في غمرة التصريحات المتوالية التي تنضحُ بمرارة الهزيمة وعجز القوة، أطلّ مجرمُ الحرب ومرتكِب الإبادة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء العدوّ كيان الاحتلال الصهيوني، ووزير حربه يسرائيل كاتس، ليكشفا عن هاجسٍ كامنٍ قد تحوّل إلى حقيقةٍ موجعة في وجدان القيادة الصهيونية: جبهة اليمن تشكّل تهديدًا كَبيرًا جِـدًّا لكيانهم المصطنع.

في البداية، بدا تهديد جبهة الإسناد في اليمن هامشيًّا في عين المحتلّ، كأنه مُجَـرّد قذائف متفرقة تنطلق من بعدٍ سحيق.

لكن سَرعانَ ما تبدّد هذا الوَهْم، ليحلَّ محلَّه إدراكٌ مرير: أن هذا التهديد ليس تكتيكيًّا فحسب، بل وجوديٌّ بامتيَاز، يضرب العمق الاستراتيجي للكيان ويهدّد ممرّاته البحرية الحيوية.

وما ضاعف من وطأة القلق في دهاليز القرار الصهيوني هو التطوّر النوعي والفارق في القدرات العسكرية اليمنية.

فاليمنيون لم يعودوا يعتمدون على استيراد السلاح، بل صاروا يمتلكون اكتفاء ذاتيًّا في التصنيع الحربي.

إنجازٌ يُعدّ ثورةً تكنولوجيةً حقيقية في خضمِّ عدوانٍ مُستمرّ وحصارٍ خانق منذ أكثر من عقد.

اليوم، يمتلك الشعب اليمني وقواته المسلحة قدرةً راسخةً على تصنيع صواريخ باليستية وفرط صوتية، إلى جانب ترسانةٍ متنامية من الأسلحة التي تُصنع بأيادٍ وطنية خالصة.

وهذه القوة الصاروخية -بسرعتها الفائقة ودقتها المتناهية، وخُصُوصًا الصواريخ الفرط صوتية القادرة على تجاوز منظومات الدفاع المعقدة- هي ما دفع القيادات الصهيونية إلى الإقرار صراحةً بالخطر الداهم، والتخوّف من فتك أسلحةٍ تُضاهي أحدث التقنيات العسكرية العالمية.

لكن مصدر القلق الحقيقي للعدو ليس الصواريخ وحدها، بل العقيدة القتالية الثابتة التي تحكم هذه الجبهة.

فقد أكّـدت جبهة اليمن، ممثلةً في أنصار الله والشعب اليمني، التزامها المطلق بالقضاء على “إسرائيل”.

وهذا الالتزام ليس شعارًا بلاغيًّا أَو تنظيرًا أيديولوجيًّا، بل هدفٌ استراتيجيٌّ تترجمه عملياتٌ عسكريةٌ مُستمرّةٌ ومتصاعدة.

وفي السياق نفسه، تتفاقم المخاوف الصهيونية من أن يتطوّر هذا الالتزام ليصبح مشاركةً أوسع وأكثر تأثيرا في معركة التحرير الشاملة.

فالقوات المسلحة اليمنية باتت اليوم تمثّل مصدر تهديدٍ استراتيجيٍّ مباشرٍ للكيان، وهو ما دفع مجرمي الحرب إلى التهديد العلني بـ”فعل كُـلّ ما يلزم ما زالته”.

لكن هذه التهديدات الجوفاء لا تزيد اليمنيين إلا صلابةً وعزيمةً.

فالإقرار الصهيوني بخطورة الجبهة اليمنية هو، في جوهره، اعتراف صريحٌ بقوة إرادَة الشعب اليمني، الذي اختار أن يكون طرفًا فاعلًا في “طوفان الأقصى”، ملتزمًا بنصرة القضية المركزية للأُمَّـة.

وقد أثبت أن حدود المعركة مع العدوّ لم تعد جغرافيةً، بل امتدّت لتشمل كُـلّ من يمتلك القدرة على الوصول والنصرة.

الحقيقة ناصعةٌ كالشمس في كبد السماء:

الهاجس اليمني القاتل لم يعد أضغاث أحلام تراود قادة الكيان الغاصب، بل هو قدرٌ محتوم يتجسّد في ترسانةٍ عسكريةٍ متفوّقة، وعقيدةٍ قتاليةٍ لا تلين.

وإن هذا الاعتراف الصهيوني الصريح، وتهديدهم الأجوف بـ”فعل كُـلّ ما يلزم”، ليس إلا دليلًا دامغًا على إفلاسهم الاستراتيجي، وإدراكٍ متأخّرٍ لعمق التحوّل الجيوسياسي الذي أفرزته أيادٍ يمنيةٌ وطنيةٌ في قلب الحصار.

الكيان يتجرّع المحتلّ مرارة اليقين:

اليمن، الذي ظنوّه جغرافيا معزولة، قد تحوّل إلى نقطة ارتكاز محورية في ميزان الصراع الإقليمي، وبات يمتلك ناصية الردع السيادي بفضل صواريخه الباليستية والفرط صوتية التي تمخر عباب الأجواء، لتكسر حاجز الوهم الزائف حول “القبة الحديدية”.

وأمام هذا المشهد المتصاعد، لا يبقى لقيادة تل أبيب إلا أن تتأمل في عمق المعنى الكامن وراء كُـلّ صاروخ يُطلَق:

إنه ليس مُجَـرّد مادةٍ متفجّرة، بل هو صوت الضمير العربي الحي الذي أبى أن يظل في سبات، وتجليٌ للإرادَة الوطنية التي آلت على نفسها أن تكون طليعة الأُمَّــة في مواجهة البغي.

فلتدرك تل أبيب جيدًا:

اليمنيون قد حسموا خيارَهم: إما النصر المبين، أَو وقوفٌ مشرفٌ يخلّده التاريخ.

ولن تزيدهم التهديدات الفارغة إلا تأصيلًا لصلابتهم، واندفاعًا نحو ثأرهم المقدس.

فالجمر تحت الرماد قد اشتعل، ولا عودة عن طريق القدس.