضعيته تلك، تتجلى النزعة الحيوانية لكليهما، حيث لا ضمير ولا احتكام لأي مرجعية أخلاقية، بما فيها تلك التي ينطلق منها لفرض معتقداته.

تشكيل القيم حسب أهداف العدوان

يتصدر الكيان “الإسرائيلي” اليوم وبلا منازع قائمة الإجرام والعصابات الخارجة عن القانون وعن الفطرة الإنسانية، وهو الذي سوّغ لمقولة “الجيش الأكثر أخلاقية”، بينما كشف اعتماده -في سلوكه العدواني- مبدأ الاستباحة التي يعمل عليها أنه يعيش حالة من الاغتراب عن كل ما هو أخلاقي وكل ما يتوافق عليه كل العالم على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم.

وكانت منظومة القيم بالنسبة للأمريكي و”الإسرائيلي” عبارة عن مفاهيم تخص الآخرين، فهي -من وجهة نظرهما- قيود لا تتيح لهما حرية البطش والعربدة والتمدد في الهيمنة. ويرى بعض الخبراء -وبناءً على منهجية الأمريكان والإسرائيليين في صراعهم مع الآخرين لا سيما العرب والمسلمين- أن الأخلاق لديهم عبارة عن مفهوم متغير وليس ثابتًا، ويُتشكَّل وفقًا لطبيعة المصالح الأمريكية “الإسرائيلية”، وهذا ما يفسر المعايير المزدوجة في تعاطيهما مع الأحداث.

إسراف في سفك الدماء

في العدوان الأخير على غزة والمتواصل منذ أكثر من عامين برزت الوحشية الصهيونية في أوضح تجلياتها، حيث لم يراعِ العدو أي محاذير أو خطوط حمراء لجهة الحقوق الإنسانية أو حتى التزام أخلاق الحرب، الأمر الذي دفع إلى اندلاع الكثير من فعاليات الرفض والإدانة في دول العالم: مسيرات، ومهرجانات، وحتى عمليات انتحار، رفضًا لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة بأساليب متوحشة لم تفرّق بين أحد، نساء، أطفال، مُسنّين، الكل كان هدفًا مشروعًا لآلة القتل الصهيونية وحصاره غير الإنساني.

ليس ذلك وحسب، بل إن تجرد العدو القيمي والأخلاقي قاده إلى منع الغذاء عن الفلسطينيين في خطة ممنهجة لقتل سكان القطاع بالتجويع، أعلن عنها وزير حرب الكيان السابق “غالانت”، وقد تَعَمَّد بالفعل منذ الأيام الأولى للعدوان ضَرْبَ حتى المخزون الغذائي في غزة، وخلال ثلاثة أيام فقط من بداية العدوان قضت عصابة الاحتلال المسلحة -أو ما يعرف باسم “جيش”- على 55% من مخزون دقيق الخبز، وثلاثة أرباع مخزون البيض، وثلث المتوفر من الخضروات، وهذا وفقًا لتوثيق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وإلى ذلك استهدف مزارع الفلسطينيين وهي مصدرهم الاقتصادي الأساس، كما قام برش التربة بالمواد السامة بقصد إبادة فاعليتها أو التسبب في انتشار الأمراض الخطيرة بين الفلسطينيين، كجريمة أمريكا في فيتنام. واستهدف العدو مخزون الزيتون الذي يعتمد عليه الفلسطينيون بشكل كبير في غذائهم، فضلًا عن أشجار الزيتون التي جُرِفَ منها في مدينة غزة وحدها 55 ألف شجرة مثمرة وبعضها مُعَمّرَة، واستهدف الحقول والبساتين، ودمّر قطاع الثروة الحيوانية، فأُبيد قطْعَان الأبقار والأغنام والدواجن التي كانت تُشكّل مكوّنًا جوهريًا في منظومة إنتاج الغذاء في القطاع، والثروة السمكية. حتى نحل العسل لم يسلم من آلة التدمير الإسرائيلية، ومشاريع وخزانات المياه، وهي كلها أمور ترتبط بحياة المجتمع الفلسطيني، واستهدافها لا يعني فقط انتهاكًا للمواثيق الدولية، وإنما أيضًا أن العدو قد أساء لإنسانيته بهذا السقوط والتحلل من الأخلاق. تُقر جمعية “مسلك” العبرية أن “إسرائيل” “دمّرت بصورةٍ منهجية متعمدة، وليست عرضية، قطاعات إنتاج الغذاء في غزة”.

كارثة من الشهر الأول

ونهاية العام 2023، ذكرت شبكة “سي إن إن” بأن “إسرائيل” أسقطت خلال الشهر الأول من الحرب مئات القنابل التي يبلغ وزن الواحدة منها 2000 رطل (900 كيلوغرام)، والقادرة على التسبب في وقوع قتلى وجرحى على بعد أكثر من 1000 قدم (300 متر) من مكان سقوطها، وأن ما يقارب نصف الذخائر “الإسرائيلية” التي أُلقيت على غزة هي قنابل “غبية” غير دقيقة.

يعتبر السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بأن العدو الإسرائيلي “مُنفلِت من كل القيم والضوابط”، ويؤكد أن اليهود “مُسْرِفون في سفك الدماء” ولا يراعون قانونًا دوليًا ولا ميثاقًا للأمم المتحدة، كما يؤكد أن “إسرائيل” وأمريكا لا تُعطيان أي اعتبار لحياة البشر، إذ تعتبرها مُباحة تمامًا إذا ارتبطت بمصلحتهما أو رغبتهما.

