وعد بلفور المشؤوم.. من بداية الكارثة إلى فجر النهاية
صنعاء سيتي | مقالات | نبيل الجمل
في 2 نوفمبر 1917، وقّع وزيرُ الخارجية الاحتلال البريطاني آرثر بلفور رسالةًً لا تتجاوزُ سطورَها الثلاثة، لكنها حملت في طيّاتها زلزالًا تاريخيًّا لم يزل يُهَزّ وطنًا بأكمله.
تلك الرسالة، التي أرسلت إلى اللورد روتشيلد، لم تكن مُجَـرّد تعهُّدٍ دبلوماسي، بل كانت شهادةَ ميلادٍ مغلوطة لمشروعٍ استعماريٍّ قائمٍ على الظلم والاغتصاب، تحت شعار “وطن قومي لليهود في فلسطين”.
وعدٌ «من لا يملك لمن لا يستحق»، كما وصفه التاريخ بصدقٍ ووجع.
هذا الوعد لم يُنشئ فقط كيانًا على أنقاض شعبٍ أصيل، بل زرع ما يشبه “الغُدّة السرطانية” في جسد الأُمَّــة العربية والإسلامية.
فقد وفّر الغطاءَ السياسي والقانوني – رغم زيفه – لتنظيم الهجرة اليهودية، وتمليك الأراضي الفلسطينية تحت حماية السيف البريطاني، وتمهيد الطريق لتهجير أهل الأرض من ديارهم، ليس بالقوة وحدها، بل بالتخطيط المنهجي والدعم الدولي.
والغريب المُفجع أن الحركة الصهيونية استغلّت مأساة اليهود في أُورُوبا – وهي مأساةٌ إنسانية لا خلاف عليها – لتحويل “اللاجئ” إلى “مستعمر إحلالي”، لا يبحث عن مأوى، بل عن كيان عنصري توسعي يُبنى على حساب شعبٍ آخر.
ومنذ ذلك الحين، لم يكن الهدف فلسطين وحدها، بل تنفيذ مخطّط “إسرائيل الكبرى” من الفرات إلى النيل، عبر تفتيت الدول، وتفكيك الأُمَّــة، والهيمنة على مواردها.
لكن التاريخ لا يسير بخطٍّ واحد.
فكما أن وعد بلفور كان بداية الكارثة، فَــإنَّ صمود الأحرار اليوم يشكّل بوضوحٍ بداية النهاية لهذا المشروع الاستعماري.
فالمقاومة لم تعد تكتيكًا عسكريًّا فحسب، بل رؤيةً وجوديةً قائمة على الإيمان والكرامة.
ومحور المقاومة، بقيادة صفوة آل بيت النبي محمد ﷺ، لم يرفع شعار التحرير كمطلبٍ سياسيٍّ عابر، بل كتجسيدٍ للوعد الإلهي: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171–173].
هذه القيادة الواعية، العقائدية، غير المرتهنة، حوّلت المقاومة من ردّ فعلٍ إلى مبادرة استراتيجية، تُعيد تعريف موازين القوى في المنطقة.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد اعتمد يومًا على “عقيدة الردع” ليفرض الهيمنة عبر التفوّق الجوي والتكنولوجي، فَــإنَّ تطوّر قدرات المقاومة – من اليمن إلى فلسطين إلى لبنان – قد كسر هذه العقيدة، وأدخل العدوّ في حالة “خوف وجودي” لم يسبق لها مثيل.
فاليماني لا يقاتل فقط دفاعًا عن ترابه، بل دفاعًا عن الأُمَّــة كلها.
والمقاوم الفلسطيني لا يصمد في مواجهة الاحتلال فحسب، بل يحمي بُوصلة القدس من الضياع.
إن وعد بلفور وعدٌ بشريٌّ زائل، كُتِب على ورقٍ هشّ، بينما وعد الله الحق ثابتٌ في كتابٍ لا يأتيه الباطل.
وبعد أكثر من مئة عامٍ من التآمر والغدر، يعود التاريخ ليُذكّر:
كلُّ مشروعٍ بُني على الغدر والظلم، مآله الانهيار.
وكلُّ إرادَة بُنيت على الإيمان والكرامة، مصيرها النصر.
فليُعدِّ المُجرمون حسابهم جيِّدًا.
فالشعب الذي صنع من الصمود فلسفةَ حياة، لا ينكسر.
واليد التي تزرع الخيانة، لن تحصد سوى الزوال.
			
											
التعليقات مغلقة.