صنعاء سيتي | تقرير  

 

تأتي الذكرى السنوية للشهيد لهذا العام 1447هـ ــ والتي هي من أهم المناسبات بدلالتها وبـمضمونها وبما يتعلق بها وبما تحتاج الأمة إليه، سيما ونحن في مرحلة مفصلية مهمة وحساسة على المنطقة، نتيجة العربدة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وغربيا، والهادفة للهيمنة على الأمة دونما أي موقف أو ردة فعل. لذلك يقول السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله في كلمته بـمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1439هـ: [نـحن في أمس الـحاجة -في ظل أوضاع ومواجهة تـحديات كهذه- إلى هذه الذكرى المعطاءة بالدروس، والـمهمة، التي نتزود منها قوة العزم والإرادة الفولاذية، وقوة الـتحمل والاستعداد العالي للتضحية في مواجهة هذه التحديات مهما كان مستوى التضحيات].

ويقول السيد القائد في الذكرى السنوية للشهيد 1440هـ: [عندما نأتي لنستذكر الشهداء، نستفيد من هذه الـمناسبة كمحطة غنية بالدروس والعبر، ومحطة نتزود منها قوة العزم والإرادة، ونستشعر فيها قداسة الـمسؤولية، ونستشعر فيها مسؤوليتنا ونـحن نسير في هذا الطريق، الذي قدمنا فيه هذه التضحيات، والذي قدم فيه أخيارنا وصفوتنا وأعزاؤنا وأحباؤنا أرواحهم وحياتهم، وأغلى ما يـمتلكونه في سبيل الله –سبحانه وتعالى- ودفاعاً عن الأرض، والعرض، والشعب، والحرية، والاستقلال، الكرامة، وللحيلولة دون أن يـتمكن الأعداء -من قوى الشر والطاغوت والاستكبار- من الوصول إلى أهدافهم بالسيطرة علينا].

ويقول السيد (يـحفظه الله) في كلمته بـمناسبة الذكرى السنوية للشهيد عام 1441هـ:[خلال كل الـمراحل الـماضية في كل عامٍ منها كانت تأتي هذه الذكرى وقد أتت الكثير من التطورات في الأحداث، ومن الـمتغيرات في الواقع، ومنذ أول فعاليةٍ أقمناها –آنذاك- في شِعْبٍ من شِعاب مَطْرَة، في منطقة صغيرة مـحاصرة، وفي مرحلة كُنّا نعيش فيها واقع الـمظلومية إلى حدٍ كبير، مع التضحية في سبيل الله –سبحانه وتعالى- وإلى اليوم. في كل مـحطةٍ سنوية كانت الـمتغيرات والأحداث تكْبُر، والتطورات تكْبُر، لكن الـمتغيرات فيها كانت تأتي دائـماً في مسارٍ تصاعديٍ لصالـح عباد الله المستضعفين والـمظلومين، سواءً عندنا في الداخل اليمني، أو في بقية الـمنطقة، كما في فلسطين، كما في لبنان، كما في العراق… كما في مناطق أخرى، هذا يُقدّم -بـحد ذاته- شاهداً واضحاً على قيمة الشهادة، وأثر الشهادة، وعطاء الشهادة، وما يكتبه الله لعباده الـمستضعفين في جهادهـم، وفي صبرهم، وفي تضحياتـهم، في عطائـهم، في صمودهم، في توكلهم عليه، في ثقتهم به، في تـمسكهم بالـموقف الـحق. وأصبحت هذه الـمحطة السنوية مـحطةً مـهمة لاستلهام الدروس والعبر، وللتزود منها طاقةً معنويةً تـتـمثل بقوة الإرادة للتصميم والعزم بالثبات في هذا الطريق].

 أهداف إحياء الذكرى السنوية للشهيد

هناك أهداف متعددة من وراء إحياء هذه الذكرى، أهمها -وفي مقدمتها- التعظيم والتبجيل والتقديس لأسـمى عطاء وأشرف تضحية، وهو عطاء وتضحية الشهداء بأنفسهم في سبيل الله والـمستضعفين من عباد الله، فهو عطاء عظيم وتضحية عظيمة، جديرة بالتقديس والتبجيل والتعظيم، وجديرة بالاحتفاء بها والإشادة بها، والافتخار بـها.

