ماذا لو عاد الشهداء؟
صنعاء سيتي | مقالات | وفاء الكبسي
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات وتختلط فيه المفاهيم، تبقى دماء الشهداء وحدها الصوت الصادق الذي لا يضلّ ولا يلين، توقظ الوعي حين يغفو، وتذكّر الأمة بعهدٍ بينها وبين الله.
وحين نتساءل: ماذا لو عادوا؟ لا نسأل عن الأجساد، بل عن القيم التي سرت في عروقهم، عن الإيمان الذي كان وقودهم، وعن العهد الذي قطعوه ومضوا عليه بثباتٍ ويقين.
لو عادوا… لأقبلوا على الأمة بوجوهٍ تشعّ نورًا ويقينًا، ولسألونا بلهجةٍ تهزّ القلوب:
أين صدق العهد؟
أين روح الجهاد؟
أين من كانوا يقولون: نمضي على دربكم حتى النصر أو الشهادة؟
لو عادوا، لوجدوا دماءهم تسقي الأرض، لكنهم سيجدون أيضًا من فرّط في الثمرة، من خذل المسيرة، من استبدل جهاد الأمس بترف الدنيا ولهوها.
سيقولون: ما بال بعض القلوب التي كانت تهتف “هيهات منا الذلة” قد سكنها الوهن، ومالت إلى الذين ظلموا؟
لقد مضى الشهداء وهم يحملون راية القرآن، باعوا الدنيا لله، وكتبوا بدمائهم أعظم بيانٍ في تاريخ هذه الأمة،
فبأي وجهٍ نلقاهم ونحن نرى بعضنا يساوم على المبادئ التي من أجلها ارتقوا؟
بأي عذرٍ نُبرّر الغفلة، والتقصير، والسكوت عن الباطل؟
يا من نسيتم الشهداء…
أما علمتم أن الوفاء لهم ليس بالبكاء على صورهم، بل بالسير على خطاهم؟
أن دماءهم لم تُكتب لتُنسى، بل لتكون حبرًا لنهضة الأمة؟
أما علمتم أن كل قطرةٍ منهم كانت وصيةً للأحرار أن يواصلوا الطريق، وألا يحنوا رؤوسهم إلا لله؟
إن الشهداء لم يضحّوا لتعيشوا في الغفلة، ولم يُراق دمهم ليُفرّط في أوامر الله، ولم يصبروا على الجراح لتغرقوا في الترف والجدال العقيم.
إنهم بذلوا أنفسهم لتكون الأمة حُرّة، عزيزة، ثابتة على نهج الله.
فأين أنتم من وصاياهم؟
أين أنتم من صرختهم التي كانت تحذّر من الطغاة والمنافقين؟
لو عادوا، لعاتبونا عتاب الأنبياء لأقوامهم، وقالوا:
“أأذهبتكم الدنيا بعدنا؟ أضعف الإيمان فيكم؟ أين من كانوا يقولون لن نكلّ ولن نملّ حتى يتحقق وعد الله؟”
إنهم لا يريدون بكاءً على صورهم، بل وفاءً لدمائهم، وصدقًا في العمل، وثباتًا في الموقف.
يريدون أمة تعي أن النصر لا يُمنح للمُتخاذلين، وأن وعد الله لا يتحقق إلا بالصادقين.
فيا من بقيتم بعدهم، تذكّروا:
الشهداء لا يعودون بأجسادهم، لكنّهم يعودون كلما صدق مؤمنٌ في جهاده، وكلما انتصر الحقّ على الباطل، وكلما وُفي العهد الذي عاهدوا الله عليه.
فلو عادوا الشهداء اليوم، لابتسموا لمن صدق، ولأداروا وجوههم حزنًا حين يرون الغفلة والتهاون، وسيقولون:
“لقد أدّينا الذي علينا، وبقي أن تؤدوا أنتم ما عليكم.”
عودتهم الحقيقية أن نحيا بما استشهدوا لأجله، أن تبقى راية الحق مرفوعة، وصوت القرآن هادرًا، وروح الجهاد متقدة في الأمة إلى أن يتحقق وعد الله بالنصر المبين، ونكون كما أحبّوا أن نكون:
أمةً لا تهون، لا تركع، لا تنسى دماء الشهداء.
التعليقات مغلقة.