وهذه المسألة ليست طارئة أو يمكن اعتبارها ردود فعل، وإنما نزعة أصيلة في الفكر الصهيوني الذي يرى أن إبادة كل العالم أو إخضاعه لإرادته ورغباته مسألة عقائدية لا تقف أمامها أي قواعد. وقد جاء في ما يسمى بـ”سفر يشوع” عن سقوط أريحا على يد بني إسرائيل: “دمِّروا المدينة… واقضوا بحد السيف على كل من فيها من رجال ونساء وأطفال وشيوخ… حتى البقر والغنم والحمير…”، ووفق هذا يتعاملون.

مقابل ذلك كان المجاهدون يقدمون نماذج لجوهر الإسلام الذي وضع الضوابط للحرب فانعكس في سلوكهم بشكل عرّى دناءة العدو، وإلى جانب رعايتهم للأسرى بعكس العدو، كان مجاهدو المقاومة يسمحون لأسرى العدو التواصل مع أهلهم قُبيل الإفراج عنهم، وشَدَّ هذا السلوك الأخلاقي للمقاومة أنظار الكثير في العالم، مُصحّحًا الصورة النمطية التي عمل الأعداء على ترسيخها عنهم كـ”مخربين ومتمردين وقَتَلة”.

مأوى العصابات والمجرمين

لا تحتكم “إسرائيل” لأي مستوى من الالتزام الأخلاقي حتى على مستوى مشاركة المجتمع الدولي مواقفه ضد الأعمال الخارجة عن القانون، وهذا انعكاس طبيعي للتوجه وجُملة المحددات التي تسير عليها، وعلى العكس من ذلك بنت ما تسمى “إسرائيل” علاقات قوية مع أبطال النزعات الإجرامية حول العالم، فكانت -مثلًا- الوحيدةَ التي فتحت أحضانها لمن انتقد العالمُ إجرامَهُ بحق شعبه رئيس الفلبين، رودريغو دوتيرتي، وكانت على هذا النحو منذ “ديفيد بن غوريون” أول رئيس لحكومة الاحتلال، الذي تبنّى بناء العلاقات مع أعتى الأنظمة الدكتاتورية والقمعية، كما حرصت -عن عمد- على اعتبار أي جماعة أو شخصية يُصنّفها الآخرون كجماعة إجرامية ومنتهِكة لحقوق الإنسان، أن في ذلك فرصة لبناء علاقة معها وتوسيع مساحة العلاقات مع مجموعة الأفراد والكيانات المارقة. وقد وصل هذا النهج إلى أن تقيم علاقات سرية مع نظام “الأقلية البيضاء” العنصري في جنوب أفريقيا، وخرق العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عليه.

وبينما كانت الحكومة الرواندية في أفريقيا ترتكب إبادة جماعية ضد شعبها، كانت حكومة إسحاق رابين تُغذيها بالسلاح والخبرات الأمنية وأي مساعدات مطلوبة. وعندما كانت تشعر بأن خناق الإدانة على هذه الممارسات يضيق عليها، كانت ترد بكل ثقة أن أنظمة كأمريكا وألمانيا وفرنسا تقوم أيضًا بالتعاون العسكري مع هذه الأنظمة القمعية والإجرامية، ما يكشف عن مرجعية واحدة هي من تقوم بالدفع في اتجاه بناء تحالف دولي للأنظمة الدكتاتورية، يجمعها افتقارها للقيم والأخلاق والمعايير الإنسانية، وهذه المرجعية هي الإدارة العليا للوبي الصهيوني العالمي. أما لماذا، فلأن هذا التحالف كان مظلة على بعضه في المواقف الدولية الحرجة، على أن كيان الاحتلال كان ولا يزال الأكثر استفادة من هذا النشاط التآمري وغير الأخلاقي، وكثيرًا ما انحازت هذه الأنظمة إلى صف الاحتلال في الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأُخرى عندما يعني الأمر تثبيت الوجود الإسرائيلي في المنطقة ومنع قيام دولة فلسطينية.

الغاصبون في ذروة الوحشية

المنهجية المدروسة للكيان الصهيوني القائمة على استباحة كل شيء مقابل تحقيق المصالح والأهداف انعكست بوضوح على سلوك الغاصبين الصهاينة ضد الفلسطينيين، وقد بلغت ذروة الوحشية في السنوات الأخيرة، فَتشكّلت من هؤلاء الغاصبين العصابات التي تفرّغت للتنكيل بالفلسطينيين في الضفة، فأحرقوا لهم المزارع و”سرقوا” الزيتون والثروة الحيوانية حتى الدجاج، وهدموا البيوت وأحرقوا السيارات، فضلًا عن التقطّعات التي كانت تمنع وتنهب ما بحوزة الفلسطينيين في المعابر والنقاط.

في مقطع فيديو ظهر “كلب” ينهش جسد امرأة فلسطينية، فظهرت تعليقات الغاصبين بشكل كاشف عن وحشيةِ نفسيةِ هذا المجتمع غير الطبيعي، وكيف أن العنف أصبح نمطًا اجتماعيًا صهيونياً، البعض تهكّم والبعض تشَفَّى.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.