فشهداؤنا هم تاج رؤوسنا، وهم فخر أمتنا، وهم عنوان عزتنا وصمودنا وكرامتنا كما قال السيد (يحفظه الله). يُضاف إلى ذلك -كما سبق- استلهام معاني العزة، وكل ما يساعد على الصمود والثبات في مواجهة التحديات والطغاة والظالمين والمستكبرين، وأيضاً فيها دروس كثيرة مثل لَفْت النظر إلى أُسرِ الشُهداء، ومسؤولية الأمّة تـجاههم، وغير ذلك من الفوائد الكثيرة لإحياءِ هذه الذكرى.

الشهادة : أول عناوينِها الصدقُ مع الله

المؤمنون، عندما يتحركون في سبيل الله، أول عنوان لـتحركهم هو الصدق مع الله ﴿ مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب آية: (23)]، وتـحركهم وراءه الكثير من القيم الإيمانية ومكارم الأخلاق، فـهم رجال عطاء، ورجال مواقف، وشجاعة، وعزة، وثبات، وصدق مع الله، واستعداد عالٍ للبذل والتضحية والإيثار، وحاضرون للشهادة في سبيل الله بكل حب وشوق ورغبة وقناعة، وبنفوس زاكية وقلوب طاهرة وتسليم مطلق لله سبحانه وتعالى.

وحينما يتحركون بـهذه الروحية يكونون في مستوى المسؤولية، فهم ثابتون على مبادئهم، لا يتغيرون أبداً ولا يغيرون ولا يبدلون ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ فاختارهم الله ومنحهم هذا الوسام العظيم ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ علاوة على وسام الشرف ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ يعني فحظوا بلقاء الله شهداء في سبيله كما قال سبحانه ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ فنالوا ذلك الوسام العظيم، وصاروا أحياء سعداء عند ربهم يرزقون ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران آية: (169)]. وأصبحوا في صُحْبةِ من سبقهم من الشهداء، وبرفقة (النبيين والصديقين)، ومشاعرهم تفيض بالفرح والسرور لـما صاروا فيه من النعيم والتكريم ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ ومستبشرين بالذين لـم يلحقوا بـهم من إخوانهم ورفاق درب مسيرتهم ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران آية: (170)]، ولديهم مشاعر الحرص على نـجاة قومهم في تـمنياتـهم لـهم بالتوفيق لـما حظوا به هم من الكرامة العظيمة، كما حكى الله سبحانه وتعالى في مشهد آخر من مشاهد التكريم ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس آية: (26)].

ونـجد هذه النوعية من الرجال الأوفياء الصادقين في عصرنا هم صفوة رجالنا في هذه المسيرة القرآنية، وأولـهم مؤسس هذه المسيرة المباركة الشهيد القائد/السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، والذين لولا تضحياتهم لكنا نعيش حالة الهوان والاستعباد والذلة واستحكام قبضة الشريرين من أعداء الدين المتعدين، والذين وصف الله سبحانه وتعالى نزعتهم العدوانية والإجرامية في القرآن الكريم بقوله ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة آية: (10)]. معتدون يعيشون النزعة العدوانية.

فتلك النوعية من رجالنا الصادقين الذين اختاروا طريق التضحية والشهادة هم ذخرنا وعزنا ورهاننا بعد الله، وسلاحنا القوي في مواجهة الأعداء الشريرين، ودفع شرهم، وهم وحدهم المؤمنون الصادقون دون سواهم. فليس كل من ادعى الإيمان صادق في دعواه؛ لأن دعوى الإيمان تـحتاج إلى دليل، وأعظم دلالات الإيمان هو الجهاد والتضحية والاستشهاد في سبيل الله.

مكاسب الشهادة في سبيل الله

الشهادة في سبيل الله أمنية المؤمنين الواعين، شأنهم شأن رجل الجهاد الأول الرسول الأعظم محمـد (صلوات الله عليه وآله)، الذي قال: ((وَدَدتُ أَني قُتِلتُ فِي سَبيلِ اللهِ ثُـم عُدتُّ ثُم قُتِلتُ ثُـم عُدتُّ ألفَ مَرة))، كان يود أن لو استشهد ألف مرة؛ لأن الشهادة هي:

أولاً:- استثمار لـحياة حقيقية وسعادة أبدية عند الله كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران آية: (169)]، وكما قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة آية: (154)].

ثانياً: الشهادة في سبيل الله إلى جانب أنها استثمار لحياة طيبة عند الله، هي بالتالي -بالنسبة للشهيد نفسه- نصر شخصي عاجل، وعطاء -كما قال السيد (يحفظه الله)- يقابله الله بعطاء، وعطاء الله لا حدود له أبداً، إن على المستوى المعنوي من فرح وسرور وراحة نفسية وطمأنينة وسكنية، وإن على مستوى النعم المادية.

ثالثاً: الشهادة في سبيل الله ضمانة حقيقية من عذاب الله، فالشهيد قد أمن عذاب جهنم، واطمأن من هذه الناحية، وصار في أمان الله، لا يخاف دركاً ولا هضماً ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة آية: (38)].

رابعاً: الشهادة في سبيل الله فوز بجنة الله التي عرضها السماوات والأرض، وموضع شبرٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وغيرها من الأوصاف التي امتلأت بها صفحات القرآن الكريم، وما وصفها بها الرسول الأعظم (صلوات الله عليه وآله).

خامساً: الشهادة في سبيل الله هبة واصطفاء لأهل الفضل والكرامة من أولياء الله، ولها قداستها وامتيازها، وهي وسام تكريم من الله لا يمنحه إلا لمن ينال هذه الرتبة العالية، وهي الشهادة في سبيله كما قال سبحانه: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران آية: (140)].

سادساً: الشهيد في سبيل الله ينال بشهادته رضوان الله سبحانه وتعالى، والذي هو أعظم غايات المؤمنين، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة آية: (72)]، قال السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي(رضوان الله عليه) وهو يتحدث عن مكانة الشهداء في كلمته بمناسبة ذكرى الشهيد عام 1434هـ: [هُم أحبّاءُ الله وأولياءُ الله الذينَ رَضيَ اللهُ عَنهُم وَأَرضَاهُم وَمنحهم هذا الشرف الكبير الذي هو وسامٌ عظيمٌ لأولياء الله سبحانه وتعالى].

سابعاً: من مكاسب الشهادة في سبيل الله أنها تكون سبباً للنصر، وقوةً وعزةً وتمكيناً للمستضعفين كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)﴾ [الأنفال آية: (26)].

ثامناً: بركة الشهداء كسرت حاجز الخوف لدى الأمة المستضعفة، وحررتهم من الذلة والمسكنة، بل ونقلتهم إلى أن يتسابقوا إلى ميادين الجهاد والاستشهاد في سبيل الله بكل شغف وشوف وحب للقاء الله، وفي نفس الوقت لمواجهة الـمجرمين من أعداء الله، والتنكيل بهم بهذه الروحية الجهادية ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)﴾ [البقرة آية: (190)]، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة آية: (193)]، ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(57)﴾ [الأنفال آية: (57)]. وأصبح الكثير من مجاهدينا يستقبلون الشهادة بتلك المقولة الخالدة للإمام عليه (عليه السلام) لحظة استشهاده [فِزْتُ وَرَبِّ الكعبة].

تاسعا: الشهادة في سبيل الله هي استثمارٌ للرحيل المحتوم في واقع البشر: في كل يوم هناك الكثير من البشر يرحلون من هذه الحياة، فمنهم من يلقى حادثاً يسبب وفاته، والحوادث كثيرة، لو لم يكن منها إلَّا حوادث السير، والتي محصلتها في كل العالم بشكل يومي بالآلاف، بالآلاف يرحلون من هذه الدنيا، وهناك الكثير من الناس [إن لم يمت بالسيف مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد].

فإذاً الشهادة هي البديل عن كل ذلك، هي استثمار عظيم فتحه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لعباده المؤمنين، والرحيل من هذه الحياة هو محتوم، لكن عندما يكون الرحيل بشهادة في سبيل الله فهو أرقى وأسمى رحيل من هذه الحياة، وباستثمار عظيم لهذا الرحيل المحتوم، هكذا يجب أن تكون نظرتنا للشